أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد الفيتوري - الفارس الوحيد يتكلم الآن















المزيد.....

الفارس الوحيد يتكلم الآن


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1693 - 2006 / 10 / 4 - 09:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


( مساكين أنصار الحرية ، يدافعون عنها فيفقدون هم حريتهم ! . )
• ولي الدين يكن

تشدني سير الناس وكأنها مرآة النفس؛ وكأن في كل سيرة تختزل البشرية. والسيرة صادقة في كل الأحوال، حتى ولو كانت السيرة الذاتية مليئة بالتزوير والتزييف فهي في الأخير تفضح الذات الساردة. والسيرة خيط العنكبوت الواهن كما يبدو لنا القوي عند الفريسة، فالسيرة عند البعض لا تكون وثيقة، لكنها في الحقيقة وثيقة الوثائق من حيث أنها لا تقدم المعلومة وحسب ولكنها تضيف عليها ملح الحياة مشاعر كاتب السيرة الذاتية .
وأحب قراءة السيرة لأنها نفس كاتبها الذي يبقي ويبوح، فكأنها اللحظة التي تفر من فعل الزمان، وباعتبار أن الزمن ذاتي في المحصلة فإن السيرة هي الزمن مجمدا، أي هي الذات خارجة من التاريخ وخارجة عنه في نفس الوقت.
وكل سيرة بغض النظر لو تزيت بمصطلح مذكرات أو يوميات تُعني بالذات ، أي تنظر إلي الموضوع من هذه الزاوية زاوية الذات تحذف وتشذب وتزيل وتضيف ما يحلوا لها . هكذا هي روح التاريخ وبالاحرى روح الزمن .
وحين جئت أقراء سيرة خالد محي الدين ساعة صدورها كنت محمولا علي سياق الشخصية الاستثنائية، كنت أستسيغ النموذج و لا أستسيغ سياقه المعتاد الذي كان يعني التجريد . لقد جئت مذكرات خالد متشوقا للإنسان فيه والنموذج في هذا. وان سيرة كهذه بحاجة دائمة لمراجعات وتعدد القراءة ففيها الكثير مما نحتاج لتبينه ودرسه.
يبدو أن المناضل خالد محي الدين قد أخذه الشعر في مذكراته أكثر مما انصاع للوقائع ، والشعر يرقى بالواقعة غير انه يغيب ملامحها الأساسية ، ولهذا كان الحيز الكلي لموضعت الذات فيما غاب موضوع هذه الذات ، وبهذا قدم لنا خالد المناضل الوطني سيرته الذاتية ليكشف عن هذه الذات الفريدة والمحاصرة والمعزولة .
إنني احد الذين ولدوا بعد ثورة يوليو بسنوات وبالتالي احد الذين تربوا تحت هيمنة هذه الثورة ، وكان خالد محي الدين يمثل عندي النقاء ، ولا شك أن انفراد خالد عن الآخرين عزز هذا التفرد عندي وعند أبناء جيلي .. ثم أكد هذا دور خالد محي الدين المعارض للسادات ، المعارض لكامب ديفيد . وبقي خالد الرمز الوطني والقومي الذي لا يرتقي إليه الشك، ولكن ذلك لا يمنع من أن خالد ابن الظروف الموضوعية التي حولت عبد الناصر إلى الزعيم الأوحد وصاحب الكلمة الوحيد في ثورة يوليو، مما غيب عن هذه الثورة الديمقراطية التي تحدث عنها جميع أبناء هذه الثورة كل من دوافع مصالحه الطبقية والشخصية .
غير أن الأستاذ خالد حاول في مذكراته – أو هكذا يبدو – أن يبين انه ( مسيح الديمقراطية ) في ثورة يوليو ؛ وذلك ليس في إطار الرجال الذين صنعوا الثورة مباشرة من ضابط وضابط صف ( القيادة والضباط الأحرار ) وحسب ، بل تجاوز الأمر ذلك إلى الشارع السياسي المصري ، سواء من ساهم في صنع هذه الثورة مثل ( حدتو ) التي " أسهمت فيما بعد في طباعة منشورات الضباط الأحرار ، كما أسهم ضباطها إسهاما نشيطا وفاعلا ليلة 23 يوليو ، أو من غيرها من الأطراف مثل المفكرين الليبراليين الذين تم الاستعانة بهم بعد الانقلاب مباشرة كـ " عبد الرازق السنهوري " ، وبطبيعة الحال حزب الإخوان المسلمين الذي هو صاحب موقف معروف من الديمقراطية .
وهكذا بقى خالد محي الدين المناضل الديمقراطي الوحيد الذي قاد واثر في زملائه من ضباط الفرسان الذين وقفوا معه نفس الموقف ! .
إن سؤال الديمقراطية في ثورة يوليو بقي دائما معلقا رغم كل الإجابات؛ لأن ثورة يوليو بقت تؤجل الإجابة عن هذا السؤال في الواقع، كما يقول اغلب رجالها فيما بعد حتى نهاية نظامها . فيما بقي خالد – كما يقول – هو الرجل الوحيد الذي دافع دفاع الفرسان النبلاء الذين يحسون بأنهم يقفون موقف دون كيخوته في ساحة من الأعداء . ولكن السؤال إذا كان موقف خالد محي الدين أصيلا وكان على الدوام إلى جانب الديمقراطية ، فأين كان موقفه هذا بعد عودته عام 1955 وحتى عام 1970 ؟ ، وأين موقفه هذا وهو يرأس حزب التجمع الوطني منذ تأسيسه وحتى شيخوخته .
إنني لا أشكك في أطروحة المناضل الوطني خالد محي الدين وفي روايته لكنني ابحث عن المصداقية الموضوعية للنوايا الطيبة ، فالمذكرات تسكت حيث يجب أن تتكلم ، وبهذا تبدو أطروحة خالد مفارقة ، لان خالد في الظروف التي وصفها يبدو وكأنه النبي المغدور الذي تنجبه الثورة لكي تنفيه .
إن السؤال هو من أين أتى موقف خالد هذا ، أم أن هذا الموقف تشكل نتيجة معطيات متعالية ساهم فيها " البيت الشرقي الساحر والتكية والبعد الصوفي عند دراويش النقشبندية " ؟ ، ولا يجب أن يفهم من هذا الاستفهام أي تهكم عابث ، فالحق أننا في الشرق كثيرا ما نصادف شخصيات إلهامية ؛ حيث للفلسفة الحدسية دور كبير في تكويننا ، فالشرق مهدها وفي هذا يقول خالد " انه توفيق من الله ليهيئ لي مسيرتي نحو هدفي " .
سنلاحظ هذا الموقف المتفرد الذي يشبه الحالة الشعرية في حالة أخرى ، وهي موقف خالد محي الدين من العنف عموما ومن ثم الاغتيالات والإعدام ، ففي المذكرات يرفض خالد وحده أي موقف يتأسس على العنف ، وحتى انه حاول أن يكون إرهابيا وفشل لان نوازعه الدينية اعتصرته ولان " عوامل الصراع النفسي العاصف التي حاصرتني وأنا قابع في السيارة في انتظار الهدف قد حصنتني فيما بعد إزاء فكرة الاغتيالات " . وحصنته بالتالي ضد أي استعمال للقوة حتى ولو كان الهدف نبيلا – باستثناء الاستيلاء على السلطة بالدبابات .
لقد بقى يدافع عن فكرته إما بالحوار أو بالهروب والاختفاء ؛ حين أراد مجلس القيادة التوقيع ضد القرارات الديمقراطية لعام 1954 اختفى خالد في مكان لا يعرفه احد غير زوجته .
هكذا يبقى خالد هو الذي أنقذ النحاس زعيم حزب الوفد ، والذي أنقذ رئس الوزراء السابق إبراهيم عبد الهادي الذي شكره فيما بعد لأنه أنقذ حياته . إن موقف خلد هذا يحدث على مسرح أبطاله المؤامرات والعنف والدم ، ويشارك على هذا المسرح أبناء ثورة يوليو وغيرهم وكل له دور باستثناء خالد الذي يغني خارج هذا الكورال .
يسكت خالد عن ثلاث شخصيات لها أهمية بارزة على مسرح يوليو ولها دور هام في حياة خالد نفسه ؛ فهم تربطهم بخالد ظروف خاصة سواء في الحياة الشخصية أو الفكرية أو أثناء أحداث 54 ونتائجها .
إن خالد يذكر جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم بإسهاب ويقدمهم بكلمة صديق وبطبيعة الحال لا اعتراض ولا يحق ذلك لأي احد ، ولكن مسرح المذكرات يغيب عنه ثلاثة ؛ وهم يوسف صديق باعتباره يملك روح فكر من فرسان العصور الوسطي ويسهب في إيضاح دوره ليلة الانقلاب لكن دون أن يذكر لنا أي شيء عن دوره أثناء الصراع حول السلطة والديمقراطية ، وهو يرجع أخطاءه إلى منظمته ( حدتو ) دون أن يوضح لنا هذه الأخطاء . وبالتالي نخرج من المذكرات بانطباع باهت وبمعلومات محدودة عن شخصية هامة عند خالد نفسه .
أما زكريا محي الدين ابن عم خالد والرجل الذي قدمه عبد الناصر لإدارة الدولة عندما استقال عقب هزيمة يونيو كما هو معروف ، فإنه في المذكرات لا دور له ولهذا يلخص خالد رأيه فيه بأنه ممثل الطبقة الوسطي في هذه المجموعة – ماذا يمثل الآخرون إذا ؟ .. وبأن " في البداية كان زكريا ضد الديمقراطية ، لكنه عاد وبعد التجربة الطويلة إلى الاقتناع بالديمقراطية "، فهل هذا صك غفران ، وان لم يكن كذلك فكيف كان زكريا ضد الديمقراطية ، ما دوره في مذكرات خالد ، في حياة خالد في تلك الفترة وهو ابن عمه وصهره ورفيق سلاحه ؟ .
أخر حديث المذكرات يدور حول الرجل الثاني في ثورة يوليو الذي خلف عبد الناصر من 1970 إلى 1981 ؛ أنور السادات الذي يبدو في المذكرات رجل الظل ، صاحب المواقف العنيفة والحادة من " الصاغ الأحمر خالد محي الدين " الأكثر " خبرة في العمل السياسي " وكان خالد يريد أن يقول إن هذا سبب النتائج اللاحقة ، رغم انه لم يكن لا الأقرب ولا الأهم .
وهل تريد المذكرات أن تقول أن أنور السادات (راجلهم) السياسي الذي لم يكن له دور في ثورة يوليو إلا دور الرجل الذي يحصد ما يزرعه الآخرون ، وأننا لهذا السبب لم نشاهده على مسرح المذكرات إلا في النزر اليسير – على عكس صلاح سالم / المذكرات ؟ - .
إن المذكرات بهذا تضيف على غموض شخصية أنور السادات اليوليوية غموضا ، فتجعلنا وكأننا نقف أمام شخصية تبحث عن الذات طوال تلك الفترة .
وأخيرا ما الذي أستنتجه من مذكرات احد صانعي ثورة يوليو، واحد المشاركين الفاعلين في حركة التحرر الوطني حتى يومنا هذا ؟ :
أولا : أن المسكوت عنه في المذكرات البس المنطوق به الكثير من الغموض ، وبعض الالتباسات التي أثارتها المذكرات عند من احتفل بها ، ثم عند من رفضها ؛ كان وراءه هذا الغموض ذاته .
ثانيا : إن المذكرات أي مذكرات بطبعها وجهة نظر خاصة لسرد أحداث ، وبالتالي ليست العمل الموضوعي ، إنها سيرة ذاتية ولكن هذه المذكرات جنحت بعنف نحو الموضوعية ، وحاولت باستماتة إقصاء الذات ، فوقعت في المحظور حيث غيبت هذه النزعة المتطرفة للموضوعية عفوية وتدفق شاهد العصر ، وهذا ما جعل المذكرات محافظة ومترددة ، وقد يكون وراء ذلك المسؤوليات التي حملها المناضل خالد محي الدين على كاهله طول الوقت ، وفي تصوري أنها لو كتبت و خالد بعيد عن هذه المسؤوليات لكانت تخلصت من التردد ومن شيء من المحافظة .
ثالثا : إننا أمام شخصية ذات نزعة رومانسية عالية نحو الحياة ، وبالتالي فان الحس المثالي يسم هذه المذكرات ولهذا حرص خالد أن يقدم نفسه في اللحظات الحاسمة كفرد ، وكان طول المذكرات ينفي بشدة أي ارتباط بأية جماعة ، وبين آرائه الناقدة للجميع ووضح الأخطاء المشتركة عند الجميع دون أن يوضح أخطاءه وسط هذه الأخطاء المشتركة . وانه بذلك لا يقدم " اعترافات " جان جاك روسو ولكنه يقدم " أنا " محمود عباس العقاد أو مذكرات الأمين العام للحزب .
رابعا : إن المذكرات بينت أن خالدا لديه ميل أساسا للعمل السياسي المؤسسي والعلني ، ولهذا اكتشفه " ياسر عرفات " منذ اللقاء الأول كرجل يتكلم بلغة تقدمية ، ولهذا يبرز أهمية زوجته " سميرة " في حياته العملية ، وأيضا أفصحت المذكرات عن مشاعر خالد محي الدين تجاه كل زملائه مما أثار البعض ضده أي ضد المشاعر الشخصية .
وأهم ما بين هذا الميل هو إصرار خالد على وضع برنامج عمل لتنظيم الضباط الأحرار " أهمية إعداد وثيقة برنامجية ، كتبتها بخطي – رغم ما في ذلك من مخاطرة – وقمت بعرضها على لجنة القيادة … " .
فهل جلب هذا خالد للعمل الصحفي في فترة عبد الناصر ومنذ عودته ؟ .
وهكذا … إن هذه المذكرات بيان ختامي وبرنامج عمل من الفارس الوحيد الذي بقى في الساحة . وفي كتاب " والآن أتكلم " يقول خالد ، انه يتكلم للمستقبل ؛ بذا جاءت المذكرات متدفقة بكل هذه الحرارة وبهذه القوة . وكان لابد من قراءتها .

هوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* " والآن أتكلم " خالد محي الدين - الطبعة الأولى 1992 م الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر . وكانت المذكرات قد نشرت في صحيفة الأهرام كما نشر اغلبها في الأهالي أيضا



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة عمر المختار
- لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب
- حربستان .. عشق آباد
- ثلاثة وجوه لسيرة واحدة!
- الإصلاح ملابس داخلية!
- لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد الفيتوري - الفارس الوحيد يتكلم الآن