أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف















المزيد.....

(6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6314 - 2019 / 8 / 8 - 11:12
المحور: مقابلات و حوارات
    


ماذا تقصدين بأهل العَمَل وأهل العِلم، وهل لكِ أن توضّحي فكرتكِ عن النّار المقدّسة وعلاقتها بطاقة الإنسان؟
*
رجال التّنوّر لا يسلكون طريقاً واحداً، وإنّما هُم مختلفون باختلاف الطّرق الَّتي تؤدّي إلى الله، لكن الّذي يحدث أحياناً -وهذا ليس بالأمر الجيّدِ طبعاً- أنّ البعض منهم يكتفي بطريق واحدٍ، فيصبح إمّا من رجال العمَلِ وحده، وإمّا من رجال العِلم، أو من أهل القلبِ فقط، والحقيقة أنّ المتنوّر الحقّ ليصلَ إلى درجة المُعَلّم، عليهِ أن يجمع بين كلّ هذه الطّرق والمسالك. ومن لديه خبرة ودراية بماهية الجسد البشري، سيعرف جيّداً قيمة ما أقول، لأنّ هذا الجسد هو على درجتَين: فيه العقلُ؛ وهو المرشدُ الأعلى، وفيه النّار المقدّسة، وهي طاقة الحياة، والعقل هو المتحكّمُ في النّفس يُذَكِّرُها بأصلها النُّورانيّ، ويدعو مركبة الجسد إلى الصُّعود إلى أعلى، ويُذَكّر النّفسَ بأنّ كلّ عذاباتها وأمراضها هي مجرّد خيال ووهمٍ يُمكنُ حرقهُ جيّداً بالنّار المقدّسة والّتي كثيراً ما تحدّث عنها الله في العديد من نصوصه أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر هذه الآية القرآنيّة الّتي يقول فيها: ((وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ، إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)). هذه النّارُ بيتُها الأوّل هو أسفل الظّهر وإذا اهتدى إليها مُوسى- العقلُ دعَاهَا إليه وأمسكَ شعلتَها بيديْه وارتفع بها إلى الأعلى ليحرق بها كلّ الشَّوائب، وأنار بها بقيّة "أهله" الَّذين هُم القلبُ والفؤاد والرّوح والحواسّ، ويجبُ أنْ أذَكِّرَ وأنا في هذا المقام بأنّ هذه النّار تَضْعُفُ إذا استهلكَها الإنسانُ كاملةً بإخراجِها من باب الشّهوة الجنسيّة المبالغِ فيها، أو عن طريق الجَشع والنّهم والأكل الكثير، لذا فإنّه من المستحسن أن يعمل كلّ إنسان يرغبُ في سلوك طريق النّور أن يحافظ على مَنْيِهِ ومائِه لأنّهُ طاقة مقدّسة وذلك بأن يقنّنَ الممارسة الجنسيّة، وألّا يحرقَ عقلَه وجسدَه بالتُّخمة الَّتي لا تجرّ إلّا الوبال والمرض، وأنْ يقلّلَ من الكلام، لأن اللّسان مُهدر كبير لطاقة الإنسان، وأن يغضّ ما استطاع بصره عن النّظر إلى المغريات لأنّها تسرقُ الطّاقةَ عبر العين.
النّار المقدّسة شيءٌ مهمّ في جسد الإنسان، لأنّ بها يتمُّ العمل على العقل والقلب، وهو ما اصطُلِحَ عليه لاحقاً بعمل الرّوح القُدُس. العقلُ والقلبُ هما كآلة العود إذا لمْ يعرفِ الإنسانُ كيف يضبطُ أوتارها جيّداً بحيثُ لا تكون مشدودةً جدّاً، ولا مرنةً أو مُرتخيةً بشكل مبالغ فيه، فإنّه لن يُقَدِّمَ معزوفتَه الخاصّة الّتي تميّزهُ عن بقيّة النّاس. ومن الأخطاء الّتي مازال يرتكبُها الإنسان لليوم، اعتقادهُ أنّ طاقتَه تنبع من قلبه فقط أو من عقله أو منهما معاً، في حين أنّها تنبع من سُرّتهِ لا غيْر. لا أحد ينظرُ إلى الوردة ولا إلى الشّجرة ويستوعبُ حقيقةً أنّ جذورَها هي سببُ حياتها. الكلّ ينظرُ إلى رأس الوردة يقطفه ويشمّه، أو إلى رأس الشّجرة يجني ثمارَه وأزهارَهُ. لِذا أقولُ لكَ عزيزي القارئ إنّ الإنسانَ هو بمثابة الشّجرة الواقفة وجذورهُ في سرّته، وهي المكان الوحيد الّذي منه يستمدُّ الطّاقة وينفتحُ بهِ على الوجود.
كلّ مجتمعٍ يعتمدُ على العقلِ فقط، يكونُ مجتمعاً فاسداً وممتلئاً بالمجانين والمهووسين، والشَّيء نفسه بالنّسبة للمجتمعات الَّتي تهتمُّ فقط بروحانيّاتِ الجَسد. العقلُ وحدَه لا ينفعُ، لأنّهُ آلة حسّاسة وهشّةٌ جدّاً، وليس لها كلّ القدرة والطّاقة اللّازمة من أجل تحمُّل ضغوطات الحياة بما فيها القلقُ والغضب والألم، والإجهاد النّفسيّ وما إلى ذلك، لأنّهُ في الأخير سيعلنُ فشَله ويتوقّفُ عن العمل الصَّحيح، وهذا هو السّبب وراء كثرةِ المختلين عقليّاً والمرضى النّفسيين في المجتمعات المعاصرة. على كلّ إنسان أن تصبح غايتُه تحقيقَ أعلى درجات الصّمت في حياته اليوميّة، وأعني هنا الصّمتَ المصاحَبِ بالسّماع والاستماع والاستمتاع. قد يبدو الأمر صعباً، لكنّ العقلَ لا يمكنه أن يعمل حقيقةً وبشكل خلّاق إلّا إذا تحقّق له الصّمتُ والسّماع الكامليْن. كلّ إنسان مطالبٌ بهذا الصَّمت من أجل التّواصل مع مركز الطّاقة الأهمّ في جسده وهو السّرّة. وهذا يعني العودة بالعقل إلى حياةِ المشيمة حيث الصّمت الّذي لا يعادله صمت، وحيث الهناءة والوداعة والسّلام. كلّ إنسان بدأ حياتَهُ هكذا، لكن الأخطاء الّتي ارتكبتْها الحضارات والثَّقافات والأديان في هذا المجال لا تُغتفرُ أبداً.
في المجتمعات البدائية كانتِ الأمُّ بمجرّد أن يُقطعَ الحبلُ السّرّي الّذي يربطُها بطفلها، تُسارعُ مباشرة إلى تعويضه بثدي الأمومة، وكانت - وهي الّتي لم تكنْ لا بالمثقَّفة ولا الفيلسوفة ولا الطّبيبة - تعرفُ جيّداً كيف تنتقلُ من مركز السُّرّة إلى القلبِ، وتربطُ قلبَها بقلبِ رضيعِها عبر الثَّدي، الشَّيء الَّذي يعني أنّ الطّفلَ كانَ ينمو بالمحبّة والسّلام. وكانتِ الأمُّ لا تحبُّ أبداً حرمانَ ابنها من حليبها إلَّا بعد أن يبدأ هو وعن طيب خاطر في الابتعاد عن الثّدي بعد أن يصبح عمرُه ثلاث سنوات وفي حالات أخرى حتّى أربع سنوات.
اليوم وقد تغيّرتْ وضعيةُ المرأة وانتقلتْ من حالة البداءة إلى حالة العقل والثَّقافة والتَّمدّن والتَّحضّر، أصبحت ما إن يُقطَعُ الحبل السّرّي حتّى تُلقمَ طفلَهَا زجاجة الحليب الاصطناعيّ فتُضَاعِفَ من ألمه وحرمانه بفصل سُرّتهِ عن سُرّتها، ثمَّ قلبِه عن قلبها. وهذا ما يفسّرُ كيفَ أنّ الثَّقافةَ السّائدة في الغرب هي ثقافة العقل، وذلك لتعويضِ ما تمّ فقدانُه في كلّ القرون الماضية من علاقةٍ بين السّرّة والقلب. بل هذا ما يُفسّرُ أيضاً كيف أنّ العديد من رجال الثّقافة الكبار والمشهورين في العالم الغربيّ عانوا في حياتهم من الجنون أو من الأمراض والآلام العقليّة المختلفة. والمرأةُ قد ساهمتْ بشكل كبير في هذا الخراب الرّوحيّ. لذا تجدُ أنّ الإنسان في مساره الحضاري قد عوّضَ صورتَها حتَّى في الدّائرة اللّاهوتيّة والإيمانيّة بصورة الإلهِ -الأب، ولم يعترفْ قطّ بصورة المرأة -الإلهة، وفي أقصى الحالات أعطاها درجة "أمّ الإله"، وليست بالإلهة أبداً. أمّا على مستوى الحياة اليوميّة، فانظرْ كيف أصبح الأبناءُ يعاملون أمّهاتِهم في كلّ ركن من العالم: لا يوجد هناك احترام، ولا محبّة، ولا مودّة. لأنّ جُرحَ الأبناء في أمّهاتهم عميق جدّاً ولا يستطيعون أن يغفروا لهنّ ما ارتكبنَه في حقّهم من جريمة حينما منعنَ عنهم الثّدي واستبدلنهُ بقنّينة زجاجيّة أو بلاستيكيّة يبحثن فيها بشكل أو بآخر عن طريق يوصلهم جميعاً؛ أمّهات وأبناء إلى ماضي السّرّة والقلب. لأجل هذا أقول إنّ ثديَ المرأة شيء مقدّس والله لم يخلقه عبثاً، وإنّما جعله بوابةً إلى عالم الرّوح وملكوت السَّلام: انظر إلى لوحات الفنّانين الكبار وستلمس بنفسكَ مدى الحرمان الَّذي تعيشه الإنسانيّة. الكثير من الفنّانين يرسمون أثداء النِّساء بشكل رائع وبديعٍ، ويعبّرون فيه جميعُهم عن مدى حاجتهم الشَّديدة إلى الحبّ والحنان والأمن والأمان.
لا يمكنُ للنّساء أن يطلبن المستحيلَ وهنّ يعانين من عنف الرَّجل في كلّ مكان؛ عنفه في الشَّارع، عنفه في العمل ثمَّ عنفه في البيت. إنّها كارثة حقيقيّة ولن ينقذكم منها أيّها النّاس سوى المرأةِ نفسها، وهي الآن مطالبة أكثر من غيرها بالعودة إلى سُرّتها وثديها، حتَّى تقود أبناء العالم إلى مركز الطّاقة الحقّة، وحتّى يجدَ العقلُ طريقه إلى الطَّمأنينة والسَّلام.



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (4) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (3) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (2) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب ...
- حَجَرُ باخ
- هيكل سليمان
- ما تصنعُهُ العتمة: زوي فالديس (كوبا): ترجمة أسماء غريب
- ثلاثُ قصائد للشّاعرة البرازيلية أديليا برادو: ترجمة أسماء غر ...
- اللّيل: أليخاندرا بيثارنيك (الأرجنتين) / ترجمة أسماء غريب
- المُعلّمُ في الطّريق
- لا أطلبُ منكِ - ماريو بينيديتّي (الأوروغواي) - ترجمة أسماء غ ...
- امرأة البحر
- مطرٌ من الألماس
- القصيدة الذهبية
- في ترجمَةِ ما لا يُتَرْجَمُ؛ تجربةُ المُسْتشرقِ الإيطالي ألي ...
- العقلُ الأخلاقيّ بيْنَ حضَارتَيِ القولِ والفِعْل عندَ جواد ع ...
- رسالة آتون الأخيرة
- التلميذ والكهربائيّ
- بيْن عشقيْن؛ عِشقِي للتّرجمة و(عشق سرّي) لريتانّا أرميني


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف