أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أمل زاهد - الكوني والمرأة .. عدوانية وكره أم عشق وتوق ؟














المزيد.....

الكوني والمرأة .. عدوانية وكره أم عشق وتوق ؟


أمل زاهد

الحوار المتمدن-العدد: 1671 - 2006 / 9 / 12 - 10:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تبدو لنا علاقة ابراهيم الكوني الروائي الليبي المعروف بالمرأة غامضة، مبهمة تتشابك فيها المشاعر وتتداخل بتعقيد محير وتخرج من أعماق متاهة مظلمة. فهذه العلاقة مغلفة بدهاء ومهارة شديدين بمشاعر كراهية تتدفق بها لوحات الكاتب ويوحي بها لقرائه كي يخفي بها ذلك الحنين الشديد للمرأة وذلك التوق إلى حضورها وتواجدها . ففي هذه العلاقة المعقدة تختلط الأضداد وتتمازج وتتماهى فلا تعود تستطيع أن تتلمس تلك الخيوط الدقيقة الفاصلة بين الأشياء ونقائضها ، بين الحب والكراهية وبين العدوانية الفاجعة التي تروع القراء بشدتها وقسوتها والتي يندس بين جنباتها ذلك العشق الشديد والحاجة الماسة لوجود المرأة.. ذلك الكائن الذي يصوره الكوني ناعما كالحية عندما تلمسه ولكنه لا يلبث أن ينفخ في وجهك بشرره ويلدغك بسمومه ويرديك بترياقه فيحول حياتك إلى حجيم أبدي لا نهاية له وإلى ظلمة قاتمة لا شمس تبدد سوادها .
والتطرف في الكراهية يخفي دائما بين أعطافه ولهاً شديدا وولعاً آسراً ، فيتحول هذا العشق إلى أحد أشكال العدوانية عندما لا يجد صاحبه متنفسا له على أرض الواقع ، كما أن محاولة نفي الشيء تنبع أصلا من إدراك الإنسان لقوة حضوره في أعماق نفسه. فالفيلسوف الألماني ( نيتشه ) والذي كان يجاهر بعدائه للمرأة فهو القائل : ( أذاهب أنت إلى المرأة ؟ لا تنس إذن سوطك !! ) ، كان يخفي ولعا شديدا بها ورغبة في الانضواء تحت مظلة علاقة سوية تربطه بها. فعشقه الجارف للآنسة ( لوسالومي ) التي أسرته بفطنتها وذكائها ونبلها كان من طرف واحد، فقاده إلى حافة الانتحار عندما تزوجت من صديقه ( باول ري ). كما أن عشقه( لكوزيما فاجنر) التي أحبها بصمت وعمق ، اعلن عن نفسه صريحا يوم خلع نيتشه ثوب الوعي ودخل إلى عالم اللاوعي- إبان فقدانه عقله - ، فبرز ذلك العشق من تلافيف عقله الباطن معبرا عن نفسه ومفضيا عن ألم صاحبه ، ففشله مع هاتين المرأتين كان دون شك باعثه لكراهية المرأة وشنه تلك الحرب الشعواء عليها .
وهنا لا بد أن تطوق علامات الاستفهام حياة إبراهيم الكوني العاطفية وحضور المرأة فيها وهو القائل : ( لا امرأة تدفع بالرجل العظيم إلى العظمة . هناك امرأة لم تعرف كيف تعرقل مسيرة الرجل العظيم إلى العظمة .) وهو القائل أيضا : ( من يحتفظ بالمرأة لا يحتفظ بنفسه ) وعشرات الأقوال الاخرى التي تدين المرأة وتصورها على أنها مصدر الغواية وأس البلاء . ناهيك عن اختفاء شخوص المرأة من كثير من رواياته كما في ( نزيف الحجر ) ، فالبطل (أسوف ) يخشى المرأة ولا يستطيع التعامل معها وينعزل في منفاه الاختياري بالصحراء بعيدا عنها وعن الأغيار. ووجودها الباهت تارة أخرى والذي يفوقها فيه المهري الأبلق في رواية ( التبر) والذي يعتبر فيه ذلك الحيوان البطل الثاني للرواية .. ذلك الوجود الذي يرهق بطله (أوخيد ) ويقف كحجر عثرة في طريق تحرره من علائق الحياة، وهو يرمز لوجود المرأة في حياة بطله بالوهق ، كما أن البلايا ترزح به وبصديقه المهري الأبلق عن طريق الأنثى فيجأر بالشكوى منها في عدة مواضع من الرواية فيقول في أحدها : (الأنثى أكبر مصيدة للذكر، سيدنا آدم اغوته امرأة !!). ومن خلال قول له كهذا في كتابه وصايا الزمان :( ويل لرجل اختلسته المرأة من نفسه ، ويل لرجل لم تختلسه المرأة من نفسه ) ، يتضح تشابك خطوط العلاقة التي تربطه بالمرأة وشدة تعقيدها ، فلا ابتعاده عنها يريحه ولا قربه منها يرضيه .
وعندما تدخل إلى عالم الكوني يروعك جفافه وغياب المرأة عن مسرح أحداثه ، ذلك العالم الذي تتداخل فيه الأسطورة مع الحقيقة ، وتشكل الصحراء بعزلتها وعظمتها وغموضها وإشاراتها أحد معالمه الرئيسية ، كما تتحرك فيه رموز أخرى كالصوفية والنبوءة والعزلة والرؤيا والحيوان فتعقد من أزمة وجود الإنسان الذاتية ، فلا تملك إلا أن تشعر بعمق هذه الأزمة وباستعصائها على الحل ، لتكتشف أن الإنسان مأسور في ذاته رهين لنصب يصاحبه منذ انزلاقه من رحم الأم إلى أن يطويه رحم الأرض.
دون شك تشكل الحرية والتوق إلى الانعتاق من علائق الحياة التي تكبل الإنسان أهم الهواجس التي يحاول أن يعبرعنها أدب الكوني ، فهو ذلك الانسان المجدول وجدانه بعشق الحرية ، المهووس بها المندفع حتى الجنون في سبيل نيلها ، فتضحي الحرية قيدا يطوق يديه بدلا من أن يطلق عقاله ويحرره من أصفاده ، فمن يعشق الحرية ويصل به الأمرإلى تقديسها يصبح أسيرا لها عبدا خاضعا لها وتضحي هي الرصاصة التي تطرحه أرضا وترديه قتيلاً . وعاشق الحرية ،المفتون بها ، والمتوله في حبها لا بد أن يصطدم بالمرأة ، لأنها كما يقول الكوني ( عدوة الحرية ) ، فالمرأة رحم يحبل بالحياة ويسعى جاهدا للمحافظة عليها ، يمد بجذوره في الأرض ويتعوشب في أعماقها متشبثا بها وطالبا الأمان من التصاقه بها ، ولذلك تسعى المرأة دائما إلى الاستقرار وتوفير رغد العيش وأسبابه ( للدمية ) وهو الرمز الذي يرمز به الكوني للولد ، بينما يهوى عاشق الحرية التحليق في سموات ليس لها مدى ، يرفض القيود ويكسرالأصفاد كي ينطلق مغردا أناشيده وشاديا بألحان الحرية. فالرجل مسكون بالحرية والمرأة مسكونة بالحياة وانتاجها ومن هنا يولد ذلك الصراع بين المرأة والرجل ، بين الابداع والتحررالذي يمثله الرجل وبين الحياة والاستقرار الذي تمثله المرأة ، وربما تنبع من هنا أزمة ابراهيم الكوني مع المرأة ،( فمن صار له الروح وطنا ، لن يكتب له أن يعرف الحياة في الأوطان ) كما يقول ابراهيم الكوني ، والمرأة لا تستطيع أن تحيا إلا في الأوطان .



#أمل_زاهد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل هو حي يرزق ؟
- ظاهرة العنف الأسري : إلى أين نحن ذاهبون ؟
- الخميائي وبيع الأحلام !!
- عن قضية المرأة أتحدث
- هكذا تكلمت النساء !!
- فتاوى التمييز الجنسي !!
- رجال ونساء وعلاقات غير سوية
- عذرا معشر الليبراليين العرب ..!!
- أنتم ملح الأرض !!
- بيروت عم تبكي !!
- من المسؤول عن تشوية الصورة ؟!!
- وهم الخصوصية !!!


المزيد.....




- صورة سيلفي لوزير مغربي مع أردوغان تثير انتقادات وردود فعل في ...
- سيارة همر -مسروقة- في دمشق تظهر ضمن سيارات الأمن السوري... ك ...
- -فضيحة الصندل-.. برادا تعترف باستلهام تصميمها من الصندل الهن ...
- مقتل 18 فتاة في -حادث المنوفية- يهز مصر وسط مطالب بإقالة وزي ...
- مئات الملايين والمليارات: حفلات زفاف باهظة الثمن في القرن ال ...
- ترامب: أنا -لا أعرض شيئا على إيران ولا أتحدث معهم-
- مشروع مغربي طموح يربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي
- توتر الوضع الأمني في الشرق الأوسط : كيف يؤثر على خطة لبنان ل ...
- بعد شهر من الغياب.. العثور على جثة الطفلة مروة يشعل الغضب في ...
- حل مئات الأحزاب الأفريقية.. خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة ا ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أمل زاهد - الكوني والمرأة .. عدوانية وكره أم عشق وتوق ؟