المخدرات ... والسياسة !!

أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7720 - 2023 / 8 / 31 - 03:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ربما يظن بعض الناس أن العلاقات الدولية تحكمها المواثيق أو القانون الدولي ، أو أن الاحترام هو ما يسود العلاقات بين الدول ، أو أنه اذا حدث خلاف أو نزاع بين دولتين فإنهما تذهبان إلى الاحتكام إلى السلاح بشرف ونزاهة ..

لا يعرف كثيرون أن العلاقات الدولية غابة لا يحكمها قانون أو ينظمها عرف ، وأن مئات الوسائل تستخدمها الدول للتأثير في غيرها .. وأن أغلب تلك الوسائل غير شريف ..

ومن هذه الوسائل ... المخدرات !!

وهو تاريخ طويل وحافل ، ويدخل في بند المسكوت عنه ..

كان تفكيرى من فترة أن أكتب دراسة علمية عن المخدرات والسياسة ، أو المخدرات والتغيرات الكبرى في حياة الامم ..
ولكن مشاغل الحياة لم تعطى الإنسان فرصة يبحث ويدقق ويكتب ..

وكان الداعى فيما ذهبت إليه بعض القراءات التى لفتت نظرى ، ثم بعض ما مر بنا من حوادث قريبة توقفت عندها بالتفكير والملاحظة ..

.. من ضمن ما قرأته ولفت نظرى بشدة الآتى :

1 - ما قرأته فى كتاب عالم الإجتماع والسياسة الفرنسى المرموق جاك بيرك " مصر .. الإمبريالية والثورة " وهو كتاب مهم يتحدث عن مصر من ثورة 1919 إلى ثورة 1952 ..

وفيه أنه فى السنوات التى تلت ثورة 1919 وصل عدد من يتعاطى المخدرات في مصر إلى ربع الشعب المصري تقريبا !! وأن تسهيل ذلك أمام المصريين لم يكن بعيدا عن تدبير سلطات الإحتلال الإنجليزي !!

وربما كان قصد الإنجليز من ذلك أن يبعدوا كتلة كبرى من الشعب المصري عن الكفاح ضد الاحتلال البريطانى بالعيش في أوهام المكيفات والمخدرات وحبوبها المدمرة أو دخانها الأزرق ..

2 - ما قرأته فى صحيفة المصرى ، عدد 3 يوليو 1950 منسوبا إلى اللواء عبد المنصف محمود باشا مدير عام مصلحة خفر السواحل من أن الجنود الإنجليز ينقلون المخدرات لمصر ، وأن إغراق البلاد بالمخدرات سياسة أجنبية مرسومة !!

ومعروف أن السنوات من 1950 - 1952 كانت هى سنوات التغيرات الكبرى في مصر ..

( جاء زمان بعد ذلك نسى بعض المصريون كل شئ ، وأثرت على عقولهم مخدرات من نوع مختلف ، وأصبح بعضهم يرى أن سنوات الاحتلال البريطانى كانت خيرا على مصر !! ) ..

3 - ما قرأته فى مقال الكاتب الكبير عباس العقاد فى مجلة الهلال ، عدد يوليو 1952 ، وكان عنوان المقال " هل يباح الحشيش ؟ " وفيه يتحدث عن انتشار الحشيش بصورة كبيرة فى مصر !!

ولفت نظرى أنه فى المفاصل الكبرى في حياة مصر - ثورة 1919 وما قبلها وما بعدها ، وثورة 1952 وما قبلها وما بعدها - تظهر مثل هذه الأشياء لتحقيق أهداف معينة لأطراف معينة ..

وأن مصر سوف تكون على موعد بعد أكثر من 70 عاما - ومع التغيرات التى سبقت حوادث 2011 ثم تلتها - مع نفس تلك الظاهرة الغريبة !!

4 - ما قرأته أكثر من مرة عن الجهد الإسرائيلى الهائل لإغراق مصر وشبابها في المخدرات خلال سنوات الثمانينات ، وبعد توقيع معاهدة الصلح مباشرة ..

5 - ما قرأته عن علاقة أمريكا بالمافيا الإيطالية ، وفيها كبار تجار المخدرات في العالم ، وذلك - أولا - خلال الحرب العالمية الثانية ، ثم - ثانيا - فى السياسة الإيطالية الداخلية خلال العقود التى تلت الحرب ..

وكانت السياسة الأمريكية في إيطاليا ترتكز على مجموعة من المحاور ، من أهمها :
- الفاتيكان ورجال الدين من ناحية ..
- والمافيا ورجال المخدرات والجريمة المنظمة من ناحية أخرى !!

.. وإستخدام المخدرات في السياسة قديم .. وذلك منذ قرر الإنجليز فرض المخدرات على أهل الصين بالقوة المسلحة في القرن 19 ، فيما عرف بحروب الأفيون ..

حيث قامت حرب الأفيون الأولى أعوام 1840 - 1842 ، وحرب الأفيون الثانية سنوات 1856 - 1860 ..

...............................

ومن ضمن ما مر بنا من حوادث قريبة توقفت عندها للتفكير الآتى :

1 - الانتشار الكبير والغريب لمجموعات جديدة من المخدرات والمكيفات الشعبية في السنوات القليلة التى سبقت 2011 فى مصر ، وخاصة الترامادول والتامول .. وغيرهما .

وطبقا لصحيفة المصرى اليوم - عدد 3 أبريل 2008 - فقد بينت إحصائيات وزارة الداخلية أن هناك 200% زيادة في قضايا المخدرات خلال 10 سنوات السابقة !!

وفى أواخر ذلك العام ذاته أحبطت أجهزة البحث فى ميناء بورسعيد تهريب ما يزيد على 4 أطنان حبوب مخدرة داخل حاوية، جلبتها شركة استيراد وتصدير من الهند ( المصرى اليوم 12 نوفمبر 2008 ) ..

هذا عن المعروف والمكتشف ..

2 - ما ذكره الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى من أن أغلب المتمردين - أو الثوار - كانوا يتعاطون أنواعا معينة من المخدرات ، تملى عليهم التصرف بطريقة معينة ..

يومها ضحك العالم العربي كله على معمر القذافى ، واخذ كلامه باستخفاف ...

وكان الواجب - بغض النظر عن نسبة الحقيقة في كلام القذافى - أن يدق كلامه ناقوس الانتباه لظاهرة كانت موجودة فعلا ، ولكن الاختلاف كان على حجمها وتأثيرها ..

ظاهرة فعلا غريبة .. وفى نفس الوقت منتشرة جدا فى الدهاليز السرية في دنيا السياسة ، وبرغم خطورتها الشديدة وبرغم توفر مادة علمية لا بأس بها لدراسة هذه الظاهرة ، إلا أن أحد لم يقترب ويتكلم ، ولم تتوفر لدى أحد الشجاعة ليدرس ويفهم ويضع النقاط على الحروف فى جزء غاطس ومسكوت عنه في تاريخ مصر المعاصر ..

#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل