حقيقة حديث أمرت أن أقاتل الناس

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

الحوار المتمدن-العدد: 7523 - 2023 / 2 / 15 - 16:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

بالنسبة لحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله"

الحديث دا فيه مشكلة كبيرة

وهي أنه يحكي حوارا بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فذكر عمرا هذا الحديث لأبي بكر والقصة باختصار هي كالتالي:

عندما أقدم أبو بكر على حرب مانعي الزكاة قال له عُمر بن الخطاب " كيف تقاتلهم والنبي عليه السلام قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله "، فقال أبو بكر: " والله لأقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها"

من الوهلة الأولى تبين لك الآتي:

1- أبو بكر وعمر كانوا يعرفون الحديث فلماذا لم يرووه عن النبي ورواه فقط أبي هريرة وجابر وابن عمر؟..وهل يصح القول أن أكبر وأشهر صحابيين لرسول الله يكتمون علمه؟!

2- ابن عمر كان يرويه رغم علمه بأن أبيه كان يعاقب من يروي الحديث، مثلما عاقب أبي هريرة، وحتى الأب كان يعلم بالحديث لكنه ضرب أبي هريرة لتحديثه..!..فعلى أي أساس فعل ذلك؟..يوجد إشكال تاريخي هنا لم يحله المؤرخون ولا أجزم بمعرفة عُمر له..

3- صيغة الحديث (أمرت..) فأين هذا الأمر في كتاب الله؟..وهل يصح القول أن النبي أمر بوحي غير الذي جاء في القرآن؟!

4- الحديث له روايات كثيرة جدا مختلفة منها أن النبي لن يقاتل من يشهد أن لا إله إلا الله، ولكن بقية الروايات اختلفت وأضافت أشياء أخرى منها (إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة واستقبال القبلة والذبح على الطريقة الإسلامية) يعني من المفترض أن النبي سوف يحارب كل من هو غير مسلم حتى يُسلِم ، فهل في سيرة النبي المعتبرة الموثقة أنه فعل ذلك؟..ولماذا سيرته ذكرت أنه لم يحارب نصارى نجران مثلا؟ أو قبيلة خزاعة المشركة التي حالفته في الأحزاب؟

5- الحديث مشهور جدا ومروي عن طُرق كثيرة من الصحابة والتابعين، لكن عند تحقيق هذه الطرق نرى أكثرها بلاغات وإرسالات حدثت في العصر الأموي مركزها في الغالب شخصين هما (ابن شهاب الزهري) و (عمرو بن أوس الثقفي) وهذين من كبار فقهاء البلاط الأموي، والمعروف أن خلفاء بني أمية كانوا يُجبرون فقهاءهم على الفتوى بالجهاد لغزو الأمم في شمال أفريقيا وآسيا الوسطى آنذاك، فالحديث على الأرجح ظهر في العصر الأموي (كفرمان سياسي) لتجنيد وحشد القبائل للقتال.

6- الألباني وشيوخ الجهاد قالوا أن الحديث (متواتر) وبالتالي هو في مرتبة القرآن ونص تشريعي خالص لا يجوز إنكاره سوى من كافر..!

7- الحديث متفق عليه في الصحيحين يعني في أعلى درجات الصحة ، ومتنه قطعي الدلالة واضح لا يقبل التأويل، وبالتالي فالمسلمين وفقا للحديث مأمورين بقتال غير المسلمين وغزوهم واستحلال أموالهم، لكن الإشكال هنا أن القرآن يخلو تماما من هذا الكلام بل يذكر عكسه بوضوح أن غزو الناس حرام ومنهي عنه في أصل الدين:

قال تعالى : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" [البقرة : 193]
"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير" [الأنفال : 39]
"واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين" [البقرة : 191]
"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [البقرة : 190]
"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " [البقرة : 256]
"فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" [النساء : 90]

8- الحديث لا يقول بالجزية على أهل الكتاب بل يقول بقتالهم حتى يُسلموا، وقد أحدث ذلك مشكلة عند الفقهاء حين خصصوا كلمة (الناس) بالمشركين عبدة الأوثان لا أهل الكتاب والمجوس الذين شرع في حقهم الجزية..

9- بعض الشيوخ قالوا أن آية (لا إكراه في الدين في سورة البقرة) نسخت هذا الحديث، وبالتالي بطل العمل به بعد فتح مكة، لأن سورة البقرة من أواخر ما نزل من السور في المدينة، فيكون حُكم القتال منسوخا بعدم الإكراه (راجع تفسير الشيخ الطاهر بن عاشور المعروف بالتحرير والتنوير ج 3 صـ 26)

10- الذين قالوا بنسخ القرآن لهذا الحديث لن يُجيبوا على سؤال: ما بال الصحابة الذين فتحوا البلاد وغزوا الأمم بعد موت الرسول؟

11- الذين خصصوا كلمة الناس بالمشركين فقط فعلوا ذلك لرواية واحدة عند النسائي (أمرت أن أقاتل المشركين) لكن الطريف أن النسائي ذكر 21 رواية أخرى بلفظ (أمرت أن أقاتل الناس) فحملوا المعنى على المشركين وصمتوا عن معنى الناس لتضمّن ذلك ما لا يحتملون أو يطيقون، وبالطبع هذا التفسير الطريف كان بالعصر الحديث من بعض مفسري القرنين 20، 21 لأن ذلك يلزمه قتال أمريكا والاتحاد السوفيتي والصين كمثال..!

بس ياسيدي..وآدي قصة أشهر حديث عند السلفية الجهادية ، واختصاره أنه يتعارض شكلا وموضوعا مع القرآن والمصلحة العامة، وأن إشكالاته كثيرة في المتن والسند، وأن التحقيق التاريخي ينسفه نسفا..علاوة أنه أدى لتشويه الدين والتسبب في قتل ملايين الأبرياء دون ذنب.

#سامح_عسكر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات