أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الفيتوري - المفكر الليبي عبدالله القويرى ومشكل الهوية















المزيد.....

المفكر الليبي عبدالله القويرى ومشكل الهوية


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1698 - 2006 / 10 / 9 - 11:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاركيولجي عبدالله القويرى قد يكون الكاتب الليبي الذي شكلت حفرياته هوية الباحث في معنى الكيان ؛ في مفهوم الهوية ، الذي تشكل فكره في حالة من قلق فكرة الذات عن نفسها ، ولكن هذا القلق الذي شيع الروح ووسم إخلاصه لمقولة الجوهر هو ما شكل أطروحته النظرية كأطروحة مغلقة يقينية ونهائية في النتيجة . وهكذا تظهر هذه الأطروحة الهوية كمفهوم عار من الدلالة ومطلق ويكسب مبررات وجوده من متعال ، فالهوية كامنة في الوجود ومحققة بالقوة ، كيف تم ذلك ؟ .
بمراجعة لكتابات عبدالله القويرى نلاحظ أن هناك إلحاحا على الهوية كموضوع ، الهوية دائرة ، تتعين الذات كمركز لها ومحيط هذه الدائرة محدد محصور حيث هناك هويات أخرى تعمل على التحقق – أو تتحقق على حسابها – بمحو تضاريس الذات ، وقطر الدائرة الخيط المشدود والازلى الذي يعنى أن تحقق الهوية كامن في الذات بالقوة وان انحرفت عن هذا التحقق تتبدد ؛ الهوية مرآة تعكس نفسها وكل عكس ذلك انمحاء والذات فضة هذه المرآة ان صح التعبير وكأن الذات في المحصلة هي الهوية ؛ الإنسان إنسان بالطبيعة ؛ الطبيعة معطى كالعجين عند المثال أو كما يقال في فن النحت التمثال كامن في الكتلة ، لكن هذا التحدد يكون سببا لنتيجة مناقضة ، وهى أن هذه الدائرة لا تقبل الحدود ، كما التمثال يؤل نفسه في عين المتلقي فإن الآخر يحقق للوجود بالقوة وجودا بالفعل ، وهكذا هذا الكمال بالضرورة ليس محصورا في نفسه بل محاصرا من الآخر الذي يكشف عنه .
ومفهوم الهوية – هذا – عنده يتعين فى مفهوم الوطن ، حيث الوطن كلى شامل ، حدوده فيه ، والوطن أزلي ، وان استمد تعينه فى الذات من التاريخ ، فإنه فى الطبيعة ما قبل التاريخ ، وهكذا فإن كان الوطن متخارجا ومتعاليا فإنه يتحقق من خلال الذات الخلاقة ، الذات المبدعة التي هي عند القويرى مفارقة تنتج الوطن الذي يخلقها . وهكذا فقد انصب بحث القويري عن معنى للكيان الذي هو كينونة ثابتة !! هو ثابت متحقق متكامل كمفهوم ، وهو فى صيرورة من حيث هو حلم مشروع . كذلك يتضح لنا الوطن عند القويرى كموضوع غير موجود ؛ لأنه فكرة أو ومضة وتعقب دائم دؤوب لمفهوم .
يبدو واضحا للقارئ المتأني وجليا للباحث المختص ، الإطار الفلسفي المثالي الذي يؤطر شغل وفكر عبدالله القويرى وأنه أحد آخر الرومانتيكيين فى هذا العصر ، وأولهم فى بلادنا .
ان الرومانتيكية تتجلى فى مفاهيم القويرى وفى التوسطات التي يدلل ويستدل بها على مصداقية رؤيته . لقد دخل لذلك فى معارك ثقافية فى واقع ثقافي ضحل ، وخاض فى أوحاله وهو المتعالي صاحب الفكرة والكلمة الفصل ، النظرية المتكاملة التي ألبسها أقنعة متعددة : المسرح والقصة والخاطرة …. الـخ .
وقد دخل فى معارك – التي لم تنته بوفاته منذ سنوات ثلاث – ضد كل نظرة تقول بخصوصية غير خصوصيته ، حد أنه اعتبر أن الفكرة القومية فكرة اللغة الأم ، أمة اللغة الواحدة فكرة خصوصية تنفى خصوصيته ، وكرومانتيكى خلاق ، تلميذ نفس الفكر المثالي الذي تتلمذ على أيديه ، أصحاب الفكرة القومية ، انكمش وانعزل فى حدود مفهوم ضيق ولا حدود له ! ونفى عن أصحاب فكرة أمة اللغة الواحدة أي معقولية ، لكن نفى المشترك بينه وبينهم لم يجعله يقول بالوطنية فى مقابل القومية ، حتى أننا لن نجد فى كتاباته اصطلاح الثقافة الوطنية بالمرة ، كما لن نجدا أي اهتمام يذكر أو متابعة للكتابات الليبية ( الوطنية ) ، لقد جرد الوطن من الثقافة الخاصة ، ورسم عبدالله القويري فكره مجردا من أي تشخيص ووسم كتاباته بالذهنية المفرطة ؛ فهو باحث عن ضالته لتعين مفهوم الوطن حيث تكون .
وقد دخل لأجل ذلك أيضا فى معركة ضد الشكلانية لان الشكلانية تنفى الجوهر ، وكان المعلم الذي يرى فى الشكلانية لعبة التلاميذ الفاشلين ، فكان الشكل عنده معقولا بالقوة لأن الشكل يستمد وجوده من الوجود ، أي أن الفكرة أم الشكل .
ولم يكن مدرسيا / ولا مذهبيا ، بقدر ما هو صاحب الفكرة المحددة التي لا حدود لها ؛ كان عبدالله القويرى حواريا أي جدليا – مثل أستاذه أفلاطون الذي قدم حوارياته المعروفة – يقبل الأطروحة الضد لينفيها ، ان حوارياته الكامنة فى كل مقالاته وخواطره – وما أسماه مسرحيات – هي حواريات الفكرة الواحدة التي تنقسم لتنقسم ، وكأنها منولوج واحد يلبس قناع ديالوج ، لهذا اهتم اهتماما مبالغا فيه بالكلمة ، لا الكلمة الحية بل الكلمة المطلقة فكان قاموسيا يبحث فى الدال عن مدلوله الواحد المحدد والنهائي ، الذي ولا شك تضمه دفات المعاجم حيث الكلمة ذات البعد الواحد .
يمكن أن نشير هنا إلى كتابه " ذلك العساس " وجهده المستميت فى البحث عن المعنى المنجز القاموسي لكلمة " شوفينية " ، ونفيه للمعنى الاصطلاحي الذي اصطلحه أصحاب الفكرة القومية لهذه الكلمة . ان الكلمة خيمة عبدالله القويرى التي تقيه رياح الآخر ، وسلاحه لمحاربة قبائل القبلى ، فالكلمة عند القويرى محددة وقائمة بذاتها تعطى معناها الثابت والأزلي حيث تحل . وقد قام لذلك بجهد مضني لأن الكلمة عنده لم تكن فى البدء وحسب ولكن الكلمة هي الوجود أو هي منزلة الوجود كما اللغة عند هيدجر ، والكلمة هي قطر الدائرة ؛ الهوية التي مركزها الذات ، ولعله لهذا لم ينحت ولم يكن اشتقاقيا فى اللغة بقدر كونه أركيولجي .
وهكذا بصيغة أخرى قد تبدد الصيغة المذكورة آنفا ، بدأ مفهوم الهوية عند القويرى مفهوما ثالوثيا : الذات المركز التي هي جوهر ، الوطن المفهوم اللآزلي الذي توطنت عليه النفس ، لا بالميلاد أو باللغة ولكن بالتوارث ، فالمرء يرث وطنه أينما كان وكيفما كان ؛ حتى ان القويرى يحلل لعنة أوديب سوفوكليس ، بأنها لعنة الوطن التي تطارد كل من يعبث بقدره / وطنه ، يحاول الفرار من ظله ، وكذا عطيل شكسبير الذي بدأت جريمته ساعة ناء عن مغريبته / وطنه . والكلمة حيث الوجود والإنسان هو كلمة ، التي هي ليست اللغة الأم وحسب ، بل الكلمة الكينونة وجدان الوجود الانسانى دم العرق .
والقارئ " وقدات " السيرة الذاتية لعبدالله القويرى يلاحظ إلحاحا على العزلة ، عزلته فى مهجره ، ثم تأكد هذه العزلة ، عزلة العائد الذي أخذ عن ذاته بالانشغال فى بحث مضن عن معنى لكيان لهذه الذات . وان الوقدات ليست أكثر من سيرة ولكنها سيرة لصيرورة باحثه عن الوطن ، مشوبة بهذا الغموض الشعري الذي لبس مفهوم الهوية ، عند عبدالله القويرى . رغم كل المحددات التي أشرنا إليها ولعل لهذا ، فإن عبدالله القويرى أكمل عمره الإبداعي والطبيعي بأعمال صوفية ، تستعيد ذاكرة شعبوية لسماء ووقائع صوفية محلية من مدينة أجداده من كأنه نام على قبرهم ليستمد الرؤيا ، ثم غادرنا ليضمه نفس القبر ، تاركا توضيحات غامضة لرؤية أكثر غموض ؛ تستاهل كل الجهد للبحث والدراسة وكشف مكوناتها ونتائجها وارتباطاتها . حيث كأن وصية عبدالله القويري : في الأخير فإن مشكل الهوية ليس مشكل الذات المتعينة بل مشكل الذات المفارقة أو على الأقل الملتبسة ، لهذا لا بد من البحث عن الحاضر في الغائب وعن الغائب في الحاضر ؛ عن الخاص في العام عن التاريخ في المستقبل ، فكأن وجودنا يستمد من هذا المستقبل الذي ان تمكنا من تحديده تمكنا من إيجاد صيغة لمعنى وجودنا ؛ نحن الذين نصيغ ونصوغ معنى الكيان ، وغربلة إمبراطورية الرمل لا يتم بغير غربال المستقبل ، أنتم يا أبناء الرمل الذين توجدون في المجهول .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد ثقافة التنمية
- اطرابلس : طرابلس الغرب ، طرابلس الشروق
- الفارس الوحيد يتكلم الآن
- محاكمة عمر المختار
- لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب
- حربستان .. عشق آباد
- ثلاثة وجوه لسيرة واحدة!
- الإصلاح ملابس داخلية!
- لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الفيتوري - المفكر الليبي عبدالله القويرى ومشكل الهوية