أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عارف معروف - مرة اخرى ..في رثاء الراحل كريم العراقي : من قتل الشاعر الفتى ؟!















المزيد.....

مرة اخرى ..في رثاء الراحل كريم العراقي : من قتل الشاعر الفتى ؟!


عارف معروف

الحوار المتمدن-العدد: 7728 - 2023 / 9 / 8 - 02:49
المحور: الادب والفن
    


يبدو ان البعض من الاصدقاء لم يقرأ ما كتبته من رثاء في رحيل الشاعربما يتوجب من عناية ورويّة فعتب او بالاصح عاب عليّ ان اتجاهل ما آل اليه الراحل وشعره منذ نهاية السبعينات وكأنني كنت اجهل ذلك او اتجاهله . في الواقع انني ما جهلتُ ولن اتجاهل ، لكني رثيت الشاعر الفتى الذي عرفته وعرفه الناس في اواسط السبعينات بالقول : رحل الفتى الجميل الخجول ، وانا استعيد واعيد الى اذهان من عرفه تلك الايام صورته ووصفه، وهذا امر مقصود بالطبع ، وقلت انه عبّر عن شغف واحلام ورؤى جيلنا ، واؤكد : جيلنا ، ايامذاك طبعا ، بكلماته البسيطة ، السهلة والممتنعة ، ثم اوردت شاهدتي :
بهيجة يابهيجة ... رديلي خيّطي ثوبي ..
وأكعد بفيّ ابويتنا والكي خبزتي وكوبي ...
ومن يتذكر القصيدة يعرف انها كانت جواز مرور الفتى كريم الى قلوبنا وعقولنا كناشطين يساريين شباب وكمهتمين او متعاطين بالشان الثقافي من ذلك الجيل !
ثم قلت انه ، ايضا ، عبّر عن احباطاته وخيبته ، اي جيلنا ، واوردت القصيدة التي نشرها بعد خروجه من الاعتقال مباشرة :
بنات الناس مثل الياس
كل وردة التجي أتّاني ...
شجاها أم ثوب رمّاني ؟!
الف مرة اجي وتانيتْ
ما جتْ ، وزعلت ، وارضيتْ ...
وواضحٌ ان " ام ثوب رمّاني " هي الثورة ، الوعد ، الحلم ، الذي كان يخامرخياله واخيلتنا ، تلك الايام ، وسواء كان عن وعيّ تاريخي جديّ وأصيل ، او نتج عن اضغاث احلام تم حشونا بها دون معرفة ولا جدّية ، لكن ما هو مهمّ هنا ، انها كانت تمثل ماكانت تنطوي عليه تلك الارواح الشابة وما كان يملؤها من حماسة ورؤى ...وواضح ايضا ، هنا ، مدى الخيبة والخسران الذي كان يستشعره :
الف مرة اجي وتانيت ...
جاء كريم العراقي من مدينة البؤس والفقراء ، ولكن مدينة الاحلام والخيالات المجنحة في آنٍ معاً ، التي بدتْ ، بعض احلامها أيّامذاك ، قريبة لكأنها قطوفٌ دانية ... قُلْ انه توهمَّ او أوهمَّ ، مثلما توهمنا او اوهمنا ، ان نخل السماوة ... نخل السماوات ، كما عبّر المرحوم سعدي يوسف ، ودون ان نلحظ ،" الضابط الملكي" ، او رئيس عصابة القتلة ، الذي كان " يغسل ارضية الوهم ّ .." على حدّ تعبير سعدي ، ايضا ، لكن هذا ماكانت عليه حدود وعي وتجربة الفتى ، بل حدود ووعي وتجربة الجيل الفتيّ الذي كنّاه ...
جاء كريم من مدينة الثورة ، من المقهى الذي عرف بواكير محاولاته صبيّاً ، وهو يحاول ان يحظى ولو بعناية واصغاء " ابو اسمهان " ... اعني " حسين سعيّدة " ، الذي كان حالما كبيرا آخر ، لم يمكنّه صوته الشجيّ واداءه المتقن، بسبب سحنته وفقره وافتقاره الى الوسامة بمعايير العراقيين الشائعة آنذاك ، من ان يصل ولو الى عتبة " الأذاعة والتلفزيون " وهي ماكان ، بالنسبة اليه ، منتهى االحلم ،قبل ان يطويه الردى ويطوي صفحته السُّل ، مرض الفقراء في تلك الحقبة ، جاء كريم من هذا المستوى من الاحلام ليفاجأ بأكفّ المئات تلتهب حماسة بالتصفيق لما كان يقول في جمعية التشكيليين العراقيين في المنصور ، وبصيحات اعجاب وانبهار واستعادة لما كان يلقي من عشرات الفتيات اللواتي كنّ في ميعة الصبا في نادي التعارف، بل واصبح احد نجوم الكثير من الفعاليات الشبابية الجماهيرية التي كان ينظمها الشيوعيون ، فانطلق الفتى يغني ل" عمال العالم " ، وكانت موضة او ثيمة ذلك الوقت وليتضامن مع شيلي ويسارييها ، وليغرف من معين كلمات وتعابير كانت فيها الحماسة تستثير المزيد من الحماسة والتعابيرالمثيرة تنجب المزيد من التعابير الأكثر أثارة !
كان لهذا وغيره ، من كريم ومن عشرات آخرين غير كريم ان يفعل فعله وينتج اثره الاسود في الوعي الضحل لسلطة اكثر ضحالة وصبيانية وان يستحثّ توجسها الدائم فكان ان شُخّص الشعر الشعبي نفسه كعدوٍ من اعداء الأمة ومؤامرة على سلامة لغتها بل ووجودها فصدر قانون سلامة اللغة العربية وماكان يعنيه من امر سلامتها شيئا حقاً، انما بوشر بتطبيقه بحظر نشر " الشعر العامي ّ" واغلاق جمعية الشعراء الشعبيين ! قبل ان تعود اليه، تلك السلطة /الدولة لاحقا وتتجاهل كل ما اصدرته من تعليمات بحظره بل وتعتبره خير تعبير عن الوجدان الشعبي وافضل وسيلة للتعبئة في حربها الازلية فتجزل لشعراءه ، حقيقين وادعياء ، العطاء !
في تلك الايام ،آثرت تلك السلطة ان تبدأ بكريم و اعتُقل كريم ، ووجهت اليه اخطر تهمة يمكن ان توجه لأحد آنذاك : " التنظيم العسكري " !
باستغلال سوقه لأداء خدمتة العسكرية الالزامية ، وخضع لتعذيب قاسٍ وفضّ كما بلغ اسماعنا ، في حينه ، لغرض الابتزاز والتسقيط ليس غير ، غير ان شعور الفرد بالقوّة من خلال الانتماء الى جماعة كان ما يزال ممكنا بعد ، فخرج كريم ولملم اطراف شجاعته ونشر قصيدته التي لمّح فيها الى تعرضه للتعذيب :
" سلام الله على عيونج ... بعدنا زغار ع التعذيب " !
وليعلن من خلالها اصراره على المواصلة ، لكنه لم يستطع تجاهل ضغط الواقع : الارضية الهشّة التي كان يقف عليها ، والجدار الرخو الذي اراد الاستناد اليه بل وليسمع ، وهو يتلمس العون ، بضعة غمغمات بلا معنى زادت من رعبه بدلا من ان تمنحه الطمأنينة والشجاعة !
وادرك الفتى ، ولأول مرّة ، انه وحيد وضعيف وبلا حول ، فمن يكون فتى يافع فقيرمن مدينة الثورة ، بل مجرد " ...." من شاكرية الأمس اتجاه سلطة لم تتوان عن ان تجبر رئيس وزراء قومي سابق اشتهر بالشدّة على تقديم وصلة رقص شرقي ع الوحدة ونص في قصر النهاية قبل ان توجه الى دماغه رصاصة الرحمة ؟!
من يكون " كريم عودة لعيبي " ، او غيره من اشباهه ممن هم ابن لشرطي او حارس ليلي او كاسب او موظف بسيط يبحث عن الستر اتجاه دولة اذلّتْ وحطمت كبرياء وكرامات المئات من الشيوعيين والقوميين وحتى البعثيين في غرف التعذيب الذي احترفته وامتهنته كوسيلة مثلى للتعامل مع مواطنيها، دون ان يجرؤ احد على مجرد الهمس ، لا الصراخ في وجه جبروتها المنفلت ؟!
كان كل ما هو مطلوب لتجنب هذه الاهوال ان يبدل المُستَهدف قلبه بمنفخة ليصبح كل شيء ، تمام ، ولتهدأ المخاوف والكوابيس :

ابدلوا قلبي بمنفخةٍ وقالوا قُمْ فقد اصبحت خنزيراً !
اعتقل كريم في فترة مبكرة لم تكن فيها الاعتقالات قد سادت ولا اخبار التعذيب والاعدامات قد ملأت الأفئدة رعبا وخشية كما لم تكن متاهات الضياع ولا مسارب الهروب قد عُرفت بعد ، ولذلك فقد احس بكونه وحيدا ، كسيرا ، حسيرا وان عليه ان يوّدع نهائيا والى الابد ماكانه... ليلبس او يتلبّس ما يجب ان يكون !
وهكذا قُتل الشاعر الفتى وغُيّب نهائيا والى الابد ، رحل الفتى العراقي الحالم منطويا على المّ ممض وأسى عميق لم يبرحاه منذ تلك الايام ...رحل ، كما اسلفتُ ، وفي قلبه غصّة وعلى محياه لوعة لم تفلح سنوات الفن كبزنس ولا الكلمات التي توزن بالدولار ولا الأكف الملتهبة بتصفيق من نوع آخر ولا حتى التسلل بين الحين والآخر الى قبر ذلك الفتى ومحاولة استعادة روحه من خلال كلمات هذه الاغنية او تلك الانشودة في ان تعالجه وتخفف من وطأته حتى تصاعد الأنين الاسود المختزن في الاعماق ليصرخ بأغنيته الأخيرة ! فهل عرفتم ، اعزائي ، من رثيت وارثي ؟



#عارف_معروف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انت مع السوداني ام ضده ؟!
- - خدمة علم - في زمن تبجيل الماكييرة !
- عراق اليوم : هل بقي أمل ؟!
- عيد وطني لا يهم احدا ولا يعني احد !
- بين شمعون بيريز وابراهيم النابلسي !
- عقد ال600 .... هل قتلوا احمد الجلبي ؟
- رأس جبل الجليد الهائل !.................(1)
- غيضٌ من فيض !
- قرار المحكمة الاتحادية وذيل الشيطان !
- ريّا ن !
- هل نحن شعب ميّت ؟!
- لو كان أسانج ....
- كردستان .... الثورة قادمة !
- تشرين 2019 ..... ثورة ام مؤامرة ؟!
- الجلاّد مازال موجودا.... الدوافع هي التي اختلفت قليلا !
- لنتعلم من - غريغوريو ميرابال - !
- ترامب والترامبية والنظام الامريكي !
- انا ... الفلسطيني !
- المُولِد الصيني : هل سيخرج منه العراق بلا حمص ؟
- ثورة 14 تموز ... ماضٍ ام مستقبل ؟!


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عارف معروف - مرة اخرى ..في رثاء الراحل كريم العراقي : من قتل الشاعر الفتى ؟!