أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير صادق الحكاك - فتاة الكافتيريا ( قصة قصيرة)















المزيد.....

فتاة الكافتيريا ( قصة قصيرة)


زهير صادق الحكاك

الحوار المتمدن-العدد: 6698 - 2020 / 10 / 9 - 09:22
المحور: الادب والفن
    


في عصر ذلك اليوم كانت كافتيريا البحيرة نصف مليئة بروادها، وكانت النادلات يعملن ببطء واضح بعد تعبهن الكبير في خدمة رواد فترة الظهيرة، الذين يجبرهن عددهم في التحرك السريع بينهم وبين المطبخ. في الواقع بقيت ثلاثة منهن فقط في العمل، والثلاثة الباقيات جلسن على مائدة منزوية يتناولن غذائهن وقسطا من الراحة.
تقدم الرجل العجوز ببطء وهو يتكأ على عصاه، مرتديا ملابس قديمة بعض الشيء، ويضع على رأسه قبعة من الصوف، متميزة بنقشة مربعاتها الاسكتلندية، وعلى عينيه يضع نظارتين، انحدرتا نحو الأسفل قرب نهاية الأنف، مما يفرض عليه أن يرفع رأسه الى الأعلى عندما يتكلم مع الناس. ما أن وقع نظر النادلات عليه حتى رحن يتأففن، ويتبادلن كلام الاستياء من هذا العجوز، وشكله ونحاسته واردن أن يجرين القرعة بينهن والخاسرة تذهب لخدمته. ولكن النادلة (جين) هبت من مكان راحتها ، شربت ما تبقى في كوبها، وذهبت الى زميلاتها وقالت:
- لا عليكن، سأخدمه أنا فهو زبوني وأنا دائما أخدمه، وذهبت أليه مسرعة وقالت له بصوت رقيق وابتسامة مشرقة:-
- أهلا بك سيد مالكوم، أنه يوم جميل والحديقة في زهو رائع، كيف حالك أنت هل ما زلت تعاني من المفاصل، أنا أعلم كيف هي آلامها لأن جدي قد عانى منها كثيرا قبل أن يودع الدنيا.
- أهلا بك جين، هذا هو اسمك، صحيح؟ أعذريني لأني بدأت أعاني من كثير من النسيان.
- نعم هو، لقد تذكرته جيدا. طلبك كالمعتاد؟ ، فطيرة تفاح وكوب من القهوة بالحليب، سأعمل القهوة ساخنة جدا كما تحب.
- أنك فتاة ذكية يا جين، وأنني أكون سعيد جدا عندما تخدميني بهذه الروح المتفائلة والمرحة، أنك إنسانة رائعة، آه كم أتمنى أني في سن الشباب، وإلا ما كنت أتركك تهربين مني ، وتنافست مع الشبان بقوة حتى أفوز منك بموعد.
- ضحكت جين على هذا الإطراء الجميل، وقالت أكيد كانت السيدة مالكوم إنسانة رائعة.
- نعم كانت طيبة القلب، ولكنها تركتني وحيدا قبل أكثر من عشرة سنوات، وأبنائي الاثنين تفرقوا في هذه الدنيا، وبقيت وحيدا في ذلك البيت الكبير المطل على البحيرة، وأشار بأصبعه النحيل نحو بيت بعيد أبيض اللون، تحيط به أشجار غناء، فيه شرفة كبيرة مطلة على البحيرة. ثم التفت الى جين ورأها تمسح دموعها من على عينيها وخدها، فسكت مذهولا، وقال بصوت متكسر:
- المعذرة أنستي لقد سببت لك ازعاجا وكدرت عليك هذا اليوم المشمس الجميل.
- لا ابدا .. ولكني تذكرت جدي الفلاح، لقد كنت أحبه كثيرا، فقد كان لا يأتي إلى منزلنا ألا ومعه هدية جميلة لي. تصور في احدى المرات جاء ومعه حمل صغير، وقال لي انه فقد أمه وأنني سأكون أمه وعلمني كيف أرضعه من الزجاجة، وذهبت لتجلب له ما طلب.
عصر ذلك اليوم ، قررت جين أن لا تذهب الى بيتها مباشرة بعد انتهاء عملها، وأن تتمشى قليلا حول البحيرة، باتجاه ذلك البيت الأبيض الكبير، وما أن وصلته حتى رأت العجوز مالكوم جالسا في الشرفة ساهما ينظر باتجاه البحيرة، رفعت يدها لتلفت انتباهه، ما أن عرفها حتى أشرق وجهه بابتسامة عذبة، واقترب من حافة الشرفة وقال :
- تفضلي جين، الباب مفتوح، اصعدي السلم. استقبلها بسعادة، أخذ كفها بين يديه كأنها عصفور لا يريده أن يطير وقال: -
أنها مفاجئة جميلة يا جين، اشكرك جدا على هذه الزيارة، هل تشربين الشاي معي ؟ أنه ما زال ساخنا. ذهب يتكأ على عصاه، وعاد بعد لحظات حاملا كوبا كبيرا. اخذته منه وشكرته، وجلس على كرسيه وقال:
- في الحقيقة، أنت أول زائر لي منذ فترة طويلة ،فقلما يزورني أحد، الكل ابتعد عني، الأصدقاء والأقارب حتى ولدي وأحفادي، فلقد أصبحت ثقيلا عليهم كما سمعتهم يهمسون سرا. ونظر الى البحيرة بوجه حزين ، وهو يتذكر كيف عامله أحبابه في كبره. ومرت الأشهر وبقيت العلاقة الطيبة بين جين والعجوز مالكوم كما هي، تزوره بين حين وآخر، وفي كل يوم كان يأتي الى الكافتيريا تتغامز النادلات فيما بينهن ويتهامسن:
- جاء العجوز صديق جين، أخبروها لتخدمه، وكانت هي تذهب إليه كالمعتاد بوجه مشرق وابتسامة جميلة، وبصوت عذب تحاوره قليلا وتخدمه كثيرا، وكان هو يقدم لها وردة بيضاء من حديقته.
مرت أربعة أسابيع دون أن يظهر العجوز مالكوم في موعده المعتاد، قلقت جين عليه وأرادت أن تذهب لتسال عنه ولكن زحمة العمل منعتها، إلى أن جاء صباح ذلك اليوم، ودخل الكافيتريا رجل في حدود الخمسين من عمره، متوسط الطول، يرتدي بدلة غامقة وربطة عنق زرقاء، وفي يده حقيبة من الجلد الأسود، جلس على إحدى الطاولات. جاءته أحدى النادلات ، فطلب منها كوب من القهوة، وقال لها بصوت حازم كأنه مديرها:
- انا هنا لمقابلة الآنسة جين، ارجو منك أن تقولي لها.
جاءت بعد لحظات، فتاة جميلة، متوسطة الطول، شعرها أصفر معقوص خلف رأسها ، وعينان خضراوان، وقالت بكل أدب ورقة:
- أنا جين، كيف أستطيع مساعدتك.
- هل هناك فتاة اخرى بأسم جين تعمل نادلة هنا؟ سألها الرجل
- كلا، أنا الوحيدة. سألها :
- هل أسمك الكامل جين وليم روبرتسون
- نعم، ولكن لم كل هذه الأسئلة، من أنت؟
- أرجوك لا تقلقي، أجيبي على أسئلتي، وسأخبرك من أكون ولماذا. هل تعرفين رجلا عجوزا أسمه مالكوم؟
-نعم.. نعم أجابت بلهفة واضحة، أنه زبون لنا، وصديقي، لأني كنت الوحيدة التي تقوم بخدمته، وزيارته احيانا، ماذا حصل له؟ ، لم يأتي منذ عدة أسابيع! هل هو مريض؟ هل هو في المستشفى؟
- يؤسفني أن أخبرك أن العجوز مالكوم قد توفى بسكتة قلبية قبل فترة، وأنا محاميه، فقد جاء ألي مكتبي قبل وفاته بفترة وغير وصيته عندي، وترك لك هذه الرسالة، وناولها ظرفا صغيرا فتحته بارتباك واضح وقرأت عدة أسطر في ورقة واحدة:
(عزيزتي جين، يعز علي ان افارق الحياة دون ان اودعك، فلقد كنت لي نعم الصديقة التي عاملتني دون الناس برقة وطيبة وإنسانية، لم ألقاها حتى من أولادي وأحفادي، وعليه طلبت من المحامي ان يعيد كتابة وصيتي. في الوصية الجديدة تركت فيها (لك) كل ما أملك، البيت الأبيض الكبير، وسيارتي ومدخراتي في المصرف وهي أكثر من 25 الف دولار. عزيزتي جين، تركت لك هذه الثروة الصغيرة لتعينك على الحياة، بالمقابل أني أرجو منك فقط أن تحتفظي بابتسامتك الرقيقة المليئة بالمحبة والإنسانية وتسعدين الناس المحتاجين بها.، وتعلمي أولادك هذه الخصال الرائعة، من أجل أن يعيشوا سعداء ويسعدوا الآخرين..... المخلص جدو مالكوم)
رفعت جين عينيها الدامعتين ، ونظرت إلى وجه المحامي، الذي أبتسم لها بعطف وأخرج من حقيبته ظرفا كبيرا مختوما بالشمع الأحمر وقال هذه هي الوصية، وأريدك غدا في الساعة العاشرة صباحا في المحكمة حتى يتم فتحها بصورة قانونية، ثم نذهب لتحويل كل شيء الى أسمك. فقط أريد منك أن يكون معك ما يثبت اسمك رسميا. أغلق الحقيبة وغادر بعدما وضع ورقة من النقود على الطاولة ثمن قدح القهوة.
زهير الحكاك



#زهير_صادق_الحكاك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبن الفراشة
- عصافير جارتنا
- جمعية الخلق المثالي The Eugene Society
- الشاهدة والزنجي في حلتها الجديدة
- الضمير
- تباين السلوك بين الاغنياء
- من هو التكنوقراط؟
- حلاوة الذاكرة (قصة قصيرة)
- أسرار الدموع
- من هم العراقيون؟
- حقائق مثيرة عن الفراعنة
- لماذا وكيف يصل الانسان للعمر الثالث؟؟


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير صادق الحكاك - فتاة الكافتيريا ( قصة قصيرة)