أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - تحرير موقف الإسلام من العنف..لقاء وضرورة













المزيد.....

تحرير موقف الإسلام من العنف..لقاء وضرورة


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 7303 - 2022 / 7 / 8 - 10:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الخمسين سنة الأخيرة عند المسلمين انتشرت جماعات العنف الديني وبغض النظر عن المسئول وأبعاد ما حدث سياسيا وتنظيميا لكني سوف أناقش هذه الظاهرة اليوم من منظور آخر، وهو تحرير موقف الدين الإسلامي من العنف بشكل عام..

فهذا المنظور لم يحرر بشكل كاف نظرا لأن تناوله كان شخصيا بشكل كبير ضد الجماعات، فجرى تشريح هذه المنظمات والتجمعات الدينية بناء على الهيكل التنظيمي وزعماء وشيوخ هذا التيار، ثم بناء موقف أدبي وأخلاقي ضدهم أكثر من الرد عليهم دينيا وفكريا، أستثني من ذلك بعض محاولات د فرج فودة التي لم تتعمق فلسفيا بما يكفي ومناقشة موقف هؤلاء الميتافيزيقي وطريقة تصورهم النفسي والعقائدي للدين، كذلك محاولات الصادق نيهوم في كتابيه"إسلام ضد الإسلام" و "الإسلام في الأسر" وهي محاولة كانت أكثر عمقا مما كتبه الراحل فرج فودة، إضافة لكتابات محمود محمد طه وسعيد العشماوي، وعلي الوردي، وعبدالكريم سروش، وعدنان الرفاعي وسيد القمني وغيرهم، وأخيرا محاولات فهم الإسلام فلسفيا مثل كتابات عابد الجابري وجورج طرابيشي وحسن حنفي وسلامة موسى وزكي نجيب محمود وعلي شريعتي..وغيرهم

كل هؤلاء لم يناقشوا موقف الإسلام من العنف بشكل متخصص ومركز لدرجة كتابة مؤلفات في ذلك، ولو أنهم كتبوا فيها أبوابا ومقالات لم تشتمل على كل أبعاد القصة من (تاريخ – وسياسة – واقتصاد – وفلسفة – وعلم..إلخ) ولا أزعم أنني سوف أقدم على إنجاز هذا الملف الآن لكني ألفت النظر إليه لأهميته القصوى، فالسبب في رأيي الذي أدى لانتصار المتطرفين وشيوع جماعات العنف ليس فقط (الدعم والتمويل) أو عاطفة المسلمين وجهل الأغلبية منهم ، إنما هناك سببا آخر لا يجري التركيز عليه وهو (عجز وقصور) المثقفين عن تحرير موقف الإسلام من العنف بشكل شمولي، فهم كانوا في معضلة كبرى تقول أن الإسلام في بداياته كان سياسيا بالفعل، وأن دولة الرسول والقرآن المدني ينضح بتلك الحقيقة، فالأمر لا يقتصر فقط على أفعال الصحابة والتابعين في الغزوات والفتوحات، ولا في الفتن الكبرى والحروب الأهلية التي أعقبت موت الرسول، ولا في الطبيعة العربية الصحراوية غير السياسية التي تفقه لغة القوة أكثر من لغة التعايش والحوار..

والذي دار في الخمسين سنة الماضية من ردود ومكافحة للعنف الديني كان يعمل في مسارين اثنين:

الأول: وجهة نظر الأمن.. وهي رؤية مادية تميل للاعتقاد بأن أسباب العنف مرتبطة بالاستغلال والفقر وعبادة السلطة، علما بأن هذا المنظور الأمني يحكم السياسيين بشكل أساسي فهم لا يتصورون بعد كيفية تناول ملف العنف الديني بعيدا عن فكرة المؤامرة الأمنية وسعي الجماعات لاستغلال الفقراء والشباب، لذا فهم يركزون في كفاحهم لتلك الجماعات على جوانب مثل "التمويل والدعم والهيكل التنظيمي" مع تصدير خطاب سطحي يوحي أنهم يفهمون صحيح الدين ويعملون به تقربا للجماهير ، ولقطع الطريق أمام تكفير السلطة السياسية واقتناع الغالبية بهذا الأمر..إضافة للاعتماد على رجال دين موالين وتيارات إسلامية ليست مناهضة للسلطة لتعزيز هذه الفكرة، وعلى ذلك كان نظاميّ السادات ومبارك في مصر، إَضافة لأنظمة الخليج وسوريا باعتبارهم أكثر المتضررين من نشاط تلك الجماعات في هذه الحقبة..

الثاني: وجهة نظر المفكرين..وهي رؤية عقلية لكنها منقسمة بشدة ما بين تيار ديني وآخر لاديني، حتى التيار الديني منقسم إلى مؤسسات دين رسمية تصف جماعات العنف بالخوارج وأنهم لا يعرفون الإسلام الصحيح، وبالتالي يُسقطون على هذه الجماعات كافة النصوص الناهية عن الخروج والأمر بطاعة الحاكم، وما بين مفكرين آخرين يقولون بتأويل نصوص العنف واعتبارها تاريخية وإثبات نصوص التسامح واعتبارها مطلقة وآخرون منهم يقولون بالحداثة وإحياء قيم عصر الرسول في القرآن المكي ونصوص النهي عن العدوان في القرآن المدني، أما التيار اللاديني منقسم هو الآخر إلى ملحدين راديكاليين يريدون إلغاء الإسلام بالكلية واعتباره مجرد أسطورة انتهى زمانها، وما بين تيار لاديني تعايشي يؤمن بالقطيعة المعرفية مع الأديان لكنه لا يسعى لإلغاءها، ويقول (بعضهم) أن تلك القطيعة سوف تؤسس منهجا آخر للإنسان سوف يكون بديلا عن الدين في المستقبل، وهم منقسمين أيضا في نتائج هذا التصور فمنهم من يقول أن المنهج الجديد عقلي، وآخرون يرونه علميا..والبعض لا يستبعد الوصول لدين آخر يجمع بين الأمرين وهؤلاء في معظمهم ربوبيون..

بتعبير آخر يمكن تقسيم وجهات نظر المفكرين إلى أربعة تيارات:

الأول: وهو الذي يدعو للعودة إلى فهم السلف الأول قبل نشوء الخلاف، أي إلى مبادئ وقيم عصر الرسول والخلفاء الأربعة قبل الإضافات الأموية والعباسية من روايات وأحاديث، وهؤلاء من يعملون في نطاق "نقد الموروث" فقط، ويؤمنون بأن إحياء قيم ومبادئ عصر الرسول كافية لإصلاح الدين..أما نصوص العنف فيميلون لتأويلها وإثبات نصوص التسامح، بينما التيار الثاني: وهو الذي يدعو إلى نسخة جديدة من الإسلام تتوافق مع الحداثة والعلم وحقائق العالم الجديد، وهؤلاء غير مشغولين بنقد التراث ولا يهمهم تاريخ المسلمين بل في ضرورة أن يتوافق أي دين مع العصر الحديث أيا كان هو..والغالب على هذا التيار لادينيين، وفئة قليلة مسلمة بلغت ثقافة الحداثة..

التيار الثالث: وهو الذي يجمع بين الاثنين..فينتقد التراث ليُخاطب فئة المؤمنين وينافس الشيوخ في إسلامهم، وفي ذات الوقت يؤمن أن مبادئ وقيم عصر الرسول تصلح للحداثة لا معالم العصر نفسه..يعني العيش في الصحراء والمجتمع البدوي القديم هذا لا يهم..الأهم أن تلك المبادئ الدينية تصلح لإنشاء مجتمع متحضر، إضافة للإيمان بقيم العصر وفلسفاته وإثبات تطور البشرية وحاجتها لفكر جديد يتماهى مع الطّور الذي وصل إليه في سلم التاريخ، والغالب على هذا التيار مسلمين وفئة قليلة من لادينيين وأديان أخرى مهتمين بقضايا الأسلمة الفكرية، أما الرابع: فهو يرى أنه لا قدرة لأي مسلم أن يبلغ الحداثة أو يتعايش مع العصر أو ينتقد دينه بشكل صحيح أو يؤثر في مجريات التاريخ لينجح في التغيير، وبالتالي فالحل هو (ترك الإسلام فورا) وبالطبع هذا التيار لاديني لكني أعتقد أن فئة كبيرة منه ذات أيدلوجيات راديكالية من اليسار واليمين وموقفهم من الإسلام سياسي أكثر منه عقائدي فلسفي..

أصحاب التيار الرابع أنتقدهم كثيرا لجهلهم بأصول التجربة الدينية البشرية التي تبحث عن المقدس أساسا، بينما النصوص الدينية والمذاهب والفتاوى لديهم هي مجرد (تفاعل) مع هذا المقدس فقط..أي أن الدين راسخ في النفس البشرية، وهذه الحقيقة فطن إليها الفيلسوف الألماني "فيورباخ" صاحبي كتابيّ "جوهر المسيحية وأصل الدين" والمتوفي عام 1872 م، فقد قال فيورباخ بأن الدين هو أي معتقد مقدس عند صاحبه حتى لو لم يكن لاهوتيا، مما يعني – حسب فيورباخ – أن الملحد قد يكون متدينا بشكل مختلف..والمشهور عن فيورباخ أنه كان ملحدا بالأديان بل هو أشهر وأول فلاسفة التنوير الذي جهر بإلحاده، لكنه فسّر معتقده أنه إلحاد بآلهة الأديان فقط ، وبالتالي كان يعتبر نفسه مؤمنا بطريقة أخرى لا نعرفها، وهذا ما وصل إليه د حسن حنفي في قراءته الشهيرة لفيورباخ كواحد من أشهر فلاسفة العصر قراءة لهذا الفيلسوف الألماني..

أصحاب التيار الرابع غاب عنهم تأثير محي الدين بن عربي وجلال الرومي والحلاج وابن الفارض وعبدالقادر الجيلاني في (إيمان الصوفيين خصوصا) وكثير من الشيوخ بشكل عام، فهذا التأثير مرتبط بالسعادة والمتعة من التدين الشخصي وإيجاد الحلول للأزمات الاجتماعية، كوفاة الوالدين والأقارب مثلا..هنا يتدين الشخص ليشعر بمتعة مفقودة، ولأن الانتهازيين من الشيوخ على قفا من يشيل يستغلون أحداث الوفاه بالذات لنفث سمومهم السياسية والخرافية بين العوام..لذا فقلت سابقا أن كثير من مظاهر التدين الخرافي والسياسي يتشربها المسلم في أحداث الوفاه والعزاء وفقدان الأحبة، كذلك فالذي يمارس الأخلاق ويعتقد أنها أصل الدين هو يشعر بمتعة لا يضاهيها شئ لاعتقاده أن ثواب ما يفعله سيجده ، وأن كل ما يعمله من خير وبر وإحسان لن يذهب هباءً ، ومتديني الصوفية بالذات الذين يرقصون ويسمعون الأغاني والموسيقى متعتهم كبيرة جدا، وروحانيتهم تذهب لعنان السماء، فكيف تنسى كل ذلك وتقفز على هذه الحقائق وتختزلها بطلب ساذج وهو أنه طالما ظهرت داعش والقاعدة فهذه حقيقة الإسلام ويجب أن تترك الدين؟..وجوابي أن سؤالك وطلبك عدم فهم للدين نفسه ولا طرق التدين أو تنويعات وتجارب البشر في علاقتهم بالدين..

شخصيا أقرب التيارات إليّ هو الثالث، لكني أضيف له أنني غير مؤمن بوجود نسخ دينية صالحة للاستدعاء ومؤمن بأن الدين هو اتصال لا ينتهي بين الخالق والمخلوق، وبالتالي فهو يستفيد من كل تجارب التاريخ ومذاهب الفقه المعروفة وغير المعروفة..حتى إذا وصلت إلى فهم معين لدينك تكون قد وصلت لفكرة جزئية عن الدين وليست كلية تصلح لغيرك بشكل متطابق..وبالتالي فما أدعو إليه من قيم ومبادئ ومعارف أصرح بشكل متكرر أنها غير ملزمة لغيري وأن ما نجتمع عليه فقط هو الدين الوجودي الذي شرحته في كتابي "الدين والعقل" وأن لكلٍ منا الحرية أن يمارس دينه كيفما يشاء شريطة أن لا يؤذي أحدا بالقول أو الفعل، والطريق لهذا الشرط ليس سهلا لو كنتم تعلمون..

نعود لقصة العنف وأقول أن تحرير هذا الملف علاقته بالإسلام ضرورة علمية قصوى مناسبة للمرحلة، فما رأيناه من داعش والقاعدة واستحباب هؤلاء للانتحار لا يمكن إلا عن عقيدة دينية مسبقة تقول أن مقابل هذا الانتحار هو (الجنة) بالتالي فالأمر لا ينحصر في قصة الدعم والتمويل أو حتى الأفهام الخاطئة، فاليقين الذي وصل إليه المُنتحر أكبر من مجرد التشكيك في فهمه الخاطئ، فالمنظومة التي يمر بها المُنتحر الداعشي مُنظّمة للغاية وتتمتع بالإحكام في غلق كل منافذ الشك ، وما يثير الاستغراب أن ذلك حدث في عصر الإنترنت الذي صار فيه الحصول على المعلومة أكبر وأسهل من الماضي ، فلا حجة لغياب الشك والتردد عن نفس الدواعش هنا، حيث أن المنتحر لو وصل إلى نسبة 1% شك أو أقل لن يقدم على الانتحار وتفجير نفسه بالكفار مثلما يراهم، وحتى لو قلنا أن هذا العمل مصحوب بتأثير قيادات التنظيم على عواطف تلاميذهم فالإنسان مثلما يكره هو أيضا يُحب، ومثلما كره الدواعش خصومهم وقالوا عليهم كفار حلال الدم توجد احتمالية أن يكره الداعشي بعض قياداته وأن لا يثق فيهم، هنا لا يكفي القول أن عناصر الجماعات يحبون قياداتهم..فالقلوب يصعب التحكم فيها ولو حدث ذلك لفترة مؤقتة لا يعني الاستدامة..

أن أكبر مشكلة في الفكر الإسلامي أرددها كثيرا وهي التي يجب تحريرها ومناقشتها بجرأة، وقد اجتهدت في تحليلها بكتابين "الدين والعقل" و "كشف اللثام عن فقه الإمام" وهي أن تاريخ المسلمين يغلب عليه السياسة والحرب منذ البداية وبالتالي فالقول بمجرد القطيعة هنا لا يكفي إذا سيكون تمردا وخروجا عن صحيح الإسلام عند الجماهير، ولا أن يكتفي المفكرون بتأويل هذه الفترة الزمنية وحصرها بالشخوص غير المعصومة لأن فترة النبي في يثرب تنسف هذا التأويل ومن ثم يجب فهم وتحرير مرحلة المدينة، وقد اجتهد المرحوم "محمود محمد طه" في هذا الملف وخرجت محاولته مقبولة نوعا ما لكنها غير كافية لسد الثغرات الكثيرة التي تعتريها، فلم يناقش "محمود محمد طه" قضايا كالناسخ والمنسوخ ومادة علوم القرآن والأحداث السياسية والمجامع المسكونية الإسلامية التي حدثت منذ انتصار الحنابلة على المعتزلة في عصر المتوكل بالله العباسي، وبالتالي يسهل الرد عليه بهذه القضايا التي أهملها والاعتماد على حجية المادة العلمية الشرعية التي خرجت في هذه الحقبة لتكون دليلا على الدين، وهذا ما فعلته الجماعات حرفيا حيث جرى تقديم كتب السياسة الشرعية التي تم تأليفها في القرن 5 هـ كالأحكام السلطانية للماوردي والأحكام السلطانية لأبي يعلي القراء وغياث الأمم للجويني على أنها صحيح الدين، وهي تعبير عن الإجماع الأول للسلف في موقفهم من الشريعة..

وقد عبّر الكاتب الإنجليزي "مونتجمري وات" المتوفي عام 2006 في كتابه "الفلسفة وعلم الكلام الإسلامي" عن هذه المشكلة مبكرا، لكن تاريخ مونتجمري كمستشرق جعلت محاولته غير مقبولة في المجتمع الإسلامي، فهي صادرة من مسيحي ضد الإسلام وفقا لوجهة نظر الأصوليين، وهو ما حدث أيضا ضد محاولات الكاتب الإنجليزي "برنارد لويس" المتوفي عام 2018 في كتبه الكثيرة عن الإسلام التي أذكر منها "أزمة الإسلام" و "ما الخطأ..التأثير الغربي واستجابة الشرق الأوسط" وبناء على هذه الأفكار من مونتجمري وبرنارد لويس لا يمكن تحميل أزمة العنف الديني لدى المسلمين فقط بمشكلات الفقر والبطالة والاستبداد والاستعمار..إلخ، فهذه التي ارتكز عليها الجماعات لاحقا في الترويج والحشد لكنها لا تمثل بنية فكرية للعنف الديني الذي اعترف المسلمون أخيرا منذ سنوات أنه راسخ في بعض النصوص الدينية المقدسة (كالأحاديث والروايات) وهو ما دفع الأمير السعودي بن سلمان لصياغة مشروع سياسي وفكري جديد للمملكة تعتمد فيه على الحديث المتواتر فقط لا الآحاد التي تمثل التربة الخصبة للإرهاب والعنف وفقا لتصوره..

فضلا عن مشكلة أخرى مرتبطة بهذا السياق وهي "تاريخ تطور الفكر الإسلامي" منذ تأسيسه بعد موت الرسول والفتنة الكبرى، وأعني بهذا التطور صياغة مذاهب المسلمين القديمة في أجواء استبداد سياسي كانت محكومة بنظام الخلافة التي قدمت نفسها على أنها حارسة للدين، يحدث ذلك في ظل تقديس وترميز هذه الفترة دينيا بعقيدة متداولة وهي "خير القرون" وقد سبق أن رددت على هذه العقيدة بكتابي "رسائل في التجديد والتنوير" الصادر في مارس 2014 فهي تمثل عنصر هام في بنية العنف الديني لا يجب إهمالها بل تشريحها ونقدها في ظل مشروع مصر والسعودية بتجديد الدين

سوف يتطلب ذلك مناقشة آيات الحرب والجهاد في القرآن المدني برؤية جديدة غير متعارف عليها من قبل، فبرغم أن هناك محاولات مشكورة ساهمت في الرد على ذلك وتبرئة الإسلام من العنف ككتاب "الجهاد في الإسلام" للشيخ محمد سعيد البوطي، إلا أنها محاولة فيها ثغرات كثيرة كمناقشة هذا الملف من داخل الصندوف وبالتالي لم تُحط بعناصر شكلت بنية العنف الديني عند المسلمين ، فحسب التفكير البنيوي يتطلب هذا الملف الخطير أن يتناوله المفكرون من خارج الصندوق ليسهل جمع كل عناصره وجزئياته المُكوّنة لبنيته الفكرية والمادية، الأمر الذي يتطلب مناقشة تاريخية لما حدث على سبيل المثال، فمحاولات البوطي سوف يرد عليها بما يسمى "إجماع الصحابة" وهو دليل ملزم في الشريعة يقول أنه ما دام الصحابة أجمعوا على مشروعية جهاد الطلب وأن غزو وقتال الأمم واجب لنشر الدين فيكون نفي البوطي لجهاد الطلب في كتابه خارق للإجماع، ومن ثم يلزمنا مناقشة تاريخية لما حدث وتحرير جزئية "إجماع الصحابة" وحجيتها في الشريعة، وهذا ملف لم يصل إليه بعد أي شيخ لحساسيته وقدسيته التي سوف تنسف تقريبا بعض أصول المذهب السني القائمة جذريا على تقليد الصحابي..

علاوة على ضرورة الرد على فكرة حراسة الدين هذه التي يجري تقديمها كوظيفة أساسية للزعماء ورجال الدين، ومن ثم يصبح عضو الجماعات هو حارس صغير للدين يعمل ضمن مجموعة أكبر هي التي تحكم توجهات هذا التنظيم بشكل أساسي، ووظيفة الحارس دائما هي ممارسة العنف ضد الخارجين عن القانون، فلو كانت الشريعة بديلة عن القانون سوف يكون هذا العنصر الجهادي من حقه أن يمارس العنف ضد الخارجين عن شريعته، وقد اجتهدت في الرد على هذه الفكرة بمحاضرتين ألقيتهما منذ فترة

كشف أكاذيب حراس العقيدة بالدليل..
https://www.youtube.com/watch?v=0n744i4djEM&t=292s

أكذوبة حراسة الدين وموقف القرآن منها...
https://www.youtube.com/watch?v=FuOWxDZaNbQ&t=167s

كذلك وحسب التفكير البنيوي سوف يتطلب مناقشة العنف الديني ملفات كالاقتصاد والسياسة الأمر الذي يلزمه نقد بعض السلطات السياسية التي تماهى الخطاب الديني في عصرها مع قراراتها ، وهذا الملف سوف يؤدي لشخصنة الحديث بشكل كبير مما يؤدي لردود أفعال عنيفة قامت على قدسية وطهارة هؤلاء الزعماء السياسيين، الذين جرى تقديمهم كرجال صالحين في ملف آخر ضمن بنية الفكر الإسلامي وهو "المناقب" ومن ثم يجب بالتوازي مع تحليل قصة العنف الديني أن يكون هناك نقاشا لفكرة المناقب وظروف تأسيسها ودورها الهام في تقديس الشخوص والرجال في الفكر الديني بالعموم ليس فقط الإسلام، وهذا الملف يلزمه أدوات فلسفية وعلمية كثيرة ليست فقط تاريخية لأن مبدأ إحاطة القارئ بالشخصيات يلزمه رسم واضح لتلك الشخصية في المخيلة الذهنية عن طريق التمثيل والإسقاط، وهذه المبدأ سوف يخرج هذا الرمز وتلك الشخصية المقدسة من كونها بيضاء ملائكية في المخيلة إلى شخصيات عادية يراها المسلمون في الحس..

أختم بأن علاقة بين (الخرافة والجريمة) فالتصور الوهمي عن الكون والناس والأشياء ليس وهميا عند أصحابه، بل حقيقة ثابتة وراسخة، فعندما يُصدَم ذلك الموهوم ويعلم أن ما علمه كذبا يشعر بالخوف، ثم يتطور ليصبح هاجسا وشعورا بالمؤامرة، هنا كان العنف وسيلته الوحيدة لدرء ذلك الخطر لكي يشعر بالأمان..فالعنف يبدأ من الشعور بالخوف أساسا، ويصبح أكثر خطورة إذا جرى الاعتقاد به ونشره بشكل جماعي عن طريق تنظيم أو حزب، فالإنسان الخائف بشكل فردي يمكنه التكيف مع المحيط براجماتيا، لكن الخوف الجماعي إذا نجح أحد الزعماء والخطباء في نشره يعني أن الجماعة صارت أقرب لممارسة العنف بشكل انتقامي، والسبب أن الإنسان بمفرده ليس خطيرا ويمكنه التكيف براجماتيا مع محيطه، وأن عقلية الإنسان تميل للشك والتفكير إذا كانت بمفردها وغير متصلة بجماعة أو شخص، لكن عقلية المجموع تميل للغوغائية والغرائزية ، وتصبح هذه المجموعة خطيرة كلما أحسن خطيبا في حشدها والتأثير على عواطفها عن طريق تخويفها من جهة معينة..

ومن تلك الزاوية يمكن فهم السلوك المتوحش لداعش مثلا، فالشخص منهم يشعر بالخوف ولا يجد له خيار آخر غالبا، وعدم وجود طريقة للهرب من خوفه سوى العنف، والسر في ذلك هو حشوه نفسيا بالمؤامرة وكراهية الغير وشيطنة كل مخالف فتخرج ردود أفعاله انتقامية متوحشة لا يُبالي فيها بمشاهد القسوة والتدمير فهو لا ينظر في المرآة وقتها لأن محاسبة النفس من أعمال العقلاء وهذا العنصر يتصرف بشكل غريزي غير عاقل..وهذه الزاوية يلزمها علاجا فوريا بالتعليم والإعلام وفرض القانون بالدولة ومعاقبة كل دعاة الكراهية أو تقييد وصولهم للجمهور على الأقل، فالدول تنحط وتشيع فيها الكراهية والعنف حين تُعطل القوانين أو تصبح غير ملائمة لظروف المرحلة، والثابت أن العنف الديني الآن شائع ويستشري خطره بمرور الوقت، وأن ما كنا نظنه انتصارا على داعش والقاعدة والإخوان هو في الحقيقة مجرد معركة مع جماعات العنف انتصرنا فيها جزئيا لكن المعركة الكبرى (للوعي) لم نصل إليها بعد..

علاوة على تضخم الذات والاستبداد بالرأي والحساسية المفرطة للنقد إضافة لسوء المعاملة التي يلقاها المجرم وعدم التحكم في غضبه..وأشهر سبب هو الانتماء لمجموعة تتسم بالعنف وتمارسه غالبا، والسبب الأخير هو السر في وحشية داعش لتقليدها بعض قادة المعارك والغزوات حرفيا، فداعش من هذه الجزئية هي تربية مدارس دينية ومنهج تعليمي يقوم على تقديس القادة العسكريين بدلا من الفلاسفة والحكماء والعلماء الذين نفعوا البشرية، من هنا كانت ضرورة التفاوض والتواصل بين الخصوم والمختلفين لطمأنة بعضهم وإزالة حاجز الخوف الذي يدفعهم للجريمة، وتذكر أنه لولا التفاوض بين السوفييت والأمريكان قديما لضربوا بعضهم بالقنابل الذرية وقُتل عشرات الملايين في لحظة حماقة، وبالتالي فأولى طرق الجريمة هي (القطيعة) وفي غالبية الجرائم التي تحدث يسبقها قطيعة ورفض لكل الوساطات وإشارات التقارب..لذا فمنهجي دائما هو الدعوة للسلام والتواصل واللقاء كوسيلة طمأنة للخصوم وإزالة حاجز الخوف ، وبالتالي يشعرون بالأمن وعدم التوتر كمقدمة لتقريب وجهات النظر وحل موضع الخلاف بهدوء.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الحكومة واجب ديني أم مصلحة دنيوية؟
- قصة الحجاب ومذاهب الشيوخ فيها
- معضلة خلط الدين بالدولة..الأسباب والحلول
- لماذا لم يكن الحجاب فرض قبل السبعينات؟
- أخطاء التفسير وجذور الفكر القرآني
- ما الذي فعله الباشا محمد علي بمصر؟ (2)
- ما الذي فعله الباشا محمد علي بمصر؟ (1)
- هل إيران كانت بها أغلبية سنية ثم تحولت لشيعة؟
- المعنى الصحيح لقوله تعالى إنما المشركون نجس
- عقبات الإصلاح عند الفيلسوف
- جواز الترحم والاستغفار لغير المسلمين بالأدلة
- نظرات نقدية في الاعتكاف بالعشر الأواخر من رمضان
- رحلة داخل دولة الخلافة الإسلامية
- هل اخترق الإخوان هيئة كبار العلماء بالأزهر؟
- لماذا يتشدد رجل الدين المسلم في تكفير وقتل تارك الصلاة؟
- ويسألونك عن الفتن الطائفية..الأسباب والعلاج
- محاكمة الإمام الشاطبي بتهمة ازدراء الأديان
- تعالوا إلى كلمة سواء
- رجل الدين ورجل الأعمال..رؤية اقتصادية
- اليمين الكيمتي المصري وتجربة حزب الكتائب اللبناني


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...
- الراهب المسيحي كعدي يكشف عن سر محبة المسيحيين لآل البيت(ع) ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - تحرير موقف الإسلام من العنف..لقاء وضرورة