|
الثورة العالمية الجديدة فى القرن الواحد و العشرين
عمرو إمام عمر
الحوار المتمدن-العدد: 7572 - 2023 / 4 / 5 - 19:26
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
”إعادة إنتاج الرأسمالية“
من عمليات الرأسمال المالى الرابحة للغاية ، المضاربة بقطع الأراضـى الموجودة فى ضواحى المدن الكبرى التى تتسع بسرعة ، و فى هـذه الحالة يندمج أحتكار البنوك باحتكار الريع العـقارى و باحتكار طرق المـواصلات ، لأن ارتفاع أسعار قطـع الأراضى و إمكانية بيعها بصورة قطع صغيرة ، يتوقف بوجه خاص على سهولة المواصلات مع مركز المدينة و وسائط المواصلات تلك فى أيدى الشركات الكبرى المتصلة بتلك البنوك …
فلاديمير لينين الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية
خلال السنوات الأخيرة التى سبقت نهاية الحرب الباردة و تفكك الكتلة الاشتراكية خلال عام 1987، بدأت تتعالى الأصوات بضرورة البحث عن نظام عالمى جديد عادل ، ربما كان أول من أشار إلى هذا هى ”لجنة الجنوب“(1) برئاسة الرئيس التنزانى السابق ”جيوليوس ك. نيريرا“(2) التى ضمت عدد من كبار السياسيين و الاقتصاديين فى دول العالم الثالث ، حيث تمت محاولة إيجاد رؤية جديدة للعلاقة بين الشمال و الجنوب أو بين دول العالم الأول و الثالث فى ضوء المتغيرات الدولية الجديدة ، فالأخفاقات التنموية التى عانت منها دول العالم الثالث بداية من ثمانينات القرن الماضى نتيجة لارتفاع أسعار النفط من منتصف السبعينات(3) القت بظلالها بشدة على فاتورة حركة التنمية فى تلك الدول و حملتها بأعباء لم تكن محسوبة من قبل فزيادة أسعار النفط ارتفعت بأضعاف أضعاف ما كانت عليه ، كذلك الضعف الذى بدأ يحل بقبضة الدولة بالعديد من تلك الدول فى السيطرة على حركة الأموال داخل منظومتها نتيجة للتحولات فى المنظومة الاقتصادية العالمية ، و الضغوط السياسية العنيفة التى فرضتها أوروبا و أمريكا للسيطرة على الموارد الطبيعية خاصة فى أفريقيا ، كذلك فرض هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على التجارة العالمية ، مما أثر على الاستقرار السياسى للعديد من تلك الدول ، أنه استعمار جديد من الشمال للجنوب ، لذا كانت تلك اللجنة هى محاولة أيجاد صيغة تعايش تحمل و لو قدر معقول من العدل فى المنظومة السياسة الدولية الجديدة …
بعدها بسنوات قليلة عام 1992 اصدر ”نادى روما“(4) تقرير تحت عنوان ”الثورة العالمية الأولى (من أجل مجتمع عالمى جديد)“ ، فى هذا التقرير تم إثارة قضية الدولة و العلاقة بين مراكز الحكم و الأفراد المشكلين للمجتمع و شكل و مهام و حدود التزامات تلك المراكز فى إدارة شئونه و العلاقة ما بين مراكز الحكم و الأفراد ، و العلاقة ما بين الأفراد بعضهم ببعض ، و بالتالى شكل المنظومة السياسية و الاجتماعية فى العالم الجديد كذلك التكتلات الاقتصادية و التجارية الجديدة ، أنها عملية إعادة بناء لشكل العالم أطلقوا عليها ”الثورة العالمية الأولى“ ، كانت محاولة لرسم صورة للعالم الجديد الذى بدأ يتشكل ...
على جانب آخر أشار عدد من مراكز الأبحاث السياسية و المستقبلية إلى بداية فقدان الرأسمالية قوتها الدافعية الداخلية نتيجة للأزمات الاقتصادية المتتالية ، و أنها تمر الآن بمرحلة الترنح التاريخى المقارب لنهاية الحقبة ، لذا كان لابد عليها و أن تجد الخلاص مبكراً و إلا ستشهد نهايتها كما انتهت الأنظمة السابقة و سيولد نظام جديد على أنقاضها ، من هنا بدأ يظهر على الساحة مصطلح جديد تعرفنا عليه فى بداية الألفية على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية فى تلك الفترة ”كونداليزا رايس“ و هو ”الفوضى الخلاقة“ ، و قد تابعنا فى بلادنا حملات دعائية محذرة من هذا المصطلح الجديد و قرأنا العديد من المقالات و الكتب تشير إلى أن هذا المفهوم الجديد نحن المقصودين به العرب و المسلمين بالتحديد ، حتى تهيمن الصهيونية على منطقتنا ، ربما به جزء من الحقيقة ، لكن الواقع أكبر من ذلك ، فعملية الفوضى ليست قاصرة على منطقتنا فقط بل هى رؤية لعالم جديد يتشكل وفق المصالح السياسية الأمريكية الجديدة و لحلفائها ، و هذا يأخذنا إلى تصريح أدلى به الأدميرال ”ستانسفيلد تورنر“ المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية فى حديثه لصحيفة ”ديلى تليجراف“ البريطانية فى 16 يونيو 2003 قائلاً :-
”قوتنا عظيمة جداً ، و من غير المرجح أن يكون بمقدر أحد من تحديها لسنوات و سنوات طويلة ، لدرجة أنك ستضطر للعودة إلى زمن الامبراطورية الرومانية لتجد ما يوازينا ، و أنه من الخطأ اللغوى التحدث عن الولايات المتحدة كقوى عظمى ، فنحن قوة فوق العظمى ، و أنا لم ينم إلى علمى أن العالم قد رأى من قبل شيئا مشابهاً …“
من تلك الكلمات يمكننا القول أنها تساعدنا على أن نضع أيدينا على الرؤى السياسية الأمريكية الجديدة لما بعد الحرب الباردة ، فالسياسيين و المفكرين الأمريكان علموا من خلال دراسة التاريخ أن الامبراطوريات الكبرى عندما تصل إلى أقصى مداها الجغرافى و السياسى تبدأ فى الترهل و التحلل و هذا ما شاهدناه كمثال على ذلك فى الامبراطورية الفارسية و الرومانية و العربية الإسلامية ، لذا وجدوا الحل فى نشر الفوضى ، و لكنها فوضى من نوع خاص؛ خلال خمسينات القرن الماضى وضع عالم الاجتماع الأمريكى ”بيتيريم سوروكين“(5) نظرية أطلق عليها ”قانون الدمج“ لرصد و دراسة و تفسير الظواهر الثقافية و الاجتماعية المختلفة لدى الشعوب ، إلا أن تلك النظرية كانت فى حاجة إلى عملية رصد شامل للتراكم المعرفى و العلمى للمجتمعات و دراستها و عمل دراسات إحصائية لرصد تطورها و التغيرات التى تطرأ عليها و مدى تأثير مجتمع ما على المجتمعات المجاورة له ، تلك الدراسات لا تقدر عليها عادة سوى الدول الكبرى(6) لما تتطلبه من توافر للكوادر و التقدم المعرفى فى رصد و دراسة كافة المجالات المؤثرة على المجتمعات كذلك الوقت و المال ، لتشكل جزءا أساسيا من عمليات صناعة القرار الاستراتيجى من هنا بدأ ظهور ”علم الدراسات المستقبلية“(7) ، و عادة ما تقوم بتلك الدراسات المؤسسات العسكرية و السياسية الحكومية و إن بدأت بعض الشركات المتعددة الجنسيات فى العشرين عاما الأخيرة الاهتمام بعلم دراسة المستقبليات لدراسة أوضاع الأسواق و تقلباته لوضع استراتيجيات لها …
الامبراطورية الأمريكية الكونية
بعد انهيار الاتحاد السوفيتى و الكتلة الاشتراكية و بالتالى ضعف قوى التحرر الوطنى فى دول العالم الثالث بات من الواضح أن الرأسمالية حققت انتصاراً ساحقاً و أن العالم اليوم اصبح بين أيديها ، و انبرى مفكريها فى وصف ما يحدث أنه ”نهاية للتاريخ“ على أساس هزيمة المعسكر الاشتراكية و نهاية الصراع بين القوتين العظمتين و انتصار أفكار الرأسمالية و الليبرالية السياسية و فرض نمط السوق الحرة المعولمة و قد ارتبطت تلك الأفكار بالمفكر الاقتصادى الأمريكى الجنسية اليابانى الأصل ”فرانسيس فوكوياما“ التى طرحها فى كتابه ”نهاية التاريخ و الإنسان الأخير“ الصادر عام 1989، و وجدت النخب السياسية الأمريكية فى ما طرحه ”فوكوياما“ فرصتها لإعادة تشكيل العالم وفق مصالحها و مصالح الرأسمالية العالمية ، و على الرغم من تراجعه عن الكثير من الأفكار التى طرحها فى كتابه إلا أن الاستراتيجية السياسية الأمريكية لم تتخلى عنها بل أنها أصبحت أكثر تمسكاً بها مع مرور الوقت فى تنفيذ مخططها بالسيطرة الكاملة على الكوكب …
يقول المفكر الروسى ”الكسندر بانارين“(8) رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة موسكو فى كتابه ”الإغواء بالعولمة“ : -
”أنه من المقرر استخدام توصيات الدارونية الاجتماعية الاقتصادية على النطاق العالمى ، فعند الاستخدام الموسع لصيغة "مدرسة شيكاغو" تظهر المؤسسات أو الفئات الاجتماعية المنفصلة الغير قادرة على التكيف لا ينبغى منحها فرص التنمية كى لا تغرق كوكبنا الضيق بمادة بشرية سيئة النوعية ، بذلك تغدو الدارونية الاجتماعية الاقتصادية عنصرية عادية“
من هنا يوضح لنا ”ربانارين“ ما هو شكل العالم الجديد ما بعد صراع الأيديولوجيات تتم فلترة المجتمعات ، بين أقلية مالكة لموارد الكوكب ، و أغلبية منبوذة فقط يسمح لهم بالحياة لخدمة الأقلية المالكة ، و هذا ما بدأنا نلمسه بوضوح خلال السنوات الأخيرة …
التحالفات العرقية و المذهبية بديل للدولة القطرية
كما ذكرت من قبل أن القضية هى إعادة تشكيل العالم سياسيا و اجتماعيا للمحافظة على استمرار الرأسمالية مسيطرة على الأوضاع ، فقد شهد العالم منذ عام 1990 الكثير من التغيرات الحادة ، تحطم سور برلين و توحدت الألمانيتين الشرقية و الغربية ، شاهدنا انتخاب المنشق ”فاكلاف هافل“ عميل المخابرات الأمريكية رئيس لجمهورية تشيكوسلوفاكيا و الذى عمل على تفكيكها و تقسيمها ، غزو العراق للكويت ، زيادة أسعار النفط بمعدلات غير مسبوقة ، نهاية مجموعة النمور الآسيوية ؛ فبعد صراع الأيديولوجيات دخلنا فى صراعات العرقيات و المذهبيات ، أزمات اقتصادية متلاحقة ، حروب أهلية و إقليمية ، طاعون جديد يجتاح العالم لا أحد يعرف من أطلقه ، صعود مثير للجدل للفاشيات العنصرية فى الغرب و الدينية فى بلادنا ، ثورات شعبية عشوائية تجتاح المنطقة العربية ، زيادة معدلات الفقر فى العالم بشكل غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ثورة كادت أن تنفجر فى أوروبا – أحتجاجات القمصان الصفراء - ، أزمات المياه و البيئة ، بركان من التناقضات و الصراعات الجديدة ينفجر بشكل مفاجئ و مستمر ، فالحرب الباردة التى كانت تحدد شكل النظام العالمى انتهت و اصبح اليوم لابد من منظومة جديدة تعيد تشكيل العالم على أسس مغايرة لما كانت من قبل ، بل و العمل على عدم إعادة إنتاج ما سبق ، فكل القيود القديمة التى عانت منها الرأسمالية قد انتهت ، لذا كان لابد عليها إذابة جليد الأوضاع الجيوبلوتيكية المورثة من الصراع المنتهى ، و فرض نظام جديد بأوضاع مغايرة من خلال ”ثورة عالمية جديدة تقودها الرأسمالية“ تعيد تشكيل العالم بأسس جديدة وفق رؤيتها و مصالحها ، لذا اصبح على الرأسمالية أن تعمل على محو السجل التاريخى الذى واكب فترة الحرب الباردة بكافة المفاهيم التى انتشرت حينها و منها بالطبع الاشتراكية و التحرر الوطنى و الاستقلالية و الدولة القومية أو الوطنية ، لذا كان الهاجس الأول لها هو أقناع الشعوب بتلك الثورة الجديدة و أشراكهم فيها بل و أن يقوموا هم ذاتهم بجزء كبير من عملية التغيير و أن يتقبلوا عمليات العنف و التدمير و الحروب القادمة المواكبة لعملية التغيير الثورية كما قبلوا من قبل حروب القرن العشرين التى كانت واضحة المعالم ؛ و قد وجدت الرأسمالية أن الطريقة الوحيدة لتفرض نفسها أن تقوم بعملية استلاب مستمرة للمجتمعات على ثلاثة مستويات أو ثلاثة أطوار …
١. إسباغ الشكل السلعى على العلاقات الاجتماعية بما فيها علاقات الإنتاج (تسليع المجتمع بأكمله) ٢. أخضاع قوة العمل بكل ما تنطوى عليه من الاستقلالية و الابداعية البشرية لسيرورة الإنتاج الرأسمالى ٣. أن تقوم المجتمعات المتضررة نفسها بعملية إعادة إنتاج الرأسمالية ، بأن يكون رأس المال هو نواة الحياة الاجتماعية
لتحقيق ذلك بات تدويل و جمعنة رأس المال هو أساس للعملية الاقتصادية برمتها ، لتصبح أى عملية تغير فى المجتمعات مرتبطة بشكل وثيق بالنواة الأساسية ”راس المال“ ، و لن يحدث ذلك إلا من خلال عملية إعادة بناء شاملة سياسية ، اقتصادية ، أجتماعية ، و ثقافية ، على أن تكون مجتمعات الدول التى عاشت فترات إما تحت الحكم الاشتراكى أو مفاهيم التحرر الوطنى هى بؤرة التركيز لتلك العملية ...
منذ سنوات تعرفنا على مصطلح ”عقيدة الصدمة“(9) و كيف تمت تجربتها لأول مرة فى كل من شيلى و الأرجنتين فى سبعينات القرن الماضى و التى استخدمت للسيطرة على شعوب تلك البلدتين لقبول أجراءات هى فى الأصل ضد مصالحها ، كذلك العديد منا قرأ كثيراً عن هراء أو خرافة العلاقة بين نمو الناتج المحلى و زيادة فرص التوظيف ، فأسلوب الصدمات و تغيب الوعى جزء من عملية الفوضى التى اعتمدت عليها الاستراتيجية الأمريكية و سنعود لها مرة أخرى فى سطور تالية ، لكن القاعدة الأساسية التى ارتكزت عليها تلك السياسة تقوم على زعزعة الأمن الداخلى فى المناطق المستهدفة بناءا على التحليل الدقيق للمجتمعات من خلال خمس نقاط أساسية : -
1. تفجير الصراعات العرقية و الدينية : و هذا ما شاهدناه فى العراق و جنوب السودان و من قبلهم فى قبرص من خلال القضاء على حالة التوافقية القائمة على التوازن العرقى ، التى تصل إلى حد تسليح أحد الأطراف ضد الطرف الآخر مثل ما حدث فى الحالة الكردية شمال العراق و فى جنوب السودان ، و قد جرت محاولات لخلق صراعات من هذا النوع فى مصر من خلال تفجير مشكلة تعويضات النوبيين على سبيل المثال ، أو الأقباط فى الصعيد ، و فى المغرب العربى من خلال تفجير قضية البربر ...
2. صراع العصبيات : القضاء على الانتماءات الوطنية و القومية و استبدالها بانتماءات قبلية أو عشائرية أو مذهبية مجزأة ، مما يقوض مؤسسات الدولة و أضعافها ، هذا السيناريو تم تطبيقه فى كل من الصومال و العراق و جنوب السودان و لبنان و سوريا ...
3. الاستقرار الأمنى : خلق حالة من عدم الاستقرار الأمنى و إطالة مداها حتى تطالب الشعوب نفسها بالتدخل الدولى المتمثلة بالطبع فى الأمريكان ، و قد استفاد الساسة الأمريكان مما حدث فى لبنان بعد الحرب الأهلية و موجة التفجيرات و السيارات المفخخة التى اجتاحت البلد فى تلك الفترة بنقلها لبلاد أخرى ...
4. ضرب الاستقرار الاقتصادى : من الدروس التى استفاد منها الساسة الأمريكان حالة الانهيار التى حدثت فى الاتحاد السوفيتى فى بداية التسعينات و حالة الفوضى داخل المجتمع الروسى التى جعلت كثير من الناس تقبل بأوضاع كان لا يمكن قبولها من قبل بل كانت من أساسيات النظام الاجتماعى نفسه ...
5. القوى الناعمة : المتمثلة فى الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعى ، استفاد الأمريكان من تجربة ألمانيا الشرقية و كيف تم أختراق المعسكر الاشتراكى من خلال القنوات التلفزيونية الألمانية الغربية التى كان يصل إرسالها إلى ألمانيا الشرقية فى رسم صورة مخادعة عن الحياة فى الجانب الغربى و تقويض فكرة الاشتراكية فى الجانب الشرقى ، اليوم أضيف إليها شبكة الأنترنيت و شبكات التواصل الاجتماعى لخلق وعى جمعى مزيف للأوضاع المرتبكة حاليا ...
حرمة الملكية الفردية لا تنطبق على الفقراء
العديد منا قرأ عن التجربة الهندية و التقدم الاقتصادى الكبير الذى حققته حتى باتت الهند اليوم حسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمى(10) الصادر فى أكتوبر 2022 وفقا للناتج المحلى الإجمالى هى خامس أكبر اقتصاد عالمى يتفوق على الكثير من دول العالم الأول مثل المملكة المتحدة و فرنسا ، فوتيرة النمو الاقتصادى الهندى خلال العقد الأخير كانت تتراوح ما بين 6 إلى 7% ، إلا أنه فى المقابل كانت هناك تقارير تشير إلى زيادات مهولة فى معدلات الفقر ، فمثال على ذلك تقرير مؤسسة SOS Children s Villages ، فإن 68% من الهنود يعيشون تحت خط الفقر و يجنون أقل من دولارين فى اليوم ، كذلك هناك 30% من السكان و هم الأشد فقرا يعيشون بأقل من 1𨇥 دولار يوميا ، مع الأخذ فى الاعتبار أن عدد سكان الهند 1.408مليار نسمة ، من تلك الأرقام نستخلص أنه لا توجد علاقة وثيقة بين زيادة العدد السكان و أنخفاض النمو الاقتصادى ، كذلك لا توجد علاقة أيضا بين القضاء على الفقر و زيادة النمو الاقتصادى …
إن عصر الخصخصة جعل من الاقتصاد الهندى أحد اسرع الاقتصاديات نمو فى العالم ، فالشركات الهندية الكبيرة التى تم خصخصتها بدأ من بدايات ثمانينات القرن الماضى كانت بمثابة البئر الذى يفيض ذهبا ، أنها بمثابة الحلم لرجال الأعمال ، لكن الغريب أن المصدر الرئيسى لثروة تلك الشركات أتى من العقارات و الأراضى ليس من الإنتاج ، فقد ساعدت حكومات ضعيفة و فاسدة رجال الأعمال فى الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضى ، و أصدار قرارات فى صالحهم باستحواذ شركاتهم على تلك الأراضى بدعوى المصلحة العامة حتى لو كانت ”ملك لأفراد“ ، و بالتالى تم مصادرة الأراضى من صغار الملاك و كالعادة تطايرت التصريحات من السياسيين بوعود لهؤلاء المنكوبين بتعويضهم تعويضات عادلة بعد مصادرة أراضيهم و تهجيرهم لإنشاء مضمار لسباقات الفورميلا وان ، و مطارات خاصة ، و بناء بنى تحتية و طرق سريعة لخدمة شركات رجال الأعمال الكبار …
بالطبع كل هذا كان لابد و أن يفجر احتجاجات شعبية و انتفاضات من الذين أضروا و سئموا من عمليات القمع المستمرة للفقراء ، من أهم تلك الحركات هى حركة ”النكساليتى“(11) التى انطلقت من ولاية تشهاتيسجاره – Chhattisgarhi - ، و هى تعتبر تاسع أكبر ولاية هندية ، يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة ، و اقتصادها من الاقتصاديات المؤثرة فحجم الناتج المحلى لتلك الولاية وحدها وصل عام 2018 إلى41 مليار دولار ، تعتبر الزراعة هى أساس العملية الاقتصادية فـ 80% من السكان يعملون بها ، قامت الحكومة المحلية للولاية بالاشتراك مع الحكومة الفيدرالية فى عام 2006 بعمليات مصادرة واسعة للأراضى التى يملكها صغار الفلاحين لإنشاء مصانع للصلب لصالح شركة ”تاتا ستيل“ ، كذلك مصادرة أراضى شاسعة أخرى أكتشف فيها خام البوكسيت و الحديد و معادن أخرى لصالح شركات التعدين ، بالطبع لم يمر هذا مرور الكرام برغم حملات الخداع الإعلامية و الوعود الكاذبة لتنفجر انتفاضات فلاحية كبيرة احتجاجا على القرارات الحكومية قتل فيها ثلاثة عشر شخص من بينهم شرطى و جرح العشرات ، و تمت محاصرة القرى المحتجة و استمر الحصار سنوات طويلة و لم ينتهى ، أنضم للحركة الآلاف من الفلاحين و استوطنوا الغابات ، ليعلن رئيس الوزراء الهندى أن هؤلاء لذين لم يخرجوا من الغابات سوف يعدون إرهابيين ، على الرغم أن غالبية المختبئين فى الغابات ليسوا مسلحين بل هم فلاحين فقراء تم تهجيرهم بعد مصادرة أراضيهم ، يحاولون العيش من خلال زراعة أراضى الغابات ، و بهذا باتت حراثة الأرض و بذر البذور يصفها رئيس الوزراء عملا إرهابين ، و على الرغم من مرور سنوات لم تنجح الحكومة الهندية فى أخراج المتمردين من الغابات اضطرت للإعلان عن استخدام الجيش و القوات الجوية ، لكنها لا تسمى هذا حربا بل أطلقت عليها محاولة ”خلق مناخ استثمار جيد“ ، لينتقل آلاف الجنود المدعوم بالمدرعات و الطائرات للاشتباك مع افقر الناس و أكثرهم جوعا فى العالم ...
ما يحدث فى الهنـد هو مثال صغير لما يحدث أو سيحدث فى أجزاء أخرى من سطح هذا الكوكب خصوصا فى مناطق دول العالم الثالث ، أنها ثورة الرأسمالية العالمية الجديدة لإعادة إنتاج نفسها و لم يعد فى جعبة البشرية إلا حل وحيد ثورة مضادة تعمل على وئد الثورة الرأسمالية و القضاء عليها …
_____________________________________________ هوامش
1- تأسست لجنة الجنوب عام 1987 بعد سنوات من اللقاءات ضمت عدد من مثقفى و سياسى من دول العالم الثالث ، أعلن عن البدء فى تأسيسها لأول مرة فى مؤتمر دول عدم الانحياز الذى عقد فى مدينة هرارى عاصمة زيمباوبى فى عام 1986 ، ليخرج أول تقرير لها عام 1987 و هو ما اشرنا إليه ...
2- جوليوس كامباراج نيريرى (13 أبريل 1922 – 14 أكتوبر 1999) ناشطًا و منظراً سياسياً مناهضاً للاستعمار فى تنزانيا ؛ حكم تنجانيقا كرئيس للوزراء من 1961 إلى 1962 ثم كرئيس من 1963 إلى 1964، و بعد ذلك قاد الدولة التى خلفتها ، تنزانيا ، كرئيس للجمهورية من 1964 إلى 1985 . كان عضوًا مؤسس فى حزب تنجانيقا للاتحاد الوطنى الأفريقى (T.A.N.U) الذى أصبح فى عام 1977 حزب تشاما تشا مابيندوزى (الحزب الثورى) – وترأسه حتى عام 1990. من الناحية الإيديولوجية ، هو قومى إفريقى و اشتراكى أفريقى ، روج لفلسفة سياسية تُعرف باسم أوجاما.
3- تأثير حرب تشرين /أكتوبر 1973
4- نادى روما منظمة غير حكومية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية بالتحديد فى عام 1968 ، مقرها الرئيسى فى مدينة باريس و إن بدأ تأسيسها فى مدينة جنيف بسويسرا ، و أكتسب الاسم ”نادى روما“ بسبب نشأة الفكرة بين مجموعة من المفكرين الأوروبيين و الأمريكان و من بعض دول العالم الثالث كانوا يجتمعون فى أكاديمية دى لينتشى بمدينة روما ، اهتم النادى بمستقبل الإنسان و دراسة التغيرات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية و عمل دراسات و تقارير عنها ...
5- بيتيريم سوروكين عالم أجتماع أمريكى روسى الأصل ، هاجر للولايات المتحدة الأمريكية عام 1923 ، أسس قسم علم الاجتماع فى جامعة هارفرد ، و كان من اشد معارضى الفكر الماركسى ، اشتهر بمساهماته فى نظرية الدارونية الاجتماعية
6- أهتمت بعض الدول العربية بعلم الدراسات المستقبلية من` أواخر ستينات القرن الماضى و من أهم تلك الدول مصر ، الجزائر و سوريا
7- علم الدراسات المستقبلية – futurology Studies - يهتم برصد التغيرات فى ظاهرة معينة ، و يسعى إلى تحديد الاحتمالات المختلفة لتطورها مستقبليا و توصيف ما يساعد على ترجيح أحتمال على غيره ...
8- ألكسندر سيرجييفيتش بانارين ، ولد فى 26 يناير 1940 بمدينة دنيستك بأوكرانيا ، و توفى فى 25 سبتمبر عام 2003 بمدينة موسكو ، تخرج من كلية الفلسفة جامعة موسكو عام 1966 ، حصل على العديد من المناصب الأكاديمية و الجوائز المحلية و الدولية و من أهم أعماله كتاب فلسفة السياسة (1996) ، كتاب ثأر التاريخ: المبادرة الروسية الإستراتيجية للقرن الواحد والعشرين (1998) ، الذى منح جائزة لومونوسوف من الدرجة الثانية ؛ و كتاب المثقفون الروس فى الحربين العالميتين و كتاب ثورات القرن العشرين (1998) ؛ و كتاب التنبؤ السياسى العولمى فى ظروف عدم الاستقرار الاستراتيجى (1999), و كتاب روسيا فى دورات التاريخ العالمى (1999) ؛ وكتاب البديل الروسى (2000) ؛ و كتاب الإغواء بالعولمة (2000) ؛ و كتاب الحضارة الأرثوذوكسية فى العالم العولمى (2001).
9- كتاب عقيد الصدمة – The Shock Doctrine - للكاتبة نعومى كلاين صدر فى عام 2007 ترجم للعربية بنفس الاسم ...
10- تقرير يصدره صندوق النقد الدولى يعرض هذا التقرير تحليل خبراء الصندوق وتوقعاتهم بشأن تطورات الاقتصاد العالمى فى مجموعات البلدان الرئيسية (التى تصنف حسب المنطقة و مرحلة التطور ... إلخ) ، و فى كثير من البلدان المنفردة ؛ يركز التقرير أيضا على أهم قضايا السياسة الاقتصادية و تحليل تطورات الاقتصاد و آفاقه المتوقعة. و عادة ما يتم إعداد هذا التقرير مرتين سنويا فى سياق إعداد الوثائق المطلوبة لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية و المالية ، كما يستخدم باعتباره الأداة الرئيسية لأنشطة الصندوق فى مجال الرقابة الاقتصادية العالمية.
11- النكساليتى – Naxalites – حركة تمرد شعبية ماوية التى أعلنت فى بيان تأسيسها أنها فى صراع مع الحكومة الرأسمالية من أجل تحسين حقوق الأرض و حقوق العمال الزراعيين و الفقراء المهملين ، و للحركة جناح عسكرى عرف باسم جيش التحرير الشعبى ، يتبع النكساليتى أسلوب حرب العصابات مستعينين بتكتيكات حرب الشعب الطويلة الأمد التى وضع أسسها الزعيم الصينى ماو تسى تونج خلال حرب التحرير الصينية
المصـادر : -
• أرنوداتى روى ، الرأسمالية قصة شبح ، ترجمة منور الزعبى ، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة – دمشق – الطبعة الأولى 2022
• الكسندر كينج ، برتراند شنيدر ، الثورة العالمية الأولى (من أجل مجتمع عالمى جديد) ، ترجمة د. صفاء عبد الإله ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى 1992
• نعيم تشومسكى ، الاقتصاد العالمى القديم و الجديد ، ترجمة د. عاطف معتمد عبد الحميد ، نهضة مصر للطباعة و النشر ، الطبعة الأولى مارس 2007
• أليكسندر بانارين ، الإغواء بالعولمة ، ترجمة عياد عيد ، منشورات اتحاد الكتاب العربى ، دمشق 2005 الطبعة الأولى
• هورست أفهيلد ، اقتصاد يغدق فقراً (التحول من دولة التكافل الاجتماعى إلى المجتمع المنقسم على نفسه) ، ترجمة د. عدنان عباس على ، سلسلة عالم المعرفة العدد 335 يناير 2007 المجلس الوطنى للثقافة و الفنون لدولة الكويت
• نعومى كلاين ، عقيدة الصدمة (صعود رأسمالية الكوارث) ، ترجمة نادين خورى ، شركة المطبوعات للتوزيع و النشر بيروت ، الطبعة الثالثة 2011
• أرنست فولف ، صندوق النقد الدولى (قوة عظمى فى الساحة العالمية) ، ترجمة د. عدنان عباس على ، سلسلة عالم المعرفة العدد 435 أبريل 2016
#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (4)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (2)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (1)
-
الأزمة التونسية و خديعة لعبة الديمقراطية !
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (2)
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (1)
-
خطوات فى عالم الفلسفة
-
مغامرة الإبحار فى عالم محمود أمين العَالِمْ و ”فلسفة المصادف
...
-
الأخلاق بين الاغتراب و الدين و الرأسمالية
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثالثة عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثانية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الحادية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة العاشرة)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة التاسعة)
-
الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة الثامن
...
-
الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة السابع
...
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة السادسة)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة الخامسة)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة الرابعة)
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|