أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - قبيلة غياتة بالمغرب .. بعض من كائن الزمن والمكان والانسان ..















المزيد.....

قبيلة غياتة بالمغرب .. بعض من كائن الزمن والمكان والانسان ..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7799 - 2023 / 11 / 18 - 21:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


على أساس ما هناك من حصيلة مقاربات بحثية ذات صلة، يعد المغرب وعاء خصبا مناسبا لدراسة مكون "القبيلة" وإختبار ما يرتبط به من مفاهيم ومقومات، لِما كان له كمعطى اجتماعي من دينامية الى عهد قريب. ذلك أن البلاد تمكنت من حفظ تنوعها وتعددها فضلا عما هو إثني سسيولوجي فيها، فقبائلها لم تتعرض لصدمات قوية مثلما حصل بأقطار أخرى من الغرب الاسلامي. وهو ما جعل رصيد المغرب القبلي بدراسات عدة فضلا عن جاذبية دارسين انتروبولوجيين وسسيولوجيين، زمن الحماية عليه خلال القرن الماضي وقبله ببضعة سنوات، مستهدفة فهم أسس القبيلة وآليات تحكمها في شأنها وترابها ومجالها الحيوي. لِما شكلته قبائل البلاد من انتماءات بشرية وعقبة في وجه التسرب والتوغل الاستعماري. علما أن القبيلة منذ مغرب العصر الوسيط، كانت بموقع محوري في بنية المجتمع وتفاعلاته، وكان نسبها هو اطارها الحقيقي وموطنها هو جوهر لحمتها وصيرورتها وفق نظر ابن خلدون ونهجه.
إن ما أنجز من تقارير من قِبل باحثين مستكشفين أجانب حول القبيلة بالمغرب، كان لافتا في معطياته إن قبل فرض الحماية على البلاد أو خلالها. علما أن هذا المكون والكيان الاجتماعي لا يزال يحفظ بعض أطر وجوده سسيولوجيا ومجاليا، من حيث ما يسجل من اندماج وقدرة على تحديد تقسيمات له على مستوى بعض مناطق البلاد. دون قفز عما شهده عبر زمنه الحديث والمعاصر، من تحولات كانت بأثر في قوته وحجمه ووظيفته وامتداده من فترة لأخرى. وقد كانت متفاوتة في درجتها من جهة لأخرى، لِما هناك من محدد ايكولوجي مجالي ومن طبيعة تفاعلات وجوار ونمط انتاج وعلاقات داخل مجال محدد، فضلا عما كان لزعماء وأعيان وصلحاء هذه القبيلة وتلك من دور في توازنها الداخلي وانتظامها. وإذا كانت الحياة القبلية قد انتهت سياسيا واقتصاديا، وبدرجة أقل اجتماعيا وثقافيا منذ فترة بالمغرب، فإن ما هو ذهنيات وعقليات ووعي لا يزال قائما ممتدا فيما هناك من علاقات اجتماعية على عدة مستويات لحد الآن.
وغير خاف عن باحثين مهتمين، كون المجتمع المغربي خلال القرون الأخيرة ظل بتميز جمع بين متغيرات ثلاثة ذات علاقة بنسيجه الاجتماعي والثقافي. فإلى جانب عنصر التنوع وما أسهمت به الفتوحات والغزوات والتجارة والهجرة والرحلات الحجية وغيرها من تباين في خريطة البلاد القبلية، هناك عنصر الحركية في بعدها الأفقي الجغرافي لنظرا ِلِما حصل من هجرة وتنقل مستمر لمجموعات قبلية صوب هذه الوجهة وتلك، فضلا عن حركة بطبيعة عمودية همت ما هو وظيفي وأدوار ومراتب ومكانة اجتماعية وغيرها، علما أن دينامية القبيلة المغربية الاجتماعية كانت تحكمها مسالك ومكونات وأعراف وتقاليد. ناهيك عما شهده المجتمع المغربي من تغيرات خلال القرون الأخيرة، من حيث فعل الاندماج القبلي وما ترتب عنه من تنوع ثقافي واثني، ساهم في بناء مرتكزات الهوية المغربية الجماعية والوطنية.
اشارات ارتأينا أنها ذات أهمية من أجل ورقة بمختصر مفيد حول واحدة من قبائل المغرب، التي استوطنت مجال تازة وممرها ومن خلالهما جبال الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي. فكانت بما كانت عليه من إشارة وحضور في مصادر تاريخية مغربية وزمن كيانات سياسية حكمت البلاد منذ العصر الوسيط،. ويتعلق الأمر هنا بقبيلة غياتة الشهيرة التي يمكن اعتبارها عينة من عينات قبائل المنطقة التي تحيل على وضع استقرار بشري قديم، وما طبع هذا الاستقرار من أثر وتعبير وعلاقات وتعايش وعادات وتقاليد وسبل ونمط عيش خاص بكل قبيلة على حدة.
ويسجل أنه رغم قدم استقرار قبيلة غياتة، وما كانت عليه من أدوار منذ مغرب العصر الوسيط، فإن ما يخص أصولها الاجتماعية يبقى بغموض وعدم وضوح، ذلك أنه عند تفحص المصادر التاريخية لا نجد ما هو شاف من إشارة ومعطى، سوى كونها من برابرة المغرب الأقصى وفق ابن خلدون الذي ذكرها مرة ب "غياثة" ومرة ب"مطغرة" قائلا : "كانت البطون التي فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر كلهم لعهد الفتح، أوربة وهوارة وصنهاجة من البرانس، ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر". وكون غياتة بأصول عدة أمر وارد نظرا لِما يطبعها من تباين في بنياتها ومكوناتها. وحول واقع تباين أصولها نذكر كون فرقة "أهل الواد"( فرقة من فرق قبيلة غياتة التي يمتد مجالها على ضفاف وادي ايناول)، تضم فخدات (فرق صغيرة) منها ما يعرف محليا ب"العربيين" الذين ينتمون لقبيلة البرانس بحسب ما أوردته دراسات أكاديمية توجهت بعنايتها البحثية التاريخية للمنطقة. وضمن فرقة أهل الواد ايضا هناك ما يعرف ب"ولاد بوشعيب" الذين ينتمون لقبيلة التسول المجاورة من جهة الشمال. وضمن فرقة أهل الواد ايضا هناك ما يعرف ب:"البلابلة" والذين ينتمون لقبيلة بني وراين، ونذكر ايضا ضمن فرقة أهل الواد ما يعرف محليا ب: لمقادة" وهم من منطقة فكًيكً، بل يسجل أن ضمن فرقة أهل الواد بقبيلة غياتة، هناك فخدات مجهولة الأصول من قبيل ما يعرف محليا ب"ولاد لمربحيين".
ومن الحديث عن قبيلة غياتة، ما يقول بأنها ذات أصول أمازيغية وأنها تعربت خلال القرن التاسع عشر الميلادي، بدليل فرقة منها لا تزال محافظة على تقاليدها وتعبيرها الأمازيغي لحد الآن. وفي هذا الاطار عن المجموعات الأمازيغية الكبرى أي مصمودة وصنهاجة وزناتة، يمكن ترتيب غياتة ضمن هذه الأخيرة. ورغم أنها مجموعة بشرية كبرى ومن أعرق برابرة المغرب الأقصى بتعبير ابن خلدون، ليس هناك ما يفيد حول أصل تسميتها ب"غياتة"، فقط ما هناك من روايات تقول بأن ادريس الأول زعيم إمارة الأدارسة في مغرب نهاية القرن الثاني الهجري، دعا لها إثر دعمها لحركته واجتماعها عليه وبيعته الى جانب كل من زواغة ولواتة وسدراتة ونفرة ومكناسة وغمارة وكافة برابرة المغرب، وقال لها "تغيتو ما تغاتو" أي أن تظل غياتة قبيلة قوية مساندة له منيعة في موطنها وجبالها دون حاجة لأية مساعدة من أطراف أخرى. هكذا تسكن هذه الرواية ذاكرة القبيلة الشعبية، وتقول بأن اسمها له علاقة بدعاء إدريسي، ومن ثمة حملت غياتة هذا الاسم منذ نشأة إمارة ادريس الأول في مغرب العصر الوسيط.
ولعل رواية "تغيتو ما تغاتو" بقدر ما يصعب الاطمئنان اليها بقدر ما ربما حديثة عهد تعود لأواخر القرن التاسع عشر زمن حكم السلطان الحسن الأول، وما حصل خلال هذه الفترة من وضع داخلي غير مستقر. من تجلياته ما وقع بتازة وجوارها بين المخزن وقبيلة غياتة، من صدام عسكري، إثر "حرْكة" قادها السلطان ذاته عندما كان متجها لبلاد الريف، وكانت وقائعه بصدى كبير لِما خلفته من خسائر لدى الطرفين مخزن- غياتة على مستوى جبل بوكًربة ومسالك ما يعرف محليا ب "الشقة" حيث واد "تازة" أو "واد الهدار". وقائع تذكرها جل المصادر المغربية المعاصرة في ارتباطها بوضع البلاد الداخلي، وتنقلات السلطان هنا وهناك لوقف ما ساد من عدم استقرار وتمردات قبائل وعصيان زعماء محليين. له. ويسجل حول ما حصل من قتال بين غياتة و"حرْكة" السلطان والذي كاد أن يتحول الى كارثة وفق ما تذكره المصادر التاريخية، كونه سببه يعود لتأخر إتيان قبيلة غياتة بالتموين ولوازمه في وقته، لاعتقادها أن السلطان لن يمر بمنطقتها ومجالها، وأن باشا تازة "محمد بن الطاهر" آنذاك الذي طالبهم بذلك يريده لنفسه فقط. هذا قبل أن تفاجأ القبيلة بنزول جنود المخزن ونصبهم لخيامهم في مكان غير بعيد كان يعرف ب"دراع اللوز" (المدينة الجديدة حاليا).
ورغم أن قبيلة غياتة بادرت وقامت بما ينبغي من واجب تموين حرْكة السلطان رغم تأخرها، فإن ما كان بينها وبين باشا المنطقة السابق الذكر من سوء تفاهم جعله يبلغ السلطان بذلك ويطلب منه زجرهم. ليبدأ إلقاء القبض على من يأتي بمؤونته وهو الأمر الذي أحدث ضجيجا كبيرا وردود فعل غياتة، فكان بما كان من غضب السلطان عليها واعطاءه أمر تأديبها بتوجيه فرقة مخزنية فاجأتها في جبالها، حيث تم هدم دورها واحراق زرعها وخيامها وقطع رؤوس بعض أهلها. ورغم مساعي التخفيف صمم المخزن شن هجوم ثان عليها لوقف ردود فعلها، حيث نهض السلطان الحسن الأول لقتاتها بنفسه وكان يوم جمعة من أواخر شهر جمادى الأولى سنة ألف ومائتين وتسعين هجرية،(ألف وثمانمائة وستة وسبعين ميلادية )، بمكان فاصل وعر المسالك بين تازة المدينة وجبال غياتة جنوبا، كان ولا يزال يعرف ب "الشقة". حيث اقتحم السلطان هذه المرتفعات بجيشه وعدته، واستعدت القبيلة للقتال معتمدة كمائن وكهوف فضلا عن معرفتها الدقيقة بمجالها، قبل أن تفاجأ الجيش المخزني بنيران بنادقها من كل الجهات وخاصة من الخلف، حيث من شدة القتال والقتلى والمصابين وبعدما تم جر المحلة المخزنية الى شعبة بوكًربة، امتلأت هذه الأخيرة بالجثث من الأدامى والدواب التي كان يُمر عليها بالخيل والأرجل، وبعد هدوء واقعة "بوكًربة" هذه بجنوب تازة مساء، بدأ البحث عن السلطان هناك ليتم العثور عليه رفقة حاجبه أبي عمران موسى بن أحمد، حيث تم اخراجهما بعد عناء وتم الاعلان عن سلامة السلطان ونجاته لطمأنة النفوس. قبل أن يوجه السلطان لقبيلة غياتة في اليوم الموالي لهذه الواقعة جيشا ثانيا، تعرضت فرقه لِما تعرضت له من ضغط وهجوم وقتال غياتي شرس معتمد على مناعة الجبل وتحصيناته، الى أن تمكن المخزن من حسم صراعه بعد وقعة شنعاء بقبيلة غياتة، حيث قام السلطان بعد إعلان توبتهم على عزل الباشا "ابن الطاهر" الذي كان سببا في هذه الفتنة وعين على المنطقة القائد منصور حيطوط.
ومن اشارات المصادر حول ما حدث ببلاد غياتة نذكر:" وقعت بينه وبين غياتة.. وقعة مشهورة وعثرة بالبوار(الهلاك) لولا لطف الله، وكان النصر فيها أخيرا للسلطان..فهدم لهم الديار وحرق الأشجار ومحا منهم الأثار، وطلع عليهم في جبالهم التي هم بها معتصمون وأراهم خلاف ما كانوا يضنون.. لكن انمحص من جيوشه وعساكره شيء كثير.. سقطوا في هوة غامضة لم يكن عندهم علم بها، حيث اضطرهم الأعداء وألجأوهم اليها.. وماج الناس موجا ضنوا به وقوع الكارثة على نفس السلطان، وانبهمت المسالك بكثرة الغبار والدخان وكادت الهزيمة تتم على المحلة." هكذا اذن في سياق ما حدث من صراع مخزني غياتي، ربما تبلورت مقولة "تغيتو ما تغاتو" التي قد تكون استهدفت توحيد صف القبيلة واستعدادها للقتال اعتمادا على ذاتها وتقاليدها القتالية وامكاناتها وبيئتها المحلية ومناعتها الجبلية. وهي الرواية التي يعتقد أنها أصل تسمية القبيلة بهذا الاسم "غياتة"، وأنها تعود لدعاء ادريسي زمن نشأة امارة الأدارسة أواخر القرن الثاني الهجري بمغرب العصر الوسيط، تلك التي يصعب الاطمئنان اليها من الوجهة التاريخية كما سبقت الاشارة لذلك. هكذا يظهر ويتبين أن أصول قبيلة غياتة وتسميتها لا تحيل على أي تجمع سلالي (جد معين)، إنما "غياتة" هي تسمية بطبيعة رمزية فقط حيث أصبح اسم غياتة مجرد شعار يهم عددا من الفرق التي سكنت هذا الجبل بالمنطقة. ونعتقد تأسيسا على اشارات نصوص تاريخية مصدرية، أن أصل اسم غياتة يمكن أن يكون بعلاقة مع مجموعة أفراد وأسر عرفت في المنطقة ب"ولاد غيات"، وقد كانت تنتمي لفرقة بني محسن إحدى فرق قبيلة غياتة التي لا تزال لحد الآن، وأن هؤلاء الأفراد أو الأسر كانت تتعاطى لقطع الطريق والنهب، تلك التي تم القضاء عليها أواسط القرن الثامن عشر الميلادي.
وعن قبيلة غياتة ومجال استقرارها، يعتقد أنها كانت تستوطن مرتفعات جبال الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي (جنوب تازة)، قبل أن تلجأ صوب أسافل هذه المرتفعات تدريجيا ومن ثمة امتدادها وبلوغها ضفاف وادي ايناون، على إثر ما عانت منه وما تعرضت له من ضغط وصراع مع قبيلة بني وراين المجاورة لها من جهة الجنوب. وعليه، ما شهدته قبيلة غياتة من تدرج في استقرارها لتستوطن مجالا جبليا غابويا بمسالك وعرة وفجاج وقمم بارزة، من قبيل جبل تازكا الشهير بالمنطقة الذي يبلغ علوه حوالي ألفي متر وجبل بومسعود الذي يبلغ علوه حوالي ألف وثمانمائة متر ثم جبل تومزيت الذي يبلغ علوه حوالي ألف متر. وعندما نقول استقرار القبيلة في هذا المجال الجبلي بهذه المورفولوجية، نستحضر ما يحكمه من مجاري مائية ومشهد نباتي غابوي وزراعة ومدرجات ومنابع مياه وكهوف ومناعة، فضلا عما لهذه المكونات البيئية من أثر على بنية الانسان وديناميته وكذا مصادر عيشه وأنشطته وتقاليده وثقافته وتعبيره، من لباس وتغدية ونمط عيش ووعي وسلوك وعقليات. وكانت قبيلة غياتة ولا تزال تعيش ضمن دواوير وتجمعات صغيرة متفرقة، من خلال بيوت يمكن التمييز فيها بين ما هو قريب من منابع ومجاري مائية وأخرى بعيدة عنها، وبين منها ما يوجد في الأسافل وأخرى بالجبال، مع ما يوجد بجوارها من كهوف كانت بأغراض عدة منذ الماضي، ولعل تجليات ومظاهر وأدوار ورمزية ومشاهد هذه الكهوف، لا تزال قائمة بادية للعيان إن على مستوى جوار المدينة تازة واجرافها المحيطة، أو على مستوى دواوير قبيلة غياتة المجاورة من قبيل دوار "مكًوسة" و"بوحجار" والشقة" وغيرها.
وفي قبيلة غياتة، التي تحد شمالا بقبيلة البرانس والتسول وغربا بواد بوحلو كحد فاصل بينها وبين قبيلة بني وراين، وجنوبا بجبل تازكة وشرقا ب: واد مللو(الفحامة)، يمكن التمييز بين غياتة الفوقية (الجبل) وتضم فرقة متركات وبني وجان وبني بوقيطون وبني بوحمد ثم أهل الدولة، أما غياتة السفلية أو التحتية (ضفاف واد ايناون) فتضم فرقة مكًصة وأهل الطاهر وبني مكًارة وأهل الواد. وهذا التموضع المجالي يتبين منه أن قسم قبيلة غياتة الفوقي كان يتحكم فيما كان يتدفق من المياه باتجاه الأسافل حيث واد ايناون ومدينة تازة. وعليه تسجل المصادر التاريخية ما حصل أثناء فترات صراع وعدم استقرار، عندما كان يتم اللجوء الى تحويل مياه منبع رأس الماء (رأس الواد) وقطعه عن مدينة تازة. وفضلا عما أورده حول الموضوع عن القرن الرابع عشر الميلادي صاحب معيار الاختيار من اشارات ذات صلة، جاء عند كاربخال: "يخترق المدينة (تازة) نهر ينحدر من جبل مطغرة (غياتة)، بحيث أن البربر يحولون مجراه إذا كان لهم نزاع..".
وكانت قبيلة غياتة (تازة) وجهة للمولى ادريس الأول لأهمية موقعها من جهة، ولتوسيع مجال نفوذ إمارته ونشر الاسلام بها أواخر القرن الثاني الهجري من جهة ثانية، نظرا لِما كان يسود هذا المجال من اعتقادات دينية. ولعل من اشارات طوبونيميا المنطقة التي لا تزال تطبع تراب تازة وجوارها ومن ثمة غياتة، مرتفع جبلي من جهة الغرب يحمل اسم "قرن(كًرن) النصراني". وغير معروف هل هو توصيف قديم يعود لفترة انتشار المسيحية بالمغرب قبل الفتح الاسلامي، أم هو حديث عهد له علاقة بواقعة ما خلال فترة ما من تاريخ المكان وبيئته البشرية والثقافية. نفسها الملاحظة التي يمكن تسجليها حول ما هناك من اشارة طوبونيمية، تخص موضعا مجاورا للمدينة من جهة الغرب حيث واد الهدار، وهو الموضع الذي يدخل ضمن سفح جبل تومزيت ويحضر في الذاكرة المحلية ب "مكًوسة". وربما الأصل فيه هو"مجوسة" نسبة للديانة المجوسية التي كانت منتشرة وسط برابرة المغرب الأقصى، عندما تمت بيعة المولى ادريس الأول وفق ما أورده ابن خلدون قائلا: "ولما تمت دعوته (ادريس الأول) زحف على البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية واليهودية والنصرانية.. فأسلموا على يديه طوعا وكرها وهدم معاقلهم وحصونهم". فهل كانت بعض قبيلة غياتة على دين مجوسية ويهودية ونصرانية، وأية اشارات واحالة رمزية ذات علاقة هنا وهناك على المستوى وذاك، شأنها في ذلك شأن ما تتقاسمه المنطقة من أثر مادي ولا مادي.
بعض فقط من زمن ومجال قبيلة غياتة، التي بقدر ما تستحضرها المصادر التاريخية منذ مغرب العصر الوسيط، بقدر ما يصعب القفز عليها باعتبارها عينة وجزءا من تاريخ وذاكرة المغرب الجبلي. ذلك أن نفوذها في الماضي قد يكون بلغ مشارف بلاد سايس، مع ما قد يكون أيضا حصل من جوار لها مع قبيلة أوربة التي تقاسمت معها بيعة ودعم ومساندة مؤسس إمارة الأدارسة، فضلا عما قد تكون استغلته من أحداث وتطورات ونشأة كيانات سياسية وانهيارها، لتوسيع ترابها وإرساء إقامةٍ وعيش لها على ضفاف وادي ايناون، مع ما قد يكون من توسع لها ايضا على حساب قبيلة مكناسة المجاورة لها من جهة الشمال، إثر ما شهدته من ضعف بعد نهاية إمارة بني العافية. أسئلة وغيرها لا شك أنها بحاجة لإلتفات وإنصات باحثين ودارسين مع فعل حفريات وتدقيق وتوثيق، من أجل خزانة تاريخية بنصوص مؤسَّسَة مفيدة رافعة للبلاد والعباد.
عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رحاب تراث المغرب الأدبي الشعري ..
- قبيلة مكناسة تازة المغرب ..
- تازة : في رحاب ذاكرة وفرجة وأعلام كرة القدم ..
- قبيلة مكناسة تازا بالمغرب الأقصى .. بعض من الزمن
- من زمن وخريطة هزات المغرب الأرضية ..
- الى روح -أحمد قريفلة- شيخ التشكيليين العصاميين المغاربة ..
- تازة : في رحاب بصمات زمن مغرب ما قبل التاريخ ..
- كفان بلغماري بتازة في زمن مغرب ما قبل التاريخ ..
- قبيلة بني وراين ومقاومة الاستعمار زمن الحماية بالمغرب ..
- في ذكرى استرجاع المغرب لإقليم وادي الذهب ..
- تازة : مكناسة الغربية وروح التراث المحلي ..
- تازة : افتتاح مصحة ابن سينا المتعددة التخصصات الطبية ..
- مؤسسة أرشيف المغرب بين عمل التدبير والانفتاح على المحيط ..
- من ذاكرة ملعب تازة البلدي ..
- تازة : حول مجال المدينة الأخضر الذي كان ..
- تازة : بين الحق في التقاضي وسؤال المسطرة المدنية ..
- في رحاب فاس وبنحادة والعلاقات المغربية التركية
- ندوة تازة حول رحلة التعلمات وأفق تصور وتمفصلات ..
- صورة العالم بعيون جامعة فاس الأرومتوسطية ..
- جرمان عياش .. روح الوطني والمؤرخ المدرسة ..


المزيد.....




- كوريا الشمالية تدين تزويد أوكرانيا بصواريخ ATACMS الأمريكية ...
- عالم آثار شهير يكشف ألاعيب إسرائيل لسرقة تاريخ الحضارة المصر ...
- البرلمان الليبي يكشف عن جاهزيته لإجراء انتخابات رئاسية قبل ن ...
- -القيادة المركزية- تعلن إسقاط 5 مسيرات فوق البحر الأحمر
- البهاق يحول كلبة من اللون الأسود إلى الأبيض
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /29.04.2024/ ...
- هل تنجح جامعات الضفة في تعويض طلاب غزة عن بُعد؟
- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - قبيلة غياتة بالمغرب .. بعض من كائن الزمن والمكان والانسان ..