أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الفيتوري - نقد ثقافة التنمية















المزيد.....

نقد ثقافة التنمية


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1699 - 2006 / 10 / 10 - 10:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المربع الأمثل لا زوايا له،
الإناء الأمثل لا يمتلئ،
النغمة المثالية لا صوت لها،
الصورة المثالية لا شكل لها،

لاو – تسو من كتاب التاو الصيني

ما الداعي للحديث عن التنمية ؟ ، وقبل ذلك أليس هذا الاصطلاح هو خاصتنا، وإذا ما سمعه المرء أو خطر بباله فإن الجنوب أو العالم ثالثي أو نحن رديف تنمية، أفأ ليست مفردة تنمية هي اختزال للعالم غير الغربي أو الشمالي ان شئت، هكذا يبدو لي أن هذا الاصطلاح هو هوية.
هذه الهوية التي يحددها الآخر القياس أو المعيار والمرجعية فما ليس أوروبيا أمريكيا يابانيا هو ناميا، وهو من دولة نامية. والرئاسة العلية للعالم أو المجلس الأعلى هو من الدول المتطورة والجمعية العمومية لهذا ( الكونجرس ) هي من الدول النامية.
وقبل أربعين عاما، لم تكن هناك " دول نامية " ولا " تخلف ". فهذه مصطلحات برزت على السطح بصورة تدريجية في لغة السياسة والأدب الأمريكية اثر الحرب الباردة، وحققت انتشارا واسعا من خلال المنظمات الدولية كالبنك الدولي للتعمير والتنمية والأمم المتحدة واليونسكو، ومن خلال نشأة أفرع العلوم التي تهدف إلى التركيز على هذه الأمور.
والدول المتطورة هي الدول الرأسمالية؛ حيث التطور الرأسمالي هو تطور التفاوتات أو التطور اللامتكافئ وهكذا هو واقع الحال.
وهكذا ومن واقع الحال هذا نتبين تحديدا لهذا الاصطلاح: التنمية. ان النامي قد سمي كذلك وسميت بلده بلدا ناميا من قبل المتطور. ولنتبين أن حال المجتمع الإنساني الحالي حال مجتمع التفاوتات النامي فيه يعيش الحاجة والعوز والخوف؛ والحال أن قسما كبيرا من ثلاثة أرباع البشرية يعيش خارج التاريخ ويغوص في الظلام. بذا تبدو التنمية وكأنها تعنى إلى حد بعيد أنها المحاولة لدخول التاريخ بالخروج من الظلام؛ والتاريخ كما يبدو يعنى الانتماء لمجتمع الدول المتطورة، وللخروج من الظلام لابد من النسج على منوال الآخر الذي دعانا بالناميين أي أن ننتمي لمجتمع التفاوتات. هكذا يبدو لي أنه في هذا الحال يبرز التناقض جليا وهو ما يعبر عليه حال المجتمعات النامية من توتر وتشنج وصراع وعنف وتمزق.
ففي مصطلح تنمية هذا مرآة تختزل هذا التناقض.
لقد قامت الدول المتطورة بتسمية وضعنا بالدول النامية، وحددت أسلوب النمو الذي نتبع سوى عبر أدبياتها أو باعتبار أنها النموذج الذي نحتذي في وعينا واللاوعينا. كذلك سبق وأن دفعنا ثمنا ما مشاركين غصبا في جعل هذه الدولة أو تلك متطورة ولا زلنا. أو كما يقول المفكر السويسري جان زيغلر : النظام الإمبراطوري لا يزال قائما ، وإن زالت الإمبراطوريات . النظام الإمبراطوري للرأسمال المالي المتعولم والممتدة قاعدته مابين نيويورك واستوكهلم وطوكيو؛ إنها إمبراطورية الشمال التي لم تعد حتى بحاجة إلى استعمار الجنوب. فبفضل الثورة الإلكترونية في الغرب والاستغناء عن معظم المواد الأولية بمواد صناعية والعقلنة القصوى للعملية الإنتاجية؛ فقد الجنوب، أو العالم الثالث كل أهمية له - باستثناء النفط - في نظر الغرب.
إمبراطورية ليس فيها مستعمرون، بل مستبعدون فقط.
وهكذا يمكن استبعاد الصومال مثلا كما يمكن استبعاد الصناعة البتر وكيميائية من خارطة هذه الإمبراطورية، وبذا يمكن أن ننسى القضية الصومالية التي في لحظة ما بدأ وكأنها قضية القضايا وأن هذا البلد قلب العالم المريض. كذلك يمكن تحويل دولة عالمثالثية إلى دولة صناعية من الطراز الأول في الصناعات الملوثة وغير الكترونية، وجعل الاقتتال خبز الناميين اليومي والفرجة اليومية لمتساكنى هذه الكرة الأرضية.
ولقد بدأ لي من خلال متابعتي المحدودة ومطالعتي غير المختصة؛ أن أول عمليات الاستبعاد في الأدبيات السياسية قد طالت مصطلح التنمية، فقد أمسى مصطلحا في القواميس والموسوعات الاقتصادية الأكاديمية، وغرب مع ما غرب من مصطلحات تنموية أخرى مثل التشريك والتكامل. وبدأ وكأن الديمقراطية والتدفق الحر والسوق تعنى مما تعنى أنها النقيض الحقيقي للتنمية الوئيدة.
لعل أول استنتاج يظهر أن الدافع والمعيق للتنمية العامل الخارجي؛ الآخر سبيل المقارنة الذي هو الحافز والمعوق في نفس اللحظة. وهذا حقيقي إذا ما كان مفهومنا ثنائي يتمظهر في عزل العامل عن موضوعه؛ بأن ندرج الذات في مواجهة الآخر، هكذا دون اعتبار للمعطيات الموضوعية التي تبين أن نظرية الاستبعاد معطى داخلي أيضا كما أمها عملية الاستعمار؛ فما الذي يعنيه هذا الانبثاق القرأوسطى للاثنيات، حروب الهوية الدينية والقومية، النزعات الأوصولية الدولية، وهذه الخلائط التي تخلط التحليل العقلي لمجرى الأمور بالغرائزية التي تحدو بنا إلى أن نحسب السخط تفسيرا. ألا يعنى أن القط يفتش عن عظمته في أرجاء الأرض وهو يفعل ذلك بإحساس بالمكان، بشعور بالزمن وبعين الشك إزاء الكائنات.
ما هو القديم وما هو الجديد في هذا المكان حيث مضغت التيارات فجوات الزمن ؟ بحسب رأى الكاتب الجنوب أفريقي بريتن بريتنباخ وبأن الاستمرار في التحرك وإحداث ضوضاء يبقي الآن، أكثر من السابق، بما أننا حشرنا في مضائق وشعاب القلق، شرطا مسبقا للبقاء.
لقد أكلت التنمية نفسها كما أكلت القطة أولادها، فالمستهلك لم يعد عالمثالثي بعد أن استنفذت موارده؛ والتنمية تعنى الاستغلال الحسن للموارد من أجل تطوير هذه الموارد وإعادة توظيفها: لهذا حاول مسعود بطل رواية الصادق النيهوم " من مكة إلى هنا " توظيف موارده من اصطياد وبيع السلاحف المرابطة – التي وقف في مواجهة غضب الناس والرب لتحريم اصطيادها -، وبعد أن ووجه من فقي الجامع في سوسة وزوجته وظهور شبح الصبي الذي كان يساعده وغرق، ضاع وضيع موارده في السكر، ففشل في الحصول على موتور لقاربه الذي ضيع مجدافيه – أيضا – وهو يطارد سلاحفه. عاد لبنغازي ليبيع الملح؛ عاد عبد الملح ولكن الملح ذاب، ولم يعد له سوق بعد أن جلب ملح الإنجليز المكيس في علبة علامتها التجارية خميسة.
هكذا رصد لنا الصادق النيهوم فشل محاولة بطله في روايته " من مكة إلى هنا ". ان النيهوم لا يبحث في المشروع التنموي لأنه يكتب رواية وليس بحثا علميا محكما ومدققا، وإني ما أفعله هو ما فعله النيهوم من قبل؛ أرصد إحساسي وهواجسي، وأفكر بصوت مسموع لظاهرة موت التنمية في المجتمعات النامية، وهذه الحيرة في تسميتها بعد أن لم تعد لا نامية ولا عالم ثالثية، فهل لم نعد نحن نحن ؟ . يبدو ذلك على الأقل عند من أسمانا ناميين ومن كنا له مستعمرين فغدونا مستبعدين.
هكذا يتضح أنه من الضروري - ليس من واقع الاستبعاد هذا، ولا من واقع موت التنمية فحسب بل ومن واقع حال العالم جمعا المتطور وغير المتطور - أن نعيد مراجعة بدهياتنا ومسلماتنا، وأن ننظر للمستقبل بعينه لا بعين الماضي، فالمستقبل ليس حاضرالماضي، ولكن الحاضر الذي نحيا نقيض ماضينا، ففي العالم عولمة ما ومصطلحا جديدا وواقعا أجد هو غير ما توقعنا أو حلمنا به ولم نعمل من أجله. فالتنمية أو ما رغب آل الجنوب ليس هو حاصل جمع إرادة الدول النامية الغائبة وإرادة الدول المتطورة التي على الأقل لم تعد تنظر إلينا أو تسمينا دولا نامية.
وكذلك لم تعد الصين أيضا من الدول النامية؛ فغير أنها دخلت مجلس الأمناء على العالم، هي دولة لها في سوق الدول المتطورة مكانة وإن لم تسم من دول المتطورين بعد، وفي الصين هذه لم نسمع باصطلاح التنمية هذا، فما هو المصطلح السري أو الاسم الجديد للصين هذه ؟ .
السؤال إذا ما السبيل للتنمية بعد موتها ؟ أم أن البحث بحاجة إلى مدخل آخر هو غير المنهج البنيوي الذي يقول بموت المؤلف ؟ فلنقلب الصفحة إذا..

وقد راجعت في الخصوص:

1 - ثقافة العولمة - القومية والعولمة والحداثة - إعداد مايك فيذرستون - ترجمة عبد الوهاب علوب - الناشر المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة - المشروع القومي للثقافة ، 132 - الطبعة الأولى 2000 - مقالة : الحلم بعالم علماني ؛ معنى سياسات التنمية وحدودها، ص 185 ، لفردريش تنبروك - وكذلك مقالة : القومية والعولمة والحداثة ، ص 197 ، لجووان أرناسن.
2 - في مواجهة أزمة عصرنا - سمير أمين - الناشر سينا للنشر ،القاهرة و الانتشار العربي ، بيروت - الطبعة الأولى 1997م - الفصل الخامس: أزمة التنمية في الوطن العربي ، ص 121 - الفصل السادس: شروط إنعاش التنمية ، ص 139.
3 - أوهام الهوية - المفكر الإيراني داريوش شايغان - ترجمة محمد علي مقلد - الناشر دار الساقي ، بيروت - الطبعة الأولى 1993م. كذلك يمكن الاستفادة النظرية من كتابه النفس المبتورة الصادر عن نفس الدار.
4 - التراث والتطور - المفكر الإيراني إحسان تراقي - ترجمة عبد الوهاب علوب - الناشر الهيئة العامة لقصور الثقافة - آفاق الترجمة - القاهرة - الطبعة الأولى 1999م .
5 - سنة 501 الغزو مستمر - نعوم تشومسكي - ترجمة مي النبهان - الناشر دار المدى - دمشق - الطبعة الثانية 1999م .
6 - مجلة: أبواب الفصلية الصادرة عن دار الساقي - بيروت - العدد الثاني؛ خريف 1994م - مقالة: كتاب دوبريه وزيغلر السجالي لجورج طرابيشي ص 120، ومقالة: جنوب أفريقيا عظمة الكلب للكاتب الجنوب أفريقي بريتن بريتنباخ، ص 54.
7 - مجلة: كتب/وجهات نظر - الصادرة عن الشركة المصرية للنشر العربي والدولي - القاهرة - العدد السادس عشر إبريل 2000م
7 - كتاب التاو - إنجيل الحكمة التاوية في الصين - لاو تسو - فراس السواح - الناشر دار علاء الدين - الطبعة الأولى 1998م .
8 - من مكة إلى هنا - رواية - الصادق النيهوم - الناشر دار الحقيقة - الطبعة الأولى 1971م .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطرابلس : طرابلس الغرب ، طرابلس الشروق
- الفارس الوحيد يتكلم الآن
- محاكمة عمر المختار
- لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب
- حربستان .. عشق آباد
- ثلاثة وجوه لسيرة واحدة!
- الإصلاح ملابس داخلية!
- لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتقل صبيا طعن أسقفا وكاهنا بسكين داخل كني ...
- السفارة الروسية: نأخذ في الاعتبار خطر ضربة إسرائيلية جوابية ...
- رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق: زيلينسكي ضمن طرق إجلائه من أو ...
- شاهد.. فيديو لمصري في الكويت يثير جدلا واسعا والأمن يتخذ قرا ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر جريمة طعن الأسقف في كنيسة سيدني -عمل ...
- الشرطة الأسترالية تعلن طعن الأسقف الآشوري -عملا إرهابيا-
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول إنّ بلاده سترد على الهجوم ا ...
- زيلينسكي لحلفائه الغربيين: لماذا لا تدافعون عن أوكرانيا كما ...
- اشتباكات بريف حلب بين فصائل مسلحة وإحدى العشائر (فيديوهات)
- قافلة من 75 شاحنة.. الأردن يرسل مساعدات إنسانية جديدة إلى غز ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الفيتوري - نقد ثقافة التنمية