أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير صادق الحكاك - الوصية (قصة قصيرة)















المزيد.....

الوصية (قصة قصيرة)


زهير صادق الحكاك

الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 10:44
المحور: الادب والفن
    


الوصية ( قصة قصيرة )
وقفت سارة محتضنة ولديها الصبيين على حافة الحفرة، ونظرت الى قعرها حيث تمددت فيها جثة ابيها الملفوفة بالكفن الأبيض، وبدأت تستل من باقة الأزهار التي تحملها، زهرة زهرة وترميها على الجثة وهي تبكي بحرقة كبيرة على فقدان هذا الأب الحنون. نظرت إلى امها التي جلست على الأرض مع اختها الأصغر منها تبكي وتولول بكلام غير مفهوم، وما أن انتهت من رمي كل ازهارها، جلست على الأرض قرب امها واختها، وراحت تبكي بصوت عال، سمعها اكثر المشاركين في توديع الجنازة.
بعد حين، نهضت سارة ببطء، احتضنت امها من تحت ابطيها ورفعتها لتقف مع الواقفين. رجعتا عدة خطوات إلى الوراء ليتسنى لبعض الشباب ارجاع التراب إلى الحفرة. وما ان رأت اخاها الشاب يرمي اول كمية من التراب على لوحات الخشب التي وضعت كاللحد على الجثة حتى اصابها الوجوم، وانبعاث عدد من الأسئلة في دماغها، هل هذه هي خاتمة حياة الإنسان؟ يأتي إلى هذه الدنيا عاريا ويغادرها عاريا لا تغطيه سوى قطعة من قماش ابيض، تنهدت وقالت في نفسها إنها الحكمة التي لا يفقه معناها إلا من خلق هذا الإنسان، سبحانك يا رب.
وصلت العائلة إلى البيت في حزن كبير، عند الباب الخارجية تجمهر عدد من الجيران بانتظارهم ليأخذوهم بالأحضان وليقدموا التعازي الواجبة على مصابهم الكبير. دخلوا البيت بهدوء ليتلقوا وحشته القاسية، وفراغه الكئيب الذي لفح وجوههم كهواء قارس . تناثروا على مقاعد الصالة في صمت رهيب ، يحدقون بذلك المقعد الوثير الذي كان رب البيت يجلس عليه كل صباح ليطالع جريدته ويرتشف قهوته التركية بانتظار الفطور.
وقفت الفتاة الصغرى، اقتربت من المقعد، ثم رمت نفسها عليه وهي تصرخ ابي...ابي لماذا تركتنا ورحلت، وغرست وجهها في المقعد لتشم ما تبقى فيه من رائحة ابيها وهي تجهش بالبكاء، نهض اليها اخوها، رفعها واحتضنها وراحا يبكيان معا.
وقفت الأم فجأة وقالت بصوت حازم يا اولادي هذه هي مشيئة الله عز وجل ولا اعتراض على حكمه وإرادته، المهم ان نبقى يدا واحدة لنخلد ذكراه ونؤكد سمعته الطيبة بين الناس وبأنه خير من انجب وربى، وبأنكم نعم الخلف له.
بعد ايام، نهضت الأم بعدما تيقنت بأن اولادها الثلاثة قد غادروا المنزل إلى اعمالهم. ذهبت إلى الدولاب الكبير في غرفة النوم وبدأت تخرج ملابس زوجها وحاجياته ووضعتها على السرير، ثم راحت تفتش جيوب كل قطعة، ومن ثم تضعها في حقيبة كبيرة كانت مفتوحة في وسط الغرفة، لتتبرع بها الى الفقراء. رفعت المعطف الأسود السميك الذي كان يلبسه المرحوم في موسم البرد. فلقد اشتراه في اول شتاء لهم في هذا البلد البارد. ابتسمت وهي تتذكر قولها له عندما لبسه لأول مرة ( طالع كأنك واحد من عصابة آل كابوني). مدت يدها في الجيب الداخلي وجدت مغلفا صغيرا من الجلد، مغلق الجوانب بسحاب . اصابها الذهول لأنها لم ترة هذا المغلف من قبل، وانطلق زورق ذهنها يخترق امواج الشك واليقين، وبيد ترتجف، مسكت بمقبض السحاب وفتحته بتأني ورعب كأن ماردا سيخرج منه، وينتصب امامها صارخا شبيك لبيك وانا عبدك بين يديك. لم تجد في داخله سوى ورقة واحدة مكبوسة بين طبقتين من النيلون الشفاف. بقيت تتفحص ما هو مكتوب للحظات، انه خط يد زوجها بكل تأكيد . وضعت نظارتها على عينيها وراحت تقرأ بصوت هامس:
قرة عيني ام يوسف، اعرف انك الآن وحدك، وانا قد رحلت إلى مثواي. اكتب لك هذه السطور لأمر هام جدا. لقد كنت نعم الزوجة والرفيقة طوال هذه السنوات، في بلدنا الذي تركناه وفي هذا البلد الذي استضافنا. في البداية سميتك ام يوسف والكل يعرفونك بأم سارة لأني الوحيد الذي يعرف ان سارة ليست ابنتك. لأنه عندما تقدمت إليك أخبرتك بأن لي بنت عمرها اربع سنوات اسمها سارة. وانت وافقت وأشهد لله إنك كنت لها نعم الأم وتستحقين بكل فخر ان يدعوك الناس (أم سارة).
حبيبتي ، هنا اريد ان أبوح لك بسر لا يعلم به سواي وامي رحمها الله، فأرجو ان تسامحيني عن إخفاء هذه الحقيقة عنك. إن سارة ليست ابنتي، وإنما هي ابنة (محسن) اعز اصدقائي وجارنا في البلد الذي تركناه. كنا بيتا بظهر بيت، مثل الأهل، كانوا عائلة كبيرة، وكنا انا وأمي في بيتنا فقط بعد أن توفى ابي. حتى انا ومحسن عملنا فتحة لمرور شخص في السياج الذي يفصل بيننا . فرحنا كثيرا عندما ولدت زوجة صديقي محسن طفلة، كانت جميلة، شعر اسود كثيف وعيون سوداء واسعة اسموها سارة.
بعد بضعة اشهر من ولادة سارة ، وفي ليلة ظلماء ، سمعنا صراخ وبكاء في بيت محسن، نظرت من السياج ورأيت عدد من رجال الأمن يأخذون محسن واهله بالملابس التي عليهم ويصعدوهم بسيارة كبيرة انطلقت بهم إلى مصيرهم المجهول، بحجة انهم ليسوا عراقيين ، علما بان لديهم ما يثبت ان جدهم الاكبر قد ولد في بغداد عام 1881. بقيت امي طوال تلك الليلة تنظر بألم وحسرة إلى بيتهم الذي ما زالت اضويته منارة.
بعدما تأكدنا بأن الصمت قد غلف بيتهم، خرجت إلى الحديقة، اقتربت من فتحة السياج، دخلت منها بحذر، والخوف من رجال الأمن تملك احاسيسي، وجعلني ادور لأعود إلى بيتنا . في تلك اللحظة سمعت بكاء طفل رضيع كأنه مواء قطة صغيرة . تحمست ودخلت بجرأة ، سرت بضع خطوات باتجاه مصدر البكاء، فوجدت سلة من الخوص معلقة على واحدة من كربات نخلتهم البرحي، رفعتها بحذر شديد وأنزلتها، انقطع بكاء الطفل، نظرت داخل السلة وجدت سارة تنظر لي بعينيها الواسعتين، ابتسمت لي، احتضنت السلة وهرولت نحو بيتنا خوفا من ان يلمحني احد. وضعت السلة على الأرض، وجلست قربها، جلست امي بجانبي ثم صرخت هذه سارة لماذا تركوها. رفعت الطفلة واعطيتها لأمي. في قاعة السلة وجدت كيس كبير من النايلون فيه حليب باودر ورضاعتين وطبقة من عدة حفاظات. وجدت تحت الحفاظات صرة من قماش اخضر، فتحتها بتأني ووجدت كمية كبيرة من المصوغات الذهبية والمجوهرات وكمية من النقود، بينها ورقة بيضاء ، فتحتها لأقرأ رسالة من صديقي محسن يطلب مني رعاية ابنته لأنها ما زالت صغيرة على بهذلة التسفير، وانه سيتصل بي حالما يستطيع ذلك.
قمنا انا وامي بتربية سارة حتى صار عمرها 4 سنوات، وعن طريق بعض المعارف استطعت أن اسجلها بأسمي بعد ان فقدت الأمل بعودة ذويها من كثرة الكلام الذي وصل للناس عن المآسي التي واجهها المسفرون إلى خارج الحدود.
ومن ثم، ومن حسن حظي وحظ سارة انني التقيت بك، وأسعدتني موافقتك بالزواج مني بعد ان اخبرتك بأن لي طفلة من زواج سابق. وباقي الحكاية كنت طرفا فيها. اني اتقدم اليك بكل جوارحي طالبا منك السماح على اخفاء هذي الحقيقة عنك، بسبب تخوفي من انفلات كلمة هنا وهناك تقلب جو بيتنا الصافي الجميل. انني واثق بانك ستعالجين الموضوع بالحنكة والحكمة اللتبن عرفتهما فيك، والسلام.
بقيت ام يوسف صامتة، يداها ترتجفان، قرأت رسالة زوجها مرة اخرى، ثم مرة ثالثة وهي غير مصدقة . اعادت الرسالة إلى المغلف ثم وضعته في مكان لا يقترب منه اولادها مطلقا. وقفت في وسط غرفتها، رفعت رأسها بشموخ، وقال بصوت عالي رددته جدران الغرفة، يا ابا يوسف، سارة ابنتي، وأولادها احفادي، ولا احد يستطيع ان يجبرني عل تغيير هذه الحقيقة. ولكني سأطلع سارة على هذا السر فقط في حالة عودة ابيها، وإلا سآخذه معي عندما التحق بك، فأنا لا اريد الخراب لعائلتنا.

زهير صادق الحكاك



#زهير_صادق_الحكاك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغز (قصة قصيرة)
- الشحاذ (قصة قصيرة)
- شعراء مغمورون ( اليازجي)
- رسالة إلى سومر (قصة قصيرة)
- فتاة الكافتيريا ( قصة قصيرة)
- أبن الفراشة
- عصافير جارتنا
- جمعية الخلق المثالي The Eugene Society
- الشاهدة والزنجي في حلتها الجديدة
- الضمير
- تباين السلوك بين الاغنياء
- من هو التكنوقراط؟
- حلاوة الذاكرة (قصة قصيرة)
- أسرار الدموع
- من هم العراقيون؟
- حقائق مثيرة عن الفراعنة
- لماذا وكيف يصل الانسان للعمر الثالث؟؟


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير صادق الحكاك - الوصية (قصة قصيرة)