أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - عن مفهوم الآخر














المزيد.....

عن مفهوم الآخر


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7773 - 2023 / 10 / 23 - 12:55
المحور: حقوق الانسان
    


لا يقتصر مفهوم الآخر على النوع الاجتماعي، بقدر ما يمثّل أبعادًا حقوقية وقانونية وثقافية واجتماعية، سواء كان هذا الآخر دينيًا أو إثنيًا أو لغويًا أو سلاليًا. فهو في عموم الثقافة الإنسانية والحضارات المختلفة، متجذّر في منظوماتها بما يشتبك اليوم مع مفهوم المواطنة العصرية، إذْ لا يمكن الحديث عن المواطنة بمعناها السائد في الدولة الحديثة، إلّا ومعها التعدّدية والتنوّع، وترجمة هذا القول عمليًا، تعني قبول الاختلاف، الذي هو من طبيعة الأشياء.
وعلى مرّ التاريخ، انقسمت الرؤى إزاء الآخر سلبًا أو إيجابًا، قبولًا أو رفضًا، والأمر يتعلّق بدرجة تطوّر المجتمعات ومستوى وعيها، فالمجتمعات المتقدمة، التي عرفت قدرًا من الحريّة والتسامح، اتّجهت إلى الإقرار بالحقّ في الاختلاف، أمّا المجتمعات المتخلّفة، فيتغلّب الإنكار على علاقتها مع الآخر بسبب التعصّب والغلو وادّعاء الأفضلية.
وبالطبع، فإن الاختلاف في النظر إلى الآخر، يتباين بين تيار فكري وسياسي وآخر، وبين فئة اجتماعية وأخرى، وبين شخص وآخر، تبعًا لدرجة الوعي من جهة، والثقافة الحقوقية من جهة أخرى، والمنظومة القانونية السائدة والتطوّر الاجتماعي، من دون نسيان المصالح التي تتحكّم بمسار هذه الاعتبارات.
وإذا كان الإنسان كائن اجتماعي أو حيوان اجتماعي بطبيعته، حسب ما تناوله الفلاسفة الأوائل من سقراط وأرسطو، وصولًا إلى الفارابي، فإنه والحالة هذه، لا يستطيع العيش دون الآخر، وهذا يتطلّب قدرًا من التسامح والقبول، وهما طريقان إلى المساواة والعدالة، لاسيّما بتجاوز الأنا المتعصّبة جماعيًا أو فرديًا، تلك التي تقوم على الاستعلاء والزعم بامتلاك الحقيقة والتفوّق.
صحيح أن المجتمعات المتقدّمة تجاوزت الموقف السلبي من الآخر، إلى حدود غير قليلة، إلّا أن نظرتها إلى شعوب العالم الثالث وتعاملها معها، ما تزال تنطلق من العقلية الاستعلائية، التي لا تخلو من العنصرية. أمّا مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فهي تعاني من أنواع مختلفة من التمييز والإقصاء والتهميش، الأمر الذي قاد إلى تخندقات حادة، إثنية ودينية ومذهبية ولغوية واجتماعية وغيرها، بسبب صراع المصالح على السلطة والثروة، وقاد إلى صراعات تناحريّة، لاسيّما حين تغيب المواطنة المتساوية والمتكافئة، ويتمّ التنكّر لحقوق المجموعات الثقافية، التي تُسمّى مجازًا ﺑ "الأقليات"، علمًا بأن مجتمعاتنا تضمّ تعدّديات وتنوّعات تاريخية، ولا يمكن اختزالها إلى هيمنة أيديولوجية واحدة، أو إثنية واحدة أو دين واحد، لأن ذلك سيعني تجاوزًا على قبول الحق في الاختلاف، بما يقود إلى الاحتراب ويزعزع الوحدة المجتمعية والاندماج والتفاعل والتكامل المؤسس لحالة التسامح والعيش معًا والتواصل السلمي، الذي هو مصدر قوّة للجميع.
الاختلاف في الأديان أو الإثنيات أو المذاهب أو التيارات الاجتماعية والسياسية والثقافية، أمر طبيعي، وهو من صلب الحياة وواقعها، ولا تنبجس الحقيقة دونه، وذلك نابع من الفطرة الإنسانية، التي تشكّل الدافع الأعظم للتعايش والتواصل، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ من حمايته قانونيًا، والحفاظ عليه مجتمعيًا، لأنه ظاهرة كونية.
إن واحدة من محن المواطنة في البلدان النامية، تكمن في العلاقة مع الآخر المختلف، وتلك إشكالية ما تزال قائمة ومؤثرة في مجتمعاتنا، خصوصًا شعور بعض الفئات والجماعات بالإجحاف والغُبن وعدم المساواة، الأمر الذي يؤدي، بتفاقمه، إلى نشوء أزمات حادة، أثرت وتؤثر في استقرار بعض الدول ووحدتها ومستقبلها، فضلًا عن هدرها طاقات بشرية ومادية ومعنوية، ينبغي عدم تبديدها والاستفادة منها. وإذا كان شعار المواطنة للجميع، فهذا يعني حق كلّ مواطن في الحريّة والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة، بما يحفظ كرامته الإنسانية وحقوقه الطبيعية وخصوصيته وهويّته الفرعية، وبالتالي حقّه بالاختلاف.
ولعلّ المواطن الاعتيادي، بعيدًا عن الأفكار المترسبة والآراء المسبقة، التي تقلل من شأن الآخر، فإنه، يعيش مع الآخر ويشاركه همومه بتلقائية وعفوية، دون النظر إلى دينه وقوميته ولغته وجنسه وأصله الاجتماعي، ولكن حين تتدخّل الأيديولوجيات الضيقة والفكر الأُحادي الإقصائي، يكون الأمر مختلفًا، لاسيّما بالتعصّب الذي ينتج وليده التطرّف، وهذا الآخر حين يصبح سلوكًا، يتحوّل إلى عنف وإرهاب.
إن التعرّف على الآخر والحوار معه، يعزّز من فهمه على نحو واقعي وعقلاني، وليس عبر تصورات عنه، وإنما عبر صورته الحقيقية كما يقدّمها هو، الأمر الذي يحتاج إلى نقد إيجابي للمعطيات النمطية والمشوشة والسائدة بشأن الآخر.
وهنا لا بدّ من البحث عن المشتركات الإنسانية الجامعة، تلك التي، بتعزيزها، تؤدي إلى إنتاج خطاب وسطي اعتدالي يعترف بالإنسان كقيمة عليا وبخصوصيته وهويتّه الفرعية، في إطار الهويّة الموحّدة وليست الواحدة، وذلك أكثر ما تحتاجه مجتمعاتنا، حكومات وأحزابًا ومؤسسات دينية وتربوية وإعلامية وقانونية وحقوقية ومدنية، لاسيّما بتوسيع المساحة المشتركة التي تخدم مشروع الانفتاح والحوار والسلام والعدل. فالإنسان أخ الإنسان، بغضّ النظر عن الاختلاف، فضلًا عن أنه مقياس كلّ شيء حسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترانسفير غزّة
- هل من أمن قومي عربي؟
- بعيدًا عن السياسة الجواهري والطالباني الشيخ والمريد
- القطبية واللّاقطبية و-مفارقات القوّة-
- حديث الألفيتين و -فردوس الفقراء-
- الحاكم والمحكوم وما بينهما
- مقاربة استهلالية مظفر النواب - صورة عن قرب
- شجرة الأرز 8141
- أسلحة الحرب الناعمة
- سيرورة التاريخ
- الخوارزميات -الثورة المنسية-
- طلال سلمان: رؤيوي حالم بالحريّة والعروبة والجمال
- أوكرانيا وحروب الجيل الخامس
- سيناريو الحرب الالكترونية
- الرومي: الروح ومدارك الكمال
- نزيهه الدليمي الراهبة المتصوّفة في صورتها السياسية
- -أنسنة- الذكاء الاصطناعي
- الكرد الفيليون: إشكالية المواطنة والجنسية في ضوء القانونين ا ...
- الثورات: تقدّم أم تراجع...؟
- لوزان والكرد والجيوبوليتيك


المزيد.....




- الخارجية الأردنية تدين الاعتداء على مقر وكالة -الأونروا- في ...
- برنامج الأغذية العالمي يحذر من شلل جهود الإغاثة في لبنان
- مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يبعث رسائل لمسئولين أمميين حو ...
- الأونروا: استمرار غلق المعابر ومنع دخول الوقود سيصيب العمليا ...
- رأي.. جيفري ساكس وسيبيل فارس يكتبان لـCNN: السلام يبدأ بعضوي ...
- رسالة تهديد من مشرعين أمريكيين للمدعي العام بالمحكمة الجنائي ...
- الأمم المتحدة: لم تدخل أي بضائع إلى غزة اليوم عن طريق المعاب ...
- رئيس استخبارات إسرائيلي سابق: صفقة واحدة توقف الحرب وتحرر ال ...
- إيران تسعى لتشديد حملتها على اللاجئين الأفغان
- المغرب يهاجم منظمة العفو الدولية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - عن مفهوم الآخر