أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - مترجم/ إطلالات على مغهوم الكارثة (الجزء الرابع والأخير)















المزيد.....

مترجم/ إطلالات على مغهوم الكارثة (الجزء الرابع والأخير)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7747 - 2023 / 9 / 27 - 00:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بالمعنى العام، الكارثية هي الميل إلى اعتبار الكارثة طريقة طبيعية لظهور الواقع. ويمكن أن يصل الأمر إلى حد عبادة الحوادث، كما نرى في وسائل الإعلام المعاصرة. هذا التواطؤ بين الكارثية والمشهدية ليس حديثا لأنه إذا لم يكن المعنى المسرحي للكارثة أساسيا، فقد ظهر في القرنين السادس عشر والسابع عشر دور النموذج الإرشادي لحوادث الحياة الأكثر شذوذا (أمراض، أوبئة) تماما كما لو كان العالم خشبة مسرحية.
من ناحية أخرى، النتيجة الدموية للمآسي في كثير من الأحيان هي التي أعطت الكارثة معناها السلبي القاطع. أسس أرسطو نظريته عن التطهير انطلاقا من مأساة أوديب. مما لا شك فيه أن فرجات الكوارث لها وظيفة مماثلة في الخلاص والوقاية. تعرض العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الناجين الذين مرت عليهم الكارثة بالفعل.
يتذكر سلافوي جيجيك أن أحد الدروس الأساسية للتحليل النفسي هو أن "صور الكارثة، بعيدا عن إتاحة الوصول إلى الواقعي، يمكن أن تكون بمثابة درع يحمي من الواقعي".. لقد حصنت خيالات وصور الكارثة الإنسان المعاصر ضد الكارثة الوحيدة التي لن ينجو منها.
مثل العنف، والموت بشكل عام، تثير الكارثة مزيجا متناقضا من النفور والانبهار. هناك افتتان بالكارثة، ورغبة في الكارثة لن تتوقف "الكارثية المستنيرة" عن الاصطدام بهما.
حداثتنا، التي تمارس عبادة الحادث (الحادث هو ما يسمح، من خلال عرضه في صور، وبالتالي إخراجه مسرحيا، بإعطاء قيمة سوقية للمؤثرات). حداثتنا تستخدم الكارثة بشكل مبالغ فيه.. إنكار الكارثة أكثر انتشارا من الكارثية: فهو يعتمد على هذا التشبيه الذي يستنتج "أبدا" من "ليس بعد". لا نريد أن نصدق ما نعرفه، وهذا ينطبق على موتنا الجماعي كما ينطبق على موتنا الفردي.
إن "الكارثية المستنيرة" التي ينوي جان بيير دوبوي ترويجها تقوم على الحيلة العقلية التالية: إذا كنا نعتقد أن الكارثة يمكن تجنبها، فإنها سوف تحدث؛ ولكن إذا كنا مقتنعين بأنها أمر مؤكد، فلدينا فرصة لتجنبها.
تُذكِّر هذه المصطلحات، الكلاسيكية، بمنطق الجهات حول الممكن والضروري، الذي أدخل أرسطو في صراع مع الميغاريين*. أكد هؤلاء الأخيرون أنه لا يمكن القول بأن الحدث ممكن إلا من لحظة حدوثه بالفعل. وبعبارة أخرى، فإن ضرورة الواقعي هي وحدها القادرة على تحويل الممكن إلى ممكن بأثر رجعي.
على العكس من ذلك، بالنسبة لأرسطو، فإن الممكن يترك الباب مفتوحا أمام الفرق بين الوجود والعدم: يمكن أن يكون الشيء موجودا بالقوة دون أن يكون إطلاقا كذلك بالفعل.
تتعامل الكارثية المستنيرة بشكل متناقض مع كارثة المستقبل باعتبارها قدرا لا ينتج عن أي نية بشرية ولكننا مع ذلك أحرار في رفضها. يتعلق الأمر بفصل البشرية عن عنفها الخاص من خلال جعله قدرا بلا ضمير ولكنه قادر على إبادتنا: "الحيلة تتمثل في التصرف كما لو كنا ضحيته مع الأخذ في الاعتبار أننا نحن السبب الوحيد لما يحدث لنا".
تميل كوارث اليوم إلى أن تصبح غير مرئية. كما أن نزع سلاح اعتياد الوعي البشري على الأسوإ لا يجعل مهمة التحذير سهلة. مستحضرا شهادة ويليام جيمس، الذي كان حاضرا أثناء زلزال سان فرانسيسكو الكبير عام 1906، وصف بيرجسون بدقة الحالة الذهنية المتناقضة التي وجد الفرنسيون أنفسهم عليها قبل عام 1914 عندما واجهوا احتمال نشوب حرب جديدة.
بدت لهم هذه (الأخيرة)، يقول بيرجسون، محتملة ومستحيلة على حد سواء - إلى حد تقديم نفسها، بعد تفجرها، بكل بداهتها الخادعة. كانت هذه الطبيعة "اللطيفة" للحادث هي الأكثر إثارة للدهشة.
إن الكارثية الشاملة – الإعلان عن الدمار الكامل للبشرية – هو موقف لا يمكن دحضه، لأنه طالما لم تحدث الفوضى المتوقعة، يمكن دائما القول إنها ممكنة ولكن إذا حدثت، فلن يكون هناك أحد لرؤيتها بعد الآن.
هناك أيضا انحراف خاص بالكارثية الشاملة يمكن أن يجعل أولئك الذين وقعوا فيها يتمنون وقوع الكارثة، من ناحية للتمتع بأنهم على حق، ومن ناحية أخرى لإثارة رد الفعل الذي يرغبون فيه.
ولكن كيف يمكننا إقناع الناس بضرورة حدوث الأسوإ من دون التسبب في حالة من الذعر الذي يؤدي إلى نتائج عكسية؟ أحد أكبر التحديات هو الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة على خلفية المعرفة الناعمة.
فكر غونتر أندرس وحنة أرندت في هذا المنعطف: من الآن فصاعدا لم يعد الإنسان قادرا على تمثيل ما يفعله. ومن هناك، ظهر شر وحشي غير مسبوق، كان أيخمان تجسيدا له. ما نستطيع أن نفعله من الآن فصاعدا أعظم مما يمكننا أن نتصوره؛ بين قدرتنا التصنيعية وقدرتنا التمثيلية، انفتحت فجوة، سوف تتسع يوما بعد يوم؛ قدرتنا التصنيعية لا حدود لها، في حين أن قدرتنا التمثيلية محدودة. وهذه الفجوة تقابل ما لاحظه ديكارت بين الفهم (المحدود) والإرادة (اللانهائية) – مع هذا الفارق وهو أن القوة التقنية المتحققة والمأمولة جعلت الإرادة اليوم تتحول إلى جانب الرغبات والخيالات، أي إلى جانب اللاشعور.
"من خلال ضخامة الكارثة، يكتب أندرس، أي من خلال حقيقة أنها أكبر من أن تكون لي أو لك فقط، تخفف الكارثة من مخاوفنا بنفس الطريقة [...] مثل المقاولات الكبرى والأعمال العظيمة التي نتعاون فيها مع الآخرين، كعمال، تعفينا من مسؤوليتنا".
إن معنى تحليل غونتر أندرس هو انتزاع الكارثة من تفردها. إن أوشفيتز وهيروشيما لم يحدثا مرة واحدة وإلى الأبد؛ من الآن، ترهنان مستقبلنا بأكمله. إن عالمنا هو عالم من الممكن أن نشهد فيه أحداث أوشفيتز أخرى وهيروشيما أخرى. ومع ذلك، فإن هذا الحضور، وهذا الواقع الدائم هو موضوع كبت: فالحدث الكارثي "مختبئ في قلب إهمالنا".
من الآن فصاعدا، منذ أوشفيتز وهيروشيما، نحن في "زمن النهاية" ولا شيء يمكن أن يمنعنا من أن نعيش فيه بعد الآن. نحن، يقول أندرس، الجيل الأول من آخر البشر. على الرغم من أننا لا نختبر حاليا نهاية الزمان، إلا أننا في نهاية الزمان، مما يعني أنه في أي وقت يمكن أن تأتي النهاية. وقت النهاية هذا نهائي: لن نتمكن أبدا من النزول إلى ما دونه، أو العودة إلى ما قبله. إن زمننا إلى الأبد هو زمن النهاية: "لم يعد من الممكن ترحيله إلى وقت آخر، بل فقط إلى النهاية". بالتأكيد، يمكننا الحصول على تأجيل، والعمل على تمديد (نسبي بالضرورة) لهذا الزمن النهائي، "ولكن بافتراض أننا حققنا هذا النصر، فمن المؤكد أن هذا الوقت سيبقى على ما هو عليه، أي وقت النهاية".
هل ستجعل الكارثة أي استراتيجية مستحيلة؟ قام غونتر أندرس بتحليل المفارقة المتمثلة في نية الردع النووي التي تبطل ذاتها: لكي يكون الردع حقيقيا، فمن الضروري أن نظهر تصميما لا يتزعزع على إطلاق العنان لنهاية العالم حتى نكون على يقين من أننا لن نضطر إلى القيام بذلك. هنا نجد البنية المنطقية لمفارقة جوناس: عندما تبدو الكارثة حتمية، تظل هناك إمكانية لتجنبها. وكما كتب فرانسوا ليفونيه في نهاية مقدمته لكتابه "زمن النهاية": “قام الفلاسفة فقط بتفسير العالم وتحويله. من الآن فصاعدا، يكون من المهم الحفاظ عليه”.
_________________________
(*) المدرسة الميغارية هي مدرسة فلسفية ازدهرت في القرن الرابع ق. م.، أسسها أوقليديوس الميغاري، أحد تلامذة سقراط. تستمد تعاليمها الأخلاقية من سقراط، وتعترف بوجود خير واحد يعمل، على ما يبدو، جنبا إلى جنب مع مبدئي الإيلية والتوحيد. طور بعض خلفاء اقليديوس نظم منطق متقدمة إلى حد أن أصبحوا مدرسة مستقلة معروفة باسم المدرسة الجدلية. وأدى الميغاريون أدورا هاما في تطوير المنطق في العصور القديمة. (ويكيبيديا)
الرابط: https://journals.openedition.org/leportique/1993#:~:text=L id%C3%A9e%20moderne%20de%20catastrophe,il%20a%20de%20plus%20monstrueux.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تقول يولاندا دياز إن الأغنياء لديهم -خطة بديلة- للهروب ...
- مترجم/ إطلالات على مفهوم الكارثة (الجزء الثالث)
- قوس مفتوح لمناقشة مسألة اللغة الأمازيغية
- مترجم/ إطلالات على مفهوم الكارثة (الجزء الثاني)
- ألان تورين.. منذ ماي 68 فحص المجال الاجتماعي بفضول وحرية وإب ...
- في حوار جديد مع نبيل منيب: دبلوماسية الكوارث وبناء المغرب ال ...
- مترجم/ إطلالات على مفهوم الكارثة (الجزء الأول)
- رحيل جياني فاميتو الفيلسوف الإيطالي المناصر للفلسطينيين والن ...
- زلزال المغرب: معلمة تفقد تلاميذها ال32
- سعيد السعدي: إيديولوجيا عصيد لم تصمد أمام الواقع العنيد والز ...
- مكافأة فردية للمغرب سوف تكون موضع ترحيب
- كلمة دينيس فرنسيس رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في افتتا ...
- التفكير الفلسفي في كوارثنا
- أهم القضايا في جدول أعمال الدورة ال78 للجمعية العامة للأمم ا ...
- نبيلة منيب تطلق نداء استغاثة من مراكش
- الأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد يطالبون بنموسى ب ...
- تفاصيل رافقت تلقي -صندوق 126- للهبات والتبرعات
- التفكير الفلسفي في كوارثنا (الجزء الرابع والأخير)
- نبيلة منيب: المغرب دولة ذات سيادة من حقها أن تقبل المساعدات ...
- أيران: مزيد من القمع ومن المقاومة بعد مرور عام على احتجاجات ...


المزيد.....




- بايدن يصرح لـCNN بنصيحة أوباما له بشأن الانتخابات المقبلة
- مناورة -غير عادية- لمقاتلات روسية قرب أمريكا.. ومصدر يوضح ال ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي دفن فلسطينيين في مقبرة جماعية داخل مجم ...
- الاتحاد الأوروبي يعلن عدم تجديد تفويض بعثة تابعة له لتدريب ا ...
- الرئيس الأمريكي يحذر إسرائيل من تعليق بعض شحنات الأسلحة إلى ...
- 5 دول تتجه للاعتراف قريبا بدولة فلسطين
- بايدن واثق من أن ترمب -لن يقبل- نتيجة الانتخابات الرئاسية
- حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - مترجم/ إطلالات على مغهوم الكارثة (الجزء الرابع والأخير)