أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - بوح الذاكرة: قصة حب مشوب بالشفقة














المزيد.....

بوح الذاكرة: قصة حب مشوب بالشفقة


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7626 - 2023 / 5 / 29 - 10:40
المحور: الادب والفن
    


واهم ذاك الذي يبني جدارا فاصلا بين الرواية والدراية ظنا منه أن إحداهما مستقلة عن الأخرى. لكن الحقيقة غير ذلك بحجة أن كتابة الرواية أو أي مادة سردية تتطلب من بين أشياء أخرى إتقان اللفة المستعملة كوسيلة للتواصل مع القارئ عن طريق الحكي الذي لا يستقيم أبدا بدون تفكير. لهذا السبب، ربما، اعتبرت ماجدة حمود الروائي مفكرا في مقدمة دراستها المعنونة ب"إشكالية الأنا والأخر: نماذج روائية عربية".

من بين الأشياء الأخرى التي تستدعيها الكتابة السردية التحلي بقدر من الشجاعة كاف لإقدار الكاتب على الخروج من دائرة التردد كلما أراد مقاربة الوقائع التي أجل البوح بها اعتبارا لكذا و كذا..والواقع أن الشجاعة وحدها غير كافية لتبديد التوترات الناجمة عن الترددات.. فلأجل تخقيق النجاح في هذا المضمار، لا بد من تضافر استعدادات نفسية متباينة لا يتسع المجال لتفصيل الحديث عن طبيعتها وماهيتها.

أيها الراوي القابع في باطني، كفى من التبريرات التي تسوقها لنا في هذه الحصة الحكائية لتغطي بها على عجزك المزمن عن الاقتراب من جوانب في ذاكرتي، جوانب لم يشملها لحد الساعة فعل الحكي مع أنها تقيم في منطقة الشعور، بعيدة عن اللاشعور.

أدرك الكائن الأسطوري الساكن بين ضلوعي كنه النداء الذي وجهته إليه، فقال لي: تريد مني أن أحكي لقارئيك وسامعيك عن قصة حب ذات شجون عشتها في آيت حمو أوسعيد؟ أنت من اتخذ قرار هذا التأجيل، وأنت من يتحمل مسؤولية هذا التأخير.. لا بأس، سوف أستأنف الحكي متقمصا شخصيتك وناطقا بلسانك كما جرت العادة منذ البداية..


منذ الأيام الأولى التي شهدت بداية الدراسة بمدرسة آيت حمو أوسعيد خلال سنتي الأولى، تمت إحاطتي علما بالوضعية الاجتماعية لأحد تلاميذي في القسم الخامس..كان أبيض البشرة لأنه من سلالة الأمازيغ الأحرار..كانت بنيته الجسمية سليمة معافاة، لكن طويته النفسية عليلة تخفي المعاناة..من هذا الجانب، بدا لي كحبل تقطعت أليافه لشدة ما خضع له من شد وجذب بين أب مقيم في الديار الفرنسية لا يرتمي في حضنه إلا عند مجيئه بعد غياب يدوم أمده وبين أم تمكث في الدوار سجينة بين أسوار لا حصر لها..لم تنل نصيبا من التعليم شأنها في ذلك شأن الكثيرات من بنات جنسها عبر سائر أرجاء الشساعة المغربية.

من بين الأشياء التي حكوها لي عنها أن زوجها طلقها للمرة الثالثة على التوالي..في مثل هذه الحالة، تنص الشريعة الإسلامية على أنه لا يحق للزوج استئناف حياته الزواجية مع طليقته إلا إذا ضاجعها رجل أخر على أساس أنها زوجته..الحكمة من هذا الإجراء الغريب غير القابل للهضم هي جعل الرجال يفكرون ألف مرة قبل اتخاذ قرار تطليق نسائهم للمرة الثالثة حفاظا على بيضة الأسرة من أن تتهشم.

وبلغة الفقهاء، جاءت الشريعة بتشريع حازم ليردع أمثال هؤلاء العابثين، فحرمت على الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره زواجا حقيقيا ويدخل بها ذلك الغير ،وذلك لإغاظة الزوج وتأديبه ليشعر بجرم ما كان منه من العبث بآيات الله، فإن الرجل ينفر من أن يعاشر امرأته غيره ولو كان هذا في نكاح صحيح ،فإذا استشعر الإنسان هذا أمسك عن العبث بالطلاق.

ولما سألت محدثي عن الأسباب التي كانت وراء هذا المسلسل من سوء التفاهم بين رجل وأمرأة من نفس العائلة، أجابني بأن حماة الأخيرة اعتادت أن تقدم لابنها عند عودته من الغربة تقريرا شفويا مفصلا عن حركات زوجته وسلوكاتها التي بدرت منها أثناء غيابه. ربما كان الذكاء الاجتماعي يعوز ربة البيت الفاشلة هاته وأمها لأنهما لم تتمكنا من كسب ود الحماة وجعلها في صفهما..

واصل قطار الحياة سيره غير مكترث بضحاياه من المسافرين على متنه وقد امتلأت صدورهم بالهم وخاصم جفونهم النوم إلى أن حل يوم زارت فيه المدرسة هذه الأم لطفل وحيد..قبل أن تدخل إلى القسم المجاور للسلام على إحدى المعلمتين، قصفتني بنظراتها التي انطلقت صوبي من عينيها كسهام ولا واحدة منها أخطأت هدفها، ولا واحدة فشلت في تبليغ رسالتها..من خلال هذه النظرات الأسرة، اكتشفت أنها منحت لولدها كل صفاتها وهو جنين في بطنها. لولا ذكورته لكان نسخة منها طبق الأصل. هنا والآن، أحسست بنفس الإحساس الذي انتاب البطل في"قصة حب مجوسية" لعبد الرحمن منيف.

منذ ذلك اليوم، لم أعد أفكر إلا فيها..لم أستطع أن أحتفظ بحبها كسر مكنون في قلبي إلا خلال أيام معدودة..بعدها، بحت به لأحد أصدقائي ممن ينتسب لعائلتها عساه يساعدني على بناء جسر للتواصل معها..حبي للمراة الأمازيغية فقد نهائيا مواصفات السر، حيث سرى خبره بين الأهالي سريان النار في الهشيم..لا شك في أنها علمت بأن نظراتها أصابت الهدف وبأني صرت عالقا بشباكها بحيث صارت شغلي الشاغل في حلي وترحالي، في نهاراتي وليالي, قلت دات يوم للشاب القريب منها: "حبي فالشلوح ولا نطيح روح".

اهتديت أخيرا للزواج بها بدافع عاطفي صرف نابع من إحساس فياض بالحنان والشفقة حيالها، وقلت في قرارة نفسي سوف أتزوجها لأملأ فراغي العاطفي وأشبع جوعي الجنسي، وأنتقم لها من رجل خذلها وأهان كرامتها حتى وهو من ذوي القربى..فكرت ثم قدرت وانتقلت إلى ترجمة أفكاري وتقديراتي إلى حيز الفعل، خصوصا وقد بلغني أن حبيبتي راضية بي كبعل لها وما عليّ سوى التقدم لخطبتها - بكسر الخاء - من أمها وأخيها الذي يشتغل في الدار البيضاء كنادل بمطعم مختص في إعداد الوجبات حسب فن الطبخ الصيني. لكن قبل ذلك، لا بد لي من اقتناء كل ما يلزم من أثاث وأفرشة وأوان إن أردت فعلا أن أستقبل حياة زوجية وأودع حياة العزوبية إلى الأبد..



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة النمطية للمرأة المغربية في وسائل الإعلام
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدغر (الجزء الثامن ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء السابع ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء السادس ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الخامس ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الرابع ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الثالث ...
- ما هي المهام التي على مجموعة السبع إنجازها؟
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الثاني ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الأول)
- الإرهاب اليهودي من منظور دومينيك فيدال، ترجمة وتقديم أحمد رب ...
- وادي زم: وما زالت المتابعات القضائية تلاحق المناضل والحقوقي ...
- من المهدي بن بركة إلى ياسر عرفات.. كتاب يتتبع مسار الاغتيالا ...
- شذرات من هنا وهناك
- العلم كموضوع فلسفي
- العلم كموضوع فلسفي (الجزء الثالث والأخير)
- الانتخابات في تركيا.. بين انتظار الجولة الثانية وانتقاد المع ...
- العلم كموضوع فلسفي (الجزء الثاني)
- العلم كموضوع فلسفي (الجزء الأول)


المزيد.....




- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - بوح الذاكرة: قصة حب مشوب بالشفقة