أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7825 - 2023 / 12 / 14 - 00:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"أصل العمل الفني" (Der Ursprung des Kunstwerkes) هو عنوان محاضرة قدمها مارتن هيدجر، لأول مرة في فرايبورغ خلال نوفمبر 1935، تمت ترجمتها في طبعة ثنائية اللغة، غير تجارية، بواسطة إيمانويل مارتينو، جرت مراجعتها في يناير 1936، بجامعة زيوريخ. يتناسب النص النهائي المنشور في "دروب لا تفضي إلى أي مكان" مع نص ثلاث محاضرات مختلفة ألقيت في 17 و24 نوفمبر و4 ديسمبر 1936 يجامعة فرانكفورت، وترجمه فولفغانغ بروكماير.
هانز جورج غادمير الذي حضر إحداها كشف كيف أحدثت هذه المحاضرة ضجة كبيرة بسبب "المفهومية المذهلة والمدهشة التي تجرأت على التحويم حول هذا الموضوع"، حيث طرح السؤال عن " العالم " وعن "الأرض" في المقابل. كلمات تردد صدى "نبرة أسطورية غنوصية"، من السماء والأرض وأيضا من الصراع بين الاثنين. يصر كريستيان دوبوا بدوره على الخاصية غير المتوقعة والهامة لهذا التحول: لا يوجد شيء في عمله الرئيسي "الوجود والزمن" يشير إلى أن العمل الفني يمكن أن يكون بمثابة موضوع موصل لمسألة معنى الوجود.
ويشير هادريان فرانس-لانورد إلى أن هذا النص الذي يصفه بالمبهر "يجب ألا ينفصل عن العمل الجبار الذي قام به هيدجر" خطوة خطوة في حوار مع النصوص الميتافيزيقية العظيمة".
- الفن في جوهره أصل
يعلن هيدجر منذ بداية محاضرته أن "الأصل يعني ها هنا مم وأين كان الشيء، وكيف كان [...] أصل الشيء هو مصدر جوهره”. لكن ما تمت مناقشته في هذه المحاضرة ليس أصل الفن ومصدره، بل حقيقة أن "الفن نفسه في جوهره هو أصل". مصدر ماذا؟ مصدر "شعب تاريخي".
كما توضح فرانسواز داستور، يعتقد هيدجر أن الفن ليس تمثيلا للطبيعة، ولا إنتاجا، بل حدثا أنطولوجيا. بالنسبة إليه، الفن سابق على الطبيعة، هو الذي يمنح للكائنات الطبيعية مرئيتها". "كل شيء هنا معكوس: إنه المعبد في زيه، الذي يعطي لأول مرة للأشياء الوجه الذي بفضله ستصبح مرئية في المستقبل وستبقى كذلك لبعض الوقت”. "
- مسألة الفن هي مسألة تاريخية
لا يتعلق الأمر ب"تاريخ الفن"، بل بالنظر إلى "القوة التاريخية للفن نفسه، وقبل كل شيء، للشعر، بالمعنى الذي يؤسس به الفن التاريخ، يفتح عالما، وبالتالي يحقق مستقبل الحقيقة نفسها".
"في ذهن هايدجر، بعض الأعمال لكونها تفتح المستقبل، وتشكل كيان شعب محتمل (في هذه الحالة الشعب الألماني)، يجب أن تكون معروفة و محتفظ بها "، يكتب كريستيان دوبوا الذي لاحظ في هذا الصدد انتشار مصطلح "Volk” (الشعب) في المحاضرة الأولى.
"الفن هو في الأساس تاريخي". لا يوجد شيء أبدي أو عرضي في هذا الأمر. هو ليس بهذا المعنى محاكاة لطبيعة محكوم عليها بأن تكون مجرد جوهر شكلي “لازمني" [...] لا يتعلق الأمر عند هيدجر بإعادة إنتاج جوهر عام زائف للأشياء"، يكتب مارك فرومين-موريس.
إن طرح سؤال "كينونة العمل" لا يعد، بالنسبة إلى هيدجر، كتابة "أستيتيكا جديدة"، "بل الذهاب للقاء العمل التاريخي وآثاره المربكة". هكذا تنتمي "الأستيتيكا" إلى عصر يحكم فيه: على "العمل الفني"، ليس كما عو في حد ذاته، ولكن بالنظر إلى التأثير الذي من المحتمل أن يحدثه على حساسية وعاطفية أولئك الذين يفكرون فيه"، يقول آلان بوتو.
"يصبح العمل الفني موضوعا لما نسميه تجربة معاشة، ونتيجة لذلك يعتبر الفن تعبيرا عن الحياة الإنسانية" كما يذكر فرومين موريس، "ما يعني، بالنسبة إلى هيدجر موت الفن".
يعتقد هيدجر أنه يجد جوهر الفن الإبداعي في الفن "الأصلي"، الذي لم يعد بعد مفاهيميا في اليونان القديمة (قبل أفلاطون)، بعبارة أخرى الفن وهو لم يمت بعد بصلة إلى الأستيتيكا وعلى هذا الأساس يمكن الوصول إلى جوهر "العمل الفني".
- الحركة العامة للنص
تطور نص المحاضرة بشكل عام وفق النقاط الثلاث التالية:
١ الشيء و"العمل"
بعد ملاحظة أن "العمل الفني" هو أولاً وقبل كل "شيء"، سعى هيدجر أولاً إلى معرفة ما إذا كان جوهر "الشيء" لا يمكنه فتح منفذ إلى جوهر "العمل الفني". يوضح هيدجر أن الطرق المختلفة التي يقدمها لنا التقليد الفلسفي للوصول إلى جوهر الشيء (دعم الصفات المذهلة، الوحدة في التعدد والمادة المستنيرة) عاجزة عن جعلنا نصل إلى جوهر العمل. إلى جانب كونه شيئا، فإن العمل الفني هو أيضا عمل، أو في الاصطلاح الهيدجري "منتج". لاحظ مارك فرومين موريس أنه "من اللافت للنظر أن هيدجر على الطريق إلى الفن بدأ بتحديد عالم الإنتاج والمنتج"،
أشار إلى أن هناك قرابة بين منتج الحرفي مثلا و"العمل الفني"، فكلاهما مصنوع يدويا. لفهم الخلق، يجب علينا أن ننظر إلى أبعد من العمل الحرفي، ونعود إلى جوهر ال"techné" الذي هو معرفة ونمط إنتاج الموجود. يتميز العمل الفني بحضور مكتف بذاته وهو ما يميز العمل، وبهذا المعنى فهو يشبه شيئا طبيعيا بسيطا "يستوي تماما في هذا النوع من المجانية التي يمنحها إياها تدفقها العفوي”. بالفعل، لا يظهر الشيء الطبيعي الماثل، انطلاقا من عالمه، فقط مخططا مألوفا يمكن التعرف عليه، بل له أيضا عمق داخلي، استقلالية يصفها هايدجر بأنها "تماسك في حد ذاته" (سعة). ومع ذلك، في كلتا الحالتين، يهيمن ثنائي المادة/الشكل ويساعد على التفكير في كل شيء، وبالتالي لا يسمح لنا بالتفكير في ما يصنع خصوصية "العمل الفني".
٢ "العمل" والحقيقة
سيتبين أن العمل الفني ليس تمثيلًا بسيطا ولكنه تجل ل“حقيقة" الشيء العميقة: "هكذا المعبد اليوناني الذي يشكل عالما ويكشف عن أرض، الأداة التي شكلته، المكان الذي أقيم فيه (هضبة)، وكذلك الأساس السري، المخفي والمنسي لكل شيء".
كتب مارك فرومين موريس أن الفن هو "تفعيل" الحقيقة التي لا تختزل في محاكاة بسيطة للواقع، ولا في "إعادة إنتاج جوهر عام زائف للأشياء". ما ينبغي التمسك به هو أن هذا "التفعيل" للحقيقة" هو تاريخي دائما، وأنه خضع منذ البداية لطفرات، آخرها، أي "الفن الحديث"، يتوافق مع عصر التقنية الذي نعيشه فيه.
٣ الحقيقة والفن
يُنسب المصدر الأساسي للعمل الفني إلى الفنان. يمكن فهم الكائن المخلوق للعمل من خلال عملية الإنتاج، ولكن فقط من خلال العودة إلى الأصل اليوناني لـ "techné" يمكننا أن نفهم عملية الإنتاج. يطور هيدجر فكرة أن معنى techné ليس الصناعة بل الكشف من خلال إنشاء انفتاح. وما الخلق إلا تثبيت الموجود في العلن. في هذه العملية "الحقيقة" هي معركة بين الوضوح والتحفظ حيث يتم احتلال المساحة المفتوحة التي ستقف فيها جميع الموجودات.
ليس لدى الفنان وعي واضح بما يريد أن يفعله، فقط "كل شيء سوف يشتغل". لكن قبل كل شيء، يلاحظ هيدجر، عندما نفعل ذلك، فإننا نقع في الخلط بين "الأصل" و"العلة". "الأعمال الفنية ليست لأن الفنانين هم من أنتجوها، لكن الفنانين لا يمكن أن يكونوا إلا كمبدعين لأن هناك شيئا ممكنا وضروريا مثل "الأعمال الفنية".
يبين هايدجر، الذي طور حدسه انطلاقل من تمثيل شيء عادي، أي زوج من أحذية الفلاحين لفان جوخ، أن هذا التمثيل لا يشير فقط إلى عالم العمل القروي، بل يفتحه و"يؤسسه".
من أجل الوصول إلى جوهر "العمل الفني"، "كينونة العمل الفني"، على حد تعبير هيدجر، لا يكفي أن نتحرر من كل مبحث جمالي للعودة إلى مفهوم ما قبل حداثي للفن، بل يتعلق الأمر بمواصلة العمل التفكيكي ظون ذلك. يجب علينا أولاً الابتعاد عن المفاهيم الأفلاطونية والأرسطوية الأساسية، مثل مفهوم " الشكل " ومفهوم "المسألة”، التي تحدد إطار فهمنا للأعمال الفنية.
يعتمد هيدجر على مثالين للأعمال الفنية الملموسة: لوحة لفان جوخ "تمثل" حذاء قديما ومعبدا يونانيا. إذا عدنا إلى سيزان الذي يعتبر مؤسس الرسم الحديث نجد أن مهمة الرسام هي "العمل وفقالطبيعة" (المحاكاة. يفهم هايدجر العمل الفني حسب هذه الأطروحة ليس كنسخة من الشيء، بل أيضا باعتباره "فعلا"، "منتجا"، مثل الأمر القطعي بضرورة "الإبداع". وفقا لنمط "صنع" "الطبيعة" التي يدركها هو نفسه على أنها phusis باليونانية.
هكذا يعود هايدجر إلى المفهوم اليوناني لـ "techné " باعتبارها "poesis"، أي ما يعتبره قبل كل شيء معرفة ومعرفة "استباقية" للحرفي ولكن أيضًا، وهذه هي النقطة الحاسمة، "تشير techné عند اليونانيين أيضا إلى فن الفنان بدلاً من مهنة الحرفي [.. .] إنها ليست في المقام الأول ترتيبا أو تشكيلًا أو تطويرا أو حتى إصدار تأثيرات، بل هي في المقام الأول تؤدي إلى الظهور، وتقود شيئا ما إلى الكشف عن نفسه بوجه محدد"، يكتب جاك تامينيو.
إن ما يقرب techné، التي هي مواصلة للمعرفة، بال"phusis"
بما هي ازدهار ما يأتي من الذات إلى الحضور هو، كما لاحظ هادريان فرانس لانورد، "ما يبقى في الخلفية في كليهما، هو العنصر الذي يحدثان فيه [...]، إنه الحقيقة باعتبارها مفتوحة دون انسحاب ".
(يتبع)
المصدر: https://fr.m.wikipedia.org/wiki/L%27Origine_de_l%27%C5%93uvre_d%27art
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟