أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد رباص - المحطات الأساسية في حياة العلامة ابن خلدون















المزيد.....

المحطات الأساسية في حياة العلامة ابن خلدون


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7566 - 2023 / 3 / 30 - 02:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في سنة 1382، طلب عالم عربي في خدمة حاكم تونس الإذن له بزيارة مكة، وعندما حصل عليه أبحر في اتجاه إسكندرية مصر. وهكذا ، في سن الخمسين، هاجر – نهائيا – بلاد المغرب ( العربي) التي أدى فيها هو نفسه و أجداده دورا مهما ضمن شتى المجالات.
كان عبد الرحمن بن خلدون ( 1332 – 1406) ينتمي الى عائلة من جنوب شبه الجزيرة العربية. استطاعت الحلول بإسبانيا مباشرة بعد غزو هذا البلد من قبل العرب وكتب لها الاستقرار بمدينة اشبيلية. وعندما استأنفت الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الايبرية توسعها الكبير، رحلت عائلة ابن خلدون الى تونس. عائلات أخرى كثيرة منقطعة بالعادة للثقافة وخدمة الدولة قامت بنفس الشيء والتحقت بمدن المغرب، غرب العالم الاسلامي، لتشكل طبقة الأشراف التي استغلت العائلات الحاكمة المحلية كفاءاتها.
شارك الجد الأكبر لابن خلدون في المغامرات السياسية داخل البلاط التونسي حيث سقط في نكبة فأعدم. كان جده موظفا ساميا ، لكن أباه ، بعدما اعتزل الحياة السياسية وخدمة الدولة، عاش بقية حياته كعالم معتكف. تلقى ابن خلدون الابن نفسه تربية متقنة ضمن روح عصره – لقنه إياها أبوه وبعض العلماء الذين كانوا يدرسون في مساجد ومدارس تونس، مقيمين أو عابرين – ، وقد سافر شابا الى عدة مدن سعيا وراء طلب العلم؛ فحسب وصية نموذجية من التقليد الذي ورثه، على المسلم أن يبحث عن المعرفة عند كل الذين يستطيعون منحه إياها. في سيرته الذاتية، يذكر أسماء هؤلاء الذين سمع عنه الدروس والمواضيع التي كانوا يتناولونها، في مقدمتها القرآن الذي يعتبره المسلمون كلام الله المنزل باللغة العربية على الرسول محمد (ص)، ثم الحديث وهو مجمل أقوال النبي صل الله عليه وسلم والشريعة التي هي علم قانوني وأخلاقي مؤسس بشكل واضح على القرآن والحديث ، وهناك اللغة العربية التي بدونها تبقى العلوم الدينية مستغلقة. وهناك أيضا العلوم العقلية من رياضيات ومنطق وفلسفة.
كما يقدم بعض التفاصيل التي تخص شخصية وحياة معلميه، وقال بأن أغلبهم – من ضمنهم والداه – أودى بحياتهم الطاعون الأسود؛ هذا الوباء الهائل الذي كنس العالم كله في منتصف القرن الرابع عشر. بفضل تحكمه في ناصية اللغة العربية ومعرفته بالشريعة، دخل ابن خلدون يافعا في خدمة حاكم تونس، ككاتب أولا ثم تقلد مناصب رفيعة، وبالتالي ذات مخاطر.
هكذا تتالت عشرون سنة من النعم المختلفة ليغادر تونس ويذهب لأجل خدمة عائلات حاكمة أخرى في الغرب الاسلامي، فحل بغرناطة، عاصمة آخر مملكة متبقية من الأندلس، وهنا حاز على رضى السلطان، وتم إرساله في مهمة لدى الأمير المسيحي في اشبيلية، مدينة أجداده، لكنه عندما أثار شبهات كان عليه الرحيل بسرعة في اتجاه الجزائر. هنا أيضا، سوف يتقلد مناصب عليا، موفقا بين خدمته للدولة صباحا والتعليم في المسجد بعد ذلك.
لقد ساعد الحكام الذين كان في خدمتهم على كسب تحالف بعض الزعماء العرب والأمازيغ في الجبال والسهول، الذين كان يمارس عليهم تأثيرا شخصيا مفيدا له عندما – وقد حدث ذلك مرارا في حياته – يسحب عنه سيده الحظوة. فخلال فترة من هذا النوع عاش أربع سنوات في أحد القصور بالريف الجزائري، تحت حماية زعيم عربي (1373- 1379). وقضى هذه السنوات التي تحرر فيها من شؤون العللم في كتابة تاريخ الأسر الحاكمة في الغرب الاسلامي منظورا اليه ضمن سياق شامل.
ظلت المقدمة، وهي الجزء الأول من هذا التاريخ، تحظى بالاهتمام الى يومنا هذا. حاول ابن خلدون أن يعطي لصعود وسقوط الدول تفسيرا يمكن أن يصلح كمحك لمصداقية المحكيات التاريخية. فالشكل الأكثر بساطة وقدامة في المجتمع البشري هو،كما يقول، ذاك المتعلق بسكان السهل والجبل الذين يقتاتون من الزراعة وتربية المواشي، ويتبعون زعماء لا يتوفرون على سلطة ملزمة ومنظمة. هؤلاء الرجال يتحلون بفضائل الجبلة والشجاعة، لكنهم لا يستطيعون من تلقاء أنفسهم إنشاء دول مستقرة ولا مدنا ولا حتى حضارة راقية. ولكي يصير كل ذلك ممكنا، لا بد من ملك يمارس سلطة حصرية، ولا يقدر على إقامتها إلا إذا تمكن من جمع وترؤس مجموعة من الأتباع الذين تحركهم نعرة العصبية- التي تعني إرادة جماعية للاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها.
يشكل الرجال الأقوياء من السهول والجبال خلية نحل بالنسبة لمثل هذه الجماعة؛ التي يمكن تأسيس انسجامها على الإحساس بالانتماء إلى سلالة مشتركة، سواء كانت فعلية أو متخيلة، أو على علاقات التبعية، وتقويتها بقبول اتباع دين واحد. إن زعيما مدعوما من طرف جماعة قوية و موحدة من الأتباع يستطيع أن يؤسس دولة. وإذا بدا حكمه على أنه هادئ ، تظهر مدن متطورة وآهلة بالسكان وتزدهر المهن المتخصصة وياتي الترف مع الحضارة الراقية. لكن كل دولة تحمل في أحشائها بذور انهيارها الذاتي. يمكن أن تصاب بالضعف بسبب الاستبداد والتبذير والاسراف وفقدان مواصفات القيادة. تنتقل السلطة الفعلية من السلطان الى أعضاء جماعته الخاصة، لكن الدولة ما تلبث عاجلا أو آجلا أن تسقط على يد دولة أخرى مشكلة بطريقة مماثلة.
عندما يحدث ذلك، يختفي ليس الملك وحده وإنما الشعب الذي كان يستمد منه قوته ونمط العيش الذي فرضه. كما قال ابن خلدون في سياق آخر بأنه عندما يحدث تغيير جذري في الأوضاع يبدو كما لو أن الخلق تبدل وأن العالم كله تحول. في مكان الإغريق والفرس، الذين شكلوا الامبراطوريتين العظميين في ذلك العصر، حل العرب الذين، بفضل انسجامهم وقوتهم، أسسوا دولة يمتد نفوذها من من شبه الجزيرة العربية الى الأندلس. لكن هؤلاء حل محلهم الأمازيغ في الأندلس وفي المغرب والأتراك في المشرق.
الحظوظ السعيدة أو السيئة عادة ما تسحب معها حظوظ أولئك العاملين في خدمتهم. فبمجرد سفره الى الاسكندرية، بدأ ابن خلدون في مزاولة مهنة جديدة. لم يؤد فريضة الحج في هذه السنة ( كان عليه القيام بها لاحقا )، لكنه حل بالقاهرة، وانبهر بها. رأى مدينة تكبر في الحجم جميع المدن التي يعرفها، وصفها كعاصمة العالم وحديقة الكون ومكان تجتمع فيه القوميات وغار نمل بشري وأرفع مكان للإسلام وموطن السلطان. كانت القاهرة عاصمة السلطنة المملوكية، إحدى كبريات الدول الإسلامية في ذلك العهد التي كانت تشمل سويريا، بالإضافة الى مصر. تم تقديم ابن خلدون الى الملك وكسب حظوته ونال منه أولا منحة وتم تكليفه بالتعليم في إحدى المدارس الملكية ثم لاحقا في مدرسة أخرى.
ليس له الآن سوى أمنية واحدة وهي لم شمل أسرته التي غرق كل أفرادها أثناء عبورهم البحر من تونس الى مصر. عاش ابن خلدون في القاهرة حتى مماته. قضى قسطا وافرا من وقته في القراءة والكتابة، لكن قلاقل حياته الماضية عاودت الظهور، بتناوبها بين فترات الحظوة ولحظات النكبة – الشيء الذي يفسره بمقالب أعدائه، إلا أنه يتعين البحث عن السبب في طبيعة شخصيته. في مرات عديدة عينه السلطان قاضيا في أكبر محاكمه؛ وفي كل مرة كان يتخلى عن مهامه فيفقدها. سافر مع السلطان الى سوريا فزار الأماكن المقدسة في القدس وفلسطين. عاد الى سوريا عندما أصبحت دمشق محاصرة من طرف تيمورلنك، أحد كبار الغزاة الآسيويين، مؤسس لإمبراطورية كانت تمتد من شمال الهند إلى سوريا والأناضول. تمكن ابن خلدون من مقابلته، ورأى فيه نموذجا لهذه القوة القهرية، المستندة بصلابة الى قوة جيش وشعب، التي تستطيع تأسيس دولة جديدة .لم يتفوق في إنقاذ دمشق من النهب، لكنه حاز شخصيا على جواز مرور للرجوع إلى مصر. في طريق عودته، تعرض للهجوم والسرقة في تلال فلسطين.
حياة ابن خلدون كما حكاها لنا تقول لنا شيئا واحدا عن العالم الذي كان ينتمي إليه. كان عالما يتم فيه دائما التذكير بهشاشة المبادرات الانسانية . يوضح مساره المهني الى أي مدى كانت تحالفات المصالح التي تحرص الدول على جعلها قاعدة لسلطتها غير قارة؛ كما أبانت مقابلته مع تيمورلنك أمام دمشق كيف أن صعود قوة جديدة بإمكانه زعزعة حياة المدن والشعوب. خارج أسوار المدينة، يبقى النظام هشا؛ من المحتمل أن يتعرض مبعوث السلطان للنهب على يد قطاع الطرق، ويمكن لشخص من البلاط مغضوب عليه أن يجد هنا ملاذا بعيدا عن متناول السلطة الحضرية.
يوحي موت أبويه في أوان الطاعون الأسود وموت أفراد أسرته غرقا بعجز الإنسان بين يدي الأقدار. شيء واحد كان ثابتا، أو يبدو كذلك؛ ألا وهو عالم هاجرت فيه عائلة من جنوب شيه الجزيرة العربية الى إسبانيا وعادت بعد ستة قرون إلى مناطق أكثر قربا من بلدها الأصلي دون أن تغادر كليا محيطها الاعتيادي. وإذن، فهو عالم يتعالى على الحدود في الزمان والمكان، ففي مجموعه تفتح اللغة العربية أبواب الوظائف السامية والمراكز النافذة؛ باعتبارها حاملة للمعرفة التي تناقلتها، عبر القرون، سلسلة من العلماء المشاهير، وتحاقظ بالتالي على وحدة الأمة. فحتى لو تغير الحكام ، تبقى أماكن الحج في مكة والقدس أركانا ركينة في هذا العالم البشري، وحتى لو انتقلت الغلبة السياسية من مدينة الى أخرى، فإن الإيمان بإله واحد خلق وصان هذا العالم من شأنه أن يعطي معنى لضربات القدر.

المصدر: Albert Hourani, l’Histoire des



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب: العوامل المتحكمة في غلاء أسعار الخضروات واللحوم من م ...
- فلسفة الأنوار وموت الموت حسب ماريو يونو ماروزان
- جمال العسري ينخرط في موجة انتقاد آخر جلسة حوارية بين النقابا ...
- عن الأدب المكتوب في المعتقلات النازية والستالينية
- الدولة الاجتماعية وفق صنافة غوستا إسبينغ أندرسن
- تفاصيل اختفاء أغاثا كريستي عن الأنظار
- هل ستؤدي المصالحة بين الرياض وطهران إلى وقف الحرب في اليمن؟
- الحمض النووي اامستخلص من خصلة شعر بيتهوفن يكشف عن أمراضه
- ميشال مافيزولي عوج بن عنق السوسيولوجيا الفرنسية
- تلخيص كتاب رينيه ديكارت-قواعد لتوجيه الفكر-
- تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بالمغرب برسم 2022: ...
- تلخيص كتاب رينيه ديكارت -قواعد لتوجيه الفكر- (الجزء الخامس و ...
- الطاهر بنجلون يكتب عن موت الرجل العجوز الذي كان يقرأ الروايا ...
- تلخيص كتاب رينيه ديكارت -قواعد لتوجيه الفكر- (الجزء الرابع)
- ماكرون يتحدى الغضب الشديد بسبب إصلاح نظام التقاعد
- تلخيص كتاب رينيه ديكارت -قواعد لتوجيه الفكر- (الجزء الثالث)
- المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف بحق بوتين بشأن جرا ...
- تلخيص كتاب رينيه ديكارت -قواعد لتوجيه الفكر- (الجزء الثاني)
- فرنسا: من السيناريو الكارثي لإصلاح التقاعد إلى إعصار مشروع ق ...
- تلخيص كتاب رينيه ديكارت: -قواعد لتوجيه الفكر- (الجزء الأول)


المزيد.....




- مشتبه به يرمي -كيسًا مريبًا- في حي بأمريكا وضابطة تنقذ ما دا ...
- تعرّف إلى فوائد زيت جوز الهند للشعر
- مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم ...
- مسؤول إسرائيلي: العملية العسكرية في معبر رفح لا تزال مستمرة ...
- غارات جوية إسرائيلية على رفح.. وأنباء عن سماع إطلاق نار على ...
- من السعودية والإمارات.. قصيدة محمد بن راشد في رثاء بدر بن عب ...
- شاهد.. أولى الدبابات الإسرائيلية تسيطر على الجهة الفلسطينية ...
- هل انتقلت الحرب الروسية الأوكرانية إلى السودان؟
- فيديو: ارتفاع حصيلة القتلى جرّاء الفيضانات والأمطار في كينيا ...
- فيديو: آلاف المجريين يخرجون في مظاهرة معارضة لرئيس الوزراء ف ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد رباص - المحطات الأساسية في حياة العلامة ابن خلدون