أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد إدريس - «يحرم و لا يجوز الترحُّم على غير مسلم» : كيف يصدر هذا عمَّن يصف نفسه بالمسلم ؟














المزيد.....

«يحرم و لا يجوز الترحُّم على غير مسلم» : كيف يصدر هذا عمَّن يصف نفسه بالمسلم ؟


أحمد إدريس

الحوار المتمدن-العدد: 7782 - 2023 / 11 / 1 - 22:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(دعاء : اللهم أغث عبادك المَقهورين المُعذَّبين المَقصوفين المُنكَّل بهم في غزة. اللهم إرحمهم بعظيم رحمتك. يا رب !)


سُنة إلهية لا تعرف التبديل و لا التغيير في هذه الآية القرآنية : « إن الله لا يُغيِّر ما بِقَوْم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم. » أوَّل ما يَجِب أن نعمل على تغييره، بِحزمٍ، هو طريقةُ تفكيرنا و نظرتُنا للعالَم. تنصلح الأمور و الأحوال عندما تنصلح العقول و الأفكار. هذا بطبيعة الحال لا يكفي، فلا بد أيضاً أن تنصلح الضمائر و النفوس، و لكنه أكثر من ضروري. فَمِن غير إصلاحٍ فكري جاد و جذري، مُحال أن تنصلح أحوال البلاد و العباد. إصلاح التفكير و تصحيح التصورات هو أساس البناء الحضاري السليم للأمة. هكذا يُبنى الإنسان السَّوِي المستقيم، الذي يَبني حضارة الرحمة الشاملة : « و ما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالَمين » (قرآن).

« إذا لم تَكُن، أيها المسلم، في قلبك و فكرك و عملك، رحمة للعالَمين، فأنت على طريق غير طريق رسولك محمد - صلَّى الله عليه و سلَّم -، فقد قال له ربه الذي أرسله : "و ما أرسلناك إلاَّ رحمةً للعالَمين". » (عصام العطار)


الله أرسل الذي احتفلنا قبل أكثر من شهر بذكرى مَولده رحمةً للعالَمين. المسلم الحق لا يمكن إلاَّ أنْ يسعى في هذه الحياة ليكون رحمة للعالَمين : الرحمة صفة مُلازمة له فلا تنفك عنه أبداً، هي صِبغة راسخة في سُلوكه الراقي و هي عُنوان روحانيَّته الأصيلة العالية، و السِّمة الأولى التي يُعرَف بها بين الأنام. حتى المخلوقات الغير آدمية - حيوانات و جمادات - تطالُها و تشملها هذه الرحمة… هو إذن إنسان مُتشبِّع بثقافة اللاَّعُنف. ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل ﺑﺼﺪد ثقافة اللاَّعُنف : أرى أنَّ وصفة علاج الأمراض المُتعدِّدة و المُزمنة التي تعاني منها هذه الأمة، يجب أنْ يتصدَّرها تمجيدُ و إشاعة و تفعيل ثقافة اللاَّعُنف و التسامح و المحبة. يلزمنا إطار فكري سليم. نريد ثقافة لا تُمجِّد الموت بل الحياة بكافة مظاهرها، نريد ثقافة خالية من بث الكراهية الطائفية أو الدينية. اللاَّعُنف الذي أقصد لا يعني اللاَّمُقاومة و الرضوخ للظلم… لكن المُقاومة الناجعة المُجدية و المحمودة هي التي تكون بذكاء - فالعالَم الواقعي قاس و في الغالب لا يرحم الضعفاء قليلي الذكاء. و هي التي يُحافظ فيها المُقاوم على إنسانيته. الأمر ليس باليسير و خاصة في بعض الأحيان و وَسَطَ ظروف استثنائية، لذلك فالمقاومة على هذا النحو تُمثل بنظري أعلى مراتب الجهاد الحقيقي.

المسلم الحقيقي إذن ينبغي أنْ يكون رحمةً للمخلوقات كافة، في كُل ما يفعله أو يصدر عنه، و مع ذلك يطلُع علينا بَيْن الحِين و الآخَر شيخ يُفتي للأمة : « حذار و إياكم أن تطلُبوا مِن ربكم الرحيم الكريم الوَدود الشَّفوق العَطوف الحليم اللطيف الرحمة لصالح مَوتى غيركم مِن بني آدم » ! ضلال ما بعده ضلال : الترحُّم على موتى نُظراء لنا في الخَلق، سيجلِب علينا غضب مَن إسمُه الرحيم ! و هكذا صِرنا أغرب أمة أُخرجت للناس : يموت الطالح مِن قومنا، فليس مُستبعَداً أن نجد مَن يُفتي عندنا، و لو أن هذا الذي مات قد أمضى حياته في ارتكاب جميع المنكرات و الأفعال الشريرة الحِسية و المعنوية : « يجوز أنْ ندعو له بالرحمة و المغفرة لأنه مات مُسلماً » ؛ يموت الصالح مِن غيرنا، فبكل تأكيد سنجد مَن يُفتي عندنا، و لو أن هذا الذي مات قد نذر حياته لخدمة قضايانا و أفنى عُمره في إطعام فُقرائنا و الدفاع عن جميع المقهورين في العالَم : « يَحرُم الدعاءُ له بالرحمة لأنه مات كافراً » ! أيُعقل أن يوصف شرير بالمسلم و مُحسن بالكافر يا معاشر الشيوخ ؟

شيوخ الدين عندنا في مُجملِهم بحاجة إلى طريقة تفكير جديدة تُمكِّنهم من استيعاب رحابة التجربة الإنسانية على مستوى العالَم، و تُخرجهم من قَوقعة التمايُز المَزهُوِّ عن الآخَر التي ما زالوا يتَمتْرسون بعناد وراءها إلى الفضاء الإنساني و الحضاري الواسع… و ليبدأوا بفتح قلوبهم لجميع الخلائق و تَوسيع آفاقهم و رفع حِسهم الإنساني، إن كانت تحدوهم رغبة صادقة و حقيقية في أن يصيروا للعالَم قاطبة رحمة ! إن كانت لديهم رغبة جادة بأن يكونوا مُساهمين بفاعِلية و إيجابية في صناعة المُستقبل. إن كانوا جادِّين صادقين في السعي لِبناء مجتمعات راقِية مُتوازِنة في جَوَانبها المادية و الروحية و أكثرَ إنسانِيَّة.

متى ترتقي فلسفتُنا الدينية إلى مستوى : « و ما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالَمين » ؟


« لا بُد من إعادة تقديم الدين في أصوله النقية، و بلُغة عالَمية عصرية تخاطب الكُل في كل مكان، و ليس بلُغة طائفية مُنغلقة متعصبة. لا بد من تقديم الدين في روحه و جَوهرِيَّته و ليس في شكلِيَّاته : الدين كتوحيد و خُلق و مسؤولية و عمل بالدرجة الأولى، الدين كحُب و وعي كَوني و علم و تقديس للخير و الجمال. » (مصطفى محمود، "نار تحت الرماد"، 1979)

« الإسلام بصفته دين الرحمة، هو أَولى من غيره بنشر ثقافة المحبة و التسامح و السلام، لتشمل الإنسانية جمعاء. » (محمد شحرور)

« لقد طرأ على المسلمين كثير من الدَّخن ذهب بجمال دينهم و طمس معالِم الإنسانية فيهم، فنريد أن نُصفِّي أذهاننا من الغَبَش و نطرُد القسوة من قلوبنا ؛ لِنَعلم، وَفق تعاليم ديننا الأصيلة، أنَّ لليد الممدودة قوة كبرى - و رُبَّ ابتسامة أقوى من السلاح -، و أنَّ ما يجمع البشر أكثر مِمَّا يفرِّقهم لأن الذي يُحاسبهم على عقائدهم - صحيحة أو فاسدة - هو الله تعالى يوم القيامة ؛ و (…) نُشعر الآخَر أننا نُحِس بفرحه و حزنه، نُحِب له ما نُحِب لأنفسنا، نحن و إياه في مركب واحد هو مركب الحياة الدنيا، يُمكن أنْ نقطع الرحلة معاً. » (عبد العزيز كحيل، "إنسانية المسلم" - مقال على الإنترنت -، 2017)



#أحمد_إدريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عنصرية حتى في الدعاء !
- أخشى أن يكون أكثرُنا للحق كارهاً !
- لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها مهما كلف ذلك…
- آن الأوان !
- الإرهاب التكفيري : أسبابه و علاجه
- أقترح على المبشِّر صاحب البرنامج القديم «سؤال جريء» أن يتناو ...
- جوهر المشروع التنويري الأصيل
- عاجلاً أو آجلاً، الصدق محمود العواقب ؛ عاجلاً أو آجلاً، الكذ ...
- فليسقطْ حُكم الرِّدة المُجرم !
- إسلام الأنوار هو طريق الخلاص
- ضرورة أن ننتقل من نقد يُكرِّر نفسه و مُوغل في السَّلبية إلى ...
- نحو ثورة في الفكر الديني
- تَحرَّرُوا من العبودية الطَّوْعِية !
- عن وفاة القرضاوي
- الوهم الأخطر على الإطلاق : وهم امتلاك الحقيقة المطلقة
- فهمنا الحالي للإسلام لا يُعين كثيراً الحياة
- عن الفكر النقدي و استخدامه في عملية التجديد الديني
- أليس فيكم رجل رشيد، يا فُقهاء و أئمة الإسلام ؟
- ما اضطُررت لفعله قبل فترة في سعيي لكي ينتصر التنوير
- و لَسَوف تعرفون الحقيقة…


المزيد.....




- -اليهودي المقدَّس-.. قصة فلسطيني اعتنق اليهودية وقتلته نيران ...
- أغاني البيبي تفرح وتسعد طفلك..حدث تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- رأي.. بشار جرار يكتب عن مستقبل -الإخوان- في الكويت والأردن: ...
- 3 أحفاد يهود.. هل تؤثر روابط بايدن العائلية على دعمه لإسرائي ...
- الشرطة الفرنسية تقتل جزائريا أضرم النار في كنيس يهودي
- أبو عبيدة: التحية لأخوتنا في المقاومة الإسلامية في العراق
- دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا
- جدل وسخط بين الأوساط الدينية في مصر ضد انطلاق -مركز تكوين ال ...
- قلوب ولادك فرحانة.. تحديث جديد لـ تردد قنوات الأطفال نايل سا ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقعي ‏بياض بليدا و‏البغد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد إدريس - «يحرم و لا يجوز الترحُّم على غير مسلم» : كيف يصدر هذا عمَّن يصف نفسه بالمسلم ؟