أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - سياسة الترويض














المزيد.....

سياسة الترويض


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7637 - 2023 / 6 / 9 - 12:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الجريمة والعقال
٤ - العصا لمن عصى

بعد هذا الوصف السريع لكل هذا العنف والمجازر والدماء والرؤوس التي تتطاير والجثث المتناثرة في شوارع العالم أو المكومة في المقابر الجماعية، لابد من القول، حتى لا يسيء فهمنا بعض القراء، بأن القتل والإغتيال والعنف عموما هي ظواهر ثقافية مكتسبة من المجتمع ومن الإختيارات الشخصية لكل فرد ولكل جماعة، وليست "طبيعة" أو "فطرة" إنسانية تتوارثها الأجيال. إنها إختيارات مؤقتة تمليها الظروف والمصالح السياسية والإقتصادية لكل فرد. ولا يجب أن ننسى أن البشر الذين يلجأون إلى القتل هم قلة قليلة قد لا تتجاوز الواحد في المئة من مجموع سكان الكرة الأرضية بما في ذلك القتلة المحترفين كالجيوش والفرق العسكرية بكل أطيافها. وذلك يعني أننا نتعلم القتل والعنف ونتدرب عليه تدريجيا حتى يكاد يصبح طبيعيا. ولا شك أن أحد الأسباب الرئيسية في تعود الإنسان على العنف يرجع بكل تأكيد للمجتمع ذاته والطريقة التي يمارسها في التربية وفي تشكيل سلوك المواطن. فسياسة "العصا لمن عصى" التي نمارسها في مجتمعاتنا المتخلفة، هي ذاتها سياسة التوراة والأديان السماوية " السن بالسن والعين بالعين"، بمعنى "العقاب" لمن انحرف عن الصراط المستقيم، وما أدراك ما هو الصراط المستقيم؟ إنه الصراط الذي رسمه أصحاب الجاه والسلطة وأولياء الأمور الذين يعرفون ما يصلح للآخرين أكثر من الآخرين أنفسهم .. إن معاقبة الطفل بالضرب أو بحرمانه من قطعة الحلوى هي الخطوة الأولى في رحلة العنف والإرهاب التي توصلنا في نهاية المطاف إلى مملكة الجماجم و الجزيرة المحاطة ببحار من الدماء. فالعقاب الذي يمارسه البعض كوسيلة عامة للتوجيه وفبركة الإنسان المستقيم اثر ظهور سلوك غير مرغوب لتقليل احتمال حدوث السلوك في المستقبل في المواقف المماثلة، هي سياسة تقود مباشرة إلى هاوية العنف، وتعتبر الحجر الأساسي لبناء عقلية مرتبكة قائمة على الخوف من الآخر ومن السلطة ومن الذات. بالإضافة إلى عدم فعالية هذه السياسة التقويمية حيث يؤدي العقاب عادة إلى تنمية إستراتيجيات متعددة لتجنب العقاب مثل الكذب والخداع وغيرها من حيل التجنب والهروب. ويؤدي العقاب كذلك إلى خمود وضمور عام في سلوكيات المعاقب عموما وتنمي فيه ظاهرة السلبية وعدم الإهتمام، وينتقل إنتفاء السلوك غير المرغوب وإختفاءه إلى إختفاء النشاط السلوكي عموما وغياب روح المبادرة التي هي مفتاح العلاقات الإجتماعية، بالإضافة إلى أن نتائج العقاب تكون مؤقتة ووهمية وغير مضمونة النتائج ولذلك يجب مواصلة العقاب مرة وثانية وثالثة .. إلى ما لا نهاية. ورغم تطور المجتمعات الحديثة والتقدم العلمي الهائل، إلا أن فكرة العقاب ما تزال متعمقة ومتجذرة في المجتمع "فلم تعد العقوبة لدى المدارس العقابية الحديثة مجرّد وسيلة انتقام أو تكفير، بل أصبحت أداة اجتماعية، لتحقيق أمن المجتمع واستقراره والمحافظة على نظمه السياسية، ودفاعاً عن قيمه المعنوية. بالإضافة إلى إصلاح، وتأهيل الجاني، أو المنحرف عن النظم القانونية والاجتماعية لإعادته إلى المجتمع فرداً صالحاً ومنسجماً مع متطلبات المواطنة كما يحددها القانون". ولا بد هنا من التأكيد على أن العقاب في حد ذاته هو نتيجة لفكرة أخرى أكثر خطورة وأكثر ضراوة، وهي فكرة "الإنحراف" و"الشذوذ" عن القيم والمباديء الإجتماعية المتعارف عليها. ولذلك تتكاثف جميع مؤسسات المجتمع بداية من الأسرة والمدرسة والمسجد وأجهزة الإعلام المختلفة وكل مؤسسات الدولة لتلقين المواطن هذه المباديء وحقنها في عروقه ليل نهار ليصبح فرداً صالحاً ومنسجماً مع متطلبات المواطنة كما يحددها المجتمع والقانون، و"العقاب" هو الوصفة السحرية المستوحاة من الخرافات الدينية القادرة على تقويم كل إعوجاج أو إنحراف عن الخط المستقيم. ويشترك في هذه المهزلة العديد من المؤسسات العلمية ومراكز البحوث النفسية والإجتماعية التي لا تكف عن توليد النظريات والتجارب المختلفة لإيجاد أحسن وأنسب وسيلة لخلق الإنسان المعتدل والمناسب للقالب الفكري والإجتماعي والسلوكي الجاهز منذ عدة قرون والذي لا يخالف ولا ينحرف قيد شعرة عما تعود عليه الآباء والأجداد. فهم يعتقدون بأن الإنسان مثل حيوان السيرك يمكن ترويضه وتدريبه ليقفز من خلال العجلة النارية الملتهبة متى شاء المدرب، ويقف على قدمين أو يتمرغ في تراب الحلبة متى سمع طرقعة السوط. والمقولة الأخرى التي يستند عليها مروجوا فكرة العقاب هي هذه "القيم المعنوية والنظم القانونية والاجتماعية" التي لا يجب الإنحراف عنها أو نسيانها. وهذه القيم المعنوية والأخلاقية هي منظومات فكرية وأخلاقية وقانونية، تتطور وتتغير من زمن لآخر في المجتمعات "المفتوحة" والقابلة لمثل هذه التحولات التي يمليها تطور البنية الإقتصادية والفكرية والثقافية للمجتمع. كما تم أخيرا في فرنسا وفي بعض المجتمعات الأوربية قبلها بقبول فكرة المثلية الجنسية قبولا كاملا، وأصبح للمثليين الحق في الزواج مثل غيرهم من المواطنين والمواطنات، رغم وجود شريحة واسعة من المواطنين المتديينين وذوي الأفكار الرجعية الذين وقفوا ضد هذه الحقوق، مدافعين عن قيم توراتية من زمن آخر. بينما في المجتمعات "المغلقة" أي المجتمعات الدينية، فإن عدم التغيير والدوام والإستمرار في اجترار قيم السالفين وتقليدهم حتى في اللباس وحلاقة اللحية، هو الأساس الذي قامت عليه هذه الأديان، وبالتالي استحالة تغيير قيم ومباديء هذه المجتمعات، لأنها قيم إلهيه ثابثة ومثبتة في النصوص الإلهية التي لاتتغير ولا تتبدل حتى يوم القيامة، إلا بالخروج من دائرة الله وفصل الدين فصلا نهائيا وكاملا عن الحياة الإجتماعية والسياسية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام وشريعة القتل
- الأسماك العارية
- الجنة، مصيَدة البسطاء
- القلعة وشيخ الجبل والحشيش
- شكسبير والإغتيال السياسي
- الدولة وكر الجريمة
- الإغتيال السياسي
- إيزيس وأوزيريس
- الذئاب
- القتل الجماعي
- الصحراء
- الدلالة الغائبة
- ومن الجوع ما يقتل
- أول مايو والثورة القادمة
- إمكانية الثورة المستحيلة
- الديموقراطية والرأسمالية: المعادلة المستحيلة
- الجريمة والعقاب
- خرافة الطبيعة البشرية
- جبل قاسيون
- فوضى السطور


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - سياسة الترويض