أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء السابع)














المزيد.....

الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء السابع)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7624 - 2023 / 5 / 27 - 04:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ظهر مفهوم الاغتراب (Entfremdung) لأول مرة عند هايدجر في محاضراته التي ألقاها خلال موسم1921-1922 وفي مخطوطة عن أرسطو المرسلة إلى ناتروب عام 1922 والتي تم اكتشافها فقط في نهاية الثمانينيات ونشرت في كتاب بعنوان: Dilthey-Jahrbuch؛ وظهر مرة أخرى في أماكن مختلفة في "الوجود والزمان"، في سياق التحليلات المكرسة   للاأصالة. المعارضة التي أقامها لوكاتش بين مقاربته لسيرورات الاغتراب، التي يصفها بأنها اجتماعية-تاريخية بشكل بارز، وتلك الخاصة بهايدجر، والتي وصفها بـ "التسامي الفلسفي" أو "الأسطرة الأنطولوجية" (المعنى الضمني الذي يفيد تحريفا تأمليا للظواهر التي تنتمي إلى الملموس السوسيو-تاريخي) اثارت المسألة المثيرة جدا، والقليلة الوضوح في النهاية، حول تجذر عمل هايدجر الرئيسي، "الوجود والزمان"، في السياق السوسيو-تاريخي لتكوينه.
هل يمكننا فك رموز الأوصاف اللافتة للنظر لوجود هايدجر اللاأصيل كصورة منمقة ودقيقة لسيرورات الاغتراب الخاصة بالمجتمع الرأسمالي الحديث، ك"تسام فلسفي" لـ "النزعة الفيتيشية"، التي كان ماركس سيكشف عن نوابضها الاقتصادية-الاجتماعية الحقيقية؟ هذا ما أكده لوكاتش.
إن نشر سائر الدروس تقريبا التي قدمها هايدجر خلال الفترة الممتدة من 1919 إلى 1927، ناهيك عن نشر مخطوطات غير منشورة مثل المخطوط عن أرسطو أو المحاضرات مثل تلك التي تناولت موضوع الزمان، بوتقة حقيقية للأفكار جعلت من الممكن إعادة بناء نشأة "الوجود والزمان"، يوضح الكثافة التي ركز بها تفكيره على ظاهرة الاغتراب. درس 1921-22 بعنوان "الشروح الفينومينولوجية. مقدمة في البحث الفينومينولوجي"، المنشور سنة 1985 كمجلد 61 من الأعمال الكاملة، بلور عددا كبيرا من المفاهيم التي تقترح تقييد سيرورات فقدان الذات والهوية الذاتية لصالح آخرية العالم (في هذا الدرس، يستخدم هايدجر المصطلح القوي "Ruinanz" لتعيين الاغتراب الذاتي).
في مواجهة هذا التضخم في المفاهيم (قدم جون فان بورين قائمة تنويرية بها في كتابه عن هايدجر الشاب)، نتذكر صيغة بنديتو كروتشي، الذي استخلص من قراءة "الوجود والزمان" مع تنويعاته المتعددة في التحليلات الفينومينولوجية للدازاين، صورة "كاتدرائية بروست". الشيء الضروري لغرضنا هو أن هايدجر وصف "الانحطاط" ( Verfallen) أو "الاغتراب" (Entfremdung) باعتباره قدرا أنطولوجيا للشرط الإنساني، يخرق بالضرورة كل تنسيب سوسيو-تاريخي. إن الواقع الإنساني ينغمس بطبيعته في عالم يحرمه من أصالته: الانحطاط ملازم للوجود هناك، "الوجود-في-العالم" بمصادرة الذات من طرف المطالب الدنيوية؛ للوهلة الأولى وفي أغلب الأحيان ( zunächst und zumeist) يتم تسليم الذات إلى القوى المسؤولة عن اغتراب الإنسان. لذلك لم يكن لوكاتش مخطئًا عندما وجه نقده إلى "التسامي الأنطولوجي" للاغتراب عند هايدجر. يكمن الدليل على صحة هذا النقد، في رأينا، في حقيقة أن مؤلف كتاب "الوجود والزمان دحض بصراحة أي محاولة للحد من الاغتراب في حالة تاريخية محددة، يمكن تعديلها والقضاء عليها بشكل نهائي بفعل قوى "التقدم": الطريقة التي سخر بها من كلمة "تقدم" ذاتها، مستنكرا أوهام أولئك الذين يثقون في "مرحلة من الثقافة الإنسانية" يمكن فيها القضاء على الاغتراب، تمثل بشكل موضوعي كذلم رفضا قاطعا للمفهوم الماركسي عن التاريخ. لذلك فإن تاويل "الوجود والزمان"، كما اقترح لوكاتش، كآلة حرب قوية ضد الهيجلية-الماركسية، لا يبدو لنا خيالا أيديولوجيا.
ومع ذلك، إذا كان الأمر يتعلق بفك الشفرات في فينومينولوجيا الهايدجرية حول "الإنسان" ردا على التحليلات الماركسية لـ "فيتيشية السلع" (تحدث لوكاتش في "تحطيم العقل" عن ردود الفعل الذاتية للفيتيشية التي كان هايدجر يستهدفها في توصيفاته النقدية، وهو ليس نفس الشيء تماما)، سنكون أكثر ترددا، خاصة بعد التعرف على المقاربات المتتالية للتسليع والاغتراب في دروس ومخطوطات هايدجر خلال عشرينيات القرن الماضي.
لا يخلو من الاهتمام أن نذكر حقيقة أنه في نهاية حياته، بعد أن حاول في لحظة معينة ليأخذ بجدية أطروحات جولدمان وجورج ميندي حول التأثير المحتمل ل"التاريخ والوعي الطبقي" على "الوجود والزمان"، والتحدث بطريقة محفوفة بالمخاطر في رأينا عن هايدجر الذي يرتبط "بشكل واضح" بأطروحات ماركس، تخلى لوكاتش نفسه تماما عن هذا التخمين.
خلال إحدى المقابلات الأخيرة معه، في مارس 1971، أخبرنا عن شكوكه في أن هايدجر ربما كان مهتما في ذلك الوقت (في منتصف العشرينات) بكتاب "التاريخ والوعي الطبقي" الذي راى النور في برلين عام 1923 من قبل ناشر يساري متطرف يدعى مالك فيرلاج. وفقا للوكاتش، الأستاذ الجامعي الألماني بهياة مثقف وعقلية هايدجر، من غير المرجح أن يكون مهتما بكتاب صادر عن دار نشر كهذه. قد تبدو حجته عشوائية تماما، لكن يمكننا أن نثق في البصيرة الإيديولوجية لواحد من مثيري القضية الرئيسيين.
من جانبه، نفى هايدجر دائما، كما نعلم، أنه كان لديه معرفة بكتاب لوكاتش (انظر مثلا إجابته على السؤال الذي صاغه بهذا المعنى فريديريك دي تورنيكي في مجلة Cahiers de l Herne، العدد الخاص بهايدجر، ص: 162).
لم يكن مصدر استلهام مفهوم الاغتراب الهايدجري هيغليا على الإطلاق، كما هو الحال مع ماركس وعبر ماركس مع لوكاش. نشر الفيلسوف الإسرائيلي ناثان روتنستريتش في الثمانينيات مسحا رائعا لتاريخ مفهوم الاغتراب، منطلقا في بحثه عن المصادر من أفلوطين والقديس أوغسطين. في دروس هايدجر التي ألقاها خلال موسم 1921–22 المذكور أعلاه، ارتبطت الاغتراب بالمحاولة، بالاطمئنان، بالسلب، كواحدة من اللحظات الأربع المحددة لـ "الانشغال المهموم بالعالم". كان تأثير كتابات التصوف وعلم اللاهوت القرووسطى قوياً في ذلك الوقت لدى هايدجر. إن فهمه لسيرورة الاغتراب، الذي حدد الأخير بتفوق العالم على الذات في الوضع الثنائي للوجودفيالعالم، اكتسى تلوينا لاهوتيا قويا.
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء السادس ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الخامس ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الرابع ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الثالث ...
- ما هي المهام التي على مجموعة السبع إنجازها؟
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الثاني ...
- الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء الأول)
- الإرهاب اليهودي من منظور دومينيك فيدال، ترجمة وتقديم أحمد رب ...
- وادي زم: وما زالت المتابعات القضائية تلاحق المناضل والحقوقي ...
- من المهدي بن بركة إلى ياسر عرفات.. كتاب يتتبع مسار الاغتيالا ...
- شذرات من هنا وهناك
- العلم كموضوع فلسفي
- العلم كموضوع فلسفي (الجزء الثالث والأخير)
- الانتخابات في تركيا.. بين انتظار الجولة الثانية وانتقاد المع ...
- العلم كموضوع فلسفي (الجزء الثاني)
- العلم كموضوع فلسفي (الجزء الأول)
- تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ميدانيا وإعلاميا
- التعارض بين العلم والدين حسب برتراند راسل
- جان بول سارتر: لا مجال للاختيار بين الفلسفة الوجودية والمنزع ...
- تفاصيل وافية عن الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - الاغتراب واللاغتراب: مواجهة بين لوكاتش وهايدجر (الجزء السابع)