أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (25) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف















المزيد.....

(25) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6399 - 2019 / 11 / 4 - 15:44
المحور: مقابلات و حوارات
    


صبري يوسف:
كيف تقيّمين إلى اليوم القراءات النّقديّة الّتي كُتبتْ بشأن تجربتكِ الإبداعيّة؟
*
د. أسماء غريب:
هذا سؤال لا يحتاج إلى كثير من التَّفكير، وأحبُّ أن أستهلّ الحديث فيه بقوله سبحانه وتعالى في سورة (المؤمنون): ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)). قلّة هُم أولئك الّذين كتبوا عنّي من باب المحبّة والسّلام الإلهِيَّيْن، وما عدا ذلك فغثاء أحوى طارتْ به الرّياح ولم يبقَ منه شيءٌ يُذكر أو يستحقُّ الحديث. المشكلة هي أنّ النّقد الحقّ أدب ووعيٌ وجنوح نحو سماوات الإبداع والكلمة الخلّاقة، والنّقاد الّذين يتّصفون بهذه الصّفة ويجمعون في عملهم بيْنَ بتوليّة القلب والحرف نادرون جدّاً، ولا يوجد في السّاحة سوى الغوغاءِ الّذين ليس عندهم أيّة تربية نقديّة وخُلُقيّة، حتّى وإن كانوا من أصحاب الألقاب العلميّة والكراسي الجامعيّة، لا أحد يغوصُ في عمق الحرف بمسؤوليّة الباحث الواعي، والمصيبة تزداد سوءاً حينما ينبَري لمهمّة النّقد الجليلة أناس ليس لهم أيّة علاقة بمجال الكتابة والإبداع فما بالك بمجال النّقد!
هذه مشكلة أزليّة بين المبدع والمتلقّي عموماً، سواء كان ناقداً أو قارئاً عاديَّاً، والكثير ممّن حاول الاقتراب من تجربتي فعل ذلك من باب الاستعلاء، فهو يرى نفسَه "سعادة النّاقد"، و"المبدع" هو التّلميذ المبتدئ أمام حضرتِه المبجّلة، وإنّني لتحضُرني الآن بضع صور من قراءات حُلْتُ دون استمرار "النّاقد" في تدوينها سواءً تعلّق الأمر بتجربتي في مجال الفنّ التَّشكيليّ، أو في الإبداع الأدبيّ، أذكُرُ مثلاً واحداً منهُم شكّلتْ لهُ كلمة الإهداء إلى زوجي العزيز مُعضلة كبيرةً، لا سيَّما وأنّني عادةً ما أفتتِحُ بها دواويني وقصصي وحتّى كتاباتي في مجال التّرجمة وأحياناً في النّقد، وإنّني لكنتُ أستغربُ جدّاً هذا الموقف ومدى إصرار صاحبه على معرفة السّبب وأنا (العارفة) الّتي يجبُ ألّا يكون في قلبها أيّ أثر للحُبّ (الأرضيّ)، لكأنّ الرّجلَ نسي أنّ الحبّ لا يُمكن أن يصل إلى مستوى العشق الإلهيّ المطلق ما لم ينطلقْ من أمّنا الأرض الّتي منها لحمتنا الأولى، وبغضّ النّظر عن هذا المفهوم، فإنَّني كنتُ أستغربُ كثيراً موقف هذا الرّجل وكيف أنّه ترك كلّ القصائد والأعمال وركّز في معرفة سبب الإهداء بدون خجل ولا حياء. هناك نويْقدٌ آخر كنتُ أذكر أنّه اطّلعَ على إحدى لوحاتي الجديدة، فبدأ يكتبُ بشأنها معلّقات من خياله الجامح وهو يعتدُّ فيها بفضل المدرسة العراقيّة الواسطيّة عليّ وكيف أنّ فنّي متأثّرٌ جدّاً بقطبها الكبير والمعلّم الأوّل يحيى بن محمود الواسطي، وإنّني لولاه لما كنتُ لأعرف عن الفنّ شيئاً، فبقيتُ منذهلة ومتحيّرةً أمام شاشة الحاسوب وأنا أقرأ ما كتبَه من عبقريّ الكلام الّذي جادت به قريحتُه المُهَلوِسة، وأنا أضربُ كفّاً بكفٍّ وأضحكُ بكلّ ما أوتيتُ من قوّة، وأكرّرُ النّظر إلى لوحتي الّتي لم أكن أعبّر فيها سوى عن ألمٍ شديد أصابني في كتفي اليُمنى من كثرة الكتابة والنّقر على لوحة المفاتيح، لدرجة أنّني كثيراً ما كنت أغلق عينيّ من شدّة الألم، ومجرّة التّبانة فوق رأسي أعبّر فيها عن خصوبة الإبداع لديّ وتنوّعه وكثرة الفيض المتدفّق من بئر الحرف بداخلي، والورود المتبرعمة في جسدي أجسّدُ من خلالها الحياة المنبثقة من عمق الألم، والإصرار على المضيّ قدُماً لينتشر عبير فنّي في كافّة أصقاع المعمورة، ولا شأن لي لا بيحيى الواسطي ولا بالمدارس الفنّيّة عموماً، وإن كنتُ قد وجدتُ في تعبير الرّجل إشادة ضمنيّة بعملي لم يكنْ يقصِدْها لأنّه رفعني بدون أن يشعُر إلى مستوى الواسطيّ، وقد سبق لي أن صرّحتُ في جواب سابق بأنّ فنّي التّشكيلي هو نابع من الفطرة الخالصة ولا سبق لي أن درستُه في مدرسة ولا في أيةّ أكاديميّة من أكاديميات الفنون لا العربيّ منها ولا الدّولي! والنّماذج من هؤلاء كثيرة وليس هناك مجال للحديث عنهم جميعاً لا سيّما وأنّ الأمر لا يستحقُّ كلّ هذا الضّجيج، لأنّني أعتبره أمراً عارضاً، وشيءٌ طبيعيّ أن يقتربَ من المبدع الدّبابير والذّباب، مادام الغيرُ يطّلع على إبداعه.
هذا فيما يتعلّق بمصائب من يدّعي العلم بالنّقد وأصوله، أما فيما يتعلّق بالمتلقّي العادي -لا سيما وأنّنا في عهد أصبحنا نستخدم فيه حتّى الفيسبوك من أجل عرض بعض إبداعاتنا-، فإنّني صادفتُ من المتلقّين من لهم رهافة إحساس وذوق رفيع لا يوجدان في معشر النّوكى من المُتفيْقهين في عالم النّقد! نعم هناك عدد من المتتبّعين وخاصّة النّساء منهم مَن عندهنّ خُلُق رفيع في محاذاة النَّصّ التَّشكيليّ أو الشّعري، ويتذوّقن الفنّ بأسلوب راقٍ جدّاً، وكأنّهن حوريات يرفرفن بالمحبّة ويرتشفن الفنّ بعشقٍ منقطع النّظير، وفيهنّ كتبتُ أكثر من نصّ شعريّ، لأعبّر عن شكري وامتناني لهنّ ولأخلاقهنّ الحميدة وتربيتهنّ النّقديّة العالية. لكن في المقابل أذكرُ أيضاً أنّه صادفني الكثير من المتلقّين الّذين كانوا كلّما قرؤوا نصّاً اعتقدوا أنّه يعنيهم، وأنا الّتي لا أعرفهم ولا سبق لي حتّى أن رأيتُهم أبداً، وفيهم أيضاً ومع كامل الأسف الشّعراء والكتّاب الّذين يعانون من أمراض نفسيّة عويصة أهونُها الوهم وأعظمُها الكبت العاطفيّ كأنّهم خُشُب مُسنّدَة يحسبون كلّ صيحة عليهم. كثيرة هي الحالات بما فيها تلك الَّتي يعاني فيها بعض المبدعين من جنون العظمة الرّهيب لدرجة أنّهم يحسبون أنّ كلّ من يقترب من مجال اختصاصهم فإنّه سارق وكأنَّ اللهَ لمْ يهدِ للحرف ولا إلى مائه الزّلال سواهم. إلى غير ذلك من مظاهر الفساد المستشري الّذي تأنف نفسي عن الخوض فيه لدى هؤلاء المبدعين الّذين من المفروض أن يكونوا من أكرم خلق الله، وأشدّهم تواضعاً وخُلُقاً. لكن ما العمل والحال أنّنا في زمن الوهم والخيال، وزمن الجنون والاستهتار، سوى أن أفوّض أمري إلى الله، وأستغني به عن العالمين، مشهدة إيّاه أنّ حتّى صفحتي على الفيسبوك قد فرُغَتْ قاعتُها من كلّ كاتبٍ وحذفتُ الجميع منها، بعد أن رددتُ الجميلَ مضاعفاً لكلّ واحدٍ كتبَ في تجربتي مقالةً ما بأن كتبتُ عنهُ من باب المحبّة والشّكر والخُلُقِ العظيم، حتّى في حقّ أولئك الّذين ما وصلني منهم إلّا الأذى والظّلمُ والإجحاف، والحمد لله الّذي بنعمته تتمُّ الصّالحات.
///
صبري يوسف:
ماذا يعني لكِ الرّسم جنباً إلى جنب مع الحرف، متى ترسمين، هل ترسمين بحثاً عن تجلِّيات الرّوح؟
*
د. أسماء غريب:
الرّسم كتابة باللّون، جراحة بمشرط المحبّة، غوص في الأكوان الدّاخليّة، عيادة للتواصل مع كينونة الإنسان والحيوان والنُّجوم والأجرام. إنّه سفر الأسفار الكبرى، ولا يعنيني فيه التَّكوين الأكاديميّ لأنّني ممّن دخله من باب الفطرة، وليس من باب المدارس الفنّيّة. إذ كلّ ما أقوم، هو أن أحمل ريشتي وأرسم ما تمليه عليّ كينونتي وما أراه متبرعماً فوق تراب قلبي المدهام وسماء روحي الخضراء من أسرار. هذا كلّ ما في الأمر. لم أدرس الرّسم في أيّ مكان، والطّبيعة أمّي، وأكواني الدّاخليّة أكاديميَّتي. ومرشدي الرّوحي وأستاذي ومعلّمي الأوّل، هو قلبي المبصر بنور المحبّة. إنّني في تطوّر مستمرّ، ولا يهمّني أن يدرسني النّقاد، لأنّني أنا اللَّوحة والفنّان، وأنا المرسوم والمرسوم له، وأنا اللّون والخميرة، وأنا الثَّوب والرّيشة، وأنا المتلقّي والمبدع، وإذا ما رسمتُ أيّ شيء فإنّني أحاور وأخاطب به نفسي، لأرى في المرآة روحي وأعرف من أنا، وإلى أين أنا ماضية، ومن أين أتيتُ، وما كلّ هذه العلوم والعوالم بداخلي: إنّني بإيجاز شديد، الإنسان: هذا الكائن الّذي حار فيه العلماء والعرفاء!
((باثنين يومٍ مَا
منْ شهرٍ ما
في سنةٍ ما
صادَفتْ عيناهُ عينَيْها
رآها ولمْ ترَهُ
خاطبَ قلبُه قلبَها
سمِعَها ولم تسمعْهُ
تقدّمَ خُطوةً نحوها، فرّتْ منْهُ
وأغلقتْ على نفسِها حُجْرة ألوَانِها
تقدّم خُطوة أخرى نحْوها
طَرَقَ بَابَها
مرّةً ومرّتيْن وثلاثاً
ولمْ تفْتحْ
عادَ أدراجَه حزيناً
يَحْمِلُها برُوحه، بعيْنه، وبقلبِهِ
*
مرّتِ السّنينُ طَويلة عَريضَة
ثمّ زارَها مرّة أخرى
في فجْر خَميسٍ ما
من شهرٍ ما
بسنةٍ ما
طَرَقَ بَابَها
سبْع مرّات فَفَتَحَتْ
رَفعَ إليْها عيْنيْهِ
فرآها فَراشة شفّافة هشّة،
رفعَتْ إليْه عيْنيْهَا
ورأتْه مَلاكاً وعَلى يَمِينِهِ
نَبَتَتْ ثلاثة أجْنِحةٍ
وفوْق يَسارِه ثلاثة أخرى
ووسَطَ ظهْره جَناحٌ سَابع
*
ابتسمتْ وابتسَم
سلّمَ وسَلّمتْ
قرأ الفَاتحة
قرأتْها من بعدِه ثلاثاً
أجْلسَها فوق سَريرها
وَضَع فوْق رُكبَتَيْهَا ريشةً
وقارورَةَ مِسْكٍ
وجرّة ًمن ألوان الطّيف
ثمّ سَكَبَ فوْق جَنَاحَيْها
فِضّة السّماء وزُمُرّد الأرْض
وقال لها:
"حَبيبتي هَذه أنتِ
هذه ألوانُك وكُنوزكِ الخَلّابة
فلا تتْرُكي أحداً يُدنّس رَبيعَكِ
فأنتِ فَرَاشَةُ الكوْن
يذْهَبُ لوْنُك إذا ما لمَسَتْكِ الأصَابِعُ
وَلا رِيشة بعْد ذَلكَ
يُمْكنُها أن تُعيد إليكِ
بهْجة القلبِ وطُفولتَهُ"
*
ودّعَها وطَار
ودّعتهُ وأغْلقتْ بابَ المَرْسَمِ
ثمّ خطَتْ خُطوة أولى نحو مرآة رُوحِها
تغْمِسُ ريشَة المَلاك في نُسْغ المِسْكِ
وترْسُم ما تراه مُتبَرْعِماً
فوق أرْض قلبِها النّدية
وتُرابهِ المُدْهَام.))
وعلى هذا الرابط نماذج لبعض من لوحاتي:
https://www.youtube.com/watch?v=7S91ZGpWr7o
////

صبري يوسف:
ما هي علاقة صفاء وتجلِّيات الرُّوح بالكتابة، هل تنعكس مكنونات الرّوح عبر الكتابة والتّرجمة؟!
*
د. أسماء غريب:
لا علاقة للكتابة الحقّة بحالة الصّفاء أو الهدوء، لأنّ فعل الكتابة نفسه هو عبارة عن جرح أو فتقٍ كونيّ كبير في حالة نزيف مستمرّ. ومن يكتبُ يعرف هذا جيّداً. يعرفُ أنّ الأمر يستدعي حالةً من الصّمت العميق من أجل الإنصات إلى ألم الكينونة الوجوديّة وإيصال صوته إلى أبعد حدود. والكتابة الإبداعيّة حتّى وهي في أقصى حالات صمتها هذا، هي صراخ يدوّي في القلوب، إنّها تُعلنُ عن كلّ شيء، وتفضح كلّ شيء، طبعاً أعني الكتابةَ البِكر، الكتابةَ القادمة من البرِّيّة الّتي لم تطأها قدم مُستكشف بعد، تلك الضّاجّة بأصوات الأجداد، وأصوات من مضى ومن سيأتي، أصوات الكواكب، وأصوات الثّقوب السّوداء وهي تجرف إلى النّور كلّ نجم وكوكبٍ لتقوده إلى مدارات الضّوء الكثيف والنّور الفسيح.
لكي تكتبَ عليْك أن تكون ممّن يجيد الاستماع إلى صوت الكون، وإلى ذبذباته واهتزازاته، وإلّا فإنّك ستكون كما هؤلاء النّاس المنشغلين بالكتابة عن حياة لا شيء فيها سوى أحداثٍ وقصص تتكرّر منذ اكتشف الإنسان الحرف. لكي تكتبَ عليك أن تعود إلى الكهف والحجر، إلى الطّين والشّجر، إلى البحر والطّير والمطر. عليك أن تعود إليكَ، وتترك الأبجديّة تفيض وحدها منك حبلى بالنّقاط والحروف، والمثلّثاث والأوشام. عليكَ أن تعيد اكتشاف بيتك الأوّل، جسدكَ الّذي فيه تقيم، هكذا فقط يُمكنُك أن تشفى من آلامكَ، وهكذا فقط يُمكنُكَ أن تقول عن نفسكَ أنّك كاتبٌ، أديب ومبدع مقمّط بالسّلام والأمن والأمان:
((أربعون عاماً وأنا أمشي
تارةً تحتَ القيْظِ
وتارةً تحتَ المطر
الرّيحُ عاصفةٌ في رأسي
والجمرُ جبالٌ تأكلُ يديّ
والشّوكُ طريقٌ تحتَ قدميّ
وأنا وحيدة
في صحراء العطَش
أمشي والنّارُ شعلة بيْنَ عينيّ
لا شيء يُخفّفُ من ألمِي
سوى كوني أعرفُ مُسبقاً
أنَّهُ لا بدّ من كلّ هذا
كيْ تتجلّى لي أخيراً
أيَا جسدي
فأنا لا أعرفُكَ،
نعم، نعم،
دعْني من الصّورة إيّاها
هذه أعرفُها جيّداً
ففيكَ القلبُ والدّماغ
والعظامُ وأشياء أخرى ...
لكنّي اليومَ وقدْ رأيتُكَ حقّاً
وجدتُكَ خريطةً منَ الأوشام
من قمّة رأسي
إلى آخر إصبع في قدميّ
وهذا شيء جديدٌ عليّ،
المشكلة الآن
هو أنَّني مازلتُ إلى اللّحظة
أبحثُ عن مفاتيح خاصّة جدّاً
علّني أقرؤُكَ بها
أو أقفُ بهَا على أسراركَ
مُثَلّثاتُكَ كثيرة
ونجومُك كبيرة
ودوائركَ صغيرة
وفيك أشياء أخرى؛
خطوط الأنهار مثلاً
وتدويرات الجبال والأمواجِ
وفيك السّفن أيضاً
والنّسور والحمائم
والأسود والنّمور
والأحصنةُ والدّببَة
والذّئابُ والثّعالب
وأسنانُك يا إلهي كثيرة جدّاً
وجماجمكَ متفرّقة هنا وهناكَ
والمياهُ تحيطُ بك من كلّ مكان:
طرقٌ، أقبية
سماوات ودهاليز
من أين سأبدأ
وإلى أين ستأخذني
هذه الشّيفرات
الَّتي لا حدّ ولا حصر لها؟
جزيرةُ كنوزٍ أنتَ يا جَسدي
والقراصنةُ يشدّون الرّحالَ إليكَ
من كلِّ صوبٍ وحدبٍ
وأنا سفينة خضراء
تمخرُ عبابكَ صباح مساء
دون أن أصلَ بعدُ إلى السّرّ
سرّ الهو
ذاك الذي به سأفتحُ الغارَ
وأطَّلعُ حقّاً
على وجهكَ المضيء،
هل تسمعني
يا جسدي؟!))
////
صبري يوسف:
ماذا تعني لكِ الولادة، ولادة طفل، بزوغ الشّمس، نمو زهرة، ولادة فكرة، ... كيف تولدُ أفكارُكِ؟!
*
د. أسماء غريب:
الولادة هي موقف اختيار حرج جدّاً، تقرير مصير، قرار خطير يحتاجُ إلى الكثير من الشّجاعة والتّدبير، لأجل هذا لا أفرح كثيراً بمشهد طفل يأتي إلى الوجود، لأنَّني أتساءل كثيراً عن مصيره، وعن تجاربه كيف ستكون، وعن كتابه كيف سيفتحه ومن أين وكيف سيقرؤُه، وأتساءل أكثر وأكثر عن والديْه، لماذا اتخذا هذا القرار، لا سيَّما في زمننا الّذي لا شيء يبشّر فيه بالخير. الولادة مسؤوليّة كبيرة، وأمرٌ يحتاج إلى الكثير من العدل والرَّصانة والاتّزان. يُفرحني طبعاً منظر بزوغ الشّمس، لأنّ فيه ولادة يوم جديد، بفكر جديد وعُمْر أجدّ يحمل بين طيّاته الكثير من الآمال والوعود، يفرحني أيضاً منظرُ الزّهرة وهي تتفتّح، وهي في هذا أجدها أكثر وعياً من الإنسان، لأنّها حينما تتفتّح فإنّها تعلن عن حالة السّلام والوئام الّتي بلغتها وحقّقتها مع الكون، انظر في المقابل إلى عالم البشر وأسأله كيف يتفاعل مع تفتّح الفتاة والفتى؟ إنّها كارثة بما في الكلمة من معنى، إنّها حرب مستمرّة على الإنسان. لا أحدَ يتفتّحُ بشكل سليم في عالم البشر؛ لا المرأة ولا الرّجل، والنَّتيجة: أرض تضجُّ بالمرضى النَّفسيين والمكبوتين الّذين أشعلوا هذا العالم بالحروب ونشروا فيه الأوبئة والأمراض، ونزلوا فيه إلى الدّرك الأسفل من الجحيم. أمّا كيف تولد أفكاري، فهذا له علاقة بمجموعة من الميكانيزمات الشّديدة التّعقيد، بما فيها تلك الَّتي ترتبط بأكلي ونومي، وكيف وأين أقضي يومي، وماذا أقرأ، وإلى أين أسافر وأرحل، ثمَّ أشياء أخرى لها علاقة وطيدة بتركيبتي الرّوحيّة والشَّخصيّة ومدى استعدادي الفكري لتلقّي مكنونات الحرف.
///



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (24) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (23) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (22) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (21) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (20) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (19) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (18) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (17) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (16) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (15) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (14) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (13) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (12) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (11) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (10) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (9) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (7) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (25) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف