أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - الجدار الطيني














المزيد.....

الجدار الطيني


كاظم حسن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 17:25
المحور: الادب والفن
    


الحائط الطيني او السد او الطوفة ليس تراكما من الطين. قبل ان يعبد الشارع ويستبدل القصب والبواري بالطابوق والبلوك , قبل ان تدخل الكيمياويات لتعجل نموالمخضرات وتفقدها نكهتها,لم يكن المذياع الا لغزا والكهرباء حتى حلما ,استدعى ابو ناصر ذلك الشاب المفتول العضلات الرياضي الجسم ليقيم ذلك السد من الطين .. انه عثمان ورث الحرفة من ابائه واجداده , فاقبل ذلك الصباح مع قريبه المراهق واعّول التراب المتحجر من ضربات المسحاة والمجارف والمعاول والسواعد المفتولة السمراء .. حفرا في حافة بستان ابو ناصر المطل على طريق متعرجة طويلة تحفه النخيل واشجار الكروم من الجهتين , اشتغلا بحفرة بعرض ثلاثة امتار وبطول اربعة , فلما اقترب الظهر ملئت الحفرة بالماء واعيد لها التراب مع الروث والتبن وداساها بالارجل واضافا بعض الحشيش المتيبس وغادرا .
استغرقا عشرة ايام , كل فجر يصلان لتلك الحفرة , يقلبان طينها ويضيفان عليه الماء من النهر القريب ويدوسان بالاقدام المتمرسة حتى استقرت طينة ناضجة .....
بعدها في صباح مبكر شمر اولاد ابو ناصر واصدقاؤهم الذين ياتون بعنوان السخرة .. يسمونها (عونة )في ابي الخصيب شمروا عن سواعدهم السمر وحفروا اساسا بعرض متر ثم اهيل فيه التراب وخمّر في الماء وديس بالاقدام , فيما كانت الصغيرات والنساء يهيئن التمر واللبن والرغيف من تنور الطين والزبد والماء من الخوابي والخيار والفلفل الحا ر والبصل .. وتصدرت الشهية العارمة لتقود معركة الاشباع .
هل خطر في بال ابو ناصر بان ذلك الحصن الطيني الذي يمتد لثلاثمئة مترا سوف لا يوفر حماية لبستانه النابض.
في ليلة من ليالي ايلول , بعدما طمره الماء وبناء على موعد مسبق , اخترق ذلك السد العملاق شاب وسيم من احفاد عثمان ... عرّاها على التراب الندي .. ولم تكن قد جربت حرارة الجسد , انامها على التراب وسط حلفاء على وجهها وبلا مقدمات اضاعها تحت جسده .. مثل دوزر بشري .. انه من احفاد عثمان الاشداء ... حاولت الصراخ وخشيت الفضيحة قضمت التراب والطين المتحجر ومزقت حمالة الصدر لتنجو , قضمت عروق النخيل النافرة , تشبثت بالسوس , مكيجها الطين, انشبت اظافرها بيديه حتى ادمته ... كان مشغولا بها عنها ,والتراب الذي غطاهما يستصرخ مستنجدا , وتركها بلا وعي حتى استعادت صحوتها قبيل الفجر , فنهضت تسحب جثتها الخاوية .
عندما انتصب الجدار الطيني العملاق سارعت الاشباح لتستوطنه والافاعي والجرذان والظلال واخترقت الشمس ثقوبه ونما عليه الشعير , وراءه تستظل نبتات الفلفل البارد والحار في ظل سعف البرحي .. وزحف الطرح والبطيخ والبزاليا جوار الترع والانهر ونمت اشجار الرمان والبمبر ,وتكفل الدلو بالسقي .. وتوالت الايام ساكنة لا يفزعها اضطراب ... ارواح رضية مستقرة .
اجتمع في ظل الجدار الطيني مناضلون يراجعون خططهم بتوزيع الصحف والكتب السرية ويتفقون على رموز قبل ان تجهز على حماسهم معتقلات الصحارى .... اليوم نفق بعض هؤلاء المناضلين واستشهد اخر , وغزا الشيب من تبقى , وعندما توفر مناخ الديمقراطية وتحقق حلمهم , تآ زروا على الاعتكاف , ولم تحركهم موجة التحول .
في البدء كان السد الطيني يشّيد لارتفاع نصف متر ويترك لتجففه الشمس , ثم تراكم اياد ماهرة عليه الوحل الناضج .
استمع السد لتأوهات التي هجرها زوجها ولم تنفع معه حمرة ديرم وضعت بلا وشم او نجوم , ولا تلك الارجل التي صقلتها حجارة مفخورة نقعت زمنا في الماء ,ولم تشفع لها الحفافة الماهرة التي صيّرت الخدين والوجنات رمانا يتوهج .
وصلت صبرا في الساعة الثامنة من ليلة غزيرة المطر , تصحبها اثنتان من صديقاتها , وعقدت شوكة متيبسة برزت من السد , وتلت بعض الايات ثم عقدتها بخيط اصفر ورشتها بالماء وخاطبتها ( اخضّري وساذبح لك ديكي تبركا بجاه ... اريد ان يعود زوجي لي )
لم يدرك ابو ناصر التحولات اللاحقة , سترفض الارض الوان الشتلات, يتصحر البستان وقد جفت التربة ,وفقدت خصوبتها ووهن منسوب الماء واشتدت الملوحة ... سيتحول بستانه ميدانا للمزمجرات والمدافع الثقيلة , ستزدحم فيه الالغام وتستعمره الارضة , ستعاني نخيله من مقابر جماعية , سترتدي حفيداته البنطلون ولم يعد من رقيب اخلاقي عليهن سوى الفضائيات , سيغادر المسحاة احفاده , ويشتغلون بالمهن الحرة او يتوظفون , سوف يتيّتم المرود والناعور , وتتوالى صفعات الامطار والعواصف والعابثين والصدمات على الجدار , ....
وشيئا فشيئا يشيخ وينحني متأوها على عمود الكهرباء .



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تتحول بعض النساء لخطوط حمراء
- ديوان (مجوهرات روحية )
- من اجل معجم يواكب المستجدات
- ديوان (اله المسخ )
- ديوان (البصيلة الزجاجية)
- التماثيل في البصرة فقر كمي وتراجع فني
- كتاب المعجم العربي الجديد لهادي العلوي
- ديوان (تصديع القوقعة)
- ديوان (الانوثة في مرجل الروح)
- الكراجات نقد
- المادة 272 والاساءة للرموز والمعتقدات الدينية
- بصرياثا : انجاز مؤسسة بجهد فردي
- الروائي النوبلي ماريو يوسا ورواية الرياح
- تثقيب القوقعة ج8 الروائي ميلان كونديرا
- تثقيب القوقعة ج 7 وفاة الروائي باسكال مورسييه
- حجر كريم
- جميل جمال العراقي الذي شارك بانقلاب الحكم باليمن
- تثقيب القوقعة ج6 الروائية كولين هوفر
- افتتاح مغيسل ومقبرة نموذجية بالعراق
- كورماك وروايته الطريق فاجعة نهاية العالم


المزيد.....




- ظهور خاص لبيلا حديد في كليب فنان عربي (فيديو)
- وفاة الملحن المصري الشاب أمير جادو
- -فنان العرب- يظهر في عيد ميلاده.. -روتانا- تحتفل به وآمال م ...
- فنانة لبنانية ترقص وتغني على المسرح في أشهر متقدمة من الحمل ...
- “فرحة للعيال كلها في العيد!” أقوى أفلام الكرتون على تردد قنا ...
- موسيقيون جزائريون يشاركون في مهرجان الجاز بالأورال الروسية
- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
- توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد ...


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - الجدار الطيني