أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صوما - سيد مكاوي يؤخر نشرة الأخبار















المزيد.....

سيد مكاوي يؤخر نشرة الأخبار


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 7587 - 2023 / 4 / 20 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


أعقد انني أجريت آخر حوار إعلامي مع المُلحن والمطرب المصري سيد مكاوي في أوائل نيسان/أبريل سنة 1997، عندما جاء إلى لبنان ليغني في الخيم الرمضانية، وأدى دخان الأراكيل والسجائر في تلك الخيم المُغلقة إلى اصابته بإلتهاب رئوي حاد، نصح أطباء الجامعة الاميركية مرافقيه في بيروت بعد فحصه بالعودة به فوراً إلى القاهرة، وفي العاصمة المصرية تدهورت صحته وتوفى الشيخ سيد بعد أيام من عودته.
المقال من صور وأصوات ذاكرتي ومعلوماتي عن سيد مكاوي (8 مايو 1928-21 أبريل 1997) الذي وُلد في أسرة شعبية بسيطة في حارة قبودان بحي الناصرية في السيدة زينب، ولأنه كان كفيفاً وجهتّه أسرته، مثل معظم الأسر المصرية الفقيرة آنذاك، للطريق الديني بتحفيظه القرآن في الكُتّاب، فكان يقرأه ويؤذن للصلاة في مسجدي أبو طبل والحنفي بحي الناصرية.
كانت نهاية المطاف لمثل هؤلاء الأطفال الفقراء هي العمل في مشاغل غير المبصرين، أو ترتيل القرآن في سرادقات العزاء أو المقابر أو بيوت الأغنياء عندما يموت شخص في عائلاتهم، لكن سيد مكاوي كان على موعد مختلف تماماً مع ظروف حياته ونبوغه.
دكة التلاوة
في شبابه أحسّ الشيخ سيد مكاوي بموهبته التي كانت تلّح عليه داخلياً فعبّر عنها بالإنشاد الديني، كرجل غير مبصر لا يعرف طريقه ولا أصدقاء لديه يرشدوه إلى ما هو أفضل لبراعته، لكنه بعد فترة أظهر اهتماماً أكثر بالغناء، وتقدم بجرأة في زمن عمالقة الغناء والتلحين للإذاعة المصرية في بداية الخمسينات، ونجح في امتحانها الذي كان يشرف عليه كبار المهنة، وتم اعتماده كمطرب بها، فكان آخر شيخ مصري يترك دكة تلاوة القرآن إلى الغناء.
في منتصف الخمسينات بدأت الإذاعة المصرية التعامل مع سيد مكاوي كملحن أيضاً، وأسندت الأغاني الدينية إليه لأن القائمين عليها اعتقدوا أن هذا اللون هو الأنسب له، ووافق سيد مكاوي لكنه لحّن أيضاً الأغاني الشعبية الخفيفة، حتى بدأت شهرته مع لحن أغنية "مبروك عليك يا معجباني يا غالي" التي غنتها المطربة المعروفة شريفة فاضل ، وانتبه المطربون والمطربات إلى المُلحن الناشئ وأصالة الطرب الذي يقدمه، وغنت له مطربات كبيرات بدءاً من أيقونة الغناء المصري ليلى مراد حتى كوكب الشرق أم كلثوم، مروراً بنجاة الصغيرة وفايزة أحمد وكثيرين.
ورغم شهرته تلك، لم يستنكف سيد مكاوي أبدا بعدما لحّن لأم كلثوم أن يلحّن مباشرة إعلان لمعجون أسنان "آرتڤ "! كان رجلا عصامياً لا يرى عيباً في أي عمل، ويكسب رزقه فقط من التلحين والغناء.
لحّن سيد مكاوي عدة أغاني للمسرح الغنائي، منها ما قدمه مع ملحنين آخرين في أوبريت "القاهرة في ألف عام"، ومنها ما لحنّه منفرداً، ولحّن لمسرح العرائس "قيراط حورية" و"حمار شهاب الدين" و"الفيل نونو الغلباوي" ورائعته الخالدة "الليلة الكبيرة" التي كتبها رفيق عمره صلاح جاهين، وكلها أوبريتات يستمتع بها الصغار والكبار، ويفهمها كلٌ حسب عمره وخبرته في الحياة.
وحياتك ياحبيبي
حواري مع سيد مكاوي كان للإذاعة اللبنانية، حين كنت أعمل بالقطعة فيها، وأُذيع بعد وفاته مباشرة، وسجلته في فندق حيث كان يقيم، لصعوبة حضوره للإذاعة للتسجيل.
لفت نظري بساطة سيد مكاوي وعفويته المفرطة في الحديث رغم شهرته، علاوة على أناقته ونظافة ثيابه وربطة عنقه، رغم احتياجه لمن يساعده وهو في بلد غير وطنه. تحدّث سيد مكاوي ببساطة بالغة واندمج في الحديث، ورغم قفشاته وتعليقاته واجاباته الظريفة، شعرت وكأنه يتحدث من خلال أجواء داخلية معينة، وكان صوته وهو يتكلم يطابق تماماً صوته وهو يغني. مثل الملحن والمطرب اللبناني فيلمون وهبي والمطربة صباح، بعكس فيروز التي يختلف صوتها كثيراً وهي تتحدث عن صوتها وهي تغني.
عندما بدأتُ تسجيل الحوار قاطعني سيد مكاوي وهو يضحك قائلا: الله! هو انت مصري ولاّ لبناني؟ أجبته: أنا أتحدث اللهجتين لأنني متحدر من أبويّن لبنانيين من الجالية اللبنانية التي عاشت في مصر قبل الثورة، لذلك تحدثت معك باللهجة المصرية قبل التسجيل. "بس أنت بتتكلمها كويس قوي"، قال سيد مكاوي وهو يضحك. ومما سألته في ذلك الحوار كان التالي:
- أنت وأم كلثوم من متذوقي ومؤلفي النكتة، هل تبادلتما أي نكتة وأنت تحفظّها لحن "يا مسهرني"؟
- كانت أم كلثوم تحافظ على مواعيدها.. زي الساعة السويسرية تمام، وأنا عكسها. ظروفي.. طبعاً زي ما انت عارف. مرة رحت البروفة متأخر قوي، وقلت لها وأنا مكسوف فعلا: معلش يا ست. سواقي تعبان النهارده وأنا سقت العربية. ضحكت أم كلثوم قوي قوي، وقالت: بس ان شاء الله ما تسوقش العربية بنفسك كل بروفة بعد كده.
- أغنية "وحياتك يا حبيبي" مكتوبة لمطربة، لكنك غنيتها كما هي بنفسك ولم تغيّر صيغتها....
قاطع سيد مكاوي سؤالي وهو يضحك ضحكته الكبيرة المجلجلة، وقال: "هي كده.. فهمت قصدك أيه.. أنا لحنتها وغنيتها بنفسي، ولو في مطربة عايزه تغنيها أهلا وسهلا". لكن ده سؤال ما سمعتوش أبداً.
- وممكن ألغيه من الحوار. قلت لسيد مكاوي.
- بالعكس.. السؤال ده ممكن ياخدنا لنقطة أبعد.. على فكرة فريد الأطرش غنى أغاني بنفس الطريقة. في أغنية "زمان يا حب" قال: "عيونك أحلى خطين لون وصوتك وشوشة عصافير"، وما قالش عيونِك وصوتِك". قصيدة "عش أنت" لفريد الأطرش برضه. الشاعر ما قالش "عيشي إنتي". وعبد الوهاب غني لبطلة فيلم "يا مسافر وحدك" وما غناش "يا مسافرة وحدك".
- يبدو ان الامر منتشر ولا اعتراض عليه من المستمع.
- ولا من الجماعة بتوع القواعد والنحو. قال سيد مكاوي وهو يضحك. ثم قال بعد ثوان من التفكير: أعتقد أن أصول التقليد من الشعر العربي القديم. صيغة المُذكر أسهل للوزن وأريّح للقافية. حتى القصائد الأندلسية.. مثلا، قال شاعر عن إمرأة: "كلفٌ بغزال ذي هيفٍ".
- مع عدم نسيان أغنيتك "ليلة امبارح ما جنيش نوم".
- صحيح.. قال سيد مكاوي وأكمل: واحدة بتقول لحبيبها، لكن أنا غنيت اللي هي بتقوله.
جعبة الذكريات
- لحظات لا ينساها سيد مكاوي على المسرح.
- لم يقل لي أحدٌ في لبنان أول مرة غنيت فيه ان احدى الحاضرات قد تقوم وترقص أمام المطرب تحية له. ولاحظت أثناء غنائي ان الجمهور يصفق بايقاع معين.. التصفيق لم يكن تحية نهاية مقطع، ولم يكن كردة فعل اعجاب بالأغنية، لكنني أكملت الغناء، واقترب أحد العازفين وهمس في أذني "يوجد شابة ترقص أمامك على المسرح تحية لك".. تأثرت كثيرا.. وأعادت الفرقة الموسيقية الجملة الموسيقية عدة مرات حتى أستعيد نفسي وأغني مرة ثانية. أعتقد أن هذه الرقصة العفوية أثرّت فيَّ أكثر من تصفيق الجمهور.
- وماذا أيضا في ذكرياتك؟
- الرئيس صدّام حسين أرسل عازفين من الفرقة الموسيقية العسكرية العراقية لمصاحبتي في حفل بالعراق. عزفت الفرقة بشكل جيد جدا، لكن لسبب ما غيروا سرعة الإيقاع في أحد مقاطع أغنية، وكادت أغنية الحب والغرام تتحول إلى نشيد وطني، لو مشيت معهم على نفس سرعة العزف! فرفعت يدي وأنا منزعج فعلا وطلبت بحركة يفهمها العازفون تخفيف سرعة العزف، ورجع العزف إلى السرعة المطلوبة، وعدّت الليلة على خير. الفرقة كانت كويسة قوي والله.. بس مش عارف أيه إللي حصل!
أُذيع حواري المُسجّل مع سيد مكاوي كالعادة وكأنه برنامج مباشر، فكنت أقول في الاستوديو مقدمة صغيرة، وبعدها يُذاع جزء من الحوار، وعند الختام لا أدري لماذا أدركت فجأة "الأجواء الداخلية" التي كان يتحدث منها سيد مكاوي أثناء تسجيلي لحوارنا، فنحيتُ الورقة التي كتبتها للبرنامج جانباً، وقلت وصوتي يرتجف وأنا أتذكر الرجل الذي كان يتحدث معي منذ أيام، بينما هو غائب عن الحياة في هذه اللحظة، بعدما حددت للمخرج من قبل اللحظة التي ستبدأ فيها الأغنية واللحظة التي ستنتهي بها:
- سنستمع الآن إلى مقطع من أغنية "وحياتك يا حبيبي" وفيه ارتجل سيد مكاوي "الليل" الذي يؤديه مطربو الغناء الطربي، لكن بطريقته الخاصة كرجل ضرير. ارتجل سيد مكاوي "ليله" هو وليس "ليل" المطربين.
تجاوز المقطع الغنائي الوقت المخصص للبرنامج، ولم يسلّم مخرجه "الهواء" لغرفة نشرة الأخبار، بعدما رفع يده بحركة لامبالية عندما رآني من خلف الزجاج العازل أنبهّه إلى الوقت وأنا أشير إلى ساعتي، لأنه تسلطن كما يبدو والشيخ سيد يرتجل ويجوّد "ليله" على نقر خفيف من الطبلة التي كانت تعزف بمصاحبة أنامله على عوده.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرار السيسي للطفل شنوده
- نيّرة رمز الانعتاق من البداوة
- هل تصالح الفاتيكان مع لاهوت التحرير؟
- البطريرك يتحدث إلى دُمى
- اغتصبوهن لكي لا يدخلن الجنة !
- سمعنا بوتشيللي فتنصرّنا
- مزيد من ليبرالية الفوضى
- رئيس على قد الجمهورية الإسلامية الكبرى
- أنا الفوضى
- جمعيات حقوق المجرمين
- كوميديا محاكم السودان
- الديانات الإلكترونية والديانات الإبراهيمية
- نسخة تاريخية لغبي مُسيّر
- الموت لكاتبها وناشرها ومترجمها
- في انتظار غودو سياسي
- سبعينية انقلاب يوليو وصحوته
- نيّرة تتمرد على امبراطورية الخيام
- خواطر حول -تغطية المسلمين- بجزئيه
- هل سيرمم الغرب ثغرات ديموقراطيته؟
- قيمة الفنان سمير صبري


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صوما - سيد مكاوي يؤخر نشرة الأخبار