أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرؤوف بطيخ - تحديث(حنة أرندت) سياسة وفكر (14 أكتوبر 1906 4 ديسمبر 1975) بقلم فلوران بوسي.















المزيد.....



تحديث(حنة أرندت) سياسة وفكر (14 أكتوبر 1906 4 ديسمبر 1975) بقلم فلوران بوسي.


عبدالرؤوف بطيخ

الحوار المتمدن-العدد: 7655 - 2023 / 6 / 27 - 02:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


• مقدمة
1
سوف نتناول وندرس هنا الطريقة التي فهمت بها حنة أرندت العلاقة بين الفكر والفعل أو بين الفلسفة والسياسة.
الفكرة الموجهة لعملها هي أن "الحياة التأملية" قد طمست ، عبر تاريخ الفلسفة ، "الحياة النشطة" وأنه في الأخير ، لم يتم التعرف على الفعل نفسه على هذا النحو ، ولكنه دائمًا يخضع للتقنية. أعرف كيف.
2
يبدو أن الامتياز الممنوح للفكر الخالص يشكل إشرافًا ، مكونًا للتقليد الفلسفي من أفلاطون إلى هايدجر ، لما هو في قلب الوجود البشري ، التعددية.
في الواقع ، من المفترض أن ينتمي الفكر الخالص إلى كائن قادر على أن يكون هو نفسه حقًا فقط في "الحوار الصامت للروح مع نفسها" (أفلاطون) لأنه يستطيع بعد ذلك ، من خلال الديالكتيك ، الوصول إلى الحقيقة الشاملة ، التي تتجاوز الآراء المتغيرة والذاتية .
وهكذا تواصل أرندت عملها القائم على تحليل أسس التقليد الفلسفي وتفكيك وهم الفكر الخالص.
3
للقيام بذلك ، تقترح إعادة تعريف كاملة لمجالات الحياة النشطة (العمل والعمل والعمل) وتسلط الضوء على أهمية العمل في وجود بشري مكتمل ، لأنه في العمل يدمج الرجال حالة التعددية الخاصة بهم ، في في نفس الوقت الذي يفترضون فيه أنهم فناء ويمارسون قدرتهم على "القيام بشيء جديد" (العفوية).
4
إذا تمكنا من إجراء مقارنة بين التحليل الذي بدأته أرندت والمشروع الفينومينولوجي ، في رغبته في العودة إلى الأشياء نفسها ، يجب أن نلاحظ مع ذلك أن مركزية الفعل في عمل الفيلسوف تشكل مضادًا للعصر ، وهو رفض "انفصال عن الموقف الطبيعي".
يرفض عمل أرندت حقًا أي شكل من أشكال الازدواجية بين الرأي (أو الفطرة السليمة) والحقيقة ، بين المظهر والوجود ، بين الأنا والعالم المشترك.
5
نجد أنه ، من المناسب تسليط الضوء على ما تهدف إليه أرندت ، من خلال إظهار أن الامتياز الممنوح للفكر النقي يشكل تجريدًا ، يجهل ما يؤسس للفكر ، أي تضمين الإنسان في تعددية بشرية لا يمكن تجاوزها ، والتي يختبر فيها الهوية و الاختلاف وتاريخيته وحريته.

• الشمولية: تدمير التعددية والعالم
6
يمكن أن تكون نقطة البداية في دراستنا هي التحليل الذي أجرته أرندت للأنظمة الشمولية ، في بداية الخمسينيات ، لأنها تسلط الضوء ، بطريقة ملموسة على الرغم من أنها لا تزال قليلة التطور من وجهة النظر الفلسفية ، جميع الجوانب التي لقد ذكرنا من قبل.
7
يجعل تحليلها للشمولية من الممكن تمييزها بوضوح عن الأنظمة الاستبدادية وإظهار طبيعتها الراديكالية.
تتميز الأنظمة الاستبدادية أو الاستبدادية بغياب القوانين ، والخضوع لتعسف الطاغية (الطاغية من اليونانيين سيد المنزل ، وعلى وجه الخصوص سيد العبيد ، الذي لا يخضع لأي حدود ؛ الطاغية هو من استولى على السلطة بالقوة ويمارسها خارج أي مبدأ قانوني)تُظهِر أرندت ، استنادًا إلى مونتسكيو ، أن مبدأ الفعل الذي يحكم العلاقات بين الأفراد وكذلك بين الأفراد والسلطة ، داخل الاستبداد ، هو الخوف (الشرف في الأرستقراطيات ، والفضيلة في الجمهوريات).
8
على عكس الاستبداد ، تخضع الشمولية للقوانين ، لكن القوانين الخارجة عن الفعل البشري ، قوانين الأيديولوجيا (قوانين الطبيعة للنازية وقوانين التاريخ للشيوعية) ، القوانين التي بدلاً من إعطاء إطار مشترك للأعمال البشرية (غير المؤكدة) لضمان الاستقرار في ظل حالة إنسانية قابلة للتغيير ، هي قوانين للحركة ، غير مبالية بقرارات الإنسان وتعريض الرجال لزعزعة مستمرة في المجتمع الذي يعيشون فيه.
9
علاوة على ذلك ، تدمر الأنظمة الشمولية كل الحماية القانونية لصالح الفصل بين "الأعداء الموضوعيين" للنظام (أي ، جميع السكان الذين تصفه الأيديولوجيا على أنهم مسؤولون عن الانقسام الاجتماعي ، في حين أنهم غالبًا ما يكونون ، بريء من أي مقاومة) والسكان الذين من المفترض أن يشكلوا بمفردهم أساس التنظيم الاجتماعي الجديد (البروليتاريا ، العرق الآري ، في كمبوديا "الشعب القديم" الزراعي والمجتمعي).
10
فيما يتعلق بغياب القوانين التي تعمل على تأطير العمل ، لتوفير الحماية القانونية ، فإن الأنظمة الشمولية لا تخاطب الرجال في تعددهم ،ولكن هدفها هو تحقيق تنشئة إنسان فريد يتصرف دون الارتباط بنفسه ويطيع بطريقة آلية.
وبالتالي ، فإنهم يجعلون الفعل يختفي ، بمعنى النشاط الذي يُظهر به الرجال فرديتهم ، ضمن مساحة مشتركة من الكلمات والقرارات.
بالنسبة لأرندت ، فإن هذه الأنظمة لا تترك مجالًا لأي مبدأ للعمل ، والذي يرفضونه على العكس من ذلك لصالح الأيديولوجيا.
11
ما يحتاجه الحكم الشمولي لتوجيه سلوك رعاياه هو إعداد يجعل كل منهم مناسبًا للعب دور الجلاد وكذلك دور الضحية. هذا التحضير ذو الوجهين ، كبديل لمبدأ العمل ، هو أيديولوجيا.
[1] النظام الشمولي العابر. J.-L. Bourget و R. Davreu و P. ...
12
من خلال وضع العمل جانبًا ، فإن الشمولية تدمر العالم ، أي المساحة المشتركة التي تفصل بين البشر وتربطهم في نفس الوقت ،التي توحدهم وتفردهم في نفس الوقت ، لصالح الجماهير المجهولة التي لا يمكنهم فيها إلا أن يتركوا أنفسهم ينجرفون عن طريق الحركة أو يحكمون على أنفسهم بشعور بالعجز. عندما لا يستطيع الرجال مناقشة معنى أفعالهم ، عن طريق الكلام الشفهي ، فإنهم لم يعودوا في وضع يسمح لهم بإظهار فرديتهم ، وفهمها ، وجعلها موجودة في وسط الآخرين ، وبالتالي التعرف عليها ، فهم يعرفون "الخراب" الذي لا يستطيعون فيه الحفاظ على علاقة مع أنفسهم ، لعدم وجودها مع الآخرين.
13
التعددية ، حيث يتم منع العالم كمساحة مشتركة ، ليس فقط الفعل الذي يختفي لصالح سلوك محدد مسبقًا من قبل التنظيم الكلي للمجتمع ،ولكن أيضًا الفكر المستقل ، المصمم على غرار تجارب الواقع ، لأن الأيديولوجيا تفرض "المبالغة في المعنى" على الواقع ، وهو خيال يرفض كل ما لا يتوافق معه.تقول أرندت إن الأيديولوجيا هي "منطق الفكرة".
[2] نفس الشيء ، ص. 216.
14
وهذا يعني ، سلسلة من الأفكار التي يجب أن تجعل من الممكن تحديد معنى الواقع بطريقة شاملة.
تعترف الأيديولوجيات دائمًا بالفرضية القائلة بأن فكرة واحدة تكفي لشرح كل شيء قيد التطوير من المقدمة ، وأنه لا توجد خبرة يمكن أن تعلم أي شيء ، لأن كل شيء مدرج في هذا التقدم المتسق للاستنتاج المنطقي.
[3] المرجع نفسه ، ص. 218.
15
هذه الدراسة للشمولية ليس لها أساس فلسفي حقيقي.
هذه الفجوة هي التي يستجيب لها كتاب "الحالة الإنسانية" (1958) لأن هذا الكتاب يسلط الضوء على الخصائص الدائمة للحالة الإنسانية التي تسمح لنا وحدها بفهم ما هي إنسانية الإنسان - والتي نتجاهلها في أغلب الأحيان ، لأن لدينا صورة مشوهة منها صورة انانية - أي حالة التعددية التي تدوِّنها في عالم مشترك ،التي كانت موجودة مسبقًا للجميع ولكن ما هي الإجراءات التي تساعد على التحول.

• التعددية والحياة النشطة والفكر
16
تبرز أرندت الخصائص الرئيسية للفكر والحياة النشطة ، ووحدتها القائمة على الحالة الإنسانية للتعددية ، مما يسمح له بإلقاء الضوء على معنى الوهم الفلسفي لهيمنة الأول على الثاني وعلى كل المهيمن. الثنائيات في التمثيلات الفلسفية.
بالنسبة لأرندت ، بعد أرسطو ، الإنسان هو حيوان سياسي ، وفكره وعمله جزء من "تعددية متناقضة للكائنات الفريدة".
[4] حالة الإنسان المعاصر ، العابرة. ج. فرادير ، باريس ، ...
17
بالنسبة لأرندت ، تتميز الحالة الإنسانية بالولادة والعفوية والتعددية.
ينجب الذكور والإناث (معدل المواليد)للأطفال الذين لديهم القدرة على القيام بشيء جديد (العفوية) الذين يميزون أنفسهم عن بعضهم البعض ليس بشكل طبيعي ، ولكن لأنهم يظهرون تفردهم من خلال الفعل والكلام. هم الجمع بشكل غير قابل للاختزال.
18
لكن هذه التعددية لا يتم التعبير عنها في جميع جوانب وجودهم (الحياة النشطة والفكر) تميز أرندت ، كما نعلم ، ثلاثة أبعاد لما تسميه "نشاط فيتا ".
19
العمل هو شرط الحياة البشرية ، فهو يسمح بإنتاج السلع الاستهلاكية التي تضمن الحفاظ على الحياة.
بالنسبة لليونانيين ، تقترب هذه الحقيقة من حقيقة الطبيعة ، لأنها مشتركة بين جميع الأنواع الحية.
20
يختلف العمل عن العمل ، لأنه ينتج سلعًا معمرة ويقدم اصطناعًا يميز العالم البشري عن الطبيعة.
خضعت الأعمال لتغييرات كبيرة وتعكس بشكل مباشر الذكاء المكتسب عبر التاريخ.
ومع ذلك ، فهم يعبرون فقط بشكل ناقص عن الحالة الإنسانية ، لأنه ، دون أن يكونوا غير مبالين بتعددية الرجال (التقسيم الاجتماعي للمهام ، التعاون) يتم تقليل التفرد هناك لأنه لا يمكن الاستغناء عن أحد ، والمهمة الفنية هي أولاً وقبل كل شيء علاقة بالمعرفة وتنزل إلى حالة العزلة (عزلة الحرفي في ورشته).
21
الفعل هو الترجمة المباشرة لشرط التعددية ، لأنه نتاج قدرة الرجال على بدء شيء ما ، بصرف النظر عن أي قابلية للتنبؤ ، بقدر ما ليس له هدف موجود مسبقًا بالنسبة له ، وبالتالي فهو ليس مسألة أداة ولكن الحرية وأيضًا لأنه ليس لها هدف خارجي عن العلاقات بين الرجال ، كما علّمنا أرسطو (التمييز بين التطبيق العملي والبويسيس) ، بما أن الرجال يتصرفون دائمًا فيما يتعلق ببعضهم البعض ، وعلى بعضهم البعض وحتى معًا (ما تسميه أرندت "العمل في تناغم").
علاوة على ذلك ، يرتبط الفعل بشكل طبيعي بالكلمة ، فكلتاهما ملكات لإظهار تفردها أمام الآخرين.
22
بالنسبة لأرندت ، فإن الكائن البشري ، نظرًا لامتلاكه لهذه القدرة على التمثيل والتحدث ، لا يمكنه إلا أن يدرك تمامًا وجوده في الفضاء العام.
لذلك ، لا يوجد فكر ، لا أكثر من الحرية ، المنفصلة عن حالة تعددية البشر.
23
إذا نجح عمل الإنسان فابر في خلق عالم من الأشياء المعمرة ، فإنه ليس بعد عالمًا بشريًا يتمتع بالمعنى.
إن الفعل (الذي يعبر عن حرية الإنسان) والكلام هو القادر على ذلك.
يندرج الفكر ضمن هذا الإطار ، حيث لا يمكن فصل الملكات العقلية للإنسان عن المكانة التي يشغلها في المجتمع.
على الرغم من أن هذه الأنشطة [الأنشطة العقلية التي نتميز بها عن الأنواع الحيوانية الأخرى] تقدم اختلافات كبيرة بينها ، إلا أن القاسم المشترك بينها هو أنها هروب من العالم كما يبدو وانسحابًا إلى الذات.
24
لا يهم إذا كنا مجرد متفرجين ، فقد انطلقنا إلى العالم لمعرفة احتياجاته ، والاستمتاع به ، وإلهاء أنفسنا عنه مع الحفاظ على منطقة أخرى كموطن طبيعي. لكن في الواقع ، نحن من العالم ولسنا من العالم فقط ؛ نحن أيضًا مظاهر مع قدومنا ومغادرتنا وظهورنا واختفائنا ؛ وعلى الرغم من أننا نأتي من العدم ، إلا أننا نشعر بأننا مجهزون من الرأس إلى أخمص القدمين لمواجهة كل ما يظهر لنا وللمشاركة في لعبة العالم. هذه الصفات لا تتبخر عندما نجد أنفسنا منخرطين في أنشطة عقلية ونغلق أعين الجسد طواعية ، لاستخدام الاستعارة الأفلاطونية ، من أجل فتح تلك الخاصة بالعقل.
[5] حياة العقل ، المجلد 1 ، الفكر ، العابرة. لوترينجر ، ...
هذا البيان يعني أنه ليس لدينا هوية خارج العالم المشترك.
25
هذا التعلق بالإنسانية التعددية ليس تراجعًا في الحياة اليومية الزائفة على طريقة هايدجر ، بل على العكس من ذلك ، معنى أي حياة أصيلة وملتزمة وحرة ، تتخذ حالة الإنسان.
26
ومع ذلك ، فإن تاريخ الفلسفة يمنح مكانًا مهمًا ودائمًا لفكرة الفصل بين الروح والجسد ، والإنسان والعالم ، والتأمل والعمل ، من خلال تصور الأول على أنه مستقل ومتفوق في الكرامة على الإنسان. ثانية.
27
ترفض أرندت كل الانفصال عن العالم ، عن الجسد ، عن الإحساس ، عن الواقع المختبَر ، مما يتلقاه الرجال ويفرضون أنفسهم عليهم كحالتهم.
"أن تكون على قيد الحياة يعني احتلال عالم سبق وصولك وسوف ينجو من رحيلك".
[6] نفسه ، ص. 35.
إنه نقد للميتافيزيقا ، تعود الميتافيزيقيا في كل مرة نتحدى فيها الواقعية باسم حقيقة لا يمكن الوصول إليها باالحواس ويفترض أن تتحكم في ما ندركه (الرياضيات الديكارتية العالمية مثل مدينة إله المسيحية أو العقل الأفلاطوني عالم).
هناك أيضًا شيء ميتافيزيقي في الشمولية ، ليس فقط في الواقع الأيديولوجي الفائق ولكن أيضًا في حصر ما يتم نقله تلقائيًا إلى البشر ، والعالم ، والروابط الاجتماعية ، والأخلاق.
28
يتقاطع هذا النقد مع الاختزال الفينومينولوجي ، ولكنه يتعارض مع المنظور الهوسرلي الذي يؤدي إلى استيعاب وجودي كأنني نقي ،بالنسبة لأرندت ، فإن الأمر يتعلق بوضع كل شيء بين قوسين ليحل محل التجربة الأولى التي يمر بها الرجال عن حالتهم (التعددية).
29
ينطلق الهروب من العالم من التقليل من قيمة الحالة الإنسانية ، التي تعتبر بلا نبل ، أعمى ، متنوعة للغاية بحيث لا يمكن استيعابها وفهمها.
وهكذا كان يُنظر إلى التعددية على نطاق واسع على أنها عيب يجب التغلب عليه. ما يزعجها هو مراوغتها. الرجال ، لأنهم في حالة الجمع والحرية ، لا يمكن السيطرة عليهم.وبالمثل ، فإن الإجراء لا يمكن التنبؤ به ولا رجوع فيه ، مما يفرض قيودًا خطيرة على إرادة السيطرة.
30
لذلك فإن الفلسفة منذ نشأتها تتعارض مع الفعل.
وقد حاولت السياسة نفسها في كثير من الأحيان تنحية التعددية جانبًا لصالح الوحدة وجعل الإنسانية مفهومة ، لا سيما من خلال اختزال نفسها في عمل التشريع ، الذي له نتيجة محددة بوضوح ، لأنه يضع الأطر التي تُدخل الاستقرار في الشؤون الإنسانية.
ومن ثم فهو مشابه لعمل الحرفي (الإنتاج والعمل).

• أخلاقيات حب العالم: مثال حقوق الإنسان
31
بالنسبة لأرندت ، السياسة ، التي لا يمكن اختزالها في ممارسة الحكومة (تمييز طاعة الأوامر) هي ما يعطي معنى كاملًا لشرط التعددية ، حيث إننا في السياسة نكشف أنفسنا ، ونقرر ، ونبرر قراراته.
إنها اللحظة التي يلتقي فيها الرجال بامتياز ، ويدركون ما هم عليه ، ويفكرون ويفكرون بأكثر الطرق وضوحًا ويقظة ، وبالتالي يصبحون كائنات كاملة.
32
تسلط أرندت الضوء على الميول القوية بالفعل في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نحو الاقتصاد غير السياسي والتقنية ، مما يعكس اللامبالاة تجاه العالم المشترك.
في مواجهة هذه الميول ، أسست أرندت أخلاقيات الحفاظ على العالم ، كمساحة تربط بين الرجال وتفصلهم ، وشرطًا لإنسنتهم ، واندماجهم في المجتمع وإضفاء الطابع الفردي عليهم.
33
يتتبع مؤلفنا جميع أشكال ما يسمى بالاستقلالية الفردية ، سواء كانت ذات جوهر أرستقراطي في حالة الفلسفة اليونانية أو جوهر ديمقراطي في العالم الحديث لسيادة القانون والمجتمع الاقتصادي.
هذا أمر خطير ، فعدم الاهتمام بالعمل والسياسة يميل إلى جعل الرجال غير ضروريين ، لأن الوجود الإنساني ليس له اتساق خاص به عندما يتم اختزاله إلى البعد الطبيعي للعيش بمفرده.
بالنسبة لأرندت ، لا توجد حقوق متأصلة في الطبيعة البشرية الثابتة ، والتي يمكن أن يتمتع بها الرجال ، بينما لا يكونوا جزءًا من أي مجتمع بشري معين.
يُحرم عديمو الجنسية واللاجئون وضحايا الأنظمة الاستبدادية من جميع الحقوق ، أو يُطردون من مجتمعهم الأصلي أو يُجرّدون من حقوقهم الوطنية (قوانين نورمبرغ ، 1935)لا توجد حقوق تتجاوز انتمائنا إلى العالم ، ويُفهم على أنه مجال التعبير عن التعددية البشرية النشطة.
34
وبالتالي يجب أن تُفهم حقوق الإنسان ليس على أنها حق طبيعي ولكن على أنها "حق في التمتع بحقوق" أي الحق في الانتماء إلى مجتمع يحمي عفوية الرجال وقدرتهم على التصرف ،وبالتالي لا تعتبرهم ذرات اجتماعية ، والتي يمكن للمرء في النهاية أن يقرر القضاء عليها أو تهميشها ، إذا شعرت بالحاجة إلى المجتمع ككل. إن الحرمان من حقوق الإنسان هو أولاً وقبل كل شيء حرمان من مكان في العالم يجعل الآراء ذات مغزى وأن الأفعال فعالة.
35
هناك شيء أكثر جوهرية من الحرية والعدالة ، وهما حقوق المواطنة ، يكون على المحك عندما لم يعد الانتماء إلى المجتمع الذي ولد فيه المرء أمرا مفروغا منه ، ولم يعد الانتماء إليه مسألة اختيار ، أو عندما يجد الفرد نفسه في موقف ما لم يرتكب جريمة ، فإن الطريقة التي يعامل بها الآخرون لم تعد تعتمد على ما يفعله أو لا يفعله. هذا الوضع المتطرف ، لا أكثر ولا أقل ، هو حالة الأشخاص المحرومين من حقوق الإنسان.
ما يخسرونه ليس الحق في الحرية ، ولكن الحق في التصرف ؛ ليس من حقهم أن يفكروا كما يحلو لهم ، بل الحق في أن يكون لهم رأي.
في بعض الحالات ، يتم توجيه الامتيازات ، وفي معظم الحالات الظلم ، واللعنات والإدانات إليهم عشوائياً وبدون أي علاقة بأي شيء فعلوه أو فعلوه أو كان من الممكن أن يفعلوه.
لم ندرك وجود الحق في التمتع بالحقوق (مما يعني:
للعيش في هيكل يتم فيه الحكم على المرء وفقًا لتصرفاته وآرائه) والحق في الانتماء إلى فئة معينة من المجتمع المنظم فقط عندما يفقد الملايين من الناس هذه الحقوق فجأة دون أمل في العودة نتيجة للسياسة العالمية الجديدة الموقف.
[7] الإمبريالية العابرة. ليريس ، باريس ، سويل ، "النقاط" ، ...
36
والواقع أن الحق مكفول حصريًا من خلال الانتماء إلى مجتمع ما ، لأنه فقط فيه يمكن أن يمنح الجميع ضمانات للجميع.
"يبدو أن الرجل الذي ليس إلا إنسانًا فقد تلك الصفات التي تمكن الآخرين من معاملته كإنسان."
[8] نفسه ، ص. 288.
37
لا يمكن للرجال الاعتماد على وجودهم الفردي وحده لضمان حقوقهم.

• الخلاصة
38
لقد أدركت الشمولية إمكانات مأساوية لـ "الكونية" (اللامبالاة بوجود العالم) للاستقلالية المفترضة للفكر ، والطبيعة البشرية فيما يتعلق بالعالم المشترك ، والذكاء التقني المنفصل عن المسؤولية السياسية والفطرة السليمة (أيخمان) .
39
لذلك تسعى فلسفة أرندت جاهدة لتشكيل أخلاقيات العالم المشترك ، والعمل السياسي ، أي لوضع الاهتمام بالعالم في قلب نقد الأزمات التي تهز الحداثة.

• الهوامش
[1] النظام الشمولي العابر. J.-L. Bourget، R. Davreu and P. Lévy، Paris، Seuil "Points"، 1972، p. 215.
[2] نفس الشيء ، ص. 216.
[3] المرجع نفسه ، ص. 218.
[4] حالة الرجل المعاصر ، العابرة. فرادير ، باريس ، المطابع الجيب "أجورا" ، 1983 ص. 232.
[5] حياة العقل ، المجلد 1 ، الفكر ، العابرة. لوترينجر ، باريس ، PUF ، "فلسفة اليوم" ، 2000 ، ص. 37.
[6] نفسه ، ص. 35.
[7] الإمبريالية العابرة. م. ليريس ، باريس ، سويل ، "النقاط" ، 1984 ، ص. 281-282.
[8] نفسه ، ص. 288.
تم النشر في Cairn.info بتاريخ 15/04/2021
https://doi.org/10.3917/eph.672.0019

• بيلوجرافيا
حنة آرندت (بالإنجليزية: Hannah Arendt)‏مواليد (14 أكتوبر 1906 - 4 ديسمبر 1975) منظرة سياسية وباحثة يهودية من أصل ألماني. على الرغم من أنه كثيرا ما وُصفت بالفيلسوفة، فإنها كانت دائما ترفض هذا الوصف على أساس أن الفلسفة تتعاطى مع "الإنسان في صيغة المفرد" وبدلا عن ذلك وصفت نفسها بالمنظرة السياسية لأن عملها يركز على كون "البشر، لا الإنسان الفرد، يعيشون على الأرض ويسكنون العالم".

• حياتها
ولدت حنة آرندت لعائلة علمانية من يهود ألمانيا في مدينة ليندن (وهي الآن جزء من هانوفر)، ونشأت في كونسبرج وبرلين. وتعتبر محطات سيرتها الذاتية بحد ذاتها تجسيداً لأهم أحداث وخصائص هذا القرن الدموي بحيث يمكن القول مع إرنست جيلنر إن "حياة هذه الناقدة اللاذعة تجسد أيضا جملة الحياة الفكرية والسياسية في عدة قرون أوروبية" فعلى الرغم من انجذاب آرندت لدراسة الفلسفة منذ صغرها ثم انتظمها في دراستها بشكل نظامي في الجامعة حيث درست الفلسفة في جامعة ماربورغ مع مارتن هايدغر، والذي دخلت معه في علاقة طويلة، رومانسية وعاصفة، والتي كانت قد انتقدت في وقت لاحق بسببها اثر دعم هايدغر للحزب النازي بينما كان يشغل منصب عميد جامعة فرايبورغ. شكل وصول النازيين وإيديولوجيتهم الشمولية إلى الحكم في ألمانيا في عام 1933 ,نقطة تحول مركزية في حياة آرندت دفعها إلى الابتعاد عن الفلسفة بمفهومها النظري البحت والتوجه إلى العمل السياسي بشكل عملي. وفي صيف عام 1933 اعتقلت المخابرات النازية حنة أرندت، ثم أطلقت سراحها فيما بعد. ثم نجحت هذه "اليهودية الألمانية المطاردة من قبل النازيين" على حد تعبيرها، في الهروب من براثن النازية إلى باريس ثم إلى نيويورك، حيث عملت صحفية، ومراجعة لغوية ومحاضرة جامعية وبدأت عملها السياسي الحقيقي، فسعت لاستكشاف أصول الأنظمة الشمولية من خلال وضع آرندت "الشكلين" الأكثر بروزا للأنظمة الكليانية وهما النازية الألمانية والستالينية الروسية تحت المجهر في كتابها الموسوعي "أصول الشمولية" إدراكاً لخطورة هذه النظم والأهم خطورة الاعتقاد بأنها أصبحت تنتمي إلى الماضي واكدت أرنت على التحدي الذي تثيره هذه الإيديولوجيات باعتبارها تشكل انبثاقا لظاهرة جديدة جذريا تجبر كل الباحثين على القيام بمراجعة كاملة لأدوات التحليل العلمي المعهودة، علاوة على أنها انعطافة نكوصية لم يشهدها تاريخ الفكر الأوروبي قبل ذلك". وعلى هذا النحو توضح آرندت أن "الأصالة المرعبة للشمولية لا تنشأ عن أن فكرة جديدة جاءت إلى العالم، وإنما على شرخ جديد سحق كل مقولاتنا السياسية وكل مقاييسنا الخاصة بالحكم الأخلاقي. فجبروت الحدث يتفوق هنا على المفهوم". ورغم فاشية الجوهر الإيديولوجي للنازية والستالينية، إلا أن السمة الشمولية تظهر جليا في هدف هذه الأنظمة، الذي لا يقتصر على الاستيلاء على السلطة فحسب، بل يمتد "لييشمل" كل المجتمع ويجسد التماثل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة. وفيما بعد وضعت آرندت كل طاقتها وموهبتها في خدمة المنظمات اليهودية العاملة في نيويورك، التي أخذت على عاتقها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من يهود أوروبا والعمل على إقامة وطن لليهود على أرض فلسطين التاريخية. لكنها انفصلت عن هذه المنظمات لاحقاً، وبدأ هذا الابتعاد إبان الخلاف الذي نشب داخل الحركة الصهيونية حول التحالفات التي من الممكن عقدها بين ما أُطلِقَ عليه أنصار "الواقعية السياسية" (هرتزل) وأنصار "المثالية الأدبية" (p.. لازار) وقفت أرندت بجانب الأخير، لأن السياسة الواقعية الوحيدة تنحصر في سياسة تحالف مع الشعوب المتوسِّطية الأخرى التي تعزز الوضع المحلِّي اليهودي في فلسطين والتي تؤمِّن تعاطفًا حقيقيًا مع الجيران. ورأت أرندت أن أحد مصادر العمى الصهيوني الخاص بما تسميه "المسألة العربية" يكمن في الاتجاه نحو الواقعية السياسية، أي الاندراج في لعبة القوى العظمى. وبهذا المعنى لا تكون هذه السياسة سوى سياسة تُلغي معناها بسبب تقريبها ممَّن يمتلك قوة أكثر؛ لذلك فهي "غير مبصرة للواقع" الضروري للفعل. فرأت آرندت أن "إنجازات اليهود في فلسطين هي مصدر الشرعية ونقطة التقاء محتمل مع العرب، فإذا كان هناك بُعدٌ "تاريخي" لاختيار فلسطين دون أي بقعة أخرى في العالم – بحسب الزعم الصهيوني – فهذا لا يضفي وحده شرعية على الوجود اليهودي فيها. فالشرعية لا يمكن أن تتأتى إلا من مبدأ يمكن الآخرين الاعتراف به. وبالنسبة إلى العرب، الحق المعترف به لليهود هو في "جعل الأرض التاريخية بلدًا لهم، لا بالقوة، ولكن بعملهم وبثمرة رؤوسهم وأيديهم".
والأمر نفسه، بطبيعة الحال، ينطبق على العرب. وذهبت أرنت إلى ضرورة الاتفاق على "بعض المطالب الرئيسية"؛ ومنها أن حقَّ الشعب اليهودي في فلسطين "مماثل لحقِّ كلِّ إنسان في حيازة ثمرة عمله"! سواء أكان يهوديًا أم عربيًا. وتأكد هذا الانسلاخ عندما وجدت آرندت الدولة اليهودية تغرق في مستنقع "السياسة الواقعية" Realpolitik، حسب تعبيرها وبعد تغطيتها محاكمة أيْخْمَنْ لحساب مجلة النيويوركر وصدرت لاحقاً في كتاب "أيخمان في القدس" وكان أدولف أيخمان هو المسؤول عن ترحيل وإعدام اليهود في ألمانيا النازية وكان العنوان الفرعي للكتاب"تقرير عن عادية الشر" هو الذي جلب عليها طوفاناً من النقد والهجوم والحملات الصهيونية حيث أبرز إيخمان كموظفاً بورجوازياً تافها، وليس سادياً أوشاذاً كما حاول الادعاء الإسرائيلي أن يصوره، بل شخصاً عادياً تماماً، ومرعباً في عاديته. لم تر آرندت في أيخمان تجسيداً للشر، بل أدركت أن الكارثة تكمن في قدرة النظم الشمولية على تحويل البشر إلى محض "منفذين وتروس" في الآلة الإدارية – أي تجريدهم من إنسانيتهم. اعتبرت آرندت المحاكمة محاولة من الدولة الإسرائيلية لترسيخ دعائمها عبر محاكمة مسرحية رأت فيها بدايةً لاستخدام الهولوكوست أداةً سياسية، لا سيما أنها أُجريت في وقت كان بن غوريون يسعى فيه إلى الحصول على المزيد من التعويضات المالية من ألمانيا الغربية. كما كشفت أرنت دور المجالس اليهودية في التعاون و"العمالة" مع النظام النازي بما أثار الشك في الإدعاء الصهيوني بكون اليهود "ضحايا دائمين" وهو ما أدى لاتهامها بـ "معاداة السامية".

• مفهوم القوة والتواصل
ترى حنا آرندت "القوة جزء هام من من العالم الاجتماعي غالباً ما يُهْمَل إسهامها في تشغيل الحياة الاجتماعية وأدائها لوظائفها" وفي تفصيل هذه الرؤية تقول آرندت أن "كل المؤسسات السياسية هي تجليات وتجسدات مادية للقوة، فهي تتكلس وتتحلل عندما تكف القوة الحية للناس عن دفعها" وقد انعكس هذا حتى على تحديد معنى القوة فالحقيقة الأساسية في الحياة الإنسانية هي الجماعية والتنوع في نفس الوقت، وهذا يولد الحاجة إلى العمل معا، وتميز في هذا الخصوص بين نوعين من العمل:

• العمل المعبر عن الشخص، والعمل الاتصالى
• العمل الاتصالى، والعمل التقريرى
القوة وفقا تعبر عن العمل الاتصالي فهي ليست قدرة البشر على أن يعملوا معا فقط، ولكن أن يعملوا بطريقة متناسقة فالقوة في معناها الأصلي تصور رضائي أو طوعي Consensual Notion يعتمد على اتفاق جماعة من الفاعلين الاجتماعيين على كيفية تنظيم ووضع قواعد لممارساتهم الحياتية المتعددة فالقوة عند آرندت ضرورية لتحقيق التنسيق بين الأفراد لأداء هدف اجتماعي متفق عليه فهي ضرورية لأي هيكل تنظيمي إنساني ولابد أن تقوم على الاقتناع الحر من جانب المحكومين ومن ثم تكون القوة ها قوة اجتماعية إيجابية وبدون هذا الرضاء يصبح الكيان السياسي القائم هو اغتصاب وسلطة Authority والقوة بالوصف المشار إليه لا يمكن أن تكون أبداً خاصة فردية بل إن تعود إلى جماعة وتظل موجودة طالما ظلت المجموعة مع بعضها البعض وعليه فإن القوة لا تحتاج إلى تبرير انطلاقاً من كونها لا تقبل أي فصل عن وجود الجماعات السياسية نفسه وما تحتاج إليه القوة إنما هو المشروعية فالقوة تنبثق من كل مكان يجتمع فيه الناس ويتصرفون بالتناسق فيما بينهم لكنها تستنبط مشروعيتها من اللقاء الأول أكثر مما تستنبطه من أي عمل قد يلي ذلك.
ورأت حنا أرندت أن ثمة خطأ جوهري في بنية مفهوم القوة الاجتماعية بجعلها تعتمد بالأساس على عدم المساوة والهيمنة وترفض أن تشير القوة لبنى الهيمنة والعنف في المجتمع ف"السلطة تكمن حقاً في جوهر كل حكومة لكن العنف لا يكمن في هذا الجوهر العنف بطبيعته أداتي".

• المفاهيم المناقضة
• العنف

ترى حنا أرندت عند تحليلها ل"لنظم الشمولية" أن العنف يتعارض جوهريا مع السياسة بل يقصيها ويغيبها تماما. إن العنف يرتبط بأفعال غير سياسية في عمقها:
التحايل الضبط أو التطويع الاجتماعي، التخدير الإيديولوجي. فتذهب في كتابها في العنف إلى القول: "إن السلطة والعنف يتعارضان:
فحين يحكم أحدهما حكما مطلقا يكون الآخر غائبا. ويظهر العنف «لما تكون السلطة مهددة. لكنه إن ترك على سجيته سينتهي الأمر باختفاء "السلطة" إن العنف لا يمثل إلا مسلكا من المسالك التي تلجأ إليها السلطة، وهي لما تقوم بذلك تحاول تبريره. إن الأفعال السياسية الحق لا تحتاج إلى تبرير، أما العنف فيوجب في أغلب الأحيان التبرير. وتقول حنا أرندت:
"لا يمكن للعنف أن ينحدر من نقيضه الذي هو السلطة، وأنه يتعين علينا، لكي نفهم العنف على حقيقته أن نتفحص جذوره وطبيعته" وتبعا لمقاربتها الظاهراتية (الفينومنولوجية) ترى أرندت أن العنف يعبر في كثير من الأحيان عن مشاعر لا ترتبط بالضرورة بالسياسة:
كالخوف من الموت والفناء، والبحث عن الخلود عن طريق استمرارية الجماعة. ويظهر العنف المضاد للسلطة عند غياب الحرية. فالحرية تعني "القدرة على الفعل" فهي تجنح إلى التقليص من فضاء الحرية، بل تسعى إلى جعلها بدون جدوى وفعالية وبدون معنى، سيما وأن البيروقراطية تبدو وكأنها "سلطة بدون هوية سياسية" إن المثقفين في الشرق ينشدون الحرية ويطالبون بها، أما المثقفون في الغرب فيرون أن حريتهم ليست لها معنى، وهذا ما أفضى في النهاية إلى أعمال العنف. إن المفكرين المحدثين الذين مجدوا العنف إنما انطلقوا من أساطير وأوهام سياسية، فاعتبروا أن العنف قد يكون خلاقا ومنقذا للجماعة كما هو الشأن عند جورج سوريل أو أنه باعثا على الحياة كما هو الشأن عند "فرانز فانون".

• السلطة
وترى آرندت أن السلطة من أكثر الظواهر التباساً بما يجعلها أكثر عرضة لسوء الاستخدام وهي يمكن استخدامها على المستوى الشخصي كما يمكن استخدامها على مستوى المؤسسات في مجلس الشيوخ الروماني أو في التارتبية الهرمية الكنسية وتتميز السلطة بأن الذين يطلب إليهم الخضوع لها يعترفون بها دون أن يضعوا دون ذلك أي شروط ومن دون أن يحتاج الأمر إلى إقناع أو إكراه والإبقاء على السلطة يتطلب احتراماً معيناً للشخص أو المؤسسة المعنية والعدو الأكبر للسلطة هو الاحتقار أما الخطر الأكبر الذي ينسف التسلط فهو الاستهزاء.

• ركائز السلطة
• الحالة الجماهيرية
غالباً ما تسعى الحركات الشمولية برأي آرندت إلى تنظيم الجماهير وتفلح في ذلك لكنها تتساءل كيف ظهرت هذه الجماهير وكيف أصبحت كذلك؟ وتجيب إن عبارة «الجماهير» تنطبق على الناس، الذين عجزوا، لسبب أعدادهم المحضة، أو لسبب اللامبالاة، أو للسببين المذكورين معاً عن الانخراط في أي من التنظيمات القائمة على الصالح المشترك ـ أكانت أحزابا سياسية، أم مجالس بلدية، أو تنظيمات مهنية أو نقابية. توجد الجماهير، وجوداً بالقوة، في كل البلدان، وتشكل غالبية الشرائح العريضة من الناس الحياديين واللامبالين سياسياً، والذين نادراً ما يصوتون ولا ينتسبون إلى أي حزب.
لقد أدرك أيديولوجي وزعماء الشمولية بيقين تام هذا الأمر، وعملوا كل ما بوسعهم كي يجزئوا المجتمع ويذرروه ويحرموا الإنسان من العلاقات الاجتماعية المتوارثة عن الماضي، ويعزلوا الناس بذلك عن بعضهم البعض. بمعنى آخر:
لقد طمحت الشمولية إلى أكثر ما يمكن من اجتثاث كل الجذور التي تربط الإنسان بتلك الجماعات، وإلى الحد الأقصى من توحيد كل روابطه الاجتماعية، وتعرية كل الجوانب، والنواحي المقدسة في حياته الخاصة وكشفها على الملأ. لقد مهدت الفردية السبيل، على ما يبدو عليه ذلك من تناقض، تحقيق هذا الهدف ولئن صح أن الحريات الديمقراطية قامت على أساس من المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، إلا أنها لا تكسب معناها ووظيفتها العضوية إلا حالما ينتمي المواطنون إلى جماعات تمثلهم، أو تشكل في ذاتها هرمية اجتماعية وسياسية لكن اللامبالاة إزاء الشؤون العامة، والحياد في المجال السياسي، ليسا شرطين كافيين لنمو الحركات الشمولية فقد كان انهيار منظومة الطبقات، مؤاتياً لانطلاقة النازية لقد كان من شأن انهيار نظام الطبقات أن أفضى بصورة آلية إلى انهيار نظام الأحزاب نفسه، ولما كانت هذه الأحزاب قائمة على المصالح، لم يسعها أن تمثل مصالح طبقة من الطبقات وسط هذا المناخ، وخلال انهيار مجتمع الطبقات، أخذت تتنامى نفسية "رجل الجمهور الأوروبي" ولئن أصاب نفس المصير جمهوراً من الأفراد، في تماثلية رتيبة ومجردة، فإن ذلك لم يحل دون أن يطلق هؤلاء على أنفسهم أوصاف الفشل الفردي، كما لم يحل دون إطلاق أحكام الظلم لمخصوص على العالم. مع ذلك، فإن هذه المرارة الشخصية ما كانت لتشكل رابطاً مشتركاً بين أعداد الناس، رغم حدوثها في حالاتٍ فردية كثيرة ومعزولة: ورغم ميل هذه المرارة إلى محو الاختلافات الفردية، لم تقم على أية مصلحة مشتركة، أكانت اقتصادية، أم اجتماعية، أو سياسية. وبالتالي، فإن الانطواء على النفس بات متلازماً مع إضعافٍ إرادي في غريزة البقاء. وقد تجلى ذلك في عدم المبالاة، بمعنى ألا يكون للمرء قيمة في نظر نفسه، وفي الشعور بإمكان أن يكون المرء مضحى به، على أن هذين لم يكونا تعبيراً عن مثالية فردية، إنما دلا على ظاهرة جماهيرية. ومن ناحية أخرى لطالما كانت الحركات الشمولية أحوج إلى ظروفٍ خاصة تكون فيها الجماهير مفتتة ومشظاة، لذلك تتشكل الحركات الشمولية من تنظيماتٍ جماهيرية تضم إليها أفراداً مبعثرين ومعزولين فكان على الشمولية التخلص نهائياً من حيادية لعبة الشطرنج"، أي أن تتخلص من أي نشاطٍ ذي وجود مستقل. أما الذين ما برحوا يهوون "لعبة الشطرنج لذاتها" والذين قارنهم مصنفوهم مع انصار" الفن للفن" مقارنة محقةً، فلا يعدون كونهم عناصر لا تزال تبدي مقاومة إزاء مجتمع قائم على الجماهير، والذي يشكل تجانسه التام أحد شروط الشمولية الأساسية.

• الإرهاب
تكمن العلاقة الفارقة للنظام الشمولي في أن الرعب والإرهاب يستخدمان وإنما كأدوات اعتيادية وواسعة الاستخدام لقيادة الجماهير. ولتحقيق هذا الهدف يغذى دائماً، ويعاد إنتاج مناخ الحرب الأهلية.يعمم الإرهاب دون أي سبب واضح، أو استفزاز مسبق، وتكون ضحاياه من غير المذنبين إطلاقاً، حتى من وجهة نظر أولئك الذين ينفذون الإرهاب فالإرهاب هو تحقق قانون الحركة إذ يقضي هدفه الرئيسي في جعل قوة الطبيعة أو التاريخ تنصر على الجنس البشري برمته وفي هذا السياق يصبح الإرهاب هو الشرعية إذا ما صار القانون قانوناً لحركة قوة فوق بشرية سواء الطبيعة بالنسبة للنازية أو التاريخ بالنسبة للماركسية الأيديولوجيا إن الايديولوجيات جميعها تتضمن عناصر شمولية غير أن الحركات الشمولية دفعت بها إلى التنامي بصورة كاملة فالمسألة الحاسمة للذهنية الشمولية أنها تستخدم الحجج، والمبادئ المؤسسة على الأيديولوجيا مكان الوقائع الحقيقية. هنا يسود منطق العبث على منطق العقل السليم، يحل الواقع المزيف، والموهوم، المركب صنعياً مكان الواقع القائم فعلياً. من هذه الزاوية تعتبر العلاقة القوية بين الحقيقة والقوة الخاصية الثابتة للشمولية. القوة هنا تحدد الحقيقة، حسب قول لينين:
"مذهب ماركس كلي القوة لأنه صحيح يمكن للمؤرخين أن يختلفوا فيما بينهم في الرأي في تفسير هذه أو تلك من الأحداث التاريخية لكن يبقى هناك بحر من الوقائع التي لا يمكن لأحد منهم أن تظهر لديه شكوك في واقعيتهما. وتسعى الشمولية من حيث المبدأ لتجفيف هذا البحر من الوقائع، وتكون بذلك قد قضت على إمكانية الاتفاق بشأنها" لا عجب أن النازية أنكرت، بإصرار، وحدة البشر كممثلين للجنس البشري الواحد، وذلك كان ضرورياً كما يقول جورج أورويل: من أجل"الكذب التمهيدي" المدعو لخلق ليس المستقبل فحسب، وإنما الماضي- التاريخ بشكل عام حسب رؤية أرنت.

• المراجع
1. http://www.nytimes.com/1982/04/25/books/a-woman-of-this-century.html. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title
2. Glenn H. Utter (2002). American Political Scientists: A Dictionary (بالإنجليزية) (2nd ed.). Greenwood Publishing Group. ISBN:978-0-313-31957-0. OCLC:49356033. OL:10420109M. QID:Q20719615.
3. http://www.nndb.com/event/582/000051429/. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title
4. http://www.nytimes.com/2005/03/21/books/21zine.html?pagewanted=---print---&position=. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title
5. http://www.nytimes.com/2005/08/15/arts/15conn.html. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title
6. https://www.nytimes.com/books/00/03/26/specials/mccarthy-arendtlet.html. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title http://www.smh.com.au/entertainment/movies/hannah-arendt-review-brave-attempt-to-get-inside-the-mind-of-a-complex-thinker-20140312-34mih.html. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title http://www.tandfonline.com/doi/pdf/10.1080/0305569790050102. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title
7. American Women Writers: A Critical Reference Guide from Colonial Times to the Present (بالإنجليزية), 1979, QID:Q106787730
8. ديفيد ريمنيك (ed.), The New Yorker (بالإنجليزية الأمريكية والإنجليزية), New York City: Q605401, ISSN:0028-792X, OCLC:1760231, QID:Q217305
9. https://www.nikkei.com/article/DGKKZO65534060Y2A021C2MY5000/. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title
10. ".man in the singular"
11. ".men, not Man, live on the earth and inhabit the world"
-كفرالدوار (23يونيه-خزيران2023).
-عبدالرؤوف بطيخ (صحفى ومترجم وشاعر مصرى).



#عبدالرؤوف_بطيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حنة أرندت ، سياسة وفكر :بقلم فلوران بوسي.
- تحديث: وداعا -سييفا فولكوف- آخر عضو باق من عائلة قائد ثورتى- ...
- وداعا -سييفا فولكوف- آخر عضو باق من عائلة قائد ثورتى -1905 - ...
- مقدمة سيرة ذاتية للشاعر العظيم (عبد الرحيم منصور-1941 - 1984 ...
- إخترنا لك نص -اليأس- تريستان تزارا . ترجمة:عبدالرؤوف بطيخ .م ...
- من أجل الديمقراطية العمالية والنقابية. جريدة الصراع الطبقي . ...
- من أجل الديمقراطية العمالية والنقابية (الرسالة المفتوحة الى ...
- الذكاء الاصطناعي: هل يحل محل الذكاء البشري أم يحرره؟.
- 28مايو : -إحياءا لوعي طبقي أممي-حزب النضال العمالى.فرنسا.
- نكمل معا ,نشر شذرات من: كتاب الفكاهة السوداء (المسدس ذو الشع ...
- من حديقة الحيوانات إلى بوت( تعفن الحيوان البشري والتعالي الب ...
- شعرمترجم .نص: تصميم الأزياء الراقية.الشاعرتريستان تزارا(1933 ...
- غادرنا (النورس المتمرد عائداً إلى البراري) حيدر حيدر أحد أعم ...
- حوار خاص مع الفنان السيريالى تومي إينجبرج .السويد.
- نص (بيتافيزيقا ل7مخطوطات) الشاعرعبدالرؤوف بطيخ.مصر.
- دراسات أدبيىة مترجمة(الموت لا يزال أرواحًا في أعمال (لورانس ...
- الموت لا يزال أرواحًا في أعمال (لورانس دوريل -رباعيات الاسكن ...
- التاريخ السياسي للحركة السريالية (1919-1969) بقلم:كارول رينو ...
- الاقتصاد الرأسمالي الان بين الإنخقاض وبين السقوط فى الهاوية! ...
- الذكرى الثالثة لرحيل الفنان المصرى- نجيب رشدى مرقس- وداعا (ح ...


المزيد.....




- مصممة على غرار لعبة الأطفال الكلاسيكية.. سيارة تلفت الأنظار ...
- مشهد تاريخي لبحيرات تتشكل وسط كثبان رملية في الإمارات بعد حا ...
- حماس وبايدن وقلب أحمر.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار ...
- السيسي يحذر من الآثار الكارثية للعمليات الإسرائيلية في رفح
- الخصاونة: موقف مصر والأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت
- بعد 12 يوما من زواجهما.. إندونيسي يكتشف أن زوجته مزورة!
- منتجات غذائية غير متوقعة تحتوي على الكحول!
- السنغال.. إصابة 11 شخصا إثر انحراف طائرة ركاب عن المدرج قبل ...
- نائب أوكراني: الحكومة الأوكرانية تعاني نقصا حادا في الكوادر ...
- السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق لمشروع ن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرؤوف بطيخ - تحديث(حنة أرندت) سياسة وفكر (14 أكتوبر 1906 4 ديسمبر 1975) بقلم فلوران بوسي.