رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 7812 - 2023 / 12 / 1 - 10:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلفت انتخابات البرلمان العراقي وكذلك انتخابات مجالس المحافظات ؛ الحكومات العراقية مبالغ مالية كبيرة, اذ انفقت الحكومات العراقية ولا تزال , أموالا ضخمة على سير عملية الانتخابات وكل ما يتعلق بها ؛ فضلا عن استنفار الجهود الامنية والحكومية , وتسخير الموارد الحكومية والطاقات البشرية .
وهناك مصدران لتمويل الأحزاب والمرشّحين: التمويل العام، والتمويل الخاص، والدول قد تعتمد أنظمة لتمويل الحملات استناداً إلى التمويل العام فقط، أو الخاص فقط، أو مزيج من الاثنين ... ؛ اذ من الممكن ان توفر الدولة للمرشحين التمويل على وفق الاطر القانونية المعتمدة في كل بلد , وحسب امكانية الدولة وظروفها الاقتصادية ... ؛ وقد يكون هذا التمويل تمويلا مباشرا، أي الأموال التي تخصّصها الدولة للمرشّحين في الانتخابات ... ؛ وقد يكون هذا التمويل تمويلا غير مباشر، وذلك عندما يحصل المرشّحون أو الأحزاب على بعض الخدمات مجاناً أو بكلفة أقل ، مثل : الظهور في وسائل الإعلام العامة ، أو الاستفادة من ممتلكات الدولة بغرض تنظيم الحملات ، أو طباعة المواد الانتخابية ، أو استخدام الخدمات البريدية الخاصة بالدولة ... ؛ فموارد الدولة تُعدّ ملكاً لجميع المواطنين، ويجب عدم استخدامها لما يصبّ في مصلحة أيّ حزب سياسي أو مرشّح بصورة مجحفة وغير نزيهة ... ؛ ومن الجدير بالذكر، إن السويد من أوائل دول العالم التي اعتمدت مبدأ التمويل العام للانتخابات في إطار تنظيم الإنفاق الانتخابي، وذلك في العام 1966، والذي استند إلى ثلاث قواعد أساسية ؛ هي : التمويل المقدّم إلى الأحزاب الجدية والتي تملك حضورا سياسيا حقيقيا واقعيا ؛ و تقديم الدعم المالي بناء على طلب مُعلل من الحزب أو المرشح ... ؛ والتمويل الانتخابي بشكل نسبي حسب الحجم البرلماني لكل من الكتل السياسية المشاركة ... .
لذا تعد مسألة تمويل الحكومات للانتخابات او معرفة طرق ومصادر تمويل الكتل والمرشحين الخاصة والعامة , من الاهمية بمكان , فلابد من الالتزام بالقوانين ومعايير النزاهة والشفافية فيما يخص تمويل الانتخابات , وتأمين المساواة والعدالة الكاملة بين المرشحين , ومنع التعسف من استغلال المال العام او الدعم الحكومي لصالح القوى الكبرى او المرشحين المتنفذين ... ؛ للمحافظة على نزاهة نظام تمويل الحملات ، وتعزيز ثقة الشعب في العملية الانتخابية، ومساءلة الأحزاب السياسية والمرشّحين... ؛ وهو ما أشارت إليه العديد من القوانين الدولية والوطنية الناظمة لعلميات تمويل الحملات الانتخابية ؛ حيث تنص الفقرة "24" من وثيقة كوبنهاغن "الصادرة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 1990" على ضرورة التطبيق المنصف لقوانين تمويل الحملات الانتخابية ورصدها بطريقة فعالة، وتشير الفقرة إلى أنه على الدول المشاركة واجب ضمان عدم تقييد أية من الحريات الأساسية "بطريقة تسيء استعمالها أو بطريقة تعسفية، ولكن بطريقة تكفل الممارسة الفعلية لهذه الحقوق"... ؛ وعلاوة على ذلك ، تنص التوصية رقم" 1516/2001 " للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا على أنه "من أجل الحفاظ على ثقة المواطنين ورفعها في الأنظمة السياسية، على الدول الأعضاء بمجلس أوروبا تبني القواعد التي تحكم تمويل الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية"... ؛ وفي العراق ف نصت "م2 "من قانون انتخابات أعضاء مجلس النواب العراقي 45 لسنة 2013، على أن "يهدف هذا القانون الى ما يأتي : ... , ثانيا : -المساواة في المشاركة الانتخابية... ؛ رابعا: -ضمان عدالة الانتخابات وحريتها ونزاهتها"... .
تأسيسا على ذلك، لضمان وجود نظام تمويلي شفاف ونزيه، ينبغي إدراج كل من مسألتي تمويل الأحزاب السياسية الروتيني وتمويل الحملات الانتخابية في التشريعات القانونية والرصد والمتابعة الحكومية .
ومع كل ما تقدم، ومع القيود التي تفرضها القوانين الدولية والوطنية بشأن تمويل الحملات الانتخابية، إلا أن دول العالم الثالث، مازالت من الناحية الواقعية بعيدة كل البعد عن الالتزام بتلك القوانين وتطبيقها، لا على مستوى سلطات الدول، ولا على مستوى المرشحين والأحزاب السياسية، ولا حتى على مستوى وعي مواطنيها؛ فأصوات المواطنين في مثل هذه الدول، تباع وتشترى، والانتخابات تجارة موسمية، ستكون مربحة لمن يدفع أكثر... ولمن يأخذ أكثر... أما بناء الأوطان وأعمارها فهو هم مؤجل إلى أجل غير مسمى ... . (1)
وللإنفاق الحكومي على الانتخابات العراقية ؛ اوجه عدة , ومنها :
• تعيين الموظفين المشرفين على سير عملية الانتخابات ؛ فقد تعاقدت المفوضية مع موظفي الاقتراع لإجراء انتخابات مجالس المحافظات المقبلة ؛ والبالغ عددهم 206.429 موظفا تم اختيارهم بموجب القرعة الإلكترونية التي جرت في 22 أكتوبر الماضي ، وقد اكدت المفوضية أن اختيارهم قد تم من بين 668.916 متقدما صدق عليهم ؛ لمطابقتهم شروط التقديم وضوابطها ... ؛ وسيتم الشروع بتدريبهم ضمن المستوى التدريبي الهرمي الثالث للمفوضية كما اعلنت عن ذلك في وقت مضى ... ؛ وقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بتاريخ (7 آب 2023)، تحديد مبلغ المكافأة التي ستمنح لموظفي الاقتراع البالغ عددهم نحو 275 ألف موظف... ؛ وجاء في بيان للمفوضية تلقته "بغداد اليوم"، أنه "عقد رئيس مجلس المفوضين والسادة الأعضاء في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جلستهم الاستثنائية في 31/7/2023؛ لمناقشة ما جاء في مذكرة اللجنة المركزية لاختيار موظفي الاقتراع بشأن تحديد مبلغ المكافأة التي ستمنح لموظفي الاقتراع البالغ عددهم نحو ( 275000) موظف، إذ وافق مجلس المفوضين على مقترح اللجنة في منح مبلغ قدره ( 150.000) دينار لموظفي الاقتراع من شريحة موظفي دوائر الدولة" ... , وأضاف البيان، أنه "تم تحديد (250.000) دينار لموظفي الاقتراع من شريحة الطلبة والخريجين، وتم تكليف الإدارة الانتخابية باتخاذ ما يلزم بصدد استحصال الموافقات الاصولية على ذلك".
• تصنيع العدد والمواد الحساسة وغير الحساسة ومطابقتها للشروط الفنية المطلوبة، وقد أشرف مجلس المفوضين مباشرة على طباعة بطاقات الناخبين الذين سجلوا بياناتهم منذ 20 مارس 2022، حتى 20 أغسطس 2023... ؛ ولفتت المفوضية إلى أن عدد البطاقات التي سيتم طباعتها 1.977.369 بطاقة بايومترية لناخبي التصويت العام والخاص، فضلا عن الإشراف على تصميم و طباعة أوراق الاقتراع والبالغ عددها 17.677.150 ورقة، تتضمن نموذج أوراق الاقتراع العام والخاص , وكذلك الأحبار ومواد الاقتراع، و توزيع بطاقات الناخبين البايومترية على المواطنين .
• تهيئة المخازن ومعرفة مدى جاهزيتها وتأمينها ؛ وتوفير الحماية لها , لأنها تحتوي على كافة مستلزمات العملية الانتخابية .
• رصد ومتابعة المخالفات ؛ اذ أشارت المفوضية إلى تشكيل لجان مركزية وفرعية تعمل بالتنسيق مع أمانة بغداد والمديريات والدوائر البلدية لمراقبة الحملات الإعلامية للمرشحين، ورصد المخالفات الخاصة بأماكن الدعاية الانتخابية فضلا عن التنسيق مع هيئة الإعلام والاتصالات بشأن مخالفات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إضافة إلى لجان تتولى متابعة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
• تجهيز كاميرات المراقبة ونصبها داخل المراكز الانتخابية ؛ وقد صرح الدكتور عماد جميل – رئيس الفريق الاعلامي للمفوضية – لموقع "سكاي نيوز عربية" ؛ بما يلي : (( لأول مرة في العراق سننصب كاميرات مراقبة للعملية الانتخابية خلال انتخابات مجالس المحافظات، وسيتم تسجيل الأحداث بواقع كاميرتين في كل محطة، ستغطيان كافة تفاصيل عمليات التصويت. سيتم تشغيل الكاميرات قبل بدء الاقتراع في الساعة السابعة صباحا ولغاية انتهاء عمليات الاقتراع بالكامل، والعد والفرز اليدوي وإعلان النتائج ؛ ستوثق هذه الكاميرات البالغ عددها قرابة 70 ألف كاميرا، المجريات داخل مختلف المحطات بالصوت والصورة، كما وسيتم نصب نحو 7 آلاف كاميرا في ساحات مراكز الاقتراع بهدف المراقبة، فضلا عن توفير كاميرات أخرى احتياطية تحسبا لتعطل بعض الكاميرات المنصوبة )) بينما صرحت المفوضية في وقت مضى ؛ بأن عدد كاميرات المراقبة 111.714 كاميرا .
• مراقبة الإنفاق على الحملات الانتخابية ؛ وقد حددت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، في وقت سابق، تعليمات بشأن الحد الأعلى للإنفاق على الحملات الانتخابية، وذكرت فيها أن مدة الإنفاق الانتخابي تبدأ من تاريخ بدء الحملة الانتخابية ولغاية يوم الصمت الانتخابي، الذي يحدد بقرار من مجلس المفوضين... ؛ وفي هذا السياق، قال الدكتور عماد جميل، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك لجاناً مختصة فنية في المفوضية ستعمل على متابعة ومراقبة الإنفاق على الحملات الانتخابية من قبل كل الكتل والأحزاب المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات"، وأضاف أن "أي تجاوز لهذا الإنفاق سوف يعرّض تلك الكتلة للمحاسبة وفق القوانين". وأكد جميل أن متابعة مصدر أموال الحملات الانتخابية والإنفاق العالي من مهمات وعمل هيئة النزاهة والتي تنسّق مع المفوضية بهذا الملف، لافتاً إلى أن "المتابعة والرقابة ستكون شديدة جداً على ملف الإنفاق على الحملات الانتخابية، كما ستكون هناك متابعة لمنع أي استغلال لموارد الدولة وأموالها في الحملات الانتخابية"... ؛ بينما قال مدير الدائرة الانتخابية في المفوضية رياض البدران لموقع "الحرة" : إن "رصد حسابات المرشحين أو ما ينفقونه في الحملات الدعائية أمر معقد للغاية لأنه يحتاج لموارد بشرية هائلة لا يمكن للمفوضية أن تمتلكها في الوقت الحالي".
• فحص الاجهزة ؛ اذ تجري عملية محاكاة لفحص الاجهزة ومعرفة مدى رصانتها , فهنالك أربع عمليات محاكاة اثنان منها في شهر ايلول ومثلها في تشرين الاول ؛ وصولا الى يوم الانتخابات .
• تهيئة مراكز ومحطات الاقتراع والفرق الجوالة ؛ اذ قال مدير الإجراءات والتدريب في المفوضية، داود سلمان خضير، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية : ((... وسيكون هناك أكثر من 1800 فريق جوال، بالإضافة إلى 1079 مراكز تسجيل منتشرة في عموم العراق ...)) وأوضحت المفوضية في وقت سابق : أن عدد الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات المحلية بلغ عددهم 16.158.788 ناخبا منهم 15.108.135 ناخبا للتصويت العام، موزعين على (7.166) مركز اقتراع و(35.553) محطة اقتراع و(1.002.393) ناخبا للتصويت الخاص يصوتون في (565) مركز اقتراع، و(2.367) محطة اقتراع، فيما بلغ عدد الناخبين النازحين (48.260) ناخبا نازحا ستفتتح لهم المفوضية (35) مركز اقتراع، و(120) محطة اقتراع ... ؛ وتهيئة الجوانب الفنية والإدارية والأمنية سواء عمليات المحاكاة وأماكن الخزن وعمليات التسجيل والتحديث وصولاً إلى عملية الاقتراع وعمليات نقل وحماية وخزن الصناديق والقضايا اللوجستية ذات العلاقة ؛ لاسيما تلك التي تتعلق بمراكز ومحطات الاقتراع .
• تأمين الانتخابات ؛ ففي كل انتخابات تجري الاستعدادات الخاصة بتأمين الانتخابات , وحمايتها من خلال الاف العناصر الامنية والعسكرية .
ومما لاشك فيه ان نجاح العملية الانتخابية يتوقف على توفير هذه الامكانيات والطاقات والجهود ؛ وهذه الامور بدورها تحتاج الى التمويل الكبير , وصرف الاموال الطائلة .
وقد وافق مجلس الوزراء العراقي خلال الجلسة الاعتيادية الـ18 لمجلس الوزراء بتاريخ (2 أيار 2023)، في بغداد ، على تخصيص مبلغ 150 مليار دينار من أجل تمويل عملية انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في شهر تشرين الثاني ... ؛ بينما اقر مجلس النواب الاعتماد المالي المخصص لإجراء الانتخابات المحلية ضمن قانون الموازنة الاتحادية 2023 بمبلغ قدره (345.455.000.000) مليار دينار عراقي ومن ضمنها حصة اقليم كردستان العراق .
تصرف هذه الاموال الطائلة وتبذل هذه الجهود الكبيرة على انتخابات مختلف عليها اصلا وقد تم الغاءها سابقا , وفي وقت يمر به العراق بأزمة اقتصادية ؛ فضلا عن انخفاض قيمة الدينار , وانتشار البطالة , وتردي اوضاع الصناعة والزراعة المحلية , وشيوع الفساد في كافة مرافق الدولة , والذي اضحى نتيجة طبيعية وحتمية للصراعات السياسية وتضارب مصالح الاحزاب , وتكالب القوى والشخصيات السياسية على نهب الاموال العامة والخاصة وبشتى الطرق ... ؛ مما ادى الى عزوف الاغلبية العراقية عن المشاركة الجدية في الانتخابات , و عدم قناعتهم بمخرجاتها ونتائجها .
.........................................
1- مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات /بتصرف .
#رياض_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟