|
صفحات من تاريخ منطقة زرهون
الهيموت عبدالسلام
الحوار المتمدن-العدد: 7665 - 2023 / 7 / 7 - 22:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تعد كتلة زرهون من أقدم المناطق التي استقرت بها عناصر بشرية متنوعة ، وهاجرت إليها في حقب متتالية ، وكانت آخر هذه الهجرات بداية القرنين التاسع عشر والعشرين ، طغى النشاط الفلاحي على سكان المنطقة حيث كان الإنتاج كافيا بل وكان الزراهنة يصدرون فائض إنتاجهم إلى المدن المجاورة وخاصة مدينتي مكناس وفاس. حافظ الزراهنة علىى وتيرة إنتاجهم من حيث الكم والكيف ،رغم تزايد عدد السكان ظلوا ينعمون بنوع من الرخاء طيلة عقدين من الزمان مابين1911-1929 . 1929 هي سنة الأزمة الاقتصادية العالمية وتعاقب سنوات الجفاف وارتفاع النمو الديموغرافي ، واستيلاء بعض الأغنياء من مدينتي فاس ومكناس وكذا فئة من المعمرين على أراضي المنطقة، وعدم استفادة المنطقة من التقنيات الحديثة في مجال الزراعة ، كل هذه العوامل أدخلت منطقة زرهون في عزلة نتجت عنها العطالة والهجرة إلى المدن القريبة وتوسعت الفوارق الطبقية بين من يملكون ومن لا يملكون ،فصارت الأغلبية تعيش أوضاعا مزرية بعدما كانوا ينعمون في رخاء اقتصادي واجتماعي قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد . تعتبر كتلة زرهون جزيرة جبلية صغيرة وتعرف بمقدمة جبال الريف ،منزوية على هامش السهول الشمالية الكبرى للمغرب ومنعزلة عنها ، ترتفع زرهون وسط مثلث يمتد ما بين مكناس وبوتي جان (سيدي قاسم حاليا) وفاس ، وتحيط بها سهول سايس فاس مكناس جنوبا عند وادي الشجرة ، وسهل الغرب شمالا عند بلاد الأوداية وتادلة وشراردة ،وشرقا وادي مكس ، وغربا بلاد كروان الشمالية . تقدر مساحة زرهون بحوالي 300 كلم مربع ، على امتداد 30 كلم طولا و10 كلم عرضا ، وتحتل موقعا وسطا بين الطرق الرابطة بين الغرب والشرق مما جعلها تتحكم في السهول والأودية المحيطة بها ، أعلى قمم كتلة زرهون هي: جبل زرهون 1119م شمال مدشر المغاصيين ، وجبل النصراني 1089 م، وظهر النسور 919 م ، إضافة إلى جبال أخرى أقل ارتفاعا مثل قفص ،قنوفة ... ومناخ زرهون متوسطي إذ يزيد متوسط التساقطات عن 700 مم سنويا ، وقد جعله المستوطن (ميشيل جوبير) يشبه مناخ باريس. ساعدت كثرة المياه المتوفرة سواء منها الأودية كوادي خومان أو العيون كعين شانش ، وعين الشكر ، وعين خيبر ، وأغبال ، والعنصر ...على نمو العديد من الأشجار المثمرة وأهمها الزيتون والتين والكروم واللوز والتفاح والرمان والبرتقال إضافة لزراعة الحبوب من قمح وشعير وقطاني يتجمع سكان كتلة زرهون داخل مداشر متعددة ويختلف أصلهم مابين الشمال وجنوب المنطقة ، فقد هاجر سكان الريف إليها أول الأمر واستقروا بالشمال في قرى بني مرعاز وتازة (بتشديد حرف ز) ، كما يوجد الريفيون بالجنوب في مداشر سيدي عبدالله بن تاعزيزت ، وآيت حساين ...أما سكان باقي جنوب زرهون وشرقها فينتسبون إلى العنصر العربي الذي نزح أغلبهم إلى المنطقة من المغرب الشرقي بعد احتلال القوات الفرنسية للجزائر سنة 1830 وأشهر هذه القبائل : حميان ولمهاية والنصيريين ولغنانمة والرواشد وفرطاسة وأولاد سيدي الشيخ ، وبالتالي فسكان زرهون أصولهم متنوعة ولايمثلون قبيلة واحدة . بلغ عدد سكان زرهون حسب إحصاء أنجز 1916 حوالي 22000 نسمة منهم 4000 داخل مدينة مولاي ادريس زرهون ، وارتفع هذا العدد سنة 1926 إلى33459 نسمة ، في حين أصبحوا سنة1931 ،33144 نسمة بما في ذلك قيادة دخيسة التي كانت تابعة إداريا لقيادة زرهون الجنوبية وارتفع عدد سكان زرهون سنة 1936 إلى 37130 نسمة: - زرهون الشمالية : 26380 نسمة -زرهون الجنوبية : 10745 نسمة ، إضافة إلى 5 أوربيين بالقرب من وليلي -وتصل كثافة السكان في منطقة زرهون إلى 124 نسمة في الكلم المربع وهي من أعلى النسب في المغرب يلاحظ أن العناصر البشرية الأكثر أصالة في زرهون مؤلفة من الريفيين الذين هاجروا إلى المنطقة بداية حكم السلطان المولى عبدالرحمان بن هاشم (1822-1859) وأوائل القرن العشرين ، وينتمي هؤلاء الريفيون إلى قبائل بني ورياغل ،وبني توزين، وبني عمرت ،وبني وراين ، وكانت مهنهم تقتصر على الفلاحة التي تكاد تكون الصناعة الوحيدة في زرهون . الملكيات العقارية في زرهون قدرت الأراضي الزراعية في زرهون سنة 1929 ب : 22000 هكتار،وتكاد الملكيات الجماعية تكون شبه منعدمة ، وتمتاز بمساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 3 هكتارات في الغالب الأعم باستثناء طبعا الملكيات الكبيرة التي استولى عليها كبار الأعيان وأصحاب السلطة والشرفاء وشرذمة من المعمرين ويأتي في مقدمة أنواع الملكيات العقارية في كتلة زرهون :
* الأملاك الحبسية يرجع تاريخ تحبيس الأراضي بمنطقة زرهون إلى عهد السلطان العلوي محمد بن عبدالله (1757-1790) الذي أوقف بعض الأراضي وأشجار الزيتون على عموم الشرفاء القاطنين بجبل زرهون وخاصة أبناء المولى اسماعيل إضافة إلى بعض أهل الجبل ،إضافة إلى تحبيس الخواص من المحسنين والموسرين سواء قطع أرضية أو أشجار الزيتون والتين والخروب والصابرة والمعصرات والزريبات والكوشات. كانت مداخل المحبسات تصرف على تسيير المنشآت الدينية والاجتماعية ومنها مساجد مدينة مولاي ادريس ومداشرها وكانت هذه المحبسات تكترى لأشخاص لهم نفود في المنطقة ولكن بعد عقد الحماية الاستعمارية تم إحصاء الأملاك وضبط وأماكنها وصارت تكترى عبر المزاد العلني دون تدخل أو وساطة ، وتقدر المساحات التي تديرها نظارة أحباس زرهون في هذه الفترة ب: 4000 هكتار
*الملكيات الخاصة يعود انتشار الملكية الخاصة في منطقة زرهون إلى عهود سحيقة، وقد ساعد على انتشارها غياب التطاحنات القبلية حول المراعي،ثم لاحقا سيادة الشرع الإسلامي، وأخيرا قلة من المعمرين التي ابتليت بهم زرهون، عكس ما كان سائدا في القبائل المجاورة، وسيطر على الممتلكات العقارية كبار الشرفاء والأعيان والقواد الذين تعاقبوا على حكم المنطقة شمالها وجنوبها ، حيث كانوا يتمتعون بنفوذ سياسي وسلطوي خولهم السيطرة على مئات الهكتارات ،ومثلها أو ما يفوق أشجار الزيتون ، ومن بين هذه الشخصيات التي سيطرت على أراضي حراثية شاسعة وثروة حيوانية نذكر منهم : قاسم بن محمد المعروف بولد قطيرة قائد زرهون الجنوبية (1918-1937) ومقرها مدشر المغاصيين حيث كان يمتلك ما يزيد عن 320 هكتار من الأراضي الزراعية ومساحات غابوية له الحق دون غيره في رعي أغنامه وأبقاره ودوابه وقدرت قيمة ممتلكاته ماليا ب: 505.800فرنك. أما قائد زرهون الشمالية هو عمر بن محمد الصنهاجي (1918-1931) يملك عشرات الهكتارات و1000 شجرة زيتون وعشرات المواشي والدواب ، أما خلفه في القيادة فهوالغالي المرنيسي( 1931-1953) فقدرت ملكيته ب: 150 هكتار من الأراضي الزراعية و1000 زيتونة ومئات من المواشي والدواب ، وحصرت القيمة الإجمالية لثروته في 797.600فرنك. أما الأجانب بزرهون كان عددهم 3 وأشهرهم المستوطن (ميشيل جوبير) قرب مدينة وليلي الأثرية بوادي خومان وبلغت مساحة ما امتلكه 400 هكتار ، ثم هناك المعمر (سردان أنطوان) بسيدي صابر ، هذا فضلا عن امتلاك الشرفاء الأدارسة من أسرة الشبيهي ، وشرفاء وزان لمساحات حراثية . البنيات الاقتصادية والاجتماعية بزرهون اعتمدت البنية الاقتصادية كما أشرنا سابقا على الفلاحة بشقيها الزراعي والحيواني،خاصة وأن الظروف المناخية ملائمة ،وخصوبة التربة ، والمناخ المتوسطي المتميز بالأمطار الكافية الذي يضمن اكتفاءا ذاتيا وتصدير ما زاد عن حاجاتهم، وقد كان المهاجرون للمنطقة على دراية كبيرة بالعمل على إنتاجية ملكية الشرفاء والأعيان التي كانت عرضة للضياع لأن أصحابها لم يكونوا يستغلونها بشكل مباشر ،وبعد استقرار الريفيين والجبليين توسعت دائرة الأراضي الزراعية إذ شملت ثلث مساحة المنطقة ويتمثل غنى هذه الجبال بالدرجة الأولى في الغراسات الشجرية وعلى رأسها الزيتون والكروم والتين، لذلك اشتهرت زرهون بهذه الزراعات الشجرية وفي مقمتها الزيتون وهكذا انتقل اسم مكناسة الزيتون إلى حوزها الشمالي وحق لها أن تسمى زرهون الزيتون لأن هاته الشجرة أصبحت رمز ثروة المنطقة . تغطي شجرة الزيتون ثلث المساحة المزروعة في المنطقة ، وقد وصل عددها إلى 250 ألف شجرة سنة 1930 ، وتضاعف هذا العدد حيث وصل إلى 400 ألف قعدة زيتون ، ورغم تداخل الملكيات وتشابكها بقيت شجرة الزيتون متميزة عن باقي الأشجار المثمرة لما تدره من خيرات على السكان ، ويوزع الزراهنة محصولهم على الشكل التالي: - الاستهلاك الخاص -عصر الزيتون لاستخراج الزيت وقدر أن بزرهون أزيد من 20 معصرة -التصدير للزيت والزيتون نحو مدن فاس ومكناس وغيرهما وتأتي بعد شجرة الزيتون أشجار الكروم سواء المنتجة للعنب الأحمر -أحمر بوعمر- أو الأبيض- أو تفريالت - أو الوردي أو الأسود. كانت الكروم تغطي سفوح كتلة زرهون دون استثناء ، وأصلها من إسبانيا وإيطاليا ، وتطورت هذه الزراعة منذ الاحتلال الفرنسي للمنطقة سنة 1911 وكان الهدف من الإنتاج هو التصدير ،إذ وصل العدد الإجمالي للكمية المصدرة من عنب المائدة حوالي 280 طن سنة 1924 ،لكن منذ سنة 1927 بدأت هذه الزراعة بالتراجع ولم تعد بالمنطقة سوى 130 ألف كرمة سنة 1930 ، في حين أصيبت بمرض الفليكسورا 100 ألف شجرة عنب ، وشاخ البعض الآخر سنة 1936 ، ومن بين أنواع الأشجار المثمرة هناك التين بأنواعه المتعددة ، ثم الرمان والبرتقال واللوز والخروب وتباع هذه الغلل للمدن المجاورة ، كما ينتج سكان المنطقة زراعة الحبوب الشتوية كالقمح والشعير ، أو الربيعية مثل الذرة والحمص والعدس والفول ...وبلغت المساحة المزروعة بأنواع الحبوب 16 ألف هكتار صدر منها الزراهنة 35 ألف قنطار سنة 1930 . تأتي تربية الحيوانات في الدرجة الثانية حيث أهمية الرعي واضحة في الاقتصاد الزرهوني إن على مستوى قطعان الماشية أو الدواب ، وحسب إحصاء سنة 1930 وصل قطيع الغنم إلى 33 ألف رأس ، والماعز 13 ألف ، و10 ألف بقرة وثور ، ثم هناك الخيول والبغال والحمير ، وقد تقلصت أعداد هذا القطيع نظرا لتقلص المراعي ، واستحواذ المعمرين على بعض الأراضي المخصصة للرعي ، وتحكم مصلحة المياه والغابات في مناطق شاسعة كانت مخصصة للرعي ، نقص نقط مياه الشرب ،ظاهر ة السرقات التي لحقت المواشي والدواب من المناطق المجاورة. كان للإنتاج الفلاحي دور كبير في خلق حركة تجارية نشيطة بالمنطقة سواء داخلها أو بين المناطق المجاورة ، وقد كان لتدخل القطاع الرأسمالي دور في الإخلال بتوازن الحركة التجارية بزرهون ،حيث سخرت لأغراض استعمارية وللمدن التي كانت تحاصر كتلة زرهون خاصة وأن الطرق التجارية الرئيسية كانت في اتجاه مدن فاس ومكناس وسيدي قاسم . كانت أهم الأسواق المركزية التي يتوافد عليها ساكنة زرهون هي سوق السبت بمدينة مولاي ادريس زرهون الذي فقد أهميته بسبب خلق أسواق أخرى على جانب كتلة زرهون وهو سوق فج زكوطة وسوق مكس وسوق انزالة بني عمار(الذي ظل هامشيا رغم موقعه الطرقي )، وهي أسواق تأتي على أهم الطرق، ومن عواقب هذه التحولات أن سوق اثنين زكوطة محتكر من قبل تجار سيدي قاسم عبر استقطاب الشراردة ، وأن سوق مكس محتكر من قبل تجار فاس مستقطبا قبائل الأوداية وحجاوة ، وسوق مولاي ادريس زرهون أصبح مسيطرا عليه من تجار مدينة مكناس، ومما فاقم من الكساد التجاري بالمنطقة وضعية الطرق الثانوية التي بقيت على حالها والتي لاتخترق معظم المداشر. كانت أهم الصادرات الزرهونية الغدائية تعتمد على وسائل النقل : الدواب ، والشاحنات التي تصل إلى أقصى السواحل الأطلسية ،إضافة إلى الدور الذي قامت به محطة السكك الحديدية في عين كرمة حيث كانت تجمع بها المواد المذكورة ومنها تسوق إلى المدن البحرية ، وتجدر الإشارة أن مجموعة من الأوروبيين أصحاب الشاحنات كانوا يشترون المنتجات الزرهونية في عين المكان ويأخدونها إلى فاس ومكناس و سيدي قاسم. ويمكن تقسيم تطور البنيات الاقتصادية في إلى مرحلتين: مرحلة الازدهار والنمو ، ومرحلة التقهقر والضعف 1/مرحلة 1911-1929 وهي مرحلة الازدهار وتوسع وتعدد المجالات الفلاحية ،وإدخال مزروعات جديدة مثل البطاطس العادية والحلوة، وانتشار المزروعات الحضرية وزيادة الإنتاج وتحسن جودتها ، وقد بدا مستوى الفلاحين مرتفعا مقارنة بفلاحي سكان الجبال الأخرى، وقد عملت في هذا الصدد حكومة الحماية الفرنسية ببعض التغييرات على سير الأشغال الفلاحية وتقديم المساعدات للفلاحين سواء تعلق الأمر بالبذور أو السلفات أو الإرشاد ، ولهذا الغرض تم إنشاء(الشركة الأهلية الاحتياطية) بقرار وزاري مؤرخ ب: 20 أكتوبر 1917 وضمت هذه الشركة :جروان ،ومجاط ،وعرب سايس، والزراهنة، وبني مطير ،ودخيسة ،وأودية ردم ،وضمان ،ومكس ،والبواخرة، والغنادرة، والعزابة، وأكوراي، وبوفكران، قد أدت هذه الإجراءات إلى تطور الإنتاج والمداخيل طيلة 18 سنة الموالية للاحتلال الفرنسي ، وكان الهدف من الإصلاحات الخروج بأهالي زرهون من اقتصادهم المغلق إلى اقتصاد السوق دون تأسيس لبنية تحتية : شبكة طرق عصرية، ودون مراعاة للطبيعة الجبلية مما أدخل الزراهنة في نمط استهلاكي للبضائع الأجنبية التي غزت أسواقهم وفي مقدمتها السكر والشاي والملابس وخاصة الأحذية بدل البلغة والنعالة ، بل صار الزراهنة يشترون الزيت، وراحوا يستعملون الشمع والغاز بدل القناديل الزيتية والدوم في الإنارة، وساروا يقبلون على شراء اللحوم بدل الوزيعة في المداشر بين فينة وأخرى ، هي مرحلة أدخلت فيها النقود في المعاملات التجارية مما سهل مأمورية انتقال البضائع ، لكل هذه العوامل اعتبر العديد من الدارسين أن هذه المرحلة عرفت ازدهارا ملحوظا. تعد كتلة زرهون من أقدم المناطق التي استقرت بها عناصر بشرية متنوعة ، وهاجرت إليها في حقب متتالية ، وكانت آخر هذه الهجرات بداية القرنين التاسع عشر والعشرين ، طغى النشاط الفلاحي على سكان المنطقة حيث كان الإنتاج كافيا بل وكان الزراهنة يصدرون فائض إنتاجهم إلى المدن المجاورة وخاصة مدينتي مكناس وفاس. حافظ الزراهنة علىى وتيرة إنتاجهم من حيث الكم والكيف ،رغم تزايد عدد السكان ظلوا ينعمون بنوع من الرخاء طيلة عقدين من الزمان مابين1911-1929 . 1929 هي سنة الأزمة الاقتصادية العالمية وتعاقب سنوات الجفاف وارتفاع النمو الديموغرافي ، واستيلاء بعض الأغنياء من مدينتي فاس ومكناس وكذا فئة من المعمرين على أراضي المنطقة، وعدم استفادة المنطقة من التقنيات الحديثة في مجال الزراعة ، كل هذه العوامل أدخلت منطقة زرهون في عزلة نتجت عنها العطالة والهجرة إلى المدن القريبة وتوسعت الفوارق الطبقية بين من يملكون ومن لا يملكون ،فصارت الأغلبية تعيش أوضاعا مزرية بعدما كانوا ينعمون في رخاء اقتصادي واجتماعي قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد . تعتبر كتلة زرهون جزيرة جبلية صغيرة وتعرف بمقدمة جبال الريف ،منزوية على هامش السهول الشمالية الكبرى للمغرب ومنعزلة عنها ، ترتفع زرهون وسط مثلث يمتد ما بين مكناس وبوتي جان (سيدي قاسم حاليا) وفاس ، وتحيط بها سهول سايس فاس مكناس جنوبا عند وادي الشجرة ، وسهل الغرب شمالا عند بلاد الأوداية وتادلة وشراردة ،وشرقا وادي مكس ، وغربا بلاد كروان الشمالية . تقدر مساحة زرهون بحوالي 300 كلم مربع ، على امتداد 30 كلم طولا و10 كلم عرضا ، وتحتل موقعا وسطا بين الطرق الرابطة بين الغرب والشرق مما جعلها تتحكم في السهول والأودية المحيطة بها ، أعلى قمم كتلة زرهون هي: جبل زرهون 1119م شمال مدشر المغاصيين ، وجبل النصراني 1089 م، وظهر النسور 919 م ، إضافة إلى جبال أخرى أقل ارتفاعا مثل قفص ،قنوفة ... ومناخ زرهون متوسطي إذ يزيد متوسط التساقطات عن 700 مم سنويا ، وقد جعله المستوطن (ميشيل جوبير) يشبه مناخ باريس. ساعدت كثرة المياه المتوفرة سواء منها الأودية كوادي خومان أو العيون كعين شانش ، وعين الشكر ، وعين خيبر ، وأغبال ، والعنصر ...على نمو العديد من الأشجار المثمرة وأهمها الزيتون والتين والكروم واللوز والتفاح والرمان والبرتقال إضافة لزراعة الحبوب من قمح وشعير وقطاني يتجمع سكان كتلة زرهون داخل مداشر متعددة ويختلف أصلهم مابين الشمال وجنوب المنطقة ، فقد هاجر سكان الريف إليها أول الأمر واستقروا بالشمال في قرى بني مرعاز وتازة (بتشديد حرف ز) ، كما يوجد الريفيون بالجنوب في مداشر سيدي عبدالله بن تاعزيزت ، وآيت حساين ...أما سكان باقي جنوب زرهون وشرقها فينتسبون إلى العنصر العربي الذي نزح أغلبهم إلى المنطقة من المغرب الشرقي بعد احتلال القوات الفرنسية للجزائر سنة 1830 وأشهر هذه القبائل : حميان ولمهاية والنصيريين ولغنانمة والرواشد وفرطاسة وأولاد سيدي الشيخ ، وبالتالي فسكان زرهون أصولهم متنوعة ولايمثلون قبيلة واحدة . بلغ عدد سكان زرهون حسب إحصاء أنجز 1916 حوالي 22000 نسمة منهم 4000 داخل مدينة مولاي ادريس زرهون ، وارتفع هذا العدد سنة 1926 إلى33459 نسمة ، في حين أصبحوا سنة1931 ،33144 نسمة بما في ذلك قيادة دخيسة التي كانت تابعة إداريا لقيادة زرهون الجنوبية وارتفع عدد سكان زرهون سنة 1936 إلى 37130 نسمة: - زرهون الشمالية : 26380 نسمة -زرهون الجنوبية : 10745 نسمة ، إضافة إلى 5 أوربيين بالقرب من وليلي -وتصل كثافة السكان في منطقة زرهون إلى 124 نسمة في الكلم المربع وهي من أعلى النسب في المغرب يلاحظ أن العناصر البشرية الأكثر أصالة في زرهون مؤلفة من الريفيين الذين هاجروا إلى المنطقة بداية حكم السلطان المولى عبدالرحمان بن هاشم (1822-1859) وأوائل القرن العشرين ، وينتمي هؤلاء الريفيون إلى قبائل بني ورياغل ،وبني توزين، وبني عمرت ،وبني وراين ، وكانت مهنهم تقتصر على الفلاحة التي تكاد تكون الصناعة الوحيدة في زرهون . الملكيات العقارية في زرهون قدرت الأراضي الزراعية في زرهون سنة 1929 ب : 22000 هكتار،وتكاد الملكيات الجماعية تكون شبه منعدمة ، وتمتاز بمساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 3 هكتارات في الغالب الأعم باستثناء طبعا الملكيات الكبيرة التي استولى عليها كبار الأعيان وأصحاب السلطة والشرفاء وشرذمة من المعمرين ويأتي في مقدمة أنواع الملكيات العقارية في كتلة زرهون : * الأملاك الحبسية يرجع تاريخ تحبيس الأراضي بمنطقة زرهون إلى عهد السلطان العلوي محمد بن عبدالله (1757-1790) الذي أوقف بعض الأراضي وأشجار الزيتون على عموم الشرفاء القاطنين بجبل زرهون وخاصة أبناء المولى اسماعيل إضافة إلى بعض أهل الجبل ،إضافة إلى تحبيس الخواص من المحسنين والموسرين سواء قطع أرضية أو أشجار الزيتون والتين والخروب والصابرة والمعصرات والزريبات والكوشات. كانت مداخل المحبسات تصرف على تسيير المنشآت الدينية والاجتماعية ومنها مساجد مدينة مولاي ادريس ومداشرها وكانت هذه المحبسات تكترى لأشخاص لهم نفود في المنطقة ولكن بعد عقد الحماية الاستعمارية تم إحصاء الأملاك وضبط وأماكنها وصارت تكترى عبر المزاد العلني دون تدخل أو وساطة ، وتقدر المساحات التي تديرها نظارة أحباس زرهون في هذه الفترة ب: 4000 هكتار *الملكيات الخاصة يعود انتشار الملكية الخاصة في منطقة زرهون إلى عهود سحيقة، وقد ساعد على انتشارها غياب التطاحنات القبلية حول المراعي،ثم لاحقا سيادة الشرع الإسلامي، وأخيرا قلة من المعمرين التي ابتليت بهم زرهون، عكس ما كان سائدا في القبائل المجاورة، وسيطر على الممتلكات العقارية كبار الشرفاء والأعيان والقواد الذين تعاقبوا على حكم المنطقة شمالها وجنوبها ، حيث كانوا يتمتعون بنفوذ سياسي وسلطوي خولهم السيطرة على مئات الهكتارات ،ومثلها أو ما يفوق أشجار الزيتون ، ومن بين هذه الشخصيات التي سيطرت على أراضي حراثية شاسعة وثروة حيوانية نذكر منهم : قاسم بن محمد المعروف بولد قطيرة قائد زرهون الجنوبية (1918-1937) ومقرها مدشر المغاصيين حيث كان يمتلك ما يزيد عن 320 هكتار من الأراضي الزراعية ومساحات غابوية له الحق دون غيره في رعي أغنامه وأبقاره ودوابه وقدرت قيمة ممتلكاته ماليا ب: 505.800فرنك. أما قائد زرهون الشمالية هو عمر بن محمد الصنهاجي (1918-1931) يملك عشرات الهكتارات و1000 شجرة زيتون وعشرات المواشي والدواب ، أما خلفه في القيادة فهوالغالي المرنيسي( 1931-1953) فقدرت ملكيته ب: 150 هكتار من الأراضي الزراعية و1000 زيتونة ومئات من المواشي والدواب ، وحصرت القيمة الإجمالية لثروته في 797.600فرنك. أما الأجانب بزرهون كان عددهم 3 وأشهرهم المستوطن (ميشيل جوبير) قرب مدينة وليلي الأثرية بوادي خومان وبلغت مساحة ما امتلكه 400 هكتار ، ثم هناك المعمر (سردان أنطوان) بسيدي صابر ، هذا فضلا عن امتلاك الشرفاء الأدارسة من أسرة الشبيهي ، وشرفاء وزان لمساحات حراثية . البنيات الاقتصادية والاجتماعية بزرهون اعتمدت البنية الاقتصادية كما أشرنا سابقا على الفلاحة بشقيها الزراعي والحيواني،خاصة وأن الظروف المناخية ملائمة ،وخصوبة التربة ، والمناخ المتوسطي المتميز بالأمطار الكافية الذي يضمن اكتفاءا ذاتيا وتصدير ما زاد عن حاجاتهم، وقد كان المهاجرون للمنطقة على دراية كبيرة بالعمل على إنتاجية ملكية الشرفاء والأعيان التي كانت عرضة للضياع لأن أصحابها لم يكونوا يستغلونها بشكل مباشر ،وبعد استقرار الريفيين والجبليين توسعت دائرة الأراضي الزراعية إذ شملت ثلث مساحة المنطقة ويتمثل غنى هذه الجبال بالدرجة الأولى في الغراسات الشجرية وعلى رأسها الزيتون والكروم والتين، لذلك اشتهرت زرهون بهذه الزراعات الشجرية وفي مقمتها الزيتون وهكذا انتقل اسم مكناسة الزيتون إلى حوزها الشمالي وحق لها أن تسمى زرهون الزيتون لأن هاته الشجرة أصبحت رمز ثروة المنطقة . تغطي شجرة الزيتون ثلث المساحة المزروعة في المنطقة ، وقد وصل عددها إلى 250 ألف شجرة سنة 1930 ، وتضاعف هذا العدد حيث وصل إلى 400 ألف قعدة زيتون ، ورغم تداخل الملكيات وتشابكها بقيت شجرة الزيتون متميزة عن باقي الأشجار المثمرة لما تدره من خيرات على السكان ، ويوزع الزراهنة محصولهم على الشكل التالي: - الاستهلاك الخاص -عصر الزيتون لاستخراج الزيت وقدر أن بزرهون أزيد من 20 معصرة -التصدير للزيت والزيتون نحو مدن فاس ومكناس وغيرهما وتأتي بعد شجرة الزيتون أشجار الكروم سواء المنتجة للعنب الأحمر -أحمر بوعمر- أو الأبيض- أو تفريالت - أو الوردي أو الأسود. كانت الكروم تغطي سفوح كتلة زرهون دون استثناء ، وأصلها من إسبانيا وإيطاليا ، وتطورت هذه الزراعة منذ الاحتلال الفرنسي للمنطقة سنة 1911 وكان الهدف من الإنتاج هو التصدير ،إذ وصل العدد الإجمالي للكمية المصدرة من عنب المائدة حوالي 280 طن سنة 1924 ،لكن منذ سنة 1927 بدأت هذه الزراعة بالتراجع ولم تعد بالمنطقة سوى 130 ألف كرمة سنة 1930 ، في حين أصيبت بمرض الفليكسورا 100 ألف شجرة عنب ، وشاخ البعض الآخر سنة 1936 ، ومن بين أنواع الأشجار المثمرة هناك التين بأنواعه المتعددة ، ثم الرمان والبرتقال واللوز والخروب وتباع هذه الغلل للمدن المجاورة ، كما ينتج سكان المنطقة زراعة الحبوب الشتوية كالقمح والشعير ، أو الربيعية مثل الذرة والحمص والعدس والفول ...وبلغت المساحة المزروعة بأنواع الحبوب 16 ألف هكتار صدر منها الزراهنة 35 ألف قنطار سنة 1930 . تأتي تربية الحيوانات في الدرجة الثانية حيث أهمية الرعي واضحة في الاقتصاد الزرهوني إن على مستوى قطعان الماشية أو الدواب ، وحسب إحصاء سنة 1930 وصل قطيع الغنم إلى 33 ألف رأس ، والماعز 13 ألف ، و10 ألف بقرة وثور ، ثم هناك الخيول والبغال والحمير ، وقد تقلصت أعداد هذا القطيع نظرا لتقلص المراعي ، واستحواذ المعمرين على بعض الأراضي المخصصة للرعي ، وتحكم مصلحة المياه والغابات في مناطق شاسعة كانت مخصصة للرعي ، نقص نقط مياه الشرب ،ظاهر ة السرقات التي لحقت المواشي والدواب من المناطق المجاورة. كان للإنتاج الفلاحي دور كبير في خلق حركة تجارية نشيطة بالمنطقة سواء داخلها أو بين المناطق المجاورة ، وقد كان لتدخل القطاع الرأسمالي دور في الإخلال بتوازن الحركة التجارية بزرهون ،حيث سخرت لأغراض استعمارية وللمدن التي كانت تحاصر كتلة زرهون خاصة وأن الطرق التجارية الرئيسية كانت في اتجاه مدن فاس ومكناس وسيدي قاسم . كانت أهم الأسواق المركزية التي يتوافد عليها ساكنة زرهون هي سوق السبت بمدينة مولاي ادريس زرهون الذي فقد أهميته بسبب خلق أسواق أخرى على جانب كتلة زرهون وهو سوق فج زكوطة وسوق مكس وسوق انزالة بني عمار(الذي ظل هامشيا رغم موقعه الطرقي )، وهي أسواق تأتي على أهم الطرق، ومن عواقب هذه التحولات أن سوق اثنين زكوطة محتكر من قبل تجار سيدي قاسم عبر استقطاب الشراردة ، وأن سوق مكس محتكر من قبل تجار فاس مستقطبا قبائل الأوداية وحجاوة ، وسوق مولاي ادريس زرهون أصبح مسيطرا عليه من تجار مدينة مكناس، ومما فاقم من الكساد التجاري بالمنطقة وضعية الطرق الثانوية التي بقيت على حالها والتي لاتخترق معظم المداشر. كانت أهم الصادرات الزرهونية الغدائية تعتمد على وسائل النقل : الدواب ، والشاحنات التي تصل إلى أقصى السواحل الأطلسية ،إضافة إلى الدور الذي قامت به محطة السكك الحديدية في عين كرمة حيث كانت تجمع بها المواد المذكورة ومنها تسوق إلى المدن البحرية ، وتجدر الإشارة أن مجموعة من الأوروبيين أصحاب الشاحنات كانوا يشترون المنتجات الزرهونية في عين المكان ويأخدونها إلى فاس ومكناس و سيدي قاسم. ويمكن تقسيم تطور البنيات الاقتصادية في إلى مرحلتين: مرحلة الازدهار والنمو ، ومرحلة التقهقر والضعف 1/مرحلة 1911-1929 وهي مرحلة الازدهار وتوسع وتعدد المجالات الفلاحية ،وإدخال مزروعات جديدة مثل البطاطس العادية والحلوة، وانتشار المزروعات الحضرية وزيادة الإنتاج وتحسن جودتها ، وقد بدا مستوى الفلاحين مرتفعا مقارنة بفلاحي سكان الجبال الأخرى، وقد عملت في هذا الصدد حكومة الحماية الفرنسية ببعض التغييرات على سير الأشغال الفلاحية وتقديم المساعدات للفلاحين سواء تعلق الأمر بالبذور أو السلفات أو الإرشاد ، ولهذا الغرض تم إنشاء(الشركة الأهلية الاحتياطية) بقرار وزاري مؤرخ ب: 20 أكتوبر 1917 وضمت هذه الشركة :جروان ،ومجاط ،وعرب سايس، والزراهنة، وبني مطير ،ودخيسة ،وأودية ردم ،وضمان ،ومكس ،والبواخرة، والغنادرة، والعزابة، وأكوراي، وبوفكران، قد أدت هذه الإجراءات إلى تطور الإنتاج والمداخيل طيلة 18 سنة الموالية للاحتلال الفرنسي ، وكان الهدف من الإصلاحات الخروج بأهالي زرهون من اقتصادهم المغلق إلى اقتصاد السوق دون تأسيس لبنية تحتية : شبكة طرق عصرية، ودون مراعاة للطبيعة الجبلية مما أدخل الزراهنة في نمط استهلاكي للبضائع الأجنبية التي غزت أسواقهم وفي مقدمتها السكر والشاي والملابس وخاصة الأحذية بدل البلغة والنعالة ، بل صار الزراهنة يشترون الزيت، وراحوا يستعملون الشمع والغاز بدل القناديل الزيتية والدوم في الإنارة، وساروا يقبلون على شراء اللحوم بدل الوزيعة في المداشر بين فينة وأخرى ، هي مرحلة أدخلت فيها النقود في المعاملات التجارية مما سهل مأمورية انتقال البضائع ، لكل هذه العوامل اعتبر العديد من الدارسين أن هذه المرحلة عرفت ازدهارا ملحوظا.
2/مرحلة 1929-1939 كان للأزمة التي ضربت العالم سنة 1929 تأثير على المغرب عامة ومنطقة زرهون خاصة ودخلت المنطقة في مسلسل التقهقر حيث بدأ تراجع الإنتاج الشجري وخاصة العنب الذي أصاب مرض الفيليكسورا حوالي 100 ألف كرمة، تراجع إنتاج الحبوب بفعل توالي سنوات الجفاف العجاف ،ضياع العديد من رؤوس قطيع الماشية نظرا لقلة الكلأ ونضوب عيون الماء، وجف أغلب الأودية بمنطقة زرهون مما أدى بالعديد من السكان في ظل هذه الأزمة إلى ترك أراضيهم، والهجرة للعمل في الأوراش الطرقية أو عند المستوطنين ، أو العمل عند أصحابها (الخماسة) في الوقت الذي كانت زرهون ملجأ لأعداد كبيرة من اليد العاملة ما بين 1911-1929 أثناء جني محاصيل الزيتون والعنب أو حصاد الحبوب ، كانت هذه اليد العاملة تأتي من جبالة والغرب والشراردة وأولاد عيسى والأوداية ، وضربت هذه الأزمة سكان مداشر زرهون باستثناء مدشر موساوة الذي نجا سكانه من هذه الوضعية حيث لم يستدينوا لمواجهات حاجاتهم من المواد التي غزت زرهون ، ولم يهاجروا تاركين أراضيهم بل إن بعضهم اشتروا في هذه المرحلة مساحات أرضية خارج أراضيهم بسبب اقتصادهم في استهلاك المواد التي استنزفت مداخيل أهل زرهون وخاصة الشاي الذي لم يكن يقدم إلا في المناسبات للضيوف ، ولم تسلم منتجات أراضي الأحباس من هذه الأزمة مما دفع المخزن سنة 1930 إلى بيع جزء منها بما كان يسمى معاوضة أدى التدخل الاستعماري في منطقة زرهون إلى تفكيك البنية الاقتصادية والاجتماعية التقليديتين وإجبار السكان على أداء ضريبة الترتيب نقدا وليس عينا دون أن يكون المجتمع الزرهوني مهيأ للانتقال من الاقتصاد العيني إلى الاقتصاد النقدي، مما أحدث اضطرابات كبيرة ، فضلا عن إثقال كاهل الزراهنة بالضرائب والتعسف في جمعها وتقديم الهدايا والرشاوي للمقدمين والشيوخ . إن وجود زرهون وسط مدن استأثرت باهتمام الحماية الفرنسية زاد من تهميشها وعزلتها ، إذ لم يتم تطوير البنيات الاقتصادية والاجتماعية وعصرنتها إلا بالقدر الذي خدم مصالح المستعمرين وخاصة شق الطرق وبناؤها والتي كان هدفها تسهيل نقل منتجات المنطقة نحو المدن التي تحاصر منطقة زرهون مما أدى إلى خنق التجارة المحلية. ويمكن إجمال القول في أن منطقة زرهون قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1911 عاشت على الاكتفاء الذاتي في إطار فلاحة تقليدية وخاصة زراعة أشجار الزيتون ومع غزو الاستعمار الفرنسي جعل المنطقة تسير بوتيرة بطيئة وظلت بنياتها التحتية جامدة وحركتها التجارية مخنوقة مما كان له انعكاس على الوضعية الاجتماعية من بطالة وهجرة وغلاء المعيشة ونقص المدارس والمرافق الاجتماعية مما سهل انتشار الطرقية والزوايا والمواسم ...
2/مرحلة 1929-1939 كان للأزمة التي ضربت العالم سنة 1929 تأثير على المغرب عامة ومنطقة زرهون خاصة ودخلت المنطقة في مسلسل التقهقر حيث بدأ تراجع الإنتاج الشجري وخاصة العنب الذي أصاب مرض الفيليكسورا حوالي 100 ألف كرمة، تراجع إنتاج الحبوب بفعل توالي سنوات الجفاف العجاف ،ضياع العديد من رؤوس قطيع الماشية نظرا لقلة الكلأ ونضوب عيون الماء، وجف أغلب الأودية بمنطقة زرهون مما أدى بالعديد من السكان في ظل هذه الأزمة إلى ترك أراضيهم، والهجرة للعمل في الأوراش الطرقية أو عند المستوطنين ، أو العمل عند أصحابها (الخماسة) في الوقت الذي كانت زرهون ملجأ لأعداد كبيرة من اليد العاملة ما بين 1911-1929 أثناء جني محاصيل الزيتون والعنب أو حصاد الحبوب ، كانت هذه اليد العاملة تأتي من جبالة والغرب والشراردة وأولاد عيسى والأوداية ، وضربت هذه الأزمة سكان مداشر زرهون باستثناء مدشر موساوة الذي نجا سكانه من هذه الوضعية حيث لم يستدينوا لمواجهات حاجاتهم من المواد التي غزت زرهون ، ولم يهاجروا تاركين أراضيهم بل إن بعضهم اشتروا في هذه المرحلة مساحات أرضية خارج أراضيهم بسبب اقتصادهم في استهلاك المواد التي استنزفت مداخيل أهل زرهون وخاصة الشاي الذي لم يكن يقدم إلا في المناسبات للضيوف ، ولم تسلم منتجات أراضي الأحباس من هذه الأزمة مما دفع المخزن سنة 1930 إلى بيع جزء منها بما كان يسمى معاوضة أدى التدخل الاستعماري في منطقة زرهون إلى تفكيك البنية الاقتصادية والاجتماعية التقليديتين وإجبار السكان على أداء ضريبة الترتيب نقدا وليس عينا دون أن يكون المجتمع الزرهوني مهيأ للانتقال من الاقتصاد العيني إلى الاقتصاد النقدي، مما أحدث اضطرابات كبيرة ، فضلا عن إثقال كاهل الزراهنة بالضرائب والتعسف في جمعها وتقديم الهدايا والرشاوي للمقدمين والشيوخ . إن وجود زرهون وسط مدن استأثرت باهتمام الحماية الفرنسية زاد من تهميشها وعزلتها ، إذ لم يتم تطوير البنيات الاقتصادية والاجتماعية وعصرنتها إلا بالقدر الذي خدم مصالح المستعمرين وخاصة شق الطرق وبناؤها والتي كان هدفها تسهيل نقل منتجات المنطقة نحو المدن التي تحاصر منطقة زرهون مما أدى إلى خنق التجارة المحلية. ويمكن إجمال القول في أن منطقة زرهون قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1911 عاشت على الاكتفاء الذاتي في إطار فلاحة تقليدية وخاصة زراعة أشجار الزيتون ومع غزو الاستعمار الفرنسي جعل المنطقة تسير بوتيرة بطيئة وظلت بنياتها التحتية جامدة وحركتها التجارية مخنوقة مما كان له انعكاس على الوضعية الاجتماعية من بطالة وهجرة وغلاء المعيشة ونقص المدارس والمرافق الاجتماعية مما سهل انتشار الطرقية والزوايا والمواسم ...
#الهيموت_عبدالسلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين كنت ذبابة إلكترونية
-
افرضوا علينا المزيد من الضرائب قبل أن يفوت الأوان
-
المدرسة وهوس التميز
-
مزاد الأعضاء البشرية
-
الكيف أو القنب المغربي
-
حول القاسم الانتخابي المغربي
-
قول في السياسة
-
العصبية العرقية
-
لا مجال
-
فرنسا وتركيا والإرهاب
-
نهاية كوفيد 19 أم نهاية الرأسمالية المتوحشة ؟
-
ثورة الجهل
-
ما معنى أن تكون أسودا في أمريكا
-
أسلافنا المزارعون
-
عودة التأميم تكتيك أم استراتيجية
-
ضحايا جائحة كورونا
-
الخفاش الصيني أم الجوع الكافر ؟
-
حين يساهم تجار الدين في نشر وباء كورونا
-
أمراض الفيسبوك
-
وباء كورونا أم وباء الفقر؟
المزيد.....
-
روسيا: الأسد غادر سوريا.. وهذه تعليماته
-
بشار هرب.. نهاية -حكم الأسدين- بعد 50 عامًا من القمع الوحشي
...
-
إعلان حظر تجول في دمشق لمدة 13 ساعة
-
+++احتفالات بسوريا وبشار الأسد يفر من البلاد - تغطية مباشرة
...
-
لقطات لدخول المعارضة السورية المسلحة إلى القصر الجمهوري ونهب
...
-
اقتحام قصر الشعب في دمشق ونهب محتوياته
-
احتفالات السوريين بسقوط نظام الأسد
-
مستوطنون يحرقون خيمة ويعتدون على ساكنها بالضفة
-
بعضهم بيوم إعدامه.. -الخروج الكبير- لآلاف السوريين من سجون ا
...
-
كاميرا الجزيرة تجول في منزل بشار الأسد بدمشق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|