أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أحمد الفيتوري - بورتريه الكوني














المزيد.....

بورتريه الكوني


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1726 - 2006 / 11 / 6 - 10:46
المحور: سيرة ذاتية
    


لم يكن إبراهيم الكوني مطمئن البال، في حالته يكون المرء متلبس البلبلة؛ لقد دفن الصادق النيهوم منذ ساعات، صديقه. لم أكن في حال الكوني شدني أنه أعرج مثل إدريس المسماري الذي كنا جالسين في بيته وأن بينهما مشترك جم يدلل على الاختلاف أكثر منه على التوافق. هكذا وجدت في حينها أن اجتماعنا حول الموت ما فيه من اجتماع هو لتبديد اللحظة، وأن الوجوم الحاصل من آثر ذلك والبلبلة المتلبسة صاحبنا من اقتنصنا مجيئه لتوديع جثمان صديقه وتسليمه للتراب ودوده في مسقط رأسه، أن هذا مدعاة لتأمل وجه إبراهيم الكوني من ينكفيا شارباه لأسفل باعتباريهما ثقلا لا يحتمل ؛ فمن جهة يذكر بآخر غير محسوس معناه في اللحظة هو جوركي الكاتب الروسي الذي درس إبراهيم في معهد بموسكو يحمل اسمه ، من ناحية ثانية فإن الشاربين يجعلا الرجل غريبا رغم أن اللحظة مزوقة بالحميمية. الشاربان والعرج وطول القامة جعل الكوني كقرطاس ككاغد وهو لا يهمد و لا يكل من حركة؛ نمل باحث عن شيء غير موجود أو غير مرئي وهذه حالة لحظتها باعثة للقلق.
كنا في صالة الشقة، في حي الكيش، في بنغازي، لكن المكان لم يكن له أيا اعتبار عندها ، حتى الزمن رغم أني لاحظت كثرة ما استرق الكوني النظر للساعة ، بالتالي لم يكن متأملا للحظة و لا في حالة انشداه. هل هذا يمكن تأويله أنه في كتابة دائمة تقصي محيطه وتكون حالته واحدة رغم تعدد مظاهرها؛ ديمومة الكتابة دون تبصر لغيرها. ما الذي يدعوه إذا لقطع هذه المسافات صحبة جثة ستوارى التراب في مدينة بنغازي قادمة من جنيف حيث انطفأت الروح ؟، لم أجب وحتى لم ابحث عن إجابة . لم ننخرط في نقاش أو حديث كان كل شيء متقطعا ؛ الحقيقة أن الميت كاتب كبير ويعني لكل منا معنا خاصا ، لكن أيضا الالتقاء - للمرة الأولى وقد يكون الأخيرة في بنغازي – جعله إبراهيم الكوني لا باعتباره الكاتب و لا الصديق أكثر غموضا وجعلنا في لحظة عاطفية مشتبكة .
لم يبدو الرجل ابن الصحراء ونحن أبناء مدنها ، كأنه مقرور، كأنه كائن شمالي ينكفي على جسده بحثا عن الدفء ، فهل كتابته المحمومة عن الصحراء بدافع هذا البحث ، وقد تصير شماليا في العظام أكثر من أنه ابنها أصلا كطارقي ولد وعاش الجزء الأول من عمره في الصحراء الليبية . وحتى إن شف تصوفه عن لا رغبة في الطعام فإن ذلك الجانب المادي الظاهر لم يغطي كينونة أوربية تتلبس الروح التي تتغطى بالقليل من اللحم وبعظام ناتئة .
لم يكن إبراهيم الكوني ساعتها في بنغازي وإن كان بالقوة فيها فهو فعلا لم يكن معنا ؛ ليس ذلك لأنه تائه عن المكان ومحسوسا ته وحسب بل في وجوده ذاك لم يكن موجودا .
تأملته وتسألت دون تفكير و لا تأمل : هل لوجوده في جبال الألب السويسرية ، فترة طويلة قبلها في موسكو ووارسو ، مدعاة لهذا الصقيع الذي ينتابني ؟ . ساح فينا دون أن يحسنا ، باحثا عن لا شيء ، لم تلتق العيون لأن عيونه تنظر لداخله وككائن بسيط بدأ أنه ملأ المكان بملامح حادة ونظرة ثاقبة كنقار الخشب ، وتقتير متعسف للكلام ؛ هذا ابن الثقافة الشفهية أكل القلم لسانه فلم يعد يلوك الهواء و لا يستسيغه : هكذا يمكن أن يخطر في بالكم ، لكن ذلك لم يكن في البال .
استعار لأجل صديقه النيهوم بعيض كلمات وشد على أهمية الرجل ، كأن ذلك حمل ثقيل ؛ لقد أنغرس في الكرسي إلى أن بات الكائن الخفي المتجلي كمتصوت لروح القرين الذي يتحدث عنه . درب النفس على الحضور في الغياب قد تكون علقت اللحظة أو قارئ ما بذلك . حدة تضاريس جسده وملامح وجهه تحيل على الودان الذي يتشابه حد الانمحاء ؛ فكرت في ذلك ساعة تبدد كل شيء ، حينها لم يمكن لي حتى الإمساك بهذه . في الهنيهات أعاد ترتيب جسده مرات عدة ، كأن الروح في غير وئام مع الجسد الذي جعلاه الرجلان الطويلان كنخلة طاولها جفاف طال ؛ كان ذلك في جلسته في كرسيه ذاك حيث طلع كنبتة صحراوية تراها جلية وان صغرت ، بشرته النحاسية الخامدة لم تكن تعكس ضوء الوناسة المنزوية في الركن خلفه لكنها عكست صوت روح متبرمة ؛ لحظتها على الأقل لم يكن من المنصتين . من ملاحظاتي أن الطارقي إن تكلم غمغم ، ليلتها تكلم إبراهيم قليلا لكنه غمغم أكثر ؛ حتى حين حدثته عن الجبل الأخضر وضرورة زيارته وافقني بنفس الطريقة ودون اكتراث . وان تكون سحنته تحمصت بالشمس فإن جوا نيته تحمصت بالصحراء : بالرمل والثلج ، ومما زاد عتمته شح الضوء في صالة البيت ، لهذا تنخ في المكان لكن جسده كان يسعى وبه توق للفكاك .
حارت سيدة البيت أم العز وارتبكت فلم تتحقق مما يريح الضيف ، انشغلت عنها باعتبار أن الضيف ليس ممن يبحثون عن الراحة ؛ قلت في نفسي من جبال أكاكوس لجبال الألب أي ودان هذا ، متذكرا أن ودان روايات الكوني تنسك في جبل أحد ، غير هذا فلابد أن في جوا نيته الصحراء أنبتت ترفاسا يقتاته. في هذا الانشغال أخذت أقلب روايات التبر ونزيف الحجر والمجوس ، أنهكتني متابعة شغل الكوني ، عدت إليه فلم أجده ؛ على رأس الجبل ثمة عمامة زرقاء لكن رأس الجبل رغم ذاك يبان أصلع .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورتريه المنتصر
- بورتريه مطاوع
- بورتريه زغبية
- بورتريه مطر
- بورتريه لوركا الليبي
- بورتريه توينبي
- المفكر الليبي عبدالله القويرى ومشكل الهوية
- نقد ثقافة التنمية
- اطرابلس : طرابلس الغرب ، طرابلس الشروق
- الفارس الوحيد يتكلم الآن
- محاكمة عمر المختار
- لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب
- حربستان .. عشق آباد
- ثلاثة وجوه لسيرة واحدة!
- الإصلاح ملابس داخلية!
- لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أحمد الفيتوري - بورتريه الكوني