أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمل زاهد - الثقافة فعل تمرد














المزيد.....

الثقافة فعل تمرد


أمل زاهد

الحوار المتمدن-العدد: 1718 - 2006 / 10 / 29 - 11:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يلح وقتنا هذا بما يحفل به من متأججات ومتغيرات وتقلبات بسؤال يأبى إلا أن يفرض نفسه على المشهد الثقافي ، وهذا السؤال الملح الذي يدور حولنا بحثا عن إجابة يتعاطى مع تعريف المثقف .. من هو ؟ وما هو دوره ؟ وما الذي يتحتم عليه أن يفعله ؟ وهل يجب عليه أن يمد يده إلى أعشاش الدبابير ويحاول كشف الأحجبة وتمزيق الأقنعة وهز القناعات ليبّصر الناس بالواقع السيئ الذي يعيشونه ؟؟ وهل ستكون حياة الناس أفضل بالمعرفة ؟؟ وهل ستتحسن بالإدراك ؟؟ أم يؤثر السلامة ويتجنب التصادم مع منظومة المألوف ؟؟ وينسحب هارباً إلى داخل نفسه ، معتكفاً في كهفه الذاتي ومحيطاً نفسه بقوقعة متينة تحميه من مخاطر الاحتكاك بحراس الفكر التقليدي ، وحماته العاكفين على تلميع تماثيله وصقل لوحاته.
يُعرف زكي نجيب محمود المفكر المصري الراحل المثقف بقوله : (( هو رجل بضاعته أفكار يريد بها أن يغير وجه الحياة إلى ما هو أفضل )) . ويذكر أمثلة لمثقفين ساهموا في تغيير ملامح الحياة ، وتبديل الخرائط الفكرية ، محاولين الارتقاء بالحياة إلى الأفضل .. مثقفون آمنوا بأن الفكرة قادرة على أن تحدث تغييراً بعيد المدى وشديد المضاء ، كدميقراطس الذي قال (( أنه يفضل أن يظفر بفكرة تتقدم بها الحياة على أن يظفر بملك فارس )) ، وكالجاحظ الذي أحدث انقلاباً في موازيين الثقافة العربية فعبر بها من وجدان الشاعر إلى عقل الناثر ، وأبو حيان التوحيدي الذي خطا على خطاه ، وإخوان الصفا في القرن العاشر الذين بدلوا وجهة النظر العربية وقربوها إلى العلمية الموسوعية ، ومثقفو التنوير في فرنسا إبان القرن الثامن عشر ، والجمعية الفابية التي غيرت ملامح التفكير في الحياة الإنجليزية في أوائل القرن العشرين ، فأضرمت نيران التغيير وأججت شعلته .
والواقع يقول أن غالبية البشر تولد في مجتمعات معينة لها أنساق ثقافية واجتماعية وحضارية محددة ، وهم غالباً ما يتشربون ثقافتهم ويمتصون أفكارها وينطبعون بلونها ، ثم يصعب عليهم الخروج من آسار تلك الثقافة ، ويفشلون في أن ينظروا لها نظرة الناقد والمتفحص ، القادر على غربلة الأفكار لكي يختار منها ما يصلح للبقاء وما ينسجم مع متغيرات العصر ومستجداته . وذلك لأن تلك الأفكار صارت جزءاً من كيانهم وقطعةً من تكوينهم الداخلي لا يمكنهم فصل ذاتهم عنه ، وتعني عملية الفصل هذه بالنسبة لهم خيانة للأنا وعقوق للذات .. تلك الذات التي تتجه نحو الماضي البعيد تعب من مجده التليد كي يعطيها ويمدها بما يجّمل حاضرها الفقير وما يحسن من صورته في نظرها ، وهي حيلة نفسية تمارسها الأنا كي تحاول الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه المهدر والغارق في دوامة ابتلاع المنجزات الحضارية الحديثة مع عدم القدرة على خلقها أو حتى المساهمة في بناء لبناتها .
ويعرف الدكتور علي الوردي المثقف بأنه ذلك القادر بامتلاكه سلاح المعرفة على الخروج من القيود الثقافية والاجتماعية والحضارية إلى رحاب التعددية واحتضان الرأي الآخر وتقبله والتعاطي معه .وهو يفرق ما بين المتعلم والمثقف بأن للمثقف دائما القدرة على كسر أطر التعصب والتحيز والسباحة في مدى لا يحده رأي معين ولا يندرج تحت ثقافة محددة تحبسه داخل جدران حقيقتها المطلقة ويقينها المعلوم الذي لا يخالجه شك أو مراء . بينما لا يستطيع المتعلم الانفلات من قيود التعصب والتحليق في سموات التعددية وتقبل ثقافة الآخر ويبقى أسيراً للتعصب ورهينا لتطرف الرؤيا .
يقول ادوارد سعيد :( إن إحدى مهام المثقف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولبة والمقولات التصغيرية التي تحد كثيرا من الفكر الإنساني والاتصال الفكري ) ، و لا يكون ذلك بالطبع ممكناً إلا بالتخلي عن التعصب وشخصنة الأفكار، والقيام بالفصل بين الأفكار نفسها وما تنطوي عليه من حقائق وما بين صاحبها وعقيدته أو عرقه أو هويته .
كي يتمكن المثقف من التحرر يتحتم عليه أن يكون متمرداً على السائد ، يتحرق شوقاً وقلقاً إلى الحقيقة ، لا يركن إلى فكرة ما ولا يطمئن إلى مصداقيتها الطمأنينة التامة ، فينطلق ليضرم فيها النار إذا ما أحس ببوادر شك تتطرق في نفسه أو تضطرب بين جوانحه ، وعندها لا يتحرج في أن يتبنى غيرها . فالمثقف الحر يكون دائماً غير منتم لا تعميه الأدلجة ولا تحكمه القولبة ، لا يقدس الفكرة ويتجاهل الإنسان الذي وجدت الفكرة لتخدمه وتساهم في صنع عالم أفضل له ، وهو يمشي في طريقه غير هياب ولا وجل ، يمسك في يده بمعول هدم ولكنه في اليد الأخرى يحمل طوبة بنيان ، فهو يهدم ليبني ويكسر القوالب النمطية ليستحدث أخرى جديدة تقفز به وبمن حوله إلى سماوات التطور وفضاءات النهضة . والمثقف مأزوم ومهموم بما يشغل الناس لا يتعالى عليهم ولا ينفصل عنهم ، ينخرط في معاناتهم وينصهر في مشاكلهم محاولاً أن يجد ويخلق لها الحلول ، ولذلك فهو دائماً داخل دائرة الفعل و يرفض الركون إلى برج عاجي يقصيه عما يحدث في الحياة وعما يدور فيها ويصطخب . يحاول دائماً أن يمعن النظر في ما حوله من ظواهر وأن تتوفر في رؤيته تلك القدرة على التحليل والتشريح الذي يُشخّص المرض ويحدد مكمن الداء ، فالشفاء لا يمكن أن يتم إلا باكتشاف المرض والاعتراف به .
تبديل الواقع السيئ وتغيير حيثياته يحتاج إلى الاعتراف بشجاعة بالحقائق مهما كان ذلك قاسيا ومؤلما ، وإلى نقد أوضاعنا بكل صراحة وبدون أي محاولة للإخفاء أو التعتيم . ولقد قال الكاتب الروسي انطون تشيكوف يوماً ما :(( لقد أردت فحسب أن أقول للناس بصدق وصراحة : انظروا كيف تحيون حياة سيئة مملة . فأهم شيء أن يفهم الناس ذلك ، وعندما يفهمون سيشيدون حتماً حياة أخرى أفضل .. حياة مختلفة تماما لا تشبه هذه الحياة ،وحتماً لن أكون شاهداً عليها )).



#أمل_زاهد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجها لوجه أمام ظاهرة التحرش الجنسي
- هموم وشجون رمضانية
- تلك العتمة الباهرة
- فليحيا الوطن .. فليسقط الاشقاء !!
- مابين طرفي نقيضين !!
- بين الموت والخلود
- الكوني والمرأة .. عدوانية وكره أم عشق وتوق ؟
- هل هو حي يرزق ؟
- ظاهرة العنف الأسري : إلى أين نحن ذاهبون ؟
- الخميائي وبيع الأحلام !!
- عن قضية المرأة أتحدث
- هكذا تكلمت النساء !!
- فتاوى التمييز الجنسي !!
- رجال ونساء وعلاقات غير سوية
- عذرا معشر الليبراليين العرب ..!!
- أنتم ملح الأرض !!
- بيروت عم تبكي !!
- من المسؤول عن تشوية الصورة ؟!!
- وهم الخصوصية !!!


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمل زاهد - الثقافة فعل تمرد