أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام محمد عبد المعطي أحمد - إسماعيل وتغيير نظام وراثة حكم في مصر















المزيد.....

إسماعيل وتغيير نظام وراثة حكم في مصر


حسام محمد عبد المعطي أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 7740 - 2023 / 9 / 20 - 12:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إسماعيل هو الابن الثاني لإبراهيم باشا، ولد في ديسمبر 1830بالقاهرة، أتقن إسماعيل اللغة العربية والتركية والفارسية، وعاش لفترة عامين في فيينا للاستشفاء من مرض الرمد، وهو في سن الرابعة عشر ثم أنتقل إلى باريس لمتابعة الدراسة في الهندسة والرياضيات والعلوم الطبيعية، فأتقن الفرنسية كواحد من أبنائها، وبهرته باريس بجمالها، فنشأ لديه ميل جارف نحو الحياة الباريسية، فسعي في حكمه لكي يجعل القاهرة باريس الثانية، ومصر قطعة من أوروبا.
وكان الخلاف بين الأسرة العلوية قد بدء مبكراً في أعقاب وفاة إبراهيم باشا، فاضطر إسماعيل للسفر إلي إسطنبول، خوفاً من عباس باشا فأقام علاقة جيدة مع السلطان عبد الحميد الذي عينه عضواً في مجلس أحكام السلطنة العلية ،وأنعم علية بلقب الباشاوية .بقي إسماعيل في إسطنبول طوال حكم عباس باشا ثم عاد إلي مصر في مطلع عهد عمه سعيد باشا ، الذي أنعم عليه برئاسة مجلس الأحكام الذي كان أكبر هيئة قضائية في مصر، ثم أوفده في عام 1855 إلي باريس لطلب العون من نابليون الثالث، حتى يسعي لدي الدول الأوربية بتوسيع حيز استقلال الولاية المصرية بعد أن شاركت مصر بجيشها في دعم السلطنة في حرب القرم (1853 ـ 1855) فوعده نابليون بذلك دون أن ينفذ وعده في مؤتمر الصلح


تعديل نظام الحكم داخل الأسرة العلوية:
ارتقى إسماعيل باشا حكم مصر يوم 18 يناير 1863 بعد وفاة عمه سعيد باشا، ومنذ صعود إسماعيل إلى عرش مصر سعى سعياً متواصلا لتغيير نظام وراثة العرش، ليكون على شاكلة نظام الوراثة المتبع في كثير من الممالك والبلدان الأوربية، فيما يسمى مبدأ الوراثة المباشر، أي جعل حق الوراثة للأكبر من أبناء الوالي السابق مباشرة مع حرمان الفروع الثانية، وهكذا تستمر مع كل والي، ولذلك تولى توفيق باشا بعد أبيه الخديوي إسماعيل في أغسطس سنة 1879م، ولما مات توفيق باشا في يناير 1892م تولى العرش ابنه عباس حلمي.
ورث إسماعيل نظاما سياسيا غير واضح المعالم في مصر، فهو مزيج من نظام سياسي يتمتع بقدر من الاستقلال والسيادة الوطنية، حيث لا وجود لجيش عثماني على أرض مصر، ولا تطبق قوانين الدولة العثمانية وأنظمتها الاقتصادية والمالية والعسكرية، على غرار الولايات العثمانية الأخرى. من جهة أخري بقي النظام السياسي المصري تابعا للسلطنة، فظل السلطان العثماني رأس السلطنة في مصر، كولاية عثمانية غير منفصلة عن السلطنة، وله الحق في إصدار قرار بعزل باشا مصر وتعيين آخر بديلا عنه من داخل الأسرة العلوية. لذلك سعي إسماعيل لتغيير هذا الواقع المعقد بالعمل على استقلال مصر سياسيا عن السلطنة، عبر التفاهم مع السلطان العثماني، وليس بإعلان الحرب عليه كما فعل جده من قبل، فانطلق إسماعيل في حكمه لمصر نحو تأكيد استقلاله عبر الحصول على فرمانات تعطيه مزيد من الحرية بإغداق الأموال علي السلطان وحاشيته.
وتسعي هذه المقالة البسيطة إلى توضيح مساعي إسماعيل لتغيير نظام وراثة العرش وأثر ذلك ميزانية مصر المالية جراء أنفاق الأموال الطائلة في هذه المحاولات، فعندما توفي سعيد باشا كان «إسماعيل» و«مصطفى فاضل» هما الباقيين على قيد الحياة من أبناء إبراهيم باشا ابن محمد على وقائد جيوشه، وحاكم مصر نيابة عن أبيه من 2 مارس حتى 10 نوفمبر 1848، وتولى «إسماعيل» منصبه طبقا لنظام الوراثة الذى حددته الدولة العثمانية في أول يونيو 1841، وكانت مصر تقع تحت ولايتها، ويقضى بأن تكون الوراثة بـ«الأرشدية» أي تكون ولاية العهد لأكبر أفراد الأسرة العلوية سناً من أبناء وأحفاد محمد علي ، بذل إسماعيل باشا من أجل ذلك الكثير من المال كما تكررت محاولاته لدى السلطان لهذا الهدف، فقد أوفد والدته سنة 1894م إلى إستنبول بحجة زيارة أختها التي كانت في ذات الوقت والدة السلطان عبد العزيز. وكان الهدف الرئيسي لهذه الرحلة هو تهيئة الأفكار في المحيط الداخلي للأسرة السلطانية للتغيير المنشود في نظام توارث الحكم في مصر وحملت معها الهدايا الثمينة وأنفقت بسخاء على سيدات الأسرة الحاكمة، ولكنها أخفقت أمام دسائس رجال الباب العالي.
وضاعت هذه المرة الأموال بدون طائل وكانت مصر أحوج ما تكون إليها لخطط الإصلاح لفائدة الشعب، لا من أجل تغيير نظام الوراثة الذي لا تعود فائدته على أحد بل على العكس نتيجته ضياع أموال طائلة من كدح عمل الشعب الطيب المسالم.
ولم يتكاسل إسماعيل عن هذا الهدف فسافر إلى إسطنبول سنة 1865م ولكنه اصطدم بمعارضة قوية من الوزراء، وعاد إسماعيل المحاولة مرة أخرى فسافر إلى تركيا حيث بلغها في 2 مايو سنة 1866م وكان من حسن حظه أن السلطان عبد العزيز يواجه أزمة مالية طارئة وكان هو الآخر مبذرا متلفاً للمال على غرار إسماعيل.
واقترضت الدولة العثمانية في عهده ثمانية ملايين جنية إنجليزي وثمانية أخرى بواسطة البنك العثماني. فانتهز السلطان عبد العزيز الفرصة واستجاب لرغبة إسماعيل الذي دفع ثلاثة ملايين جنية في صورة أموال سائلة وهدايا للسلطان وبعض أفراد حاشيته، والأكثر من ذلك أنه قد سبقت إسماعيل في تلك الزيارة بشهر واحد، أي في أبريل من نفس العام عدد من القطع البحرية مع كميات كبيرة من الذهب.
وقيل في صدد هذه الزيارة أن السلطان عبد العزيز نفسه يرغب في تطبيق نظام توارث الحكم في نطاق الأسرة السلطانية حتى يؤول عرش الدولة من بعده إلى ابنه الأمير يوسف عز الدين، فأيد إسماعيل في مسعاه كي يمهد السبيل لابنه، ولكنه لم يستطع إحداث هذا التغيير لما فيه من الخروج على تقاليد آل عثمان، واصطدم بمشاكل كثيرة مع أفراد البيت السلطاني وتعقدت العلاقات وتزيد من أمر الخلافات.
وكانت مقاصد إسماعيل بتلك الزيارات والهدايا أن تكون الوراثة مباشرة لأكبر أبناء الوالي وهكذا كل والي. والباعث على هذا التغيير هو من كان بينه وبين أخيه من أبيه مصطفى فاضل وعمه عبد الحليم من الشقاق والشحناء، ولم يكن إسماعيل يخفي كرهه لهم وحقده عليهم، وكان الأميران أيضا لا يكتمان من ناحيتهما كراهيتهما لإسماعيل، ومن اجل ذلك سعى في حرمانهما من وراثة العرش وجعلها في ذريته من صلبه.
فيكون إسماعيل بذلك أول من تخلص من النظام القديم في الوراثة، وذلك بمجهوده الكبير في السفر والسعي لدى السلطان ومجهوده الأكبر في الرشاوى وتقديم فروض الولاء ونفيس المجوهرات، ومثلما فعل إسماعيل لدى السلطان، سلك نفس الطريق الأميران عبد الحليم ومصطفى فاضل، فقد بزلا أموالا طائلة في الأستانة وذلك لإحباط مساعي إسماعيل. وكانت إسطنبول هي المستفيدة من الجهتين، واغتنم حكامها وذوي النفوذ فيها فرصة هذا التنافس ليبتز من أموال مصر ما تصل إليه أيديهم. ولكن إسماعيل باشا كان أكثر مالا وأعز جنبا فنجح في مسعاه. وهكذا كان للمال الأثر الفعال في نفوس حكام الأستانة.
فقرر السلطان عبد العزيز تطبيق نظام الوراثة المباشر لعرش مصر من الأب للابن الأكبر ثم منه إلى ابنه الأكبر وذلك بفرمان 27 مايو عام 1866م الذي أعطى لإسماعيل شخصيا وكان إسماعيل يرغب بعد ذلك مباشرة في أن يكتب بنفسه وثيقة إضافية، يوقعها السلطان تتعلق بمسألة إمكانية خلو العرش، أو عدم بلوغ الوارث الشرعي سن الرشد، وتحديد طريقة تشكيل مجلس الوصاية.
ويمكن إيجاز بنود الفرمان فيما يلي: -
1 - أن تكون ولاية مصر وملحقاتها حقا موروثا لأكبر أولاد الخديوي إسماعيل، ومن هذا الابن الأكبر أبنائه ويضاف إلى ذلك قائمقامتي سواكن ومصوع.
2 - يمكن زيادة عدد جنود الجيش المصري إلى 30 ألف رجل.
3 - يكون من حق والي مصر منح الرتب المدنية حتى الرتبة الثانية من الطبقة الأولى.
4- أن يضرب في مصر ما يلزم من النقود، وبشكل مختلف العيار عن النقود في الدولة العثمانية.
واشترط السلطان في مقابل منح هذا الفرمان زيادة الجزية السنوية ابتداء من شهري مارس عام 1866م من 400 ألف جنيه عثماني إلى 750 ألف أي إلى ما يقرب من الضعف ، ولا مراء في أن هذه التضحيات المالية الجسيمة لا توازي الفائدة التي نالتها مصر من هذا التغيير ، لأنه ليس مسألة جوهرية تهم الشعب، وتبذل في سبيلها هذه الملايين، وزادت من فداحة الخسائر أن مصر ظلت تدفع هذه الجزية بعد زيادتها من سنة 1866م حتى سنة 1955م ، لأنه بعد أن أعلنت بريطانية في 18 ديسمبر سنة 1914م زوال السيادة العثمانية عن مصر وإعلان الحماية عليها منذ 5 نوفمبر عام 1914م ، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الدولة العثمانية الحرب على بريطانية ، ظلت مصر تدفع الجزية السنوية المقررة عليها بفئاتها الجديدة تأسيسا على أن الحكومة الخديوية قبلت تحويل الجزية إلى دائني الدولة العثمانية وتعهدت بدفع أقساط ديونهم السنوية خصما من جزية مصر حتى سنة 1955م . فإذا حسبنا خسارة مصر في زيادة الجزية من سنة 1866م لغاية سنة 1955م، لبلغت مليار و25 مليون جنية مصري عدا فوائدها، وهي خسارة جسيمة لا مبرر ولا مسوغ لها.
وعن موقف الدول العظمى من الفرمان السابق، فإن السلطان قد أبلغ تلك الدول العظمى التي شاركت في إبرام معاهدة لندن عام 1840م مما جعل له صفة المعاهدة التي تربط تركيا دوليا إزاء مصر بحيث لا تملك تعديله إلا بموافقة مصر، وخاصة لأنه صدر مقابل زيادة في الجزية السنوية والتي جاء في تبرير زيادتها أن مبلغ الجزية القديم لم يعد يتمشى مع ارتفاع المستوى المعنوي والاقتصادي للبلاد.
ولنا هنا أن نقرر أن، هذا التغيير في نظام التوارث لا يعد مكسبا كبيرا لمصر حتى تبذل من أجله تلك التضحيات المالية الباهظة، ولقد برهنت هذه الحوادث على صحة هذا القول، لأن النتيجة الأولى للنظام الجديد كانت أيلولة العرش إلى الخديوي توفيق أكبر أنجال إسماعيل باشا، ومعلوم أن توفيق باشا لم تكن ولايته خيرا على البلاد، وهو الذي اعتلى العرش حينما خلع أبوه ولم يظهر نحوه من الوفاء ما كان ينتظره الأب من ولده.
وغادر إسماعيل باشا القاهرة في 30 يونيو من عام 1879م إلى الإسكندرية في وداع مؤثر ومن الإسكندرية إلى إيطالية منفاه الأخير، وفراقه يدل على مجد قد انقضى وجاه وسلطان، وأمضى إسماعيل سنوات النفي واحتمل ألامه دون أن يلقي من ابنه عطفا عليه في محنته، وإذا غضضنا النظر عن هذه الاعتبارات العائلية، فلا يمكننا أن ننسى أنه في عهد توفيق رزقت البلاد بالاحتلال الإنجليزي، وكانت عليه جانب كبير من تبعة وقوعه. فلو لم يتقرر نظام التوارث الجديد، لكان من الجائز أن يخلف إسماعيل على العرش أميرا أنفع للبلاد وأخلص لها من توفيق باشا.
ومن ناحية ثانية فإن لم يكن إسماعيل قد سعى إلغاء النظام الجديد، مطالبا بالوراثة لأكبر أبنائه - الوراثة بشكل مباشر - لكان قد وفر على مصر تلك المبالغ الكبيرة التي قدمت للسلطان ولحاشيته، ناهيك عن زيادة الجزية السنوية، وقد كان هذا كله أحد أسباب استدانته وخراب مالية البلاد مع استمراره في البذخ والإسراف وبالتالي سقوطه وخلعه من العرش الذي سعى إلى توطيده والمحافظة عليه.
وبشكل آخر فإن صدور فرمان الوراثة الجديد بما أحدثه من تغيير، كان سببا لاتساع هوة الخلافات والنفور بين إسماعيل وأخيه مصطفى فاضل، الذي كان وليا للعهد طبقا لنظام الوراثة القديم، واستمر العداء بينهما طوال الحياة، وكذلك اشتدت الكراهية بينه وبين عمه الأمير عبد الحليم ابن محمد علي، فإنه كان يتطلع إلى الأريكة المصرية، فجاء هذا الفرمان قاضيا على آماله.

لم يحتمل فإن مصطفى فاضل الحياة تحت حكم «إسماعيل» فسافر مع أسرته في منتصف 1963 إلى أوروبا، بعد شهور قليلة من تبوؤ إسماعيل حكم مصر. أما الأمير محمد عبد الحليم بن محمد علي باشا وعم إسماعيل وفقد سافر إلى إسطنبول

وإسماعيل باشا في ذلك يخطط لوريثه من صلبه ولتحقيق مجده ولكن على حساب أنظمة استقرت ومعاهدات دولية معترف بها فكان لابد وأن يؤدي ذلك إلى اشتداد الدسائس بين إسماعيل وأخيه وعمه وجعله يبذل جهودا كبيرة وأموالا طائلة في سبيل إضعاف مركز منافسيه، ولو بذلت هذه الجهود والأموال في سبيل مصلحة البلاد لكان ذلك خيرا وأولى.
وأفضت هذه الكراهية وما استتبعها من الوشايات والمؤامرات إلى رحيل الأميرين المذكورين وأسرتيهما من مصر واتخاذهما الأستانة وأوروبا مقرا لهما، ونقم الأمير مصطفى فاضل، على حكومة السلطان عبد العزيز لتغييرها نظام توارث الأريكة المصرية، وعلم بما بذله إسماعيل في هذا السبيل من الأموال الطائلة، فانضم إلى أحرار تركيا الناقمين على الحكم الاستبدادي فيها والذين كانوا يعملون على قلب نظام الحكم والتخلص من استبداد السلاطين، وعاونهم بنفوذه وماله، ومن هنا جاءت تسميته بأبي الأحرار في تركيا.
أما عبد الحليم فقد نفاه إسماعيل من مصر أثر اكتشاف مكيدة لاغتياله، قيل أن الأمير دبرها، واتخذ إسماعيل هذه الرواية ذريعة للتخلص منه، وكان إسماعيل قد اشترى أملاكه وأملاك أخيه مصطفى فاضل ومن ثم غادر كلاهما مصر وسكنا وعائلتهما الأستانة وأوروبا واشتدت العداوة بينهما طوال عهد إسماعيل.
وإذا كان تغيير نظام الوراثة لعرش مصر من النظام القديم إلى النظام الجديد، قد أوجد لها تلك المساوئ من تبذير وإسراف ونفور وخلاف، فإن هذا النظام من ناحية ثانية اعتبر بشكل مؤكد اعترافا من السلطان والدول بالاستقلال الإداري الداخلي لمصر، وأصبحت أسرة إسماعيل تختلف عن أسرة ولاة ووزراء الدولة العثمانية، كما أصبح إسماعيل مميزا ومقربا ، فحصل على لقب خديوي ، والذي كان أسلافه ومن سبقوه من ولاة مصر ، قد حظوا به من أفواه الشعب فقط . ولقد منحه الباب العالي حق حمل هذا اللقب هو وكذلك خلفاءه من بعده، ويأتي هذا كله ليعطي مصر استقلالا، لما لمصر من مميزات كبرى، فهي بلاد لها تاريخ مجيد منذ آلاف السنين، ولها أقاليم شاسعة، ولها إمكانيات وأهمية تفوق - ودون مقارنة ممكنة - ما كانت تتمتع به الولايات العثمانية الأخرى.
وجاء حصول إسماعيل على لقب خديوي في الفرمان الصادر بتاريخ 8 يونية عام 1867م ويعطي الفرمان لخلفائه نفس اللقب، ولقب الخديوي لقب سام، أعلى من لقب والي وإلى جانب أن الفرمان أعطى لمصر استقلالا في إدارة شؤونها المالية الداخلية فإن الفرمان أعطاها أيضا الحق في عقد معاهدات خاصة بالجمارك ومرور البضائع والبريد وغير ذلك من ضبط أحوال الجاليات الأجنبية.
ومثلما دفع إسماعيل بسخاء لتغيير نظام الوراثة فإنه قد دفع أيضا بسخاء في اسطنبول من أجل الحصول على فرمان خديوي، وفي 8 يونيو عام 1873م حصل إسماعيل على تأكيد لحق الوراثة المباشر في فرمان جامع، وقد بذل الخديوي من أجل الحصول عليه المزيد من الأموال والوسطات، كما تكبد مشقة السفر من مصر إلى تركيا.
ويمكن تلخيص بنود الفرمان الجامع فيما يلي: -
 أن يكون عرش مصر بالتوارث في أكبر أبناء الخديوي ومن بعده أكبر أبناء هذا الأكبر.
 للحكومة المصرية الحق في سن القوانين والأنظمة الداخلية وعقد الاتفاقيات الجمركية والمعاهدات التجارية.
 أملاك الخديوية المصرية هي مصر وملحقاتها ويقصد بها السودان، بالإضافة إلى قائمقامتي سواكن ومصوع وملحقاتها.
 زيادة عدد الجيش كما يريد الخديوي.
 يمكن للحكومة الاقتراض من الخارج من غير أخذ الموافقة على ذلك من الحكومة في اسطنبول.
 حق مصر في بناء السفن الحربية ما عدا المدرعات التي من المفروض أن تستأذن الحكومة المصرية الحكومة التركية قبل إنشائها.
هكذا لم يعد لتركيا في الواقع بعد هذا الفرمان من حقوق في مصر أكثر من بعض شعارات إسلامية كصك العملة باسم السلطان، والخطبة له في صلاة الجمعة، وإرسال الخراج من مصر إلى الأستانة، ورغم ذلك فقد ظلت العديد من القيود قائمة على استقلال مصر الكامل فلم يعطي هذا الفرمان مصر شخصية قانونية منفصلة عن شخصية الإمبراطورية العثمانية، فاستمرت مصر محرومة من إقامة تمثيل سياسي مع الدول الأخرى حيث كان السفراء العثمانيون يقومون بذلك، واستمرت مصر أيضاً في دفع " الويركو " ( الجزية).
كما يكتفي إسماعيل بذلك بل سعى إلى تجريد شقيقه وعمه من ثروتهما العقارية في مصر ليقضى على مطامعهما نهائيا في العرش، فأوفد في نهاية 1864 إلى مصطفى فى باريس بمن يفاتحه فى بيع أطيانه، لكنه رفض، وتكررت المحاولة مرة ثانية ونجحت، وتم الاتفاق على البيع بمليوني جنيه إنجليزي وثمانين ألف جنيه إنجليزي، كل ذلك من أموال الدولة المصرية وتم التوقيع على عقد البيع بباريس 22 نوفمبر عام 1866.
طوال فترة حكمه كان إسماعيل يحاول موازنة أخطار متعددة لاستقلال مصر من الدولة العثمانية وأوروبا. الموازنات فشلت في النهاية مع الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها سياسته المالية وفي نهاية فإن إسماعيل باشا مثلما تألق وظهر نفوذه وزادت اتصالاته وقويت علاقاته، واستطاع أن يحصل على فرمان الوراثة المباشر. فإنه مثلما تألق وصعد فإنه في النهاية سقط وهبط وتكالبت الدول وتألبت على إسماعيل باشا وحكمه ونظرت إليه بتطويره لأحوال مصر وسعيه لتطبيق نظام الوراثة المباشر، وما أنفقه بتبذير من أجل الحصول على هذا الحق، نظرت الدول الأوربية إلى هذا البذخ على أنه السبب المباشر للإطاحة بعرش مصر، وفقدان إسماعيل لاستقلاله. وكان خروج إسماعيل منفياً يمثل قمة المأساة ويجسد المتناقضات التي هي قمة الدهشة من حكم إسماعيل الحافل بالأحداث والتطورات التي أعطت الكثير لحاكم مصر كما أفقدته الكثير في نفس الوقت.

ومع آخر سنوات حكمه ظهرت بوادر التصدي لسياسته المالية المتهورة في شكل حركة سياسية مصرية ناشئة تضم كبار ملاك وضباط في الجيش. فرغم أن إسماعيل أنشاء مجلس نيابي شكلي لكي يتحمل تبعات سياساته المالية، فحين أنشأ إسماعيل المجلس النيابي عام ١٨٦٦ كان أقرب إلى المسرحية. (فحين قيل للنواب أن مؤيدي الحكومة يجلسون في اليمين ومعارضيها في اليسار انتقل كل النواب إلى اليمين قائلين "كلنا مؤيدون لحكومة أفندينا"). هذه البداية غير المبشرة سرعان ما انقلبت إلى حركة سياسية نشطة. فمع تزايد أزمات البلاد المالية بدي في الأفق ميلاد تقيد سلطة الخديوي الذي أورد البلاد إلى هوة الإفلاس لكن ذلك لم يكن ليروق للقوي الغربية الراغبة في احتلال البلاد، فرفضت فكرة وجود نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد.



#حسام_محمد_عبد_المعطي_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة مهندسي الري في مصر في القرن التاسع عشر
- بنك مصر في ذكري مرور مائة عام على تأسيسه
- عصر الصورة في مصر الحديثة
- المبعوثين المصريون إلي فرنسا خلال عصر محمد علي باشا


المزيد.....




- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...
- سيجورنيه: تقدم في المباحثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام محمد عبد المعطي أحمد - إسماعيل وتغيير نظام وراثة حكم في مصر