أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسماء غريب - إنسانُ السّلام: مَنْ هُوَ وكيفَ يَتكوّن؟ تجربة صبري يوسف الإبداعيّة اختياراً















المزيد.....



إنسانُ السّلام: مَنْ هُوَ وكيفَ يَتكوّن؟ تجربة صبري يوسف الإبداعيّة اختياراً


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 7511 - 2023 / 2 / 3 - 17:58
المحور: الادب والفن
    


(1)
فلسفة اللِّقاء والاكتشاف

ثمّة علاقة قويّة بين الصُّورة وفضاء اللُّغة، وبينهما معاً وبين الجَّسد والرّوح، وبين هذه الأخيرة والحرف والرُّؤية، هذه الرُّؤية الَّتي هي نشاط حسّي وإدراك معرفي عليه يقومُ وبه يتشكَّل المعنى، ويصبحُ للواقعِ دلالة تُدْركُ بالعقل والحواس، وتُظهِرُ في الوقت نفسِهِ العلاقة بين الذّات والعالم. مِنْ هذا المنطلق كانت بدايات تعرُّفي إلى كنز الأدب والتَّشكيل المبدع السُّوري صبري يوسف؛ أيْ من باب الرُّؤية، هذا الباب الَّذي حينما تجاوزتُ عتبتَه ودخلتُ إلى ماورائيّاته، وجدتُ في انتظاري عالماً فيهِ من سحر اللَّون ما يعجز اللِّسان عن وصفه، ومن شغفِ الشَّكل ما تعجز اليد عن تحديده أو رسم خطوطه الأولى، ومن عبقِ الأبجديات وتاريخ الإنسان البكْر ما لا يستطيع قلم تغطيته ولا ورق احتواءه.
أجل، إنَّ الباحثَ والدَّارسَ الحقّ ليجدُ نفسه أمامَ صرحٍ فكريٍّ تشكيليّ قائم بذاته يصبحُ فيما بعدُ المعرضَ الفنّي الّذي يداومُ على زيارته، وإنّها، هي هذه المداومة الَّتي تجعلهُ يشعرُ كأنّهُ ليسَ فقط داخلَ معرض فنِّي رقميّ، بل وسط محراب بكلِّ ما في الكلمة من معنى، لأنّ اللّوحات تأخذهُ معها إلى حالة عميقة من التَّأمُّل، تأمُّلٌ هو في الواقع صلاة في حضرة اللَّون والشَّكل. صلاة آيتُها الصَّمت وترتيلتها اللَّالغة، وذلكَ لما يحدثُ بداخلهِ من فيض لا ينبثقُ عن العلاقة التَّقليديّة بين مستوى التَّعبير ومستوى المضمونِ، وإنّما عن سيرورة تسمحُ بالعبورِ من إحساسٍ لهُ صوت رنّان إلى إدراكٍ حسّيّ آخرَ صامتٍ هو التَّأويل المتنقّل من حالةِ اللُّغة إلى حالةِ اللَّالغة كفعلٍ بلاغي تبليغي للعين المُبصرة، هذه العين الَّتي ما إنْ تُدركُ ما في لوحات صبري يوسف من حزمات ضوءٍ ذات تشكيلات مختلفة حتّى تكفَّ عن البحثِ عمّا قد يكون داخل الأشكال والألوان من معنى بشكلٍ مُستقل عن الاستثمار الدَّلالي والتَّصويري للضوء، وذلك لأنّ هذا الضَّوء ذاته، يفتحُ المجال أمام النّظر بعين أخرى هي عين الرّوح الَّتي تعرفُ تماماً أنّ تفسير الألوان الفاقعة مثلاً، أو الفاترة أو المشبّعة وغير المشبّعة ماهي إلّا تغيّراتٍ تطرأ على الشدّة الضَّوئيّة الخاصّة بموقع كلّ لون على حِدة في كلِّ لوحة من لوحات صبري، وهي نفسها هذه التَّغيُّرات الَّتي تولّدُ ما يسمّى بالقيَم التَّصويريّة لكلِّ لوحة.
وإنّي لأعتبرُ الوصولَ إلى حالة عين الرُّوح من أسمى الحالات الّتي يبلغُها كلّ معتكف داخل محراب الإبداع الصبريّ اليوسفيّ، وهي الّتي بهَا يتحقَّقُ مفهوم السَّلام والوئام عبر رحلة معراجيّة يتحوَّلُ خلالها السَّالك أو القارئ إلى حمامة سلام لا تنطقُ إلَّا سلاماً ولا تكتب إلَّا جناناً وفراديسَ من المحبّة والعشق والتَّسامح والوئام بين كلِّ الكائنات، ولا أدل على هذا التَّحوُّل العظيم الّذي ينشدُه صبري يوسف من خلال خطِّه الإبداعي ما قاله وهو في إطار الحديث عن العلاقة بينه وبين قارئه: [قارئي هو صديقي، قارئتي هي صديقتي، أحياناً تتحوَّلُ إلى سنبلة شامخة في سماءِ ليلي، وأحياناً تتحوَّلُ إلى غيمةٍ عطشى إلى براري القصيدةِ، ربَّما نصّي يحرِّضها على كتابةِ نصٍّ، أو هي تحرِّضنِي على كتابةِ المزيدِ من النُّصوصِ!] (1)


(2)
صبري يوسف روح متغلغلة في الطَّبيعة

حينما يتحوَّلُ التَّأمل عند القارئ من حال النَّظر بلحظ العين، إلى حال البصر بعين القلب والرُّوح، فإنَّ أوَّل شيء يتحقَّق لديه هو انصهار الشَّكل بالمضمون، وإذْ أقول هذا فإنَّني أعني بأنَّ الشَّكلَ في لوحات المبدع والفنّان صبري يوسف هو المسؤول الأوَّل عن درجات الكمال الفنيّ الّتي تنبض في كلِّ ما يرسمه، وذلكَ لسبب بسيط للغاية: صبري يوسف روح متغلغلة في الطّبيعة وجمالها وبهائها الخلّاب، وهذا يعني أنّه معمّد بماء الرِّياضيات والموسيقى، كيف ذلك؟ هذا ما سأسعى لشرحه خطوة خطوة:
ليس ثمّة من كائن حيّ إلا ويسعى إلى الكمال، ولا أستثني الإنسان أبداً من دائرة الكائنات الحيّة، وإنْ كانَ منهجه ومسلكه في محاولة تحقيق هذا الكمال يختلفُ باختلاف تصوُّره له ولمعناه الحقيقي.
والعروج أو السَّفر نحو فردوس الرُّوح، أمرٌ موجود كمشروع مُمكن في الكون مُذْ كان الخلق والخليقة. وعليه فإنّ كلّ ماهو ممكن يسعى دائماً إلى أن يصبح حقيقةً أو فعلاً كاملاً، وهذا السّعي لا يتمُّ إلَّا عبر الشَّكل، مادامَ هَمّ كلّ كائن في الوجود هو إيجاد شكله الحقيقي، ولهذا غالباً ما يحدثُ أن يتطابق السَّببُ الشَّكلي مع السَّبب الغائي، ويصبح الشَّكل مطابقاً لجوهر الشَّيء كيفما كان هذا الأخير.
أمّا وكونُ الشَّكل هو العنصر الرَّئيس والحاسم في الفنّ، فإنّ هذا مردُّه إلى الخامة الأمّ الّتي منها نبعتِ الطّبيعة المعروفة بسيطرة الشَّكل عليها قبل المضمون، لذا تصبحُ أكثر الأسئلة قابليّة للطرح الآن وأنا بصدد مقاربة إبداع صبري يوسف لوناً وحرفاً هي الآتي ذكرها: ماهو الشَّكل الحقيقي للطبيعة الّتي نهلَ منها صبري خميرة فنّه وإبداعه؟ ومَنْ وكيفَ هي هذه الرُّوح الخلّاقة الَّتي تسكنُ كلّ خلاياه وتملأ عليهِ ليلهُ ونهارهُ وحياتهُ في حالات النَّوم كما في حالات اليقظة؟!
أمّا وعن الشَّكل الحقيقي للطبيعة الَّتي نهلَ وينهل منها صبري يوسف خميرة إبداعه، فإنّه أمر لا يمكن تقصّيه إلّا من خلال الاطلاع والإحاطة بكلِّ أعماله بدونِ استثناء؛ التّشكيليّة منها، ثمّ الشِّعريّة وصولاً إلى الرِّوائيّة والقصصيّة، دون إهمال الأعمال الاستلهاميّة الَّتي استمدَّها من إبداعات وأعمال فنِّيّة لأدباء أو تشكيليين آخرين غيره(2). لأنَّ هذا الاطلاع، وهذه الإحاطة سيمكنّان الباحث من الوقوف على مفاتيح عدّة تقوده إلى قراءة سليمة لنتاج صبري يوسف. ولعلّ أهمّ سمة تُميِّزُ كلّ إبداعاته، هي تقنيّة النَّصّ المفتوح والَّتي لا تقتصر أبداً على النَّص الشِّعري، وإنّما تتجاوزه إلى النَّص اللَّوني، أيْ إلى لوحاته كاملة. وهذا ليس لهُ سوى معنى واحد: صبري يحاكي الحركة الدَّائريّة للطبيعة، إذ لا يوجدُ في الطَّبيعة شيء مغلق أبداً، وإنّما هي فضاء مفتوح، أرضاً وسماءً، وكلٌّ في تواصل وتناغم أزليَيْن، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على تمسُّكِ صبري بمبدأ لانهائيّة الخلق ومطلقيّة الإبداع الّذي لا ينتهي إلَّا ليبدأ من جديد، حلقة تتلوها حلقة في تشابك وتداخل وتزاوج مستمر، وهي هكذا الطَّبيعة تدور بفصولها المتوالية، وبكواكبها ونجومها المتحرِّكة بانتظام منقطع النَّظير، وبكلِّ ما يحدث داخل الإنسان الَّذي هو تجسيم وتجسيد مصغّريْن لهذا الكون الفسيح!
ويُعدّ المفكّر الإيطالي أومبيرتو إيكو من أوائل روَّاد النَّقد العالمي ممَّن انتبهوا إلى هذه العلاقة المتناغمة والمتكاملة بين الإبداع الفنِّي والطَّبيعة فأسماهما معاً نصّاً مفتوحاً، وذلك أثناء مداخلته الَّتي قدَّمها في المؤتمر العلمي الثَّامن عشر سنة 1958 حول إشكاليّة (الأثر المفتوح)، والَّتي طبّقها على مجالات عدّة تجاوزت النَّصّ الأدبي لتصل إلى العمل الموسيقي وكذلك التَّشكيلي والتّلفزيوني وما إليه من مجالات أخرى تتعلَّق بظاهرة الإبداع في العالم المعاصر(3)، فكلُّ شيء بالنّسبة لأومبيرتو كما لصبري أثر مفتوح، وموضوع جمالي قابل للتأويل ولا يمكن أن يُنظر إليه من زاوية واحدة، لأنَّ كلّ عمل إبداعي يمكن أنْ يجدَ له الدَّارس شكله الأصيل الَّذي ارتآه له مؤلّفه من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ كلّ قارئ وباحث يمكنه أنْ يتفاعل مع هذا الأثر بوصفه مفتوحاً عبر مجموعة من العوامل المتداخلة بين ماهو ثقافي، وآخر اجتماعي، وثالث شخصي ورابع ذوقي جمالي، بشكل يصبح معه النَّظر أو الإطلاع على العمل الإبداعي متعة لا تضاهيها متعة لما تمنحه للمتلقِّي من حرِّية تسمح له بتنفيذ العمل وإعادة إحيائه في إطار إبداعي جديد وأصيل في الوقت ذاته.
أمَّا عن سؤال مَنْ هي وكيفَ تكون هذه الرُّوح الخلَّاقة الَّتي تسكنُ كلّ خلايا صبري يوسف وتملأ عليهِ ليلهُ ونهارهُ وحياته في حالات النَّوم كما في حالات اليقظة، فهو ما لم أتمكَّنْ من الإجابة عليه إلَّا بعد أنْ حزمْتُ حقائبي في أواخر شهر تمُّوز من سنة 2015 وذهبتُ إلى جيراشي، وهي مدينة جبليّة توجد في صقلية الشَّرقيّة وسط جبال (لي مادونييه)، وأقلّ ما يمكن أنْ يُقالَ عنها، إنّها جنَّة من جنان الله على الأرض، وهناك أقمتُ بدير عتيق يعود تاريخه إلى أزيد من مئتي وخمسين سنة، حيثُ كنت أقضي النّصف الأوَّل من اليوم في القراءة والتَّأمُّل، ثمَّ محاولة مقاربة كلّ لوحات صبري الّتي تتجاوز من حيث عددها المئة لوحة، إلى أن وقع بصري على لوحة تطلَّبت منّي وقتاً أطول (ربّما يوماً أو يومين) من التَّفكير وإمعان النَّظر، وإنّي لأظنّها المفتاح الرَّئيس لفهم الفكر الصبريّ اليوسفيّ برمّته. وكم كانت فرحتي عظيمة حينما توصَّلتُ إلى هذا الأمر، ولكي أكافئ روحي على ما نالته من لطف إلهي جميل، قرَّرتُ أن أخرج بعدَ العصْرِ في نزهة بين أشجار جيراشي وطبيعتها الخلّابة(4)، وهناكَ لفتتْ نظري حديقة شاسعة وغنّاءة، أو بالأحرى أرجوحةٌ كانت بداخل هذه الحديقة، فتذكَّرتُ طفولتي البعيدة، واقتربتُ من المكان ثمَّ فتحتُ بابَهُ الحديديّ الصَّغير ودخلْتُ، وبينما أنا أتجوَّلُ بين زهوره وأعشابه المختلفة إذا به تستوقفُني من بعيد معلمة تاريخيّة، وحينما تقدّمتُ نحوها بخطوات أسرع، وجدتُ أنّ اسمها هكذا بالحرف الكاملِ؛ (معلمة تاريخيّة مهداة إلى السَّلام الكوني). خفق قلبي بشدّة، وسألتُ نفسي: ما معنى هذا؟ هلْ حقّاً للمكانِ قداسة دون قداسةِ القداسات كما يقول صبري؟(5)، هل كانت جبال هذه المنطقة تعرفُ بقدومي، وبمَا يشغلُ فكري في هذه الفترة، ولأجل هذا قدّمَتْ لي هذه الهديّة الثَّمينة؟!
هذه المعلمة التّاريخيّة أنشأها نحّات إيطالي اسمه (تومّاسو جيراشي/Tommaso Geraci) من مواليد سنة 1931، وقد أهداها لضحايا الحربين العالميَّتَين الأولى والثَّانية، وكتب فوق لوحة من الأسمنت الكلمات التَّالية: ((زمنُ الزَّيتون يتبعُ زمنَ القمح/ وزمنُ القمحِ يتبعُ زمنَ الوردة))، ورصّها إلى جانب أكبر الشَّخصيَّات التَّاريخيّة الّتي جسّدتِ السّلم والسَّلام في العالم، وهي المهاتما غاندي، وقدّيس الحبّ ماسيمليانو (ماريا كولبي/Massimiliano Maria Kolbe)، وشهيد الوطن (سالفو داكويستو/Salvo d’acquisto) (6).
وبعد أن وثّقتُ بالصُّور هذه اللَّحظة التَّاريخية النَّابعة من عمق أعماق حرف السَّلام وأهله وحَفَظَتِهِ في كلِّ مكان، عدتُ إلى الدّير بسرعة ثمَّ أخذْتُ بين يدي لوحة صبري الَّتي كنتُ قد توقَّفتُ عندها قبلَ هذا اليومِ كثيراً، وأعنِي بها تحديداً هذه المدرجة في الملحق الخاصّ بهذه الدراسة (7)، وهي نفسها الّتي ستكونُ نقطة الانطلاق في تقصّي درجات هذا الفرح والوئام والسَّلام الَّذي يسكنُ صبري يوسف، ويرغبُ في مشاركته مع غيره من المخلوقات كافّة، طيراً كانَ أو حجراً أو شجراً أو بشراً:
لست معنيّة بالدُّخول في متاهات تحديدِ المدرسة التَّشكيليّة الَّتي ينتمي إليها صبري ولا بتحديدِ الخطِّ الفنّي الَّذي يسمُ لوحاته، طالما أنّ صبري نفسه لا يعير إلى هذه التّفاصيل أيّ اهتمام وهو القائل في أكثر من مقام ومقال، إنّه حينما يرسم لا يتوقّف عند مدرسة أو تيّار فنِّي معيَّن، بقدر ما يتوقَّف عند مشاعره العفويّة المتدفِّقة مثل حنين العشَّاق إلى أعماق تجلِّيات الرُّوح، أو مثلَ شلالٍ يتدفّقُ من أعالي الجِّبال، أو كشهقةِ طفلٍ لإشراقةِ الشَّمسِ في صباحٍ باكر، حيث تتداخل عدّة أساليب في اللَّوحة الواحدة، وغالباً ما تتدفّق هذه الألوانُ بشكل عفوي حلمي تأمُّلاتي (8)، كما لا تعنيني أيضاً معرفة اسم اللَّوحة، سيّما وأنّ صاحبها لا يسمّي ولا يُعَنْوِنُ لوحاته أبداً، وهذا يدخل دائماً في إطار ما يسمّيه صبري بالنّص المفتوح، وعليه فإني سأدخل مباشرة في قراءة اللَّوحة جزءاً جزءاً وهو الأمرُ الَّذي سيستدعي منّي تقطيعها وفقاً لضررويَّات العمل التّحليلي وتقنيَّاته:
تتكوَّنُ اللَّوحةُ من أربعةِ حقولٍ بصرية، هي: الأنثى العارية الحامل، والطّفل الأخضر العاري إلى جانبها، ثمَّ أسفل بطن المرأة الحامل ورأس الطّفل، وختاماً أرضيّة اللَّوحة المزخرفة بألوان مختلفة، وهي كلّها حقول بصريّة مترابطة مع بعضها بعضا لوناً وفضاءً وعدداً، وعليه يتطلَّب الأمر التَّوقُّف عندها جميعاً، كلّ حقل على حِدة:


1) الأنثى العارية الحامل (9)
ثمّة في هذا الحقل ثلاث دلالات سيميائيّة أرصّها كما يلي:
ـ الرَّأس والوجه: بالنّسبة للرأس فهو مكلَّل بكتلةٍ ذهبيّة من الشَّعر القصير الَّذي لا يتجاوز حدود الرَّقبة، أمّا الوجه، فإنّ أهم سمة تميّزه كونه بدون عين بصريّة خارجيّة، ولونه من لون الشَّعر لكن بدرجات أكبر من حيث كثافة الضَّوء إذ انتقل من درجة الذَّهبي الغامق إلى درجة الذَّهبي الشّفَّاف أو الأصفر.
ـ الثَّدي: صغير نسبيَّاً، بحجم وشكل إجاصة، نافر وبدون حلمة.
ـ البطن: منتفخة، لأنثى عارية في حالة حمل، وما العري هنا إلَّا حالة من حالات التَّجرُّد والتَّسليم.
إذا كان الوجه بدون عين، والثّدي نافر وبدون حلمة، والبطن تتَّجه بحركتها الانتفاخيّة نحو الأسفل، فهذه كلّها وبدون شك علامات بصريّة سيميائيّة لشيء مخالف تماماً للمعنى المعتاد عليه لدى عامة النَّاس عن الأنثى الحامل، فما الَّذي ياترى تريدُ أن تقوله لنا الذَّات التَّشكيليّة اللَّونيّة لصبري يوسف من خلال هذه التَّفاصيل الَّتي لا أظنُّها أبداً بالاعتباطيّة ولا بالعفويّة؟
هذا ما ستتمُّ مقاربته بدون أدنى شك عبر المضي قدماً في تحليل بقيّة الأجزاء والمقاطع من اللَّوحة ذاتها.

2) الطّفل الأخضر العاري (10)
حركة الرَّأس هي أوَّل ما يمكن ملاحظته في هذا الطّفل، فهي حركة انتصابيّة لوجه ينظر إلى الأمام. أمّا شكل الصّدر فموافق تماماً لحركة الرَّأس، ممَّا يعني أنّه مندفع نحو الأمام وبقامة منتصبة. هذه الحركات هي نفسها حركات الأنثى "الحامل" الّتي يقف إلى جانبها الطّفل، لكن ثمّة سؤال يجب طرحه الآن: ماذا لوْ تمّ جمْعُ حركات الجَّسدين مع بعضهما البعض؟ لا شكّ أنّها ستولّد حركة طاقيّة آليّة أخرى لا يمكن أنْ يُتصوَّر معها شيء آخر سوى أنّ كِلا الجَّسدَين هما في حالة حركة ومشي وسط حقل تكويني تخليقي، أشار إليه صبري باللَّون الأخضر، ثمَّ بدرجة معراجيّة جسّدها عبر اللَّونَين الذَّهبي الغامق والأصفر المضيء.

3) أسفل بطن المرأة الحامل ورأس الطّفل (11)
هذا المقطع من اللوحة إشكاليّة قائمة بذاتها، لأنّه يفتح الباب على أسئلة ليس لها حدّ، فهل نحن مثلاً أمام أنثى هي أمّ لطفلين، الأوَّل هو الجَّنين الَّذي تحمل في أحشائها، والثَّاني الطّفل الَّذي يمشي بقربها؟ إذا كان الأمر كذلك فما معنى أن يكون رأس الطّفل مرسوماً في المكان الّذي يفترض فيه أن يكون هو الرَّحم؟ وهل هذا يعني أنَّ الجَّنين الَّذي تحبل به الأنثى الذّهبيّة اللَّون هو نفسه الطّفل الأخضر؟
هذه أسئلة لا يمكن الردُّ عليها إلَّا إذا تمّ استحضار الحالة الحقيقيّة الَّتي تكون عليها فعلاً المرأة الحامل، فمن النّاحية الطّبيَّة الفيسيولوجيّة يكون الثَّدي أكثر انتفاخاً والحلمَة أكثر اتِّساعاً، أمَّا الجَّنين فغالباً ما يتّخذ له وضعيّة يكون فيها رأسه إلى الأسفل، أي تجاه عنق الرَّحم. وعليه فإنّهُ يستنتج أنّ كلّ هذه الصِّفات لا تنطبق بشكل كامل أو مطلق على الأنثى الحامل الّتي هي محطّ دراساتنا، ممّا يعني أنّنا أمام خطاب سيميائي مرموز لا بدّ من كشفه عبر المزيد من التَّفكيك والتَّحليل، ولعلّ المفتاح يكمن بالتَّحديد في هذا الطّفل الأخضر، الّذي هو نفسه الجَّنين الَّذي تحبلُ به الأنثى الذَّهبيّة، على الرُّغم من أنّ صبري أراد لهُ أنْ يكون جسداً مرئيَّاً خارج رحم أمه، محتفظاً في الوقت ذاته على دلالة انتفاخ البطن وامتلائها. ومن دلالة الرَّحم سيتمُّ من جديد الانطلاق للوصول إلى تحديد تفاصيل أخرى أكثر دقَّةً ووضوحاً.
4) الأرضيّة المزخرفة (12)
الرَّحم هو باب الحياة، وغالباً ما يرتبط في الطَّبيعة بمفهوم الكهف أو الغار: مكان رطب، مظلم تتبرعم فيه كلّ العناصر الَّتي إذا اجتمعت أثمرت الحياة، ولعلّ هذا ما يفسِّر كيف أنّ أهل التَّصوُّف أعطوا أهمِّيّة كبيرة للغار باعتباره مكاناً للخلوة والانعزال، لأنّها هي هذه الخلوة والاتصال بأعماق النَّفس والرُّوح من يمنحان السَّالك فرصة الولادة من جديد والتَّحرر من كلِّ قيودِ وربقات الماضي المظلم البعيد. والرّحم أو الكهف الأنثوي مرتبط بعنصر الماء، ففيه يسبح الجَّنين، أو فيما يسمَّى على وجه التَّحديد بالسَّائل السّلوي، ومن الماء خُلق كلّ شيء حي، وهو هذا الماء الَّذي أشار إليه صبري في اللَّوحة باللَّون الأزرق، الأرضيّة الحقيقيّة الَّتي تتحرَّك فيها الأنثى وجنينها الأخضر.
إذن فالأنثى الحامل هي رمز للخصوبة، والماء بداخلها ومن حولها رمز لنسغ الحياة، والطّفل أو الجّنين رمز لولادة جديدة، وكلّ هذه الدَّلالات هي جميعها رمز لمسار تطوُّري ميتامورفوزي، للنفس والرُّوح (الأنثى وطفلها). وعليه فإنَّ اللَّوحة تحكي للقارئ قصّة التَّخليق، أي اللَّحظة الَّتي تنقسمُ فيها الطَّبيعة البشريّة الفعليّة إلى أنيموس وأنيما، أو بتعبير آخر إلى روح بدئيّة وأخرى واعية. والرُّوح البدئيّة هنا هي الطّفل الأخضر وهي بلا وعي ولا معرفة إلَّا أنّها قادرة على تنظيم السّيرورات التّشكيليّة للجسم، أمّا الواعية فهي الأنثى الذَّهبيّة، وهي قادرة على تكييف نفسها بلا توقُّف، لأنَّها هي الحاكمة للقلب البشري مادامتْ تُقيمُ وتعيشُ فيه، ولعلّه لأجل هذا يصبح القلبُ هو السَّيّد وتفقد الرُّوح البدئيّة (الجّنين) مكانها لصالح الرُّوح الواعية(13).
تمرّ ستُّ سنواتٍ ويرسمُ صبري يوسف سنة 2011، ثلاث لوحات أخرى نبعتْ كلّها من لوحة الأنثى وجنينها، وحرصَ فيها كلّ الحرص على أن يُصبحَ مفهومه للتطوّر والتّحوّل الرُّوحي الإنساني أكثر وضوحاً واكتمالاً، وهي اللَّوحات الَّتي سأصُفُّها كاملة كما يلي، ثمَّ أبدأ في تحليلها وبالتَّالي العمل على برهنة العلاقة بينها وبين لوحة الانطلاق الأولى (14):
1 / 1 لوحة السَّمكة والسُّلحفاة
في هذه اللَّوحة اختفى القلب الَّذي كان يبدو ثنائي الحضور في لوحة الأنثى وطفلها الأخضر، واختفيا كذلك جسدا الطّفل والأنثى، وهو أمر مقصود من صبري يوسف، فهو يعلم تمام العلم أنَّ الإنسانَ إذا أراد أنْ يحافظَ على الرُّوح البدئيّة فيجب عليه أولاً وبكلِّ صرامة أن يُخضعَ الحواس ويُحْكِم سيطرتَه عليها، وينسَى وهو في بداية الطَّريق كلّاً من الجّسد والقلب، حتّى تتمكنَ الرُّوح من الغوص في البطن أو ما يسمَّى بالضَّفيرة الذَّهبيّة، وهي العمليّة الَّتي عبّر عنها صبري عبْرَ تحوّله من مرحلةِ السَّائل السّلوي المختزن وسط الضَّفيرة الذَّهبيّة (أو بطن الأنثى الذَّهبيّة اللَّون) إلى سائل آخر هوَ هذه المرَّة أزرق اللَّون، لأنَّه اكتسبَ لون العروج نحو سماوات الرُّوح، وهذا ما يمكنني أن أسمِّيه بطريقة إقلاع أو بداية العمل أو الطَّيران (15) بهدف الوصول بالرُّوح إلى مركز الطَّاقة الإلهيّة من خلال عنصر الأنوثة المؤلَّهة. وقد يتساءل القارئ عن معنى هذه الأنوثة المؤلَّهة، وهل كانت حاضرة في اللَّوحة الأولى كما الثَّانية؟ فأجيبُ بنعم، إلَّا أنّ صبري استبدلَ صورة الأنثى الذَّهبيّة الموجودة في الصُّورة الأولى بعنصرين آخرين، وأقصدُ بهما السَّمكة والسُّلحفاة:
- عنصر السَّمكة:
قبل أن يظهر هنا في هذه اللَّوحة فإنّه كان مخزّناً في خطوط جسد الأنثى الحامل، سيّما في الجّزء الخاص بقوس البطن والثَّدي وتجويفات الظَّهر من الأعلى إلى الأسفل، وهي كلّها أشكال هندسيّة إذا تمّ تجميع بعضها فوق البعض الآخر بشكل زوجي، فإنّها تعطي الشّكل المعروف للسمكة كما هو واضح في الرّسم التّخطيطي الموجود بالملحق (16).
السَّمكة رمز مقدّس بامتياز في جميع الحضارات والدِّيانات لأنّها تعني الأنوثة المؤلّهة، المسؤولة عن الخصوبة والخيرات وعن تشكيل الجَّنين الرُّوحي أو الرُّوح الحيّة الخالدة.
- عنصر السّلحفاة:
السّلحفاة كائن محبّب كثيراً لدى الفنَّانين، ولا تكاد تخلو لوحاتهم منه، وغالباً ما يرسمون قوقعته على شكل رقعة شطرنج لأسباب معيّنة سأتحدَّث عنها بعد قليل. والسّلحفاة هي الإنسان الكوني الحافظ للغة السَّماء الأولى، وهي معروفة بصبرها وطول تعميرها، ولهذه الأسباب اختارها صبري كي يعبّر بها عن قوَّة الصَّبر والجَّلَد، والقدرة على الدُّخول إلى القوقعة أو كهف الخلوة كرمز للعودة إلى المبدأ الأوَّل. أمّا عن ظهرها الَّذي أصبح رقعة شطرنج ذات مربَّعات سوداء وأخرى بيضاء، ففيه إشارة إلى الأرضيّة الَّتي عليها تتمُّ كلّ عمليات التَّطور والتَّحول قبل الوصول بالإنسان إلى حالة الرُّوح الذَّهبيّة الخالصة، أو إنسان السَّلام الكامل، وعليه يصبح اللّونان الأسود والأبيض رمزَين للصراع بين الشَّر والخير، أو بين ميكال والشَّيطان، أو بين النُّور والظَّلام، أو بين الحرِّيّة الدِّينيّة والأفكار الغوغائيّة العمياء الَّتي لا صلة تربطها بالله وبالدِّين لا من بعيد ولا من قريب.
1 / 2 لوحة الطَّائر الملوَّن:
هذا هو إنسان السَّلام قد اكتملَ وأصبح جاهزاً للإقلاع والطَّيران. كيف ولماذا؟ لأنّه يحملُ كلّ الخصائص الَّتي تؤهِّله لذلك، فهو يحمل نفس ألوان سمكة اللَّوحة الأولى، وهي لمن يُمعن النَّظر والتَّأمُّل، ألوان قوس الطَّيف الَّتي تمّ اعتمادها في العالم كرمز للسلام، وما من فراغ يقول صبري عن هذه الرُّوح أو طائر السَّلام المرفرف:
"رفرفي يا روحي شوقاً / إلى حدائقِ الجنّة / جِنَانُ السَّلامِ / نعمةُ النِّعماتِ / منذُ أنْ كانتْ بذوراً / في أرحامِ الأجنّة!" (17)
1 / 3 لوحة الأنثى * الحمامة * السُّنبلة
هذه اللّوحة تحملُ عصارة ماسبقتها من اللَّوحات، لأنّها جمعتْ كلّ ما ظهر فيها آنفاً من أيقونات ورموز. وفيها بدتْ الرُّوح منصهرة ومتجلّية بعمق من خلال أنثى هي هذه المرّة مُجنّحة لأنّها حمامة سلام، وسنبلة لأنّها خبز الله وشمسه على الأرض، وكلُّ من أكل منه لا يمكنه سوى أن يتحوّل إلى إنسان سلام، هذا الإنسان الّذي قال عنه يسوع: [اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير](18). فمهما بلغ العالم من تقدُّم وعلم وتطوُّر، فإنّه لا يستطيع أبداً أن يدرك سرّ هذا الثَّمر الكثير الَّذي يُحصدُ من حبّة حنطة واحدة، ولا كيف يتحوّل الحصاد إلى مضغة وعظام في جسد الإنسان والحيوان. وهذا هو المعنى الحقيقي والسرّ الأكبر الَّذي يبوح به صبري يوسف لقارئه عبر لوحاته ونصوصه، إذ على كلّ من يريد أن يصبح إنسان سلام، أنْ يتحوّل هو ذاتهُ إلى هذه الحبَّة من الحنطة الصَّالحة الجَّيدة، لأنّ السَّلام الحقَّ هو أن يصبحَ الإنسان مع الله في السَّعادة روحاً ونفساً وجسداً. فمَنْ يحبُّ نفسهُ يهلكها ومَنْ يُبغضها في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبديّة. ولا غرابةَ إذن أن تجد أيها القارئ مفهوم الحنطة والشَّمس حاضرا في العديد من لوحات صبري كما هو واضح على سبيل المثال لا الحصر في هاتين اللَّوحتين (19).
وكما يبدو جليَّاً فإنّ مضمونهما ومحّ البيضة فيهما يبدو أشدَّ قرباً من رسالة فنسنت فان جوخ الأبديّة، الّذي كان يدعو إلى المحبّة عبر حقول قمحه وشموسه الباهرة، وإن لمْ ينصفه لليوم أحد من النّقاد ووصفوه بشتّى الأوصاف والنّعوت الّتي لا يقبلها عقل ولا منطق، بل صدَّقوا حتّى حادثة انتحاره، إلى غير ذلك من البدع والأقاويل الَّتي تفنَّنَ خيالهم في حكايتها ونسجها حول رسَّام حنطة الله وشمسه المشرقة بالمحبّة على الجّميع. وهي هذه المحبّة الّتي نجدها أيضاً حاضرة هنا في لوحة صبري، وقد زرع بذرتها بين السّنابل، وجعلها تتجلَّى من خلال الحروف الأولى الدّالّة عليها باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة؛ (ح / حُبّ) و(L / Love) (20)، وذلك لما يحمله صبري من إيمان عميق بما للمحبّة من أهمِّيّة في الحفاظ على سلامة الكون بأسره، وتحقيق السّلام بداخله، لأنّها هي وحدها المفتاح الّذي يُفتح به قلب الإنسان أو زهرتُه الذَّهبيّة الّتي ما إن تُلامِسُها نسمات المحبّة حتّى ينتشر عطرها محمولاً على أكفِّ الرِّيح في كلِّ الاتّجاهات ويصل إلى أبعد نقطة على الأرض. أَوَليسَ هذا هو زمن الزَّيتون والقمح ثمَّ الوردة، الزَّمن العجيب الَّذي فتح لي ذراعيه واحتضنني بكلِّ محبّة في حديقة جيراشي التّذكاريّة، هناك حيث المهاتما غاندي، وماسيمليانو ماريا كولبي، وسالفو داكويستو؟!
أوَليْسَتْ هذه هي حنطة الله الّتي يقولُ عنها صبري في هذا المقطع من كتابه (تجلِّيات في رحاب الذَّات) ما يلي: [قبل أن نطحن الحنطة في الطَّاحونة ونحوّل الحنطة إلى دقيق كي نصنع منه الخبز، يتمُّ تنقية الحنطة على الصّفرة، ويتمُّ تنقية الحنطة ممّا تبقَّى من البربور أو الزِّيؤان أو الحصى الصَّغيرة والأعشاب والحبيبات الغريبة، وتبقى الحنطة فقط مغسولة وصافية من كلِّ شيء، بعدها يتمُّ نقلها إلى الطّاحونة ونطحنها لتصبح طحيناً، وتعجنه أمّي أو أختي إلى أن يختمر، ثمَّ تقطِّع العجين إلى كتل صغيرة وتصنع منه أرغفة مدوَّرة وتتركه يتهدّى قليلاً وتخبزه بالتنُّور إلى أن يتقمَّر، وتجمعه في طشت كبير وتنقله للمنزل ونتناوله على مدى أيام، أشهى وأطيب خبز هو خبز التَّنور الّذي كانت تصنعه أمَّهاتنا أيّام زمان!]؟!(21)
أجل إنّها هيَ، خبز الجِّياع إلى المحبّة، هذه المحبّة الّتي هي عند صبري يوسف شيء آخر غير العاطفة السَّاذجة، لأنّها صعود نحو الأعلى واحتفال راقص على إيقاع الحياة. ألا ترى معي أيُّها القارئ العزيز أنَّ كلّ لوحات صبري هي رقص ممتلئ بالفيض والنُّور الّذي لا يكلُّ ولا يملُّ من مشاركته مع الآخرين؟! وإلَّا فما معنى ما يقوله مثلاً هنا في هذه الأبيات المقتطفة من ديوانه الجَّديد (أحلام مشروخة على قارعة المتاهات):
[المحبّةُ ماءُ الحياةِ
عشبةُ خلاصي وخلاص أنبلَ الكائنات
المحبَّةُ حبري المعرَّش في حبقِ السّماءِ
///
وحدَها المحبّة تنقِّي القلوبِ
من تكلُّساتِ هذا الزّمان
وحدَها المحبّة تصفِّي ينابيعَ الأوطانِ
من شوائبِ هذا الزّمان
وحدَها المحبّة تزيّنُ وجهَ الضُّحى
ببراءةِ ابتساماتِ الأطفال!]؟! (22)
بل ما معنى أن تضجّ العديد من لوحاته بصور القلب في كلِّ تمظهراته وتشكُّلاته وألوانه، وإنّي لا أجد وأنا بصدد الحديث عن القلب والمحبّة، أفضل من هاتين اللَّوحتين اللَّتين سأتوقَّف عندهما ولو لوقتٍ قصير (23).
الذَّات الإنسانيّة البشريّة عند صبري يوسف هي ذاتٌ واحدة مبرعمة ومنبعثة من الذَّات الإلهيّة إلى ملايين وبلايين الذّوات الَّتي تتعانق مع بعضها بعضاً لأنّها تحنّ إلى ذاتها الأولى الأصل، المنبثقة من لُدْنِ السَّماء (24)، أجل، هو هذا الحنين الَّذي يُحرّكُ القلب البشري بموجب مبدأ المحبّة فيدفعُه إلى البحث عن بذرته الأصليّة، وبالتَّالي إلى التَّحوُّل إلى قلبِ السَّماء بل شمسها الَّتي ترسلُ أشعّة تدفئ بوهجها محراب الجّسد وتشعلُ بنورها فتيل الرُّوح (اللَّوحة 02). وحده هذا القلب، هو الجَّوهر النُّوراني الَّذي يتوسَّط بين النَّفس والرُّوح، والّذي به يتحقَّق إنسان السَّلام، وقد مثّل في القرآن الكريم بالزّجاجة والكوكب الدّرِّي، أمّا الرُّوح فمُثِّلت بالمصباح، وما من فراغ تجدُ صبري وقد جعلَ النّفسَ في القلب الأحمر شجرة معرّشة تنبت في بستان الجّسد، وجعلَ القلب لوحاً محفوظاً تتنزّل فيه الفيوضات والأنوار (اللَّوحة 01)، وقد صدق عزَّ وعلا حينما قال في هذا الصَّدد: [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] (25)
الآن وقد ظهر معنى القلب محبّة وعطاءً ونوراً وشمساً في الفكر الصبري اليوسفي، بقي سؤال آخر لابدَّ من الإجابة عليه كي تتمّ محاذاة صورة إنسان السَّلام عند صبري بشكل أكثر عمقاً وشموليّة، وسؤالي هو الآتي: من أين نبع مفهوم الأنوثة المؤلّهة عند صبري؟ ومن أين جاءت هذه الأنثى الّتي تصبح تارةً سمكة وتارةً أخرى سلحفاة وتارةً ثالثة شمساً ثمَّ سنبلةً فقلباً متوهِّجاً؟!

(3)
أمومة مثلَّثة:
سيدة صامو شلو، ديريك، مريم

لستُ أبداً ممّن يحبُّ مقاربةَ اللَّوحات الفنِّيّة من وجهة نظر علماء النّفس فقط، ذلكَ أنّ التَّجارب الّتي شهدها تاريخ التّحليل النّفسي في هذا الصَّدد كانتْ في معظمها كارثيّة النّتائج، فكثيراً ما كان ينحى العديد من علماء النّفس وخاصّة منهم أولئك المتأثّرين بالمدرسة الفرويديّة طريقاً لا تقودهم أبداً إلَّا إلى نظريّة الكبت أو القهر الجّنسي، أو إلى عُقَد أوديب وإلكترا وقابيل وغيرها، معتبرين هذه "العُقَد" دائماً وأبداً الدَّافع الأوَّل وراء كلّ إبداع وفنّ وتشكيل، ولعلّ ما صدرَ عن سيغموند فرويد من تعسُّف تأويليّ في حقِّ التَّجربة الفنِّيّة الكبيرة للفنّان العالمي ليوناردو دافينشي، أكبر دليل على ما ذهبتُ إليه من قول(26)، فهو إضافة إلى تعسُّفه هذا، لم يأبه أبداً إلى ما ارتكبه من أخطاء منهجيّة فادحة سجنتْ ليوناردو في دائرة تأويل الحرمان أو الكبت الجِّنسي لعهود طويلة. إلَّا أنَّني لا أعتقد أنّ تجربة صبري يوسف ستؤول إلى نفس المصير، ليسَ فقط للتطوُّر الكبير الّذي عرفهُ علم النّفس اليوم، ولكن لأنّ صبري تركَ للجميع، قراء عاديين كانوا أو نقّاداً كلّ المادّة البحثيّة الَّتي لن يضلّوا معها أو بها الطَّريق أبداً، ولعلّ هذا أيضاً يدخل في مضمار تقنيّة النّص المفتوح الّتي اعتمدها صبري كأسلوب للتعبير عن إبداعه ومكنوناته، ذلك أنّهُ هو نفسه نصٌّ مفتوح، ما إن تحاذيه حتّى تجدَ العديد من المؤلّفات واللَّوحات الّتي يتحدَّث فيها عن نفسه مُذ وُلد، إلى اللَّحظة الَّتي أنا بصدد كتابة هذه الحروف، والّتي منها وفيهَا وجدتُ أنا أيضاً جوابي عن السُّؤال الَّذي طرحتُه قبل لحظات عمّن تكون هذه الأنثى الَّتي تُصبح تارةً سمكةً وتارةً أخرى سلحفاةً وتارةً ثالثة شمساً ثمَّ سنبلةً فقلباً متوهِّجاً؟! إنَّها هنا، في هذا النَّص وفي لوحات أخرى سأختار منها واحدة تكون عيّنة للبحث والتَّفكيك.
يقول صبري يوسف في نصِّه (ترتيلة الرَّحيل): [ما كنتُ أظنُّ يوماً أنّي سأمسُك فرشاةً وأرسمُ فراشةً تحطُّ على خدِّ وردة أو على موجةِ البحرِ، فجأةً وجدتُني أتعانقُ مع ألوانِ الحياة، فَرَشْتُ ألواني كي أستريحَ بين عوالم طفولتي المتلألئة بين حقول القمح، سارحاً في براري الرُّوحِ، أركضُ خلفَ الفراشاتِ والعصافير.
عندما كنتُ أمسكُ فراشةً بعد مطاردةٍ طفوليّةٍ لذيذة، بعيداً عن أنظار الأمِّ، كنتُ أمسكُها بهدوءٍ يبهج كينونتي، أتكلَّمُ معها وأنظر إلى الوبر النَّاعم، إلى تشكيلِ بهائها الجَّميلِ، ما كنتُ أقاوم جمالها فكنتُ أبوسُها بكلِّ حبقِ الطّفولة ثمَّ أُطيِّرُها في الهواء وأبكي عليها لأنَّها كانت تطير بعيداً عنّي! كم كنتُ أشعر بالفرحِ وهي تكحّل طفولتي بألوانها الرَّائعة، الآن تتراقص أمامي بهجة تلكَ الأيَّام فأجدني أحنُّ إلى فراشتي الَّتي كنتُ أخبِّئها بين جوانحِ الرُّوحِ بعيداً عن الأضواء المبهرة كي لا تشتعل أجنحتها الشَّفيفة، ترقص فرشاتي مثل قطرات النَّدى وأرسمُ فراشة تجاورها فراشة ثمَّ تنفرشُ الفراشات فرحاً، فتولد لوحة من رحم الزَّمن الآفل، من جوانح الذَّاكرة البعيدة.
أتساءل: هل نحنُ الّذين عبرنا البحار وعبرنا الجُّسور وعبرنا بوّابات الشِّعر والنَّصِّ والقصِّ والسَّردِ والعشقِ، عرفنا لماذا تحومُ الفراشات حول الضَّوءِ إلى حدّ الاشتعال؟!
تعالي أيّتها الفراشة التَّائهة في عوالم الحلم، في عوالم البحث عن الفرح الآفلِ، لماذا لا تبقى أفراحنا ساطعةً فوق خيوطِ الشَّمسِ؟!
جنوحٌ لا يخطر على بال، كيف لا يتشرَّبُ الإنسان جمال الحياة من جمال الفراشات، من جمال سهول القمح، من جمالِ الزُّهور، من خدودِ الكون؟ هل كانت المرأة يوماً فراشةً أو زهرةً أو سنبلةً أو شجرةً يانعةً ولا ندري، وإلّا كيفَ تلألأت هذه الكائنات الرّائعة في صيغة التأنيثِ، في صيغةِ البهاءِ، في صيغة إنعاشِ القلبِ وانتعاشِ براري الرُّوحِ؟!] (27)
كلّ نصوص صبري أصيلة وواقعيّة، بل هي أكثر واقعيّة من الواقع نفسه، لأنّها تنبعُ لليومِ من الطَّبيعة، وكُتِبَتْ بعين الرُّوح والصَّفاء، هذه العين الّتي ترى كلَّ شيء كما هو، وليس كما يريدهُ الآخرون لأنّهم محجوبون عن الحرف. وأنا لم أجد نصوص صبري في قنينة زجاجيّة مرميّة على شاطئ مهجور، ممَّا يعني أنّني على علم تام بمن يكون صاحبها، وبالمفاتيح الّتي تقود إلى قراءَتِها قراءة سليمة، لأنّ صبري نفسه يحرص على أن يتحقَّق هذا الأمر لقارئه المعاصر له والمتواصل معه عبر الحرف واللَّون، وإنْ كنتُ لا أدَّعي أبداً كقارئة وباحثة أنّني استوعبتُ كلّ مكنوناتها، فهذا أمر مستحيل طبعاً، فالقراءة لا تعني أبداً أن يدخل المتلقِّي في تحدٍّ مع نفسه كي يظهر لغيره أنّه قد وضع يدهُ على محّ المعنى، ولكنّها قبل هذا وذاك تفاعل مركّب بين أهليّة المتلقِّي والكون الَّذي يتحرَّك بداخله، وبين الأهليّة الَّتي يفرضها عليه النَّص، ممَّا يعني أنَّ صبري أيضاً يعلم علماً تامَّاً بأنَّ ما كلّ التَّأويلات ستكون موافقة لكلِّ ما كان يدور بخلده لحظة تحريره لنصوصه، ولا أيضاً لما يهدف إليه هو نفسه من عملية الإبداع حرفاً ولوناً، سيّما وأنَّه لا يضع أبداً مخطَّطاً معيَّناً لما يكتب أو يرسم، ولا يحدِّد فيه هدفاً بعينه [...فالَّذي ترعرع على باقات الحنطة وسهول القمح الفسيحة، لا يحتاج إلى مدرسة فنّيّة، لأنَّ عوالمه لا تتّسع لأيّة مدرسة، لأنَّ رحابات خياله وتدفُّقات الجُّموح الفطري لديه هي مدرسة المدارس، على الصَّعيد الفنّي والإبداعي بشكلٍ عام...حتَّى أنَّ الكثير من اللَّوحات الَّتي رسمها لم يخطِّط لها قبل عملية الرَّسم ولا حتَّى أثناء عمليّة الرَّسم](28)
لكن كلّ هذا لا يعني أنّه لا يمكن التَّوصل أبداً لمن تكونه هذه الفراشة في حياة صبري (29)، فهو وإنْ كان يبدو أنَّه يتحدَّث عن الفراشة بمفهومها المادِّي الحسِّي المتعارف عليه لدى كلّ النّاس، أيْ تلك الّتي ترفرف فوق الأزهار ووسط الحقول، وتثير بألوانها دهشة الصَّغير قبل الكبير، إلّا أنّه في واقع الأمر لا يتحدَّث إلَّا عن أمّه، سيدة عيسى الرّديف (30)، أجل فأمّه هي الفراشة، بكلِّ ما تحمل من رموز ومعاني أرادت لهَا أن تكونَ هيَ الرُّوح الشَّفيفة الَّتي وصلتْ إلى أعلى درجات النَّقاء بعد مخاض عسير قضتهُ وهي تنتقل من مرحلة إلى مرحلة وسط شرنقة الحياة إلى أنْ أصبحَت إنساناً روحيَّاً كاملاً، هو إنسان السَّلام بعينه. فسيّدة هي المعلّم الرُّوحي الأوَّل لصبري يوسف، هي من لقّنتُه كيفَ يكون رجل سلام، وعلّمتهُ كيف يفيض على النَّاس حبَّاً وتسامحاً وعطاءً، وكيف أنَّ التَّسامحَ ليسَ عقوبةً وإنَّما مكافأةً، لأنّ علاقتهما معاً كابنٍ وأمّ، هي نبعُ التَّسامح ونبعُ الحنان والحبّ، ولأنّها وحدَها سيّدة تعرفتْ إلى صغيرِها قبل أن يُولد، وبعد أن أصبح طفلاً يكبرُ أمام عينيها وسط حقول القمح يوماً بعد يوم، وهذا هو السَّبب الحقيقي الّذي جعل من صبري يستشعر اللّحظة التي فارقت فيها والدته الحياة عام 1992، وكتبَ هذا النّص سنة 2005 (31)، وإن كانت تباعد بينهما المسافات والبحار، ويفتتحُ نصّه العميق والمؤثر جدَّاً (ترتيلة الرَّحيل) بالحديث عنها كفراشة طارَت إليه من ديريك إلى ستوكهولم كي تربط على قلبهِ، وتدفعه دفعاً إلى التّنفيس عن ألم الفراق عبر الحرف والدَّمع المتهاطل فوق الورق على أرض الغربة والبُعد: [هطلتْ دموعي على أصابعي الرَّفيعة .. لم أعُدْ قادراً على استمراريَّة العبورِ، عبورُ بحار اللَّونِ، أمواج العمرِ، دموع الانتظارِ ..
هدوءٌ متناغمٌ معَ صمتِ الخمائلِ، عودي ينتظرُني، موسيقى من نداوةِ السَّنابل، من احمرارِ طينِ الأزقّة الَّتي ترعرعتُ فيها، بخورُ الحرفِ يتراقصُ فوقَ قداسةِ المكانِ، هل للمكانِ قداسة دون قداسةِ القداسات؟ تموجُ أصابعي على أوتارِ الشُّوقِ، على انبعاثِ الرُّوح في شهقةِ أمّي، هل أنا في بحيراتِ حلمٍ أم في نصاعةِ اليقين؟ بكاءٌ من لونِ زرقةِ السّماءِ، أعزف فوق أوتارِ اللَّيلِ، فوقَ ينابيعِ حزني، أرتّل ترتيلةً من وهجِ الرَّحيل، أبكي ثمَّ أبكي وأبكي، من قطبِ الشِّمال، تنزاحُ دمعتي نحو بيارقِ الشَّرقِ، بيارق الدُّفء، بيارق أمّي لا يعلوها بيارق الكون، أمٌّ أنجبتني على حفيفِ الموجِ بين سنابل القمحِ، على أنغامِ اللَّيلِ ونجمة الصَّباح شاهدة على أوجاعِ المخاضِ] (32).
سيّدة وصبري سيمفونيّة متوغّلة في عمق الوجود ومنصهرةٌ في كلِّ ذرة من ذرّاته. يدهُ تشبه يدها، أصابعه كأصابعها، وكلّما كتبَ حرفهُ أو نسج لونه رأى فيهما أمّه (33)، وكلّ شيء في وجودهما يتنفّسُ بداخلهما، لأنّ سيّدة علّمت طفلها كيف أنّ الورود مثلاً ليست هي الأهم في الحياة، بل طريقة الإنسان في استشعار الجَّمال والطّبيعة البرَّاقة بكلِّ مخلوقاتها، وعلّمته أيضاً كيف يصبحُ متناغماً مع الوجود، وكيف أنّ كلَّ شيء في الطَّبيعة هو مرتبط بالإنسان، فإذا مدّ يدَه كي يلمس الكائنات البرِّيّة الصَّغيرة، فإنَّما يلمسُ السَّماء والنُّجوم أيضاً، لأنّ كلّ شيء مرتبط بعضه ببعض ولا أدلّ على ذلكَ من هذا النَّص الَّذي يشرحُ فيهِ صبري كيفَ انتبهتْ سيّدة منذ زمن مبكّر لهذا السرّ العظيم، سرّ التّناغم والتَّرابط والتَّلاحم بين الطَّبيعة وكائناتها وبين الإنسان من خلال ابنها الرَّضيع الّذي حملتهُ بين السُّهول والمروج، هناكَ حيثُ خبز الله، وحنطته الذَّهبيّة: [بعدَ بضعةِ شهور قمَّطتني أمّي وربطتني وحملتني إلى سهول القمح، لملمَتْ باقات العشب والأزاهير البرّيّة ثمَّ عملته سريراً لي. استقبلتني الطَّبيعة بهوائها النَّقيِّ، حطّتْ فراشة جميلة على خدّي وأخرى على أنفي وهي تسمعُ إلى شهيقي. نطّ جرادٌ صغير على صدري وسار فرس الأمير، جرادٌ أخضر صغير على مقربةٍ منّي، توقّفَ عندما رأى فراشتَين جميلتَين على وجهي، فغار منهما وحاول أنْ يصعدَ نحو يدي اليسرى الَّتي خرجت حتّى نهاية السَّاعد من القماط، سار على أصابعي بهدوءٍ وحذرٍ شديد.
جاءت أمّي لتطمئنَّ عليَّ، فوجدتني أبتسمُ للجرادِ والفراشاتِ والحشراتِ الصَّغيرة. ذُهِلَتْ أمِّي من هدوئي وانسجامي مع هذه الكائنات البرّيّة الجَّميلة. نظرتُ إلى الفراشتَينِ وروعةِ اخضرارِ فرس الأمير، جرادٌ صغير يسيرُ بكلِّ شموخٍ وبهاء، نطَّ جرادان صغيران بعيداً، حالما وصلَتْ أمِّي.
نظرَتْ أمِّي إليَّ وهي تبتسمُ، متسائلةً فيما بين نفسها، هل من المعقول أن تكون هذه المخلوقات الصَّغيرة قد فرَحَتْ لقدوم طفلي إلى هذه البراري، فجاءت تحتفي بقدومه وتلعب معه؟!
كانت تنظر إليَّ وإلى الكائنات المتناثرة حولي وفوق صدري ووجهي بذهول، متمتمةً سبحان الله! .... فرَّتْ إحدى الفراشات، ثمَّ حطَّتْ على خدِّ اقحوانة، انحنت أمّي وحملتني، ففرَّتِ الفراشةُ وحطَّتْ على رأس أمّي، ونطَّ الجَّرادُ نحو أعشابِ "السَّيِّل والكاروش" المتعانقة مع أوراق "الحِمْحِمِ والقيفاراتِ ورأسِ الرَّيِّسِ" وسيقان "البيشّكات" الرَّفيعة والمدبّبة مثل مسلّة غليظة نحو الأعلى] (34).
لكن مهلاً، هل كانت سيّدة وحدها أمّ صبري يوسف البيولوجيّة والرُّوحية أيضاً؟ طبعاً لا، وكتاباته تقول هذا، فصبري كان لهُ أمّان هما سيّدة، وكذلك صامو شلو يوسف، وعذراً إذ أنا كسرتُ مفهوم الأمومة المعتاد لدى النّاس، ذلكَ أنّي أرى أنَّ الأبَ هو أيضاً أمّ بكلِّ ما تحمل الكلمة من معنى، أمٌّ لم ينصفها الحبرُ ولا الحرفُ على مرّ الأزمان والعصور، وكيف لا يكون أمّاً والرَّبُّ بكامل عزّته وجلاله جعلَ الرّحمن الرّحيم، من أسمائه الحسنى واصفاً نفسه بالرّحمة، وهو وصفٌ يقود مباشرة إلى ((أمومة الإله))، وكيف لا يكون كذلك وصفتا الرّحمن والرّحيم مرتبطتان في جذرهما اللُّغوي برحمِ الأمّ الَّذي هو منبعُ الحياة، وبيت الحنان والمحبّة والعطاء والسَّلام، واللهُ صاحب الملك والملكوت، إذ يحبُّ الخلق فإنّما يحبُّه بروح الأمومة، وهي الرُّوح نفسها الَّتي زرعها في الآباء والأمّهات أيضاً(35)، ولعلّ هذا هو سرّ جمْعِي لاِسمَيْ (سيدة، وصامو شلو) في عنوان هذا الفصل بدون أدنى فراغ أبيض بينهما كيْ أقول بأنّهما معاً أمّ واحدة لابنهما صبري، ولعلّهُ هو هذا الانصهار لمفهوم الأمومة وسط قلبَيْ كلّ من والدَيْ صبري الّذي جعل هذا الأخير (بدون تخطيط مسبق) يرسمُ في لوحة فريدةٍ عجيبة وجهَ والدِه وقد قرنَهُ بهلال ذهبي هو هلال خصوبة وأمومة مُستلقٍ بين المروج وحقول السّنابل. ونظرةٌ بسيطة في صورة فوتوغرافية للوالد صامو شلو (36)، وقراءةٌ سريعة لمقطع اقتطفُه لك أيها القارئ الكريم من كتاب (ديريك معراج حنين الرُّوح) فيهما الدَّليل القاطع على كلّ ما ذهبتُ إليه عن الأمومة الأبويّة (37):
[لهذا أرى أنَّ شخصيّة والدي العصاميّة، البسيطة، العفويّة، المتعاونة، المعطاءة لها دور كبير في تكوين الكثير من تشكيلي الإبداعي، لأنَّ إبداعي حالة عفويّة تدفُّقاتيّة أشبه ما تكون حالة والدي (صامو شلو) وهو يحرس الحنطة متمتِّعاً بجمال الطَّبيعة وسهول القمح والأزاهير البرِّيّة، مكتفياً بقليلٍ من الخضار وخبز التنُّور وقليلٍ من الجّبن و"مطريّة" ماء وهو يقضي ساعات طويلة في الطّبيعة، بين أحضان سهول القمح المسربلة بهبوب نقاوة النّسيم العليل!] (38)
وإذا كانت سيّدة وصامو شلو، هُما المعلّم الأوَّل الّذي سقى صبري حليب السَّلام مُذ كان في المهد صبيَّاً، فمن تراه يكون النَّبع أو الثَّدي الَّذي منهُ فاض كلّ هذا الحليب فكان رحمة لهُ ولكلِّ أحبّائه في الحرفِ واللَّون؟ هذا النَّبع هو ديريك، الأرض الّتي خرجتْ من رحمها أسماء لامعة في شتّى فنون الحياة الفكريّة، الأدبيّة منها والعلميّة واللَّاهوتيّة وغيرها. إنّها أرض الحقول المشمسة، والطَّبيعة الخلَّابة، أرض الكنائس والمساجد، أمّ القصائد وأخت الأغاني وإشراقة حبٍّ لمناجل الحصَّادين (39). وهي النّبع الّذي قال عنه أحد أبنائها البررة الشّاعر والقسّيس جوزيف إيليا (40):
هـيَ مِـنْ نـبعٍ أصـفى تـســقــيكْ فـــاشــــربْ مــــنـه مــاءً يُحــيـيــكْ
واســكــبْـهُ فـي نــــــفْـسٍ عــطـشـى مـازالــــــت فــــي نـــارٍ تــــرمــــيـــكْ
كي تــنـسـى مـا ألـقـى الـمـنـفى فـي قــلبـِكَ مـِنْ وَجـَعٍ يـشــقـــــيكْ
وتـعـــودَ إلـى حــضـنِ الأحـلـى ضــوءاً رسُلُ الـمــولى تحميكْ
فـي جــبـهـــتِكَ الأمــجــادُ تُـــرى والــحــبُّ يــســافــرُ فــي عــينــيكْ
وحــكــايــا النّــاس لــكَ الـــدُّنــــيــا وطـــيـــورُ الــفـــنّ تــغــنّــي فـــيـــكْ
أقـــلامُ الـــــعـــــــزَّة تــحـــرسُــهــا لـــتــصـــيــرَ زهـــوراً فــــي واديـــكْ
والتّــــــاريـــــــخُ الأزهـــــــى غـــــــــده ألــــوانٌ تــــصــــحــو في شـفـتـيكْ
هــــيَ نـــبـــعٌ ثــــــرٌّ لا يــــغــــــفـــــــو بـه تـغسلُ مـن صمـتٍ كــفّيكْ
فـــاشــــربْ واقــــتــــلْ بــه نسياناً كـــي لا تــفــنــى فـــيــنــا ديــريكْ!
ألمانيا: آذار (مارس) 2015


وأنّى لها أن تفنى ديريك، وهي البيت الَّذي احتضن سرّ الزّرع الّذي ينمو والحنطة النّقيّة الذَّهبيّة الّتي تطحن وتعجن وتخبز لتكون جسد المسيح وكرمة خمرته الطّاهرة، وليس هذا وحده فقط فديريك هي أيضاً وقبل هذا وذاك السَّيّدة مريم؛ سرّ القربان المقدّس الَّذي به تُباركُ الزُّروع والسَّنابل وحقول الكروم في أعياد ديريك المريميّة، وإنّي لأسمّي ديريك بالأرض المريميّة، لأنّ فيها ظهرت مريم العذراء في حلم إحدى سيِّدات هذه الأرض الطَّيّبة، وهي سيدي ابلحد أفريم، وطلبت منها أنْ تدلَّ أهل ديريك على مكان دفنت تحت ترابه صورة وصليب، والّذي تبيّن فيما بعد أنّه كان مكان كنيسة أثريّة قديمة جدَّاً يُرجّح أنّها بُنيتْ في القرن الرَّابع أو الخامس الميلادي، وبناء على رؤيا هذه السَّيدة الصَّالحة تمّ إحياء الكنيسة وتجديد بنائها، فأصبحت مكان عبادة وصلاة لأهل هذه المنطقة. وقد يكون هذا هو السَّبب وراء تسمية البلدة العتيقة بـديريك والّتي تعني باللُّغة السّريانية الدِّير أو الكنيسة (41).
وإذا كان صبري قد أولى لكلّ هذه التَّفاصيل عناية كبيرة، ومنحها وقته وتفكيره فإنّه لا يسعني والحال هذه سوى أن أقول إنّ السَّيّدة مريم العذراء هي سرّ كلّ هذا العطاء، وهذه المحبّة بل وهذه الرُّوح المفعمة بالسَّلام والأمن والأمان، إنّها أمّ صبري الكبرى، ولهذا فإنِّي أسمّيه بصبري يوسف المريميّ، كي تكتملَ بهذا أيقونة الأمومة المثلّثة الَّتي أشرتُ إليها في عنوان هذا الفصل، وتكونُ مريم العذراء الرَّأس، وسيدة، صامو شلو، وديريك القاعدة.

(4)
علوم الرِّياضيات وإنسان السَّلام عند صبري يوسف

منذ بداية حياته على هذا الكوكب الجَّميل، دخل الإنسان في علاقةِ بحثٍ وتقصٍّ، وسؤال وجواب مع الطَّبيعة وأشكالها المختلفة والمتنوِّعة، وبدأ يعبّر عن علاقة الأخذ والرَّد، والشَّدّ والجَّذب هذه من خلال رسوماته البدائيّة فوق جدران الكهوف محاوِلاً إظهار الأشكال الهندسيّة الَّتي كانت تثير اهتمامه بشكلٍ خاص، أو تحفّز طاقاته الإبداعيّة عبر تفاعلات كيميائيّة وفيزيائيّة كانت تطرأ بداخله جسداً وروحاً، فرسمَ الدَّائرة والمثلَّث والمربَّع، وكرّرَ العديدَ من الوحداتِ وَالأشكالِ الشَّبكيّة والشُّعاعيّة بشكل أكثرَ تناسقاً وتناغماً استوحاه من كلِّ مظاهر التَّراتُب والتَّلازم الَّتي يراها من حوله في الزُّهور والأشجار والطُّيور والفراشات وما إليها من المخلوقات، ممّا كان يدلُّ على ارتقاء فكر الإنسانِ وجنوحه إلى الجَّمال واكتشاف أسرار الطَّبيعة بما فيها العلاقة الرِّياضيّة الَّتي توجد مثلاً بين الشَّجرة وأغصانها، والزَّهرة وبتلاتها، والطّائر وأجنحته، والسَّمكة وزعانفها. وازداد يقينه يوماً بعدَ يوم بأنَّ كلّ ما في الكون من تناغم وتناسق لابدّ أن ينطلق وينتهي من وعند الرِّياضيات، هذا التَّناغم الَّذي كثيراً ما تحدَّثَ عنهُ فيثاغورس في أكثر من نظريّة وكتاب منطلقاً من مقولته الشَّهيرة؛ (إنَّ الكون يحكمهُ الانسجام والتَّوافق بين العدد والموسيقى)، وهي المقولة ذاتها التي أصبحتْ فيما بعدُ المبدأَ الّذي بهِ أسّس صبري يوسف عبرَ الحرف واللَّون بيتاً جديداً، هو مدرسةٌ تسهرُ على تكوين إنسان السّلام وتتبعِ كافّة مراحل حياته إلى أنْ يصبح جسداً حيّاً هو السَّلام عينهُ. وإنّي لأظنهُما معاً؛ فيثاغورس وصبري يقصدان بالعدد العقلَ وبالموسيقى الرُّوح، وكيفَ لا يكون الأمر كذلك والرِّياضيات هي لغة الله الأصيلة الّتي بها يُوقِّعُ كلّ تمظهرات الجَّمال والكمال في الكون. ورُبَّ سائلٍ يسأل ما العلاقة بين صبري وبين الرِّياضيات؟ والجَّواب أنَّ الرِّياضيات تحكمُ كلَّ شيء في الكون وهي متنزِّهة عن الإيدلوجيات والأديان والميول النَّفسية، وهي تشبهُ لغة السَّلام الَّتي يتحدّث بها صبري يوسف من حيثُ أنّها حرفٌ يدرس كلّ شيء بما في ذلك أصل ونشأة هذا الكون وما قبل المادّة، وهي لهذا السَّبب مرجعٌ محايد للغوص في بحار الفكر، ومعرفة الله في سرِّه، لأنّها هي وحدها لغة السَّلام، والقاعدة الرئيسة الكونيّة الَّتي علينا أن نتحرَّك بها وفيها، ولا أدلّ على هذا من اللَّوحات العديدة الَّتي رسمها صبري يوسف لأشكال هندسيّة مختلفة تُجسِّدُ زهور الطَّبيعة بكافّة تمظهراتها الرِّياضيّة العميقة والَّتي اخترت منها لوحة واحدة رأيتُ فيها فلسفة صبري عن السّلام، وأعني بها هذه اللَّوحة (42):
هي لوحةٌ تجمع بين ثناياها كلّ نظريّات الكمال الرِّياضي، بما فيها نظريّة فيبوناتشي أو الّتي يسمِّيها أهل الرِّياضيات ببصمة الله فوق الطّبيعة. وتحوي كذلك نظريّة التّماثل أو التّناظر الطَّبيعي للأوراق أو ما يسمّى بـالـ (Phyllotaxis)، وأقصدُ بها التّناظر الّذي حرص على تحقيقه صبري بين عدد الأوراق البيضاء والقلوب المحيطة بها، وكذلك بين الأوراق الصَّفراء الصَّغيرة جدّاً الموجودة في المركز والبتلات البيضاء، ثمّ القلوب المتناظرة معها. هذا طبعاً دون نسيان الحديث عن ما يمثله الرَّقم سبعة من حمولات عرفانيّة صوفيّة عميقة عن الكمال والتَّناغم الموسيقي والسَّلام والجَّمال الإلهي المطلق؛ فسبع هي البتلات البيضاء، وسبعة هي القلوب المزخرفة، وسبع هي بتلات المركز الذَّهبية. إضافة إلى شيء آخر يقود مباشرة إلى فتح سرّ هذه الزّهرة ذات الإثني وأربعين بتلة وفقا للتقسيم المحدّد أسفله للّوحة نفسها، وهذا المفتاح يتمثلُ في بعض ضربات الرِّيشة الَّتي خطَّتها أنامل صبري فجاءت على شكل أجساد بشرية في حالة مشي وحركة (انظر اللَّوحة / وسط الدَّوائر الصفراء / وكذلك وسط المقاطع الأصلية الملوَّنة في اللّوحة الأمِّ قبل تقطيعها) (43)
وهذه ليست المرّة الأولى الَّتي تظهر فيها هذه الأجساد البشريّة الصَّغيرة والدَّقيقة الحجم في لوحات صبري، وإنّما توجد وبشكل أكثر وضوحاً في لوحات أخرى، كهاتين اللّوحتين مثلا (44).
وهو أمر جدير بالتَّساؤل والاستفسار: فمن هُم يا ترى هؤلاء الأشخاص المتحرِّكون في لوحات صبري، والّذين يحضرون أحياناً في شكل أجساد كاملة صغيرة الحجم وفي أحايين أخرى على شكلِ وجوهٍ بيضاء لكلا الجّنسين (الأنثى والذّكر)؟
ما من جواب سوى أنّ هؤلاء هُم شعب السّلام الجّديد في أرض التّسامح والمحبّة الَّتي أسَّسها صبري كبديل لأرض الحرب والموت. إنّهم الأسرة البديلة الَّتي يقترحها صبري يوسف على قارئه كي ينأى به عن لوثة الحقد والحرب ولغة السُّيوف والدِّماء، داعياً إيّاه إلى أن يصيخ السّمعَ إلى جرس الطَّبيعة، ويبني بيتاً جديداً تموجُ فيه الحمائم النَّاصعة البياض الحاملة لمرسالٍ يُبشِّر باخضرار الحياة في احتفال بهيج يقفُ فيهِ الإنسان جنباً إلى جنب مع أبجديَّات الطّيور والزُّهور(45).
إنّه نوعٌ من اكتشاف جديدٍ لزهرة الحياة هذا الّذي يقترحه صبري يوسف من خلال زهرته البيضاء بسمكاتها السّبع (46) الَّتي تُخفي وراء شكلها الهندسي البسيط العديدَ من الأسرار الّتي تتحدّثُ عن كيف خلق الله الكون بسرّ المحبّة (انظر القلوب السَّبعة). وهي زهرةٌ تحوي كلّ اللُّغات، وكلّ النَّظريّات الرِّياضيّة والقوانين الفيزيائيّة والأشكال البيولوجيّة للحياة، وكيف لا تكونُ كذلك وهي زنبقة الله الَّتي يدعو صبري قارئه ليصبح مثلها، ويكتسِي بمجدها وبهائها كي يرتقي إلى درجة القلب الكامل والرُّوح الصَّافية والإنسان الطَّاهر، إنسانَ السَّلام الحقّ الَّذي لا ينطقُ إلا محبّة وسلاماً: [تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلَا سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا] (47)
هذه هي سلّة السَّمك والحنطة والعنب الّتي يريدُ وبكلّ تواضع ومحبّة أن يقتسمها صبري مع المتلقِّي والباحث، إنّه يريدُ أن تسود روح القُدُسِ على الكلّ، كي يعملَ في داخل القلوب بهدوء، ويحفّزها على النّمو، لتزهر فيها الثَّمرة النَّفيسة المُميَّزة (48): [فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ اليَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللَّهُ هَكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالحَرِيِّ جِدَّاً يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟](49) .

الهوامش
(1) صبري يوسف، ديـريك يا شـهقةَ الرُّوح، (تتحوَّل قارئتي إلى سنبلة شامخة في سماء ليلي)، نصوص أدبيّة، ستوكهولم، 2012، ص 42.
(2) إصدارات الأديب التَّشكيلي صبري يوسف:
1 ـ احتراق حافّات الرُّوح، مجموعة قصصيّة، ستوكهولم 1997؛
2 ـ روحي شراعٌ مسافر، شعر، بالعربيّة والسُّويديّة ـ ستوكهولم 98 ترجمة الكاتب نفسه؛
3 ـ حصار الأطفال ... قباحات آخر زمان! شعر ـ ستوكهولم 1999؛
4 ـ ذاكرتي مفروشة بالبكاء، قصائد، ستوكهولم 2000؛
5 ـ السَّلام أعمق من البحار، شعر، ستوكهولم 2000؛
6 ـ طقوس فرحي، قصائد، بالعربيّة والسُّويديّة، ستوكهولم 2000 ترجمة الكاتب نفسه؛
7 ـ الإنسان ... الأرض، جنون الصَّولجان، شعر ـ ستوكهولم 2000؛
8 ـ مائة لوحة تشكيليّة ومائة قصيدة، تشكيل وشعر، ستوكهولم 2012؛
9 ـ أنشودة الحياة، الجّزء الأوَّل، نصّ مفتوح ، ستوكهولم 2012؛
10 ـ ترتيـلة الـرَّحيـل، مجموعة قصصيّة، ستـوكـهولم 2012؛
11 ـ شهادة في الإشراقة الشِّعريّة، التَّرجـمة، مـقوّمـات النّهوض بتوزيع الكتاب وسيـكولوجيـا الأدب، سـتـوكـهولم 2012؛
12ـ أنشودة الحياة، الجّزء الثَّاني، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
13ـ أنشودة الحياة، الجّزء الثَّالث، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
14 ـ حوار د. ليساندرو مع صبري يوسف ـ 1 ـ ستوكهولم 2012؛
15 ـ ديـريك يا شـهقةَ الرُّوح، نصوص أدبيّة، ستوكهولم 2012؛
16 ـ حوارات مع صبري يوسف حول تجربته الأدبيّة والفنّية ـ 2 ـ ستوكهولم 2012؛
17 ـ حوارات مع صبري يوسف حول تجربته الأدبيّة والفنّية ـ 3 ـ ستوكهولم 2012؛
18 ـ مقالات أدبيّة سياسـيّة اجتـماعيّة ـ 1 ـ ستوكهولـم 2012؛
19 ـ مقالات أدبيّة سياسـيّة اجتـماعيّة ـ 2 ـ ستوكـهولم 2012؛
20 ـ رحـلة فسيـحة في رحـاب بنـاء القصـيدة عنـد الشَّاعـر الأب يوسف سعيد ـ ستـوكهولم ـ 2012؛
21 ـ أنشودة الحياة ـ الجّزء الرَّابع، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
22 ـ أنشودة الحياة ـ الجّزء الخامس، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
23 ـ أنشودة الحياة ـ الجّزء السَّادس، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
24 ـ أنشودة الحياة ـ الجّزء السَّابع، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
25 ـ أنشودة الحياة ـ الجّزء الثَّامن، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
26 ـ أنشودة الحياة ـ الجّزء التَّاسع، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2012؛
27. أنشودة الحياة ـ الجّزء العاشر، نصّ مفتوح، ستوكهولم 2013؛
28ـ استلهام نصوص من وحي لوحات تشكيليّة، ستوكهولم 2014؛
29. حوار مع فضاءات التَّشكيل، ستوكهولم 2014؛
30. عناق روحي جامح، قصص قصيرة، ستوكهولم 2014؛
31. حوار حول السَّلام العالمي، ستوكهولم 2015؛
32. قراءات تحليليّة لفضاءات شعريّة وروائيّة 2015؛
33. قراءة لفضاءات 20 فنّان وفنَّانة تشكيليّة 2015؛
34. ديريك معراج حنين الرُّوح، نصوص ومقالات، ستوكهولم 2015؛
35. لوحات طافحة نحو رحاب الطُّفولة، أنشودة الحياة، الجّزء 11 ستوكهولم 2015؛
36. ابتهالات بوح الرّوح، أنشودة الحياة، الجّزء 12 ستوكهولم 2015؛
37. تجلِّيات في رحاب الذّات ــ رواية، ستوكهولم 2015؛
38. قهقهات متأصِّلة في الذَّاكرة ــ رواية، ستوكهولم 2015؛
39. إلقاء القبض علي حاسر الرّأس ـ رواية، ستوكهولم (قيد الإصدار قريباً)؛
ـ 40 أنشودة الحياة بأجزائها العشرة ـ المجلّد الأوّل ـ صادر باللُّغة الإنكليزيّة عن دار صافي للترجمة والنّشر والتَّوزيع، واشنطن 2015.
(3) Umberto Eco, Opera aperta, Bompiani, IVª ed, 1997, Pp. 5/8.
(4) تجدر الإشارة إلى أنّها هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها جيراشي، وأقيم بها لهذه الفترة القصيرة من الزَّمن.
(5) ثلاثون قصَّة قصيرة للأديب القاص والتَّشكيلي صبري يوسف خاص بالإعلام / 2015 (انظر قصّة ترتيلة الرَّحيل)، ص 65.
(6) انظر في الملحق الخاص بصبري يوسف، الصّورة (رقم 01) التي توثّق لهذا الحدث.
(7) انظر في الملحق: الصورة رقم 02
(8) د. محمّد الكحط، حوار مع التَّشكيلي والأديب صبري يوسف: تبدو اللَّوحة كأنَّها الجّزء المتمّم للقصيدة، صحيفة الكومبس، عدد 06 تشرين الثاني 2016.
لمزيد من التَّفاصيل عن هذا النَّوع من الحرية الَّتي يمنحها النَّص المفتوح للشاعر يرجى الاطِّلاع على:
ـ د. ثائر العذاري، حاضر الموقف النّقدي في النَّصّ المفتوح، مجلّة اللّحظة الشِّعرية، عدد 14، لسنة 2014.
ـ وفاضل عزاوي، الرُّوح الحيّة، جيل السّتينات في العراق، دار المدى، ط1، 1997، ص 207.
(9) انظر في الملحق: الصورة رقم 03.
(10) الملحق: الصورة رقم 04.
(11) الملحق: الصورة 05.
(12) الملحق: الصورة 06.
(13) انظر القلبين، الأحمر والأخضر في اللَّوحة.
(14) الملحق: الصورة 07.
(15) انظر لوحة الطَّائر الملوّن.
(16) الملحق: الصورة 08.
(17) صبري يوسف، أنشودة الحياة، الجّزء الخامس، (السَّلام أعمق من البحار)، السُّويد، ستوكهولم، 2012، ص 492.
(18) إنجيل يوحنا، 12/24.
(19) الملحق: الصورة 09.
(20) انظر الحرفين المحاطين بالدَّائرتين.
(21) صبري يوسف، تجلّيات في رحاب الذَّات، الطَّبعة الأولى 2015، السُّويد، ستوكهولم، ص 41/40.
(22) صبري يوسف، أحلام مشروخة على قارعة المتاهات، ستوكهولم، 2015، قيد الطّبع والإصدار.
(23) الملحق: الصورة 10.
(24) صبري يوسف، أنشودة الحياة، الجزء 12، (ابتهالات بوح الرُّوح)، الطّبعة الأولى 2015، السُّويد، ستوكهولم، ص 7.
(25) سورة النُّور، الآية 35.
(26) د. شاكر عبد الحميد، العمليّة الإبداعيّة في فن التّصوير، عالم المعرفة، بيروت، 1978، ص 34.
(27) ثلاثون قصَّة قصيرة للأديب القاص والتَّشكيلي صبري يوسف خاص بالإعلام / 2015 (انظر قصّة ترتيلة الرّحيل)، ص 65/66.
(28) إدمون زكّو، حوار مع الأديب والفنّان التَّشكيلي صبري يوسف، قنشرين، عدد 16/02/2012.
(29) انظر في الملحق لوحة الفراشة: الصورة رقم 11.
(30) صبري يوسف، ديريك معراج حنين الرُّوح، الجّزء الأوّل، الطَّبعة الأولى 2015، السُّويد، ستوكهولم، ص 35.
(31) انظر السَّنة الّتي رسمت فيها لوحة الفراشة.
(32) ثلاثون قصَّة قصيرة للأديب القاص والتّشكيلي صبري يوسف خاص بالإعلام / 2015 (انظر قصّة ترتيلة الرَّحيل)، ص 65.
(33) انظر المقطع التّاسع عشر من رواية (إلقاء القبض عليّ حاسر الرأس)، مازالت قيد الطّبع.
(34) صبري يوسف، تجلِّيات في رحاب الذَّات، الطَّبعة الأولى 2015، السُّويد، ستوكهولم، ص 15/16.
(35) إشعياء 66 / 13.
(36) الملحق: الصورة 12.
(37) لاحظ معي الأبَ والهلال الذَّهبي في الصُّورة واللَّوحة، وانظر طريقة الاستلقاء، ثمّ شكل الأنف أيضاً.
(38) صبري يوسف، ديريك معراج حنين الرُّوح، الجّزء الأول، الطّبعة الأولى 2015، السُّويد، ستوكهولم، ص 254.
(39) المصدر نفسه، ص 13.
(40) المصدر نفسه ص 10.
(41) للمزيد من التَّفاصيل عن قصّة كنيسة السَّيدة العذراء في ديريك القديمة يرجى الاطّلاع على (ديريك معراج حنين الرُّوح، الجّزء الأوَّل، ص 78/87.
(42) الملحق: الصورتان 13 و14.
(43) انظر الأشكال المحدّدة باللونين الأحمر والأصفر: (الملحق : الصورة 15).
(44) الملحق: الصورة 16.
(45) ثلاثون قصَّة قصيرة للأديب القاص والتشكيلي صبري يوسف خاص بالإعلام / 2015 (انظر قصة، وللزهور طقوسها أيضا!)، ص 51.
(46) أمعن لطفا النظر في بتلات الزهرة البيضاء، وستجد أنّها تشبه شكل السمكة.
(47) متّى: 6 /28 / 29
(48) انظر في اللَّوحة مركز الزَّنبقة (الزّهرة الذَّهبيّة الصَّغيرة)
(49) متّى: 6 / 30.



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدليةُ الحاءِ في سرديات وفاء عبد الرزاق: رقصةُ الجديلة والنه ...
- النقطةُ الجريحةُ، والحرفُ المتشظّي الباكي في تشكيليات الدكتو ...
- وفاء عبد الرزّاق وديوانها ((من مذكرات طفل الحرب)) بين مطرقة ...
- آلِيسُ فِي بلادِ عجائبِ منال ديب: سَفَرٌ وقراءَةٌ فِي قُدْسِ ...
- وطني الفردوس
- يُوسُفِيّاتُ سَعْد الشّلَاه بَيْنَ الأدَبِ وَالأنثرُوبُولوجْ ...
- الفَجْرُ فِي الحِلّةِ أجملُ وأبهَى: قراءةٌ في جبّار الكوّاز ...
- يوتوبيا البُرْج البابليّ في رواية (كائنات محتملة) للأديب الر ...
- خِطابُ الجَسَدِ في ديوان (وَصَايَا البَحْرِ) للأديب عبد النّ ...
- الكأس الكونيّة الكُبرى: قراءات جديدة في ديوان هيثم المحمود ( ...
- وادي الملوك
- رواية بوشكين (عربي قيصر) ترجمة د. نصير الحسيني
- من الإنسانِ الآليّ إلى الإنسان العاليّ في عرفانيّات #عبدالجب ...
- (26) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (25) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (24) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (23) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (22) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (21) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (20) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسماء غريب - إنسانُ السّلام: مَنْ هُوَ وكيفَ يَتكوّن؟ تجربة صبري يوسف الإبداعيّة اختياراً