أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قيس كاظم الجنابي - من الدراسات الثقافية إلى النقد النسائي















المزيد.....


من الدراسات الثقافية إلى النقد النسائي


قيس كاظم الجنابي

الحوار المتمدن-العدد: 7725 - 2023 / 9 / 5 - 18:56
المحور: الادب والفن
    


-1-
تعد اتجاهات نقد الرواية محوراً مهماً ، يمكن أن ينطلق من الدراسات الثقافية الى النقد الثقافي، ثم صار النقد النسائي يمثل اتجاهاً نقدياً، ذلك لأن الدراسات الثقافية تنفتح على النقد الادبي وفقاً لطبيعتها الأنثروبولوجية أمام النقد الثقافي ليمارس دوره وتأثيره على مجمل الدراسات الإنسانية مستفيداً من قدرات الباحثين النقدية لربط منظومة الدراسات الإنسانية بمجموعها في دائرة بحثية أشبه بالدوائر المؤسساتية لتقليص دائرة التخصص ،وفتح دائرة البحث نحو آفاق واسعة، وقد كان (آثرايزابرجر) سباقاً الى هذا الميدان في كتابه (النقد الثقافي ، تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة)؛ فكان أبرز ما استنتجه هو الاعتقاد بوجود لقاء واضح بين الماركسية الأدبية - التي تعمل على تفسير المجتمع من خلال سبر أغوار حالته الاقتصادية - وبين النقد الثقافي الذي يستعين بالماركسية الأدبية مستعيراً بعض مفاهيمها في(الاغتراب)و(الهيمنة).( )
وتبقى الدراسات الثقافية هي المفتاح الأول في الاتجاه من النقد الاسلوبي الى النقد الفكري الأيديولوجي، ثم طوّرت مفهومها لتلتقي بالنقد الثقافي، وما تبعه من تطورات في نشأة النقد النسوي الذي راح يمد بعنقه في نقد السرد بالعراق منذ كتاب (ألف ليلة وليلة) لتأصيل الظاهرة النسوية والدفاع عن حقوق المرأة بوقت مبكر.
-2-
كمفهوم عام، ترغب الدراسات الثقافية ، في دراسة النقد الثقافي، بشكل عام، ولكن الموضوع في حدّ ذاته يعتبر موضوعاً سياسياً ، يتوجه بالتدريج نحو فتح آفاق واسعة نحو الطبقات الدنيا، ويتوجه الى علاقة الادب بالأنثروبولوجيا، حيث العلاقة بين ثقافة الطبقات المسحوقة وثقافة الواقع ،او الثقافة السائدة والشعبية او غير المدونة والثقافة المدونة، وتعد هذه الدراسات - من خلال تلك التقاليد – مدفوعة عن طريق التوتر بين الرغبة في استعادة الثقافة الشعبية بوصفها تعبيراً عن الشعب، أو الرغبة في التعبير عن ثقافات المجموعات المهمشة ،ودراسة الثقافة العامة بوصفها فرضاً أيديولوجياً ،وتشكيلاً أيديولوجيا جائراً؛ فمن ناحية أولى، تعد النقطة الأساسية لدراسة الثقافة الشعبية هي الاتصال بما يكون مهماً لحيوات أناس عاديين (أي في ثقافتهم)،بوصفه متعارضاً مع ما يكون مهماً لمتذوقي الفنون والجمال والمثقفين. ومن ناحية أخرى، فان ثمة دفعاً قوياً لتوضيح كيف يكون الناس مشكلين أو متأثرين بالقوى الثقافية.( )
لقد كان للدراسات الثقافية دورها الفاعل في انتاج أنساق جديدة في تفسير وقراءة النصوص الأدبية، وخصوصاً السردية ، من خلال النقد الثقافي الذي يقوم على منظومة من الانساق التي تطور عمله ؛وفي العموم فان هذه الدراسات هي المدخل الجديد لكي نلج عالم النقد الثقافي والنقد النسوي وما شابه ذلك ؛ ومن هنا يبدو النقد الأدبي عائماً لوحده بعيداً عن مهمته الاصلية ، من خلال طروحات (ليتش) و(آيزا برجر)؛ وهما اللذان انطلقا بالنقد الثقافي من الدراسات الثقافية ؛ وهو مصطلح فضفاض، حيث تحاول هذا الدراسات الإحاطة الشاملة بمختلف طرق دراسة الثقافة وتحليلها في علم الاجتماع، والتاريخ ،والاثنوجرافيا، والنقد الأدبي، بل حتى في علم البيولوجيا الاجتماعية ،ولكنه قد يستعمل أيضاً ،وبصورة أدق، للإشارة الى مجال محدد من مجالات البحث الاكاديمي.( )
وما يسميه ادوارد سعيد بالدنيوية يسميه (فنسنت ليتش) في كتابه (النقد الثقافي) ب"بروتوكول التورط" ويعني به ان كل الأشياء والظواهر – بما فيها النصوص طبقاً، لا تشكل، بل لا يمكن تصورها الا في اشتباكها (أو تورطها) مع المؤسسات والأنظمة العقلية واللاعقلية النصوصية المحيطة بها، وفي علاقة امتدادها. المعقدة زمانياً ومكانيا.( )
يذهب (ليتش) الى القول ان "مهمة النقد الثقافي الرئيسية" تتمثل في ربط الأشياء - بما فيها النصوص – بالأنظمة العقلية واللاعقلية، أي بالأيديولوجيا والتشكلات الاجتماعية والمؤسسات والخطابات الفاعلة في الثقافات. وهذا الربط - أو التورط - لا يمكن تحقيقه ومن ثم فحصه وتحليله الا بنقلة في مفهوم النص والتناص والادب قبل ذلك، وما يستتبع ذلك من إعادة النظر في طبيعة العلاقات بين النصوص والخطابات والمؤسسات.( )
ويمكن العودة الى الجذور التاريخية للدراسات الثقافية بالرجوع الى ريموند ويليامز وريتشارد هو جارت في أواخر الخمسينات واوائل الستينات من القرن العشرين، حتى نصل الى انشاء مركز برمنجهام للدراسات الثقافية المعاصرة في سنة 1964م، ثم إدارة هوجارت ثم تولاه بعد ستوارت هول، فظهر اتجاه علمي متعدد التخصصات في دراسة الثقافة، لا يعتمد فقط على الاتجاهات التقليدية المستمدة من العلوم الاجتماعية. ولكن يضم الى جانب ذلك اتجاهات أكثر تطرفاً أوحت بها، على سبيل المثال، الحركة النسوية،والماركسية ،والسيموطيقا أي علم العلامات، مما أدى الى تقديم صياغة أكثر دقة لمضامين مصطلح الثقافة.( ) وقد انقسمت الدراسات الثقافية الى اتجاهين:
الأول، يعارض صراحة الاحتفاء بالثقافة الرفيعة أو ثقافة الصفوة، كما يتجسد ذلك في دراسة التراث الفني المعتمد في ثقافات الشعوب الراقية.
الثاني، أكثر وضعية المستمد من العلوم الاجتماعية، وبصفة خاصة من الانثروبولوجيا الثقافية وعلم اجتماع الثقافة.( )
يتحدث كتاب مايكل رايات(الدراسات الثقافية ،مدخل تطبيقي) عن (السياسة والصناعة) وعلاقة ذلك بالموضة والسينما في الفصل الأول، ثم يتحدث في الفصل الثاني عن (المكان والفضاء والجغرافيا)؛ مشيراً الى أن " الثقافة مكانية بطرائق عدة. فالسكان يتوزعون جغرافياً باختلافات ثقافية،تُعْرب عن نفسها على نحو محسوس تماماً ، بوصفها اختلافات في المكان". بحيث انه توصل الى قناعة بأنَّ الثقافة "هي المكان الذي منه نرى العالم".( )
وفي الفصل الثالث تحدث عن (الجذور والجنسانية) ليلج الى الموضوع النسوي من أوسع أبوابه لاعتقاد الكاتب ان "ثقافة المجلات ذات الجذب الجنسي يمكن قراءتها على انها ترتبط بالحاجة التي تشعر بها النساء كي يجعلن من أنفسهن جذابات في عيون الرجال مع السلطة على المواد في عالم تتوزع فيه تلك الموارد على نحو غير عادل وغير متساوٍ بين أنواع الجند. فبقاء النساء قد يعتمد على الجمال".( )
ثم يتوسع في تعريف الجندر الذي يعبر عن صفاته البايولوجية، عادة "بأشكال ثقافية كاللباس وقص الشعر بطريقة قد تقنعنا بأن هوية الجندر هي في النهاية أمر محتوم بايولوجياً ، علامته البدنية الفارقة هي أعضاؤنا الجنسية المختلفة".( ) ثم يتطرق الى ثنائية الجنس (الذكوري /الانثوي)، فتحدث عن الشذوذ والسحاق والنساء الميدوسات (الميدوزا)، مشيراً الى بعض المتخصصين بالصحة الذهنية وجدوا في مدارسهم " ان رهاب المثلية بين الرجال الشاذين".( ) والذي يفضي الى رهاب الجنسية الثقافي.
وفي الفصل الرابع (الآيديولوجيات) ثمة إشارة الى الإرهاب وتسويق صورة العربي مقرونة بالإرهاب، مع صورة جندي المارنيز؛ بسبب هيمنة خطاب الكراهية، وسيادة العولمة وغير ذلك، مما يشير الى أن تسويق هذه الأفكار هو جزء من آيديولوجيا المرحلة، كما عكست ذلك السينما التي صورت التعذيب والإرهاب والجواسيس وغير ذلك. وقد تطرق الكتاب الى الموسيقى والازياء كل ما له علاقة بالتقليعات والتحولات التي تحصل في الواقع؛ وهذا ما جعل الدراسات الثقافية جزءاً من التحولات الاجتماعية والثقافية الكبرى التي تحصل في العالم بهدف إيجاد حلول ووصف للواقع، وتثبيت حقائق، حيث عبرت هذه الدراسات عن العلاقة الحية بين الحياة والاعلام والفن والضيق بسلطة الذكورة جسدياً وثقافياً.
-3-
في تقديري أن (الدراسات الثقافية) تشكل الحلقة الأولى لولوج موضوع النقد الثقافي حتى يصبح المتلقي على بينة من امره، في فهم ومتابعة النقد الثقافي، الذي يعده منظروه نشاطاً ولي مجالاً معرفياً خاصاً بذاته، لأن نقاد الثقافة يطبقون المفاهيم والنظريات المتضمنة في كتاب (النقد الثقافي) في تركيب وتبادل، على الفنون الراقية والثقافة الشعبية، والحياة اليومية وعلى حشد من الموضوعات المرتبطة بها. بحيث تبدو مهمته متداخلة ،ومترابطة ومتجاوزة ومتعددة، حتى يأتي نقاد الثقافة في مجالات مختلفة ويستخدمون أفكاراً ومفاهيم متنوعة وبمقدور النقد الثقافي أن يشمل نظرية الأدب والجمال والنقد، وأيضاً التفكير الفلسفي وتحليل الوسائط والنقد الثقافي الشعبي ،وبمقدوره كذلك أن يفسر نظريات ومجالات علم العلامات (السيميائيات) ونظرية التحليل النفسي والنظرية الماركسية والنظريات الاجتماعية؛ فضلاً عن الاتصال ووسائل الاعلام.( ) أي انه يدخل المتغيرات ذات الطبيعة الشعبية في الاطار النقدي والايديولوجي ،وهو ليس نقداً نصياً لبناء النص الادبي ، بقدر ما هو نقد يمكن ان نوازي به ما هو رصين وأسلوبي بما هو متمرد وهامشي وفلكلوري(شعبي)؛ ولهذا صار النقد الثقافي نوعاً من التسهيل ،ونوعاً من الدمج بين تيار الحياة اليومية للمجتمع وتيار الحداثة وتحولاتها الكبيرة، ومعطياتها في قراءة النص؛ فالنقد الثقافي لا يغني عن النقد الادبي ،ولكنه يمهد للخروج من الأطر التقليدية الخانقة الى فضاء الحياة العامة، المشبعة بالموروث الشعبي ، الذي يهتم بالملامح الخارجية كالأزياء والاطعمة والكماليات التي ربما لا يحتاجها الناقد الرصين ،ومن هنا يبقى النقد الثقافي محاولة لاستيعاب موضوع الجسد والجندر وما شابه في اطار النقد الجديد، نقد ما بعد الحداثة، لأنه نقد يمتلك مبررات وجوده من خلال تفرده في التعامل مع ما هو يومي وعادي ،وربما مبتذل وسطحي.
ومع ذلك فان نقاد النقد الثقافي، لا ينتقدون بلا وجهة نظر، فان ثمة علاقة لهم بجماعات او اتجاهات مثل الاتجاه النسوي، أو الماركسي، أو الفرويدي، أو اليونجي أو المحافظ، أو الشذوذ أو السحاق او الاتجاه الفوضوي أو الراديكالي، أو يرتبط بعلم العلامات، أو المذهب الاجتماعي، أو الانثروبولوجي، أو يرتبط بمزيج من كل ما سبق.( )
وقد بنى الدكتور عبدالله محمد الغذامي، في كتابه عن (النقد الثقافي) طروحات (ليتش) التي تقوم على ثلاثة خصائص، هي:
أ‌- لا يؤطر النقد الثقافي حقلة تحت اطار التصنيف المؤسساتي للنص الجمالي ، بل ينفتح على مجال عريض من الاهتمامات الى ما هو غير محسوب في حساب المؤسسة، سواء كان خطاباً أو ظاهرة.
ب‌- ... انه يستفيد من مناهج التحليل المعرفية من مثل تأويل النص ودراسة الخلفية التاريخية، إضافة الى افادته من الموقف النقدي والتحليل المؤسساتي.
ت‌- .... تركيزه الجوهري على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي، كما هو لدى بارت ودريدا وفوكو، خاصة مقولة دريدا ان لا شيء خارج النص، وهي مقولة يصفها ليتش الما بعد بنيوي ،ومعها مفاتيح النصوصي كما عند بارت وحفريات فوكو.( )
ويمكن ان يعد النقد النسوي واحداً من روافد النقد الثقافي لأنه يتضمن جانباً اجتماعياً ونفسياً لاستيعاب الأفكار والطروحات التي يحتاجها النقد الثقافي وينهض بها النقد النسوي في تحولاته المتعددة.
اما الدكتور محمود الحياني ، فقد درس شعر بشرى البستاني ، في كتابه (النص الانثوي والنقد النسوي، مشروع قراءة الابداع العراقي ، الصادر عام 2020م)، ليغرد بعيداً حول الشعر، عن السرد النسوي موضوعنا هذا، ولم يلج في علاقة هذا السرد بالنقد الثقافي. وفي نقد الشعر تظهر صورة الرجل /الفحل، من خلال ما طرحه الاصمعي حول (فحولة الشعراء) حين سئل : ما معنى الفحل؟ قال :يراد ان له مزية على غيره كمزية الفحل على الحقائق.( ) مما يجعل الشعراء أقل استجابة للموضوعة النسوية والنقد الثقافي والطروحات الحديثة، ذلك ان لغة السرد النسوي ، يفترض بها ان تتماهى مع صوت الانوثة الخافت، فالشعر فن منبري يقرأ ،في الأساس ، على جمهور واسع؛ بينما يكتب السرد/النثر بتأنٍ ودراية، ولا يصلح للقراءة الا للضرورة؛ مما يجعل الشعر أقل قرباً من النسوية الا في النصوص الحديثة ذات الطبيعة النثرية أو شبه النثرية، انسجاماً مع طروحات نظريات نقد الشعر عند العرب؛ فأشار الى وضع المرأة في "الضعف ، التبعية، النقص، الاحق، النوع، السكون والصمت تلك هي الصفات التي تتجلى في الموروث الثقافي لتلتصق بالأنثى.( )
-4-
تعد حكايات(ألف ليلة وليلة) أقدم نص نسوي ، مع انه نص نثري شعبي، مجهول المؤلف، الا ان بطلته(شهرزاد) التي درأت القتل عن أبناء جنسها، فكانت ملاذاً لهن، ولهذا اختارت الدكتورة إقبال حسن علاوي، عنواناً لرسالتها التي أصدرتها عام 2021م، بعنوان (ألف ليلة وليلة في ضوء النقد النسوي)، فقدمت لها بتمهيد مهم يتناول موضوع الحركة النسوية، فرأت فيه " الدعوة الى المساواة ،وإلغاء الانحياز الجنسي للرجل ،وتحرير الجسد، وإلغاء القيود التي تعرقل حركته، ومساهمته المرأة الاعمال التي يختص بها الرجال وتوفير فرص عيش متكافئة للجنسين وإيقاف العنف المنزلي الذي يمارسه الرجال ضد النساء والدعوة الى مشروعية الإجهاض ومنح المرأة حق التصويت وتفعيل دور حركة تحر المرأة من البيئة الاجتماعية، وتفعيل ممارستها في الضغط على المؤسسات التنفيذية ،والتشريعية في صناعة القرار".( )
ويعد النقد النسائي شكلاً من أشكال النقد الذي يجمع بين النقد الادبي المتعارف عليه والنقد الثقافي، لأنه يركز ويتمحور حول المسائل النسوية ،وهو الآن اتجاه نقدي يتناول النصوص بالتحليل الثقافي بصفة عامة، فهو ينشغل بالمسائل المرتبطة بالجنوسة(الجندر gender) على سبيل المثال ، فقام بعض النقاد بدراسة طرائق التي تشكلت بها صورة المرأة في وسائل الاعلام، كما اهتموا بأمور من مثل عدد النساء (مقارنة بعدد الرجال) في النصوص المعروضة في وسائل الاعلام الجماهيرية، وبدور المرأة واهتموا أيضاً بالمسائل المرتبطة بذلك مثل النظرية الذكورية في النصوص ،والقيم والمعتقدات الموجهة بالدرجة الأساس مباشرة الى المرأة.( )
قبل الحديث عن النقد النسائي، لا بدّ من الحديث عن النظرية النسوية التي هي الخلفية الفكرية للنقد النسوي، وهي واحدة من النظريات السياسية في الوقت الحاضر ،والتي تدفع باتجاه استقلال النساء وابعادهن من هيمنة الرجال ،والتي تعمل ضد فكرة الشرق الإسلامي ، في ان المرأة هي أداة للإنجاب والعمل، واستقبال شهوات الرجال، ولهذا وصفها (ريتش RICH) بأنها حركة سياسية – اجتماعية تبلورت إبّان عصر التنوير الاربي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بحيث تهدف الى تحرير النساء وتحسين حياتهن وأوضاعهن ،ولاسيما في نواحي التعليم والتوظيف والمواطنة والاقتراع، والذي تطور لاحقاً كي يأخذ شكل المطالبة بحق المرأة في امتلاك جسدها مع ما يعنيه ذلك من حيازة الحق في الاجهاض، على أساس الاعتقاد بالمساواة والعدل بين للجنسين في المجالين الخاص والعام.( )
ومع ظهور طروحات النقد الثقافي ارتبطت النسوية بالنقد النسائي، الذي كان يسمى بعض الأحيان بـ(الجينثوي)؛أي النقد الذي يعني على وجه التحديد بإنتاج النساء من الوجوه كافة، فانتقل هذا النقد الى البيئة والمستهلك الثقافي لكشف الانساق الثقافية المضمرة في النص؛ مما فسح المجال أمام النسوية في اعتماده كآلية تحليلية تسهم في الكشف عن المواطن المجتمعية والثقافية التي تحدد مركز المرأة في ظل المجتمع الذكوري، اذ يفسح النقد الثقافي المجال أمام المرأة مساحة واسعة للنسوية للدفاع عن نفسها، وحق النساء في الاستقلال ، بما في ذلك ثقافياً، حتى صار النقد الثقافي النسائي يكشف ان تبعية المرأة مستبطنة ،أي انها مستعبدة وان تصرفت بحرية فحريتها ظاهرية فحسب.( )
وتعتقد بعض الباحثات في شؤون الادب النسوي ، بأنه تم تهميش الكتابات النسائية غالباً بحجة ان مخيلة النساء وخبرتهن محدودتان، ويردّد النقاء آراء بعضهم بأن الكاتبات العربيات قد فشلن في الخروج من قمقم البيت والأطفال والزواج والحب في كتاباتهم ونتيجة لذلك فقد فشلن في معالجة الاهتمامات الاجتماعية والسياسية لبلدانهن.
كما ان ثمة مقاومة لدى بعضهن لتصنيف أدبهن على أنه (أدب نسائي).( )
-5-
في النقدية العراقية المعاصرة، تأخر البحث كثيراً في قراءة السرديات النسوية ،وخصوصاً الرواية؛ بينما امتلكت الكتابات النقدية حول الرواية العربية ، اهتماماً خاصاً، بسبب عزوف الكاتبات العراقيات في الإعلان عن أنفسهن ،والتحرج من نشر صورهن، في المعاجم والموسوعات ،وارتداء الحجاب وما يمثل منهج الرجل وثقافته، ثم كانت ظروف الحصار وتصاعد المد الديني السلفي، وظروف ما بعد الاحتلال الأمريكي الذي مهد لنوع من التدجين من خلال تحالفه مع التيارات السياسية الدينية المتطرفة وغير المتطرفة، فصارت الكاتبة تخشى من هيمنة الجماعات المسلحة التي تدعو الى الحجاب والتقوقع ،وتفرض وصايتها على المرأة خاصة والمجتمع عامة، وقد طال ذلك أسماء مهمة من الصحفيات والاديبات، كما الاعتقال الأمريكي الاعتقال لعدد كبير من الكتاب؛ فذهبت دعوات الناشطات الى الكواليس والسراديب وحملات الاختطاف والترويض من جماعات خارجة عن القانون ولكنها تلبي مشروع الاحتلال برمته، فقد اختطفت الكثير من الناشطات والمنتفضات او جرى قتلهن بدم بارد، وصار بعض الادباء أبوقاً لهذه التصرفات.
والحقيقة ان فكرة النسوية تأخذ ،أحياناً، جانباً سياسياً مهماً ، قد لا يتعلق بالجسد وحرية التصرف به، بوصف أداة الاتصال بين الرجل والمرأة، وارضاء لمتعة الجانبين، وبغية الانجاب والتساكن والتعايش لقضاء دورة الحياة الإنسانية تحت سقف واحد، وقد جعل الجانب السياسي المرأة تتصدر الحياة السياسية، وتضع لها قدماً راسخة فيها، وهذا الامر صار الآن مفروغاً منه عملياً، لكنه من الناحية الأدبية والنقدية يتعلق بالطروحات النقدية التي صار فيها النقد الثقافي واحداً من الاتجاهات النقدية المعاصرة لأدلجة الادب ،وبالذات السرد ،لأنه أقرب الى حياة المرأة وتطلعاتها، كما ان النقد الثقافي يعد صورة موازية للأدب الشعبي ، كما هو حال كتاب (ألف ليلة وليلة) حيث يقوم الاتصال بين الطبقات الدنيا، التي تعد المرأة وفقاً للمنومة الفكرية الشرقية السائدة واحدة منها، فغالباً ما تكون المرأة ضمن طبقة الغلمان والأطفال والقاصرين الذي لا يستطيعون أداء أدوارهم الا بمساعدة الآخرين، وخصوصاً الرجال والسلطة الذكورية.
لقد كتبت الناقد د. نادية هناوي سعدون دراسة عن مجموعتين قصصيتين، ولم تفتح ذراعيها للرواية الأكثر تمثيلاً للسرد في تناول هذا الموضوع الذي طرحت فيه فكرة "ان الادب النسائي شعراً ونثراً هو أدب تكتبه المرأة سواء أكانت قد تناولت قضية المرأة أم لم تتناولها.
ولي ضرورياً ان تحمل كتاباتها صفة النسوية ... وهذا ما لا يحتمله مصطلح الادب الانثوي أيضاً لأنه يحيل الى النسوية تحديداً...".( )
وكانت الناقدة قد افترضت ان مفهوم الادب النسائي العربي هو نتاج من نتاجات الثقافة الغربية ما بعد الكولونيالية وقد اسهم التأثر والتأثير في انتشاره في البلاد العربية. فجعلت هذه التوجهات جزءاً من طروحات النقد الثقافي الذي سعى في مرحلة ما بعد الحداثة الى اعلائه والارقاء به من خلال فكرة التعددية ورفض الاخصاء او القطبية وهدم المحمولات الثقافية على المرأة المؤمنة بهيمنة المركز والهامش.( )
وهي ترى ان الحديث عن أدب نسائي بشكل عام، وليس السرد النسوي ،أكثر قرباً من مجرد كونه أدباً انثوياً أو أنوثياً ،فالمرأة حين تكتب لا تستند الى ذاتها بمعزل عن الموروثات والقيم الفعلية التي تمارسها أو تتماهى فيها. كما ترى بأن الاتكاء على النسوية يمنح المرأة بعدها الثقافي ويرتفع بها من التمييز الى الارتقاء النوعي الإبداعي، الذي يجذره الرجل حين يجعل المرأة في موقع الهامش ويمنعها من تعلم الكتابة وصناعة اللغة.
ثم تفترض ان المرأة الروائية لا تتحدث عن حالها فحسب بل تتحدث عن بنات جنسها سواء في أوطانهن أو خارج تلك الأوطان ، محاولة الانتقال الى أدب القصة الذي يتميز بتكثيف القص واختزال الحكاية .. لاصطياد المغزى والظفر بجوهر القصة.( )
للتجريب في الأدب النسائي، علاقة بالرواية بهدف حصر الموضوع في الرواية العراقية النسائية، ثم زمنياً بعد عام 2003م، لغرض التقليل من النصوص المدروسة وحصرها في اطار ضيق ، مع التماشي مع الأسباب والمتغيرات التي أحدثها الاحتلال الأمريكي للعراق، والتحولات القسرية، والطوعية؛ بعد انتهاء النظام الشمولي والايديولوجي الخانق، وبالطبع، يعد التجريب موضوعاً طوعياً وفنياً يتعلق بأساليب السرد ، مثلما هو موضوع مضموني يتعلق بالموضوعات التي انفتح أفق التعامل معها من دون تدخل مقص الرقيب الفكري، وهذا لا يعني عدم وجود روايات صدرت خارج العراق قبل هذه المرحلة ، مثل روايات عالية ممدوح وبتول الخضيري .. وغيرهما. وهي روايات نسائية، وتجريبية في الوقت نفسه، ولكن الناقد العراقي يبقى متوجساً ،وخاضعاً لمؤثرات الواقع السياسي، والكتابة في موضوع حساس ومثير كالجسد والنسائية والشذوذ تبقى محرجة ،وتثير الكثير من الشبهات حول الكاتب /الناقد المحمّل بالكثير من الترسبات والظروف والاحداث، وبعد الاحتلال، يرى الكاتب ان على الرواية العراقية الجديدة التي تخلصت من الهيمنة يمكن لها ان تسهم في ترميم الذاكرة العراقية التي كانت عرضة للتشويه والمحو، وان تلاحق الاحداث الجسيمة التي مرّ بها المجتمع المفجوع بالتمزق في متونه وهوامشه، وان تعاين الحدث من زوايا نظر مختلفة. وتكشف المستور وتزيل العتمة، وان لا تترك هذا العقد الاستثنائي في حياة العراقيين نهباً للنسيان، وشكلت الرواية مساهمة ثقافية في الجدل الدائر حول قراءة تحولات الراهن العراقي، حيث قدّمت في غضون ذلك صوراً بالغة التأثير عن صدمة الاحتلال وخراب بغداد ،وعن اللصوص والمافيات والمفخخات وقتل المثليين ،وعن انحراف الأطفال.( )
وفي إشارة الى ما كتبه أحمد ثامر جهاد في مجلة الأقلام في عددها الثالث، عام 2014م. حول رواية (وحدها شجرة الرمان)لسنان أنطوان، عن الكلام الخيالي، الذي ليس له علاقة بالواقع، لأن الروائي عاش سنوات الحصار خارج العراق، فصار يكتب بتأثير ما يصله في المواقع والقنوات، كما ان الرواية ليست فناً تنويرياً، كما يعتقد، وانما هي عمل سردي يقرأه النخبة من القراء، فهي مجرد أفكار تنشر تجمع الخيال بالواقع.
-6-
لا يشمل النقد النسائي الرواية لوحدها، وانما يشمل دراسة الفنون الأدبية كالشعر والقصة والرواية والمسرح وقد يتوسع الى الفن التشكيلي والكتابات التراثية القريبة منه، ولكن الأقرب الى النقد النسائي هو نقد السرد، من حيث كونه نصاً اكثر تحرراً وانفتاحاً، على مختلف الاشكل والانواع، ولأن الكتابة الروائية الحديثة في الكتابات النسائية تفصح عن الكثير من الرؤى والأفكار الخاصة بالجندر، ومعاناة النساء وما يحصل لهن في حياتهن؛ فان النقد النسائي يتجه بشكل ملفت للنظر نحو الرواية النسائية، لاستنباط الرؤى والاحداث والمعاناة التي يفصح عنها خطاب المرأة السردي، وذلك من خلال ملاحقة التصرفات النسائية داخل المجتمع في علاقة المرأة بالرجل، من حيث الاتصال والمواقف الشاذة في تصرف المرأة كالسحاق والاشباع الذاتي لرغبة الجنسية، وتصوير موقف المرأة من العلاقة الزوجية – الاجتماعية، في العمل وفي النضال ضد الهيمنة الذكورية ،ومحاولة تجاوز شعورهن بالنقص؛ بسبب التركيب البايولوجي للمرأة. وبالطبع ان يكون النقد النسائي تالياً للحركة النسوية التي مرت بثلاثة أطوار:( )
الأول، المطالبة بحقوق المرأة بالحياة، ومساواتها بالرجل، وقد نشأ هذا الاتجاه منذ نهايات القرن الثامن عشر ، ثم بقي يتطور مع حركة الزمن ،وقد تجسد في أكثر من عمل نصوصي.
الثاني، تجلى في القرن العشرين على يد الكاتبتين (فرجينيا وولف)،و(سيمون دي بوفوار) وغيرهما فيما بعد، وتمثل بوضوح البعد النصوصي في التجربة النسوية، أي ان اهتماماته تتجاوز المطالبة بالحقوق المدنية للمرأة، في ابراز حق المرأة في الخصوصية ومنها الخصوصية الإبداعية، عن طريق تأنيث اللغة وخصوصية الجملة المعبرة عن الانثى، وتأكيد هوية المرأة وتأكيد فكرة الاختلاف وذاتيتها الخاصة.
الثالث، تضمن أكثر من تيار أو اتجاه في داخله ، كالاتجاه النسوي الأمريكي ،او النسوي الفرنسي والنسوي البريطاني، وفيه سعت المرأة الى حماية نفسها من ويلات العنف الذي يمارسه الرجال، والذي غالباً ما يصاحبه بعض تعبيرات الجنس الذكوري.
كما تركزت النضالات السياسية في الحصول على حق التصويت وإصلاح حقوق الملكية وإلغاء الامتياز الابوي في الزواج ومنح حق فرص التعليم للمرأة والعمل من دون عوائق وتحديدات .. وغير ذلك.



#قيس_كاظم_الجنابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كامل شياع.. ورسائل من دفتر المنفى
- اتجاهات نقد السرد العراقي
- مائة ليلة وليلة.. وأصول الليالي العربية
- يوميات نسوية في رواية (سمعت كل شيء)
- علي بابا والخيانة المضادة
- المحجر.. المكان والموقف
- صندوق الغائب *قراءة جديدة في قصص(المملكة السوداء)*
- المقالة الأدبية وحكاية (الرجل الفسيل)
- المفارقة في حكايات (الفاشوش في حُكم قراقوش)
- شعرية الخيانة في كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة)
- ذكريات مؤجلة في (الرحلة الناقصة)
- السرد والمقام في كتاب (العبرة الشافية والفكرة الوافية)
- هل كانت قصيدة النثر سومرية..؟
- شعرية التزوير في حكايتين عربيتين
- ذكريات سياسية في كتاب (مقتطفات من الذاكرة)
- بنية التوقيع في قصائد : اكليل موسيقى على جثة بيانو - للشاعر ...


المزيد.....




- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قيس كاظم الجنابي - من الدراسات الثقافية إلى النقد النسائي