أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مريم الحسن - طوبى للغرباء














المزيد.....

طوبى للغرباء


مريم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 7685 - 2023 / 7 / 27 - 20:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما ان يتسع عالمك الداخلي حتى يتكتشف لك عجز اللغة عن التعبير عما تستكشفه في ذاتك و تشعر به
حينها فقط و فقط حينها ستدرك خيانة اللغة و ستراها على حقيقتها, مخلوق مادي عاجز, و ستدرك محدودية بلاغتها , مهما أظهرها صانعوها عكس ذلك.
ستكتشف أن كلماتها ما هي إلا تراكيب و مصفوفات تعبيرية لا تناسب سوى توصيف الواقع المحسوس فقط.
و أن الحاجة فيه هي من انجبتها للتواصل بها عبر ما يتمظهر فيه.
وأن مجازها, مهما ابدع و بالغ فيه محترفوه و متقنوه, قاصر عن بلوغ قمم المعاني الوجودية الكبرى

حين تدرك ذلك و تلج باب انفضاح الوهم , ستستشعر الوحدة, و ستعيش الغربة , و سيجتاحك حنين مفرط إلى لحظة انبلاج المعنى الأول لكل شيء قبل توصيفه لك .. و تدجينك.
ستضج فيك رغبة ملحة لتلمس وجه الحقيقة الأول, المتجرد من تشوه اللغات على اختلافها و توصيفاتها , رغبة تدفع بك و بإلحاح للإلتقاء مع حقيقة تعجزعن إدراكها بفكرك و لغتك, لكنك تستشعرها, تسكنك كنجم يومض في فضاء روحك , يتراءى لك حيناً و حينا يغويك ,يحضك على استكشافه لكنك عاجز عن بلوغه فكراً و لغة.

ما أن تخلع عنك رداء النكران و تلج باب الاعتراف بعجزك المادي عن بلوغ اللا مادي و اللا محدود , المتجرد من اي لبوس وصفي ألبسته إياه بنات أفكار اللغات و خيالهن, حتى تتأجج فيك أسئلة كثيرة و جديدة, أوّلها ما السبيل إلى بلوغ إجاباتها؟ و تاليها ما اللغة القادرة على سبر أغوارها لفهمها؟ و أسئلة أخرى كثيرة غيرها ستتسلل و تختلف باختلاف وعي و شخصية سائلها و مدى اتساع عالمه الذاتي و انفتاح المجال الطاقي فيه.

ما أن تهدأ عاصفة تساؤلاتك, و يستقر مع هدوئها توهج ناراختلاط مشاعرك, حتى تسمع صوتاً داخلىاً فيك يناديك, لكن بصمت. يحاورك باسترسال صامت و بلغة قلة فقط من الناس تفهمها أو تتقنها. ستستشعر الصفاء و سكونه يتممدان بانسياب سلس في ذاتك, و سيتحول الصمت إلى يد تربت على كتف تساؤلاتك لتطمئنها و تهدئ من صخب انفعالها و ثوران تشتتها.

ما أن يخمد بركان وجدانك و يصفو بحر الأفكار فيك حتى تستشعر أنك أتممت الخطوة الاولى على درب المعرفة الذاتية. دربٌ لغته الصمت و شرطه الصمت و عنوانه الصمت, و صمته يسير دائماً في اتجاهين : داخلي في حوارك مع أجوبة اسئلتك , و خارجي في تأويل و تطبيق ما اغترفته منها, و في فهمك و تواصلك مع مَن مروا بمثل بتجربتك , فأنت لست الوحيد ولا الأول ولا الأخير , فالتجربة عمرها من عمر الوعي الأول , و قبلك كثر جداً عاشوها, أسماء و ألقاب كثيرة مر عليها قلم التاريخ , احتضنها و دوّنها , و اخرى تناساها او لم يسمع بها , لأنها انصفت تجربتها و لم تتكلم , و أوفاهم لها مَن لم يتكلم.

و ما زالت المسيرة مستمرة ودرب التجربة متدفق كنهر ترفده ذواتٌ بحثت عنه فوجدته , وأحياناً نادرة, ذواتٌ أوصلتها إليه يد الصدمة أو الصدفة . ستعرفهم حتى لو لم تلتقِ بهم, و ستسشعر اتصالك بهم حتى لو اختلفت بينك و بينهم ظروف الزمان أو المكان. هم غالباً ما يكونون من خارج دارة معارفك , وفي أحيان نادرة يكونون منها , لكن السمة المشتركة الوحيدة بينكم و علامة مروركم جميعاً بذات التجرية, أنكم إن حصل و التقيتم لن تتبادلوا قط, ولا تحت أي ظرف , تفاصيل تلك التجربة بالكلمات, بل بالصمت. لأنها باختصار تجربة فردية جداً, و ذاتية لصيقة بروح من مر بها وعاشها, و وليدة وعيه الخاص , لذا تفاصيلها تختلف باختلاف الذوات. أما مضمونها فهو أثقل من أن يحمله متن لغة بني نظامها غلى لسان و صوت و حرف و فكر.

ستستمر رحلتك الجديدة و لن تعود منها ابداً إلى ما كنت عليه قبلها, فبعد أن نفضت عنك رماد ثوبك القديم , و استشعرت ولادتك الجديدة , سيتغير منطورك و فهمك لكل شيء. لذاتك أولاً, و للواقع حولك ثانياً , لينتهي بك المطاف أخيراً إلى فهمٍ جديدٍ و مختلف للوجود, لا يتلاقى إلا فيما ندر مع ما عرفته أو نشأت عليه سابقاً.

ستنغمس أكثر و أكثر في استكشاف واقعك الجديد, واقع ما بعد الولادة , و ستعيد بناء كل مفاهيمك على أسس جديدة و رؤى جديدة, عمادها الإرادة الحرة حقاً و فعلاً و ليس ظناً أو اعتقاداً.أما علامة انغماسك في بنائك الجديد فهو تغليبك صمتك على كلامك, لا طوعاً و لا كرهاً إنما انجرافاً .. في رغبة ملحة تخطفك من عالم الكلام إليه فما أنت منكبٌ عليه يرتقي بك إلى ما هو أرفع من ثرثرة الكلام , و أعمق من أن يُفسّر لتتحدث به.

شعور الغربة سيلازمك حتماً , ودائماً ,لكنها غربة من غير وحدة , غربة صاخبة, يضج صمتها بالمعاني المسترسلة في جدلية مستمرة من ذهاب و إياب , و توالد متجدد.
غربة ..
نفسك فيها تجالس الطمأنية
روحك فيها تستظل السلام
أما وعيك, فمنشغل بالتواصل المتواصل و مصافحة كل ذرة مرئية وغير مرئية في هذا الوجود .. فطوبى للغرباء



#مريم_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الوجود و العدم ضدان ؟
- لا طعم لا نكهة ولا لون
- ترميم الروح
- الجوع
- قالت شهرزاد (2)
- قالت شهرزاد ...
- الأمير المتأمل في روحه لناصر خمير: فيلمٌ إيماني صوفي ناطقٌ ب ...
- عن ثقافة الإنترنت و علاقتها بالإحتجاجات و الثورات: الربيع ال ...
- عن الاستشراق و إدوارد سعيد و خطاب النقد التقويضي
- سؤال الزمان
- الشاهد اللغوي الحيّ على جمال كلام العرب - الجزء الثالث
- الشاهد اللغوي الحيّ على جمال كلام العرب - الجزء الثاني
- الشاهد اللغوي الحيّ على جمال كلام العرب - الجزء الأول
- الأنظمة التعليمية و تأخر النهوض في البلدان العربية: متى عُرف ...
- وباء
- أحاديث على جدار الوقت
- فيروس ناراياما
- فايروس
- من هي المرأة العربية؟
- الساميون الأوائل : موطنهم الأول و لغتهم الأم


المزيد.....




- غراب أبيض اللون..مصور يوثق مشهدًا نادرًا في ألاسكا
- طالب بجامعة كولومبيا في أمريكا يصف ما يحدث وسط المظاهرات.. ش ...
- ما السر وراء الشبه الكبير بين حارس مقبرة أخناتون والفرعون ال ...
- أسرار -أبرامز- الأمريكية في أيدي المتخصصين الروس
- شاهد لحظة طعن سائح تركي شرطي إسرائيلي في القدس
- -بسبب رحلة للغلاف المغناطسي-.. أشعة كونية ضارة قصفت الأرض قب ...
- متطوعون يوزعون الطعام في مخيم المواصي للنازحين الفلسطينيين ف ...
- محكمة العدل الدولية تصدر قرارها اليوم في دعوى تتهم ألمانيا ب ...
- نجم فرنسا: لهذا السبب لا يناسب زيدان بايرن ميونيخ
- نتنياهو عازم على دخول رفح والشرطة تقتل تركياً طعن شرطياً


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مريم الحسن - طوبى للغرباء