أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل زاهد - عندما يتأبط الموت ذراعنا !!















المزيد.....

عندما يتأبط الموت ذراعنا !!


أمل زاهد

الحوار المتمدن-العدد: 1735 - 2006 / 11 / 15 - 12:03
المحور: الادب والفن
    


نعم دون شك العادة تقتل الدهشة والتكرار يقضي على الانبهار.. وحتما يتناسل من ايقاع العادة ورتابة التكرار تبلد المشاعر وجمود العواطف وتصحرها ، فتفقد الأحداث الجلل هيبتها وتخلع عنها نياشينها وقوتها لتتحول إلى مجرد خبر في صحيفة أو صورة مفجعة في نشرة أخبار تخطف أبصارنا لوهلة ثم لا تلبث أن تأخذ دهشتها معها وتروح وتخلينا !! أو يتحول الحدث المهيب إلى رقم بائس في قائمة تسجل فيها أسماء الضحايا أو المفقودين .. أو شلال نازف أحمر لا يشبه لون الدم ولا يقارب فجيعة الانسان برؤية قطراته وهي تنسكب وتفيض لتستل بخروجها وتدفقها حياة إنسان فتوديه إلى حيث حتفه وهي تجر معها أحلامه وآماله إلى حيث القبر والفناء !! هذا ما يجول في خاطري ومشاهد القتل والدماء والتفجير والتدمير وقصف القنابل وهدم البيوت وعمليات الانتحار تطل علينا بشماتة واستهزاء من نوافذ الجرائد أو من شاشات التلفزة فيفقد المشاهد يوما بعد يوم إحساسه ببشاعة وقسوة ما يحدث ويتحول الموت إلى فعل نقارب حدوده الجارحة كل يوم دون أن يهز فينا ساكنا أو يحرك في دواخلنا شعورا بألم أو احساسا بأسى !!
ولطالما تساءلت وأنا أتابع ما يجري في انحاء متفرقة من عالمنا العربي المتأجج بالصراعات والمحترق بنار الحروب وبلظاها المستعر عن كيفية تعايش الانسان مع الموت وكيف يصاحبه كل ليلة ويرافقه كل يوم ؟! وهل يفقد الموت هيبته عندما يضاجع الانسان الموت كل يوم فيعتاد على براثنه الحادة وهي تغرس بأنيابها في جلده فتسرق منه تارة القريب الغالي وأخرى الحبيب الأثير وثالثة الجار العزيز وهل تتبلد مشاعره فيعتاد الفقد ويتعايش مع لوعة الغياب وفجيعة الرحيل ؟! ولطالما تساءلت وأنا أحكم الغطاء على ابنائي خوفا من برد قارص في الشتاء أو لفح هواء التكييف في الصيف عن الأمهات في بلاد الحروب وكيف يصاحبن الخوف ويتعايشن مع القلق من فقد الأحبة وفراق الاعزاء ؟! وماذا يعني أن يخرج الابناء فلا تعرف الأم هل سيعودون إلى حضنها أم أن قصفا سيأخذهم إلى حتفهم أو عملية انتحارية ستقودهم إلى هلاكهم ؟ ! وتساءلت طويلا هل يندحر الخوف عندما يلقي بظلاله السوداء على الحياة برمتها فيصبح قطعة منها وماركة مسجلة لتفاصيلها اليومية فيفقد قدرته على خلع القلوب والعبث بالمشاعر ؟! أم أن الشعور بالخوف والتعبير عنه تصبح له أشكالا مختلفة وصور متباينة في أوقات الحروب ؟! وهل تصبح ممارسة الحياة بتفاصيلها اليومية ودقائقها الصغيرة فعلا من أفعال المقاومة يتحدى به الانسان الفقد والخوف والفجيعة والمرارة.. ليثبت أنه قادر على الصمود حياة وأنه غير قابل للعطب وأن مواقد ارادة الحياة تتأجج في أعماقه ولا تلق بالا حتى لأيدي الأحبة الراحلين وهي تلوح مودعة في الفضاء أو لاصواتهم المتحشرجة وهي تفارق الحياة ؟!
نهى الراضي الفنانة والتشكيلية العراقية تتحدث في كتابها (يوميات بغدادية ) عن معايشتها للحرب في العراق وتسجيلها لتفاصيل حياتها وحياة من حولها إبان حرب تحرير الكويت ، وكيفية تعايشهم مع الخوف والذعر وتكيفهم مع فقدان أمور يسلم الناس عادة بوجودها ولا يشعرون بأهميتها إلا حين يدركون أنها لم تعد رهن إشاراتهم كتيار الكهرباء أو قطرات الماء في الصنبورأو حتى الذهاب إلى قضاء الحاجات الطبيعية للإنسان . ولا تملك وأنت تقرأ يومياتها إلا الشعور بقوة وعظمة الانسان وقدرته الفائقة على معايشة الخوف وتحدي الموت ، فهو يتحدى الموت بالمزيد من حب الحياة ويتقوى على مرارة الأيام بالغرق في ايجاد وسائل تحسن حياته وتمكنه من الاستمرار، بل إنه يحاول كسرة حدة الملل وسطوته بمحاولة نهش الفرح حتى من بين براثن فجائع الحروب ! وهي تصف سيدتين عجوزتين بلغتا عمر المئة وعشرة قدر لها أن تذهب إلى بيتهما فوجدتهما في غرفة المعيشة لانهما تخشيان صعود الدرج إلى غرفتي نومهما فتنامان بملابسهما على الارائك فتقول : إنهما تبدوان في غفلة عن هول ما يحدث حولهما ، لا تركزان إلا على الأمور الآنية . هرمتان وهزيلتان لكنهما حيويتان ومسليتان رغم كل شيء !
ولعلي أيضا لاأنسى فيلما تسجيليا شاهدته من عدة سنوات تتحدث فيه سيدة لبنانية عن الحرب الأهلية في لبنان وعن مشاعرالناس وتلاحمهم وتقاربهم وإحساسهم بالمشاركة في خبز الفجيعة ومرارة الفقد فيشدون حول خاصرتهم من قوة تلك المشاعر وحميمتها الدافئة حتى تساعدهم على الاستمرار وحتى تنفحهم الأمل . وذكرت تلك السيدة أن علاقتها بزوجها في تلك الفترة كانت في أوج قوتها وحميمتها كما أيضا علاقتها بكافة أفراد عائلتها وكل من يمت لها بصلة قرابة وكذا بالطبع المعارف والأصدقاء . ففي هذه الأوقات يصبح الحب أيضا فعل مقاومة يتدثر به الناس لكي يحميهم من الخوف ومن اليأس والاحساس القاتل بالعبث واللاجدوى الذي تخلفه الحروب وراءها ! وهناك كثير من قصص الحب الجميلة خرجت من تحت ركام الحروب ومن بين أنقاض الموت والخراب لتثبت قوة الانسان وقدرته على اتقان فن البقاء ورفضه للفناء والعدم .
تلملم علوية صبح في روايتها ( مريم الحكايا ) أطرافا من قصص الحرب الأهلية في لبنان وتبحث مريم (بطلة القصة ) جاهدة طوال الرواية عن علوية صبح التي راحت تجمع القصص وتلم شعث المشاعر والأحاسيس التي وعدت بأن تسكبها في حكاويها وقصصها عن الشخوص الذين يحكون لها ما يمر بهم في أيامهم من تفاصيل .. ولا بد أن يتسلل إليك وأنت تقرأ لغة علوية القشيبة وتوصيفها البارع تلك الأحاسيس القاتمة باليأس والعبث والمرارة التي كست حياة الانسان اللبناني وهو يتجرع ويلات الحرب ، ولا بد أيضا أن تشعر بقدرة الحرب على تغيير مسارات الناس ورسم قناعات جديدة لهم وتغيير خرائطهم الذهنية وتقييمهم للأمور وتعاطيهم وتفاعلهم معها ، بل إن بعض شخصيات علوية تنتهج طرقا ما كانت لتنتهجها وتقوم بأفعال ما كانت لتقوم بها لولا احساسها باليأس والعبث واللاجدوى !
الضحك والفكاهة أيضا فعل من أفعال المقاومة التي تساعد على ازدراد الفجيعة وتحمل اللوعة والأسى وتقبل قسوة أيام الحروب ، وفن السخرية واختراع النكات اللاذعة مرافق دائما للمعاناة والألم ..فمن رحم الأسى تخرج الضحكات الساخرة والقفشات البارعة التي تراوغ الحزن وتحاول التملص من قبضته بانتزاع البسمة من نفوس يمضها الألم وتشجيها اللوعة ، ورغم سودواية ذلك الضحك ومرارة تلك السخرية إلا أنها هي الاخرى تشكل فعلا من أفعال المقاومة .
ضحك تحت القصف كان عنوان مسرحية ابطالها من الاطفال النازحين من الجنوب اللبناني في الحرب الأخيرة على لبنان واللذين لجأوا وأهاليهم لمسرح المدينة في بيروت ، بالاضافة إلى مجموعة من الشباب و مشاركة مرتجلة من الجمهور. قام بإخراج المسرحية المخرج الفلسطيني الشاب شريف عبد النور وهي حلقة من سلسلة ورش عمل ( علاج عبر الدراما ) ، فتحولت هواجس الناس وعذاباتهم إلى بوحا جماعيا علنيا على مرأى من جمهور قرر أن يتحدى معاناة الحرب ويقف صلدا في مواجهتها .. والمخرج يقول : التغلب على القصف والتهجير والخوف قد يصبح في حد ذاته ثقافة تلعب الفنون فيها دورا رئيسيا !



#أمل_زاهد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لابد من حلول قاطعة !!
- وارث الريح
- الثقافة فعل تمرد
- وجها لوجه أمام ظاهرة التحرش الجنسي
- هموم وشجون رمضانية
- تلك العتمة الباهرة
- فليحيا الوطن .. فليسقط الاشقاء !!
- مابين طرفي نقيضين !!
- بين الموت والخلود
- الكوني والمرأة .. عدوانية وكره أم عشق وتوق ؟
- هل هو حي يرزق ؟
- ظاهرة العنف الأسري : إلى أين نحن ذاهبون ؟
- الخميائي وبيع الأحلام !!
- عن قضية المرأة أتحدث
- هكذا تكلمت النساء !!
- فتاوى التمييز الجنسي !!
- رجال ونساء وعلاقات غير سوية
- عذرا معشر الليبراليين العرب ..!!
- أنتم ملح الأرض !!
- بيروت عم تبكي !!


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل زاهد - عندما يتأبط الموت ذراعنا !!