أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عزيز باكوش - الراهب الأسود لأنطوان تشيخوف ..هنئني يبدو أنني قد جننت !!















المزيد.....

الراهب الأسود لأنطوان تشيخوف ..هنئني يبدو أنني قد جننت !!


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 7507 - 2023 / 1 / 30 - 15:11
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في قصة الراهب الأسود لتشيخوف شَكَّل ثلاثيُّ الماوراء "الميتافيزيقا -الفلسفة والتصوف محور اشتغال الحبكة الإبداعية لدى أنطوان تشيخوف في مجموعته القصية الراهب الأسود الصادرة عام 1894. وهي نكهة تكاد تسم كل الأعمال الأخيرة لأحد عمالقة الأدب الروسي . تدور القصة في طبعتها الصادرة عن دار "إبداع" مترجمة عن الروسية بقلم "روضة أيمن الحطاب حول «كوفرين» الشاب الحاصل على الماجستير في الفلسفة، لكنه سيعاني من هلوسات ووساوس قهرية ، من بينها رؤيته في أحلام يقظته راهبا برداء أسود سيتخذه فيما بعد صديقا حميما ، إذ في مكان ما قبل الف عام في الصحراء من سوريا او الجزيرة العربية رأى صيادون سرابا على شكل راهب ،تلك الأسطورة الغريبة التي شغلت باله ..

في إحدى لقاءاته بالراهب الأسود ، سيقتنع الشاب كوفرين أنه من أبناء الرب المختارين لقد حدثه صديقه الشبح عن الحقيقة الخالدة وعن مستقبل البشرية ،وكان ذلك يملأ روحه ، ويرفع منسوب الإدراك لسموه الشخصي ،حتى أصبح على ثقة تامة ، بأن مثل هذه الرؤى لا تراود سوى المختارين البارزين الذين وهبوا حياتهم لخدمة الفكرة". كان كوفرين يعيش في حضن الراهب الأسود لحظات خالدة يقول عنها مشرقة خلابة وسامية . لكنه لا يستطيع أن يحكي ذلك لزوجته تانيا ،لأنها سوف لن تصدقه ،بل ستعتبره مجنونا.

وتملكه هذا الاعتقاد وبات يمتلك طاقة خارقة القدرات، وقدرة هائلة على أن يقود البشرية إلى الحياة والحقيقة الأبدية، فيتخلى «كوفرين» عن زوجته تانيا ابنة البستاني وعائلته ويتجول باحثا عن أوهامه المفقودة. أما في رؤيا ثانية ،التي احتبست فيها أنفاسه واعتصر الحزن قلبه ، ورفرفت في صدره فرحة رائعة منسية منذ زمن ، سيظهر الراهب الأسود على ضفة الخليج في شكل عمود أسود طويل، يشبه الزوبعة يتحرك بسرعة رهيبة متجها نحو إقامته بالفندق . ظهر الراهب الأسود برأسه الأشيب الحاسر وحاجبيه الأسودين وقدميه الحافيتين ويديه المعقودتين على صدره مخاطبا كوفرين بعتاب :
لماذا لم تصدقني ؟ لو صدقت ما قلته لك في المرة الأولى بأنك عبقري لما قضيت هذين العامين بهذا الحزن والجدب؟"


تبدأ أحداث قصة الراهب الأسود من الشاب كوفرين الحاصل على الماجستير فى الفلسفة، والذى ينزل في إجازة إلى مربيه "يجور" في إحدى القرى، وهو رجل يملك بستانا يزرع فيه جميع أنواع الفاكهة بطريقة احترافية، وهناك يلتقى الشابة النحيلة "تانيا" ابنة "يجور" التي كبرت خلال الخمس سنوات الماضية التي لم ينزل فيها إلى القرية، وهناك وسط البيئة الرحبة يتذكر أسطورة الراهب الأسود الذى يستدعيه أنطوان تشيخوف باعتباره وحيا قادما من السماء ، أو الضمير المنقذ من خارج الأرض ، فيستقبله باعتباره شخصا غير عادي، بل من الناس المختارين من طرف الرب لينيروا الأرض بأفكارهم . وسرعان ما سيتبنى كوفرين هذا الحلم ،ويتعلق به أملا يجسد كل لقاءاته مع الراهب الأسود.

ومع مرور الوقت ،يختار كوفرين "تانيا" ابنة البستاني زوجة له . كانت قصيرة القامة شاحبة ونحيلة إلى درجة بروز عظام ترقوتها. لكنها ستنزعج انزعاجا شديدا عندما تجده يتحدث مع نفسه وبصوت مسموع . فبينما يتحدث كوفرين مع الراهب الأسود ، تراه تانيا يتحدث مع الفراغ . ما جعلها تعتبره مجنونا . لكنه الوحي، الضمير ،الحقيقة الأبدية التي يراها كوفرين ولا تراه زوجته تانيا. في هذه الأثناء ،لم تستطع تانيا حجب هذا الشعور المريب نحو زوجها، فأسرت به لأبيها ، الذى انزعج بدوره كثيرا، فقرر أن يعرض زوج ابنته على طبيب نفسي الذي يعالجه بوصفة دواء عبارة عن بروميد البوتاسيوم من الأعصاب. لكن استقرار الوضع الصحي لكوفرين جعله يبتعد شيئا فشيئا عن الراهب الأسود ، ليختفي الاتصال به ،لأنه يمثل بالنسبة إليه غاية الحياة الخالدة ، ومتعة الحياة الحقيقية . فيشتد حزن كوفرين ويعبر بغضب لزوجته قائلا " أنت وأبيك السبب في حرماني من المتعة الحقيقية التي تكمن في المعرفة .

واختزالا لكل التفاصيل تمضي الحياة وفقا لقوانينها و لمقتضياتها . بعد انفصاله عن زوجته تانيا سيصاب بمرض نفسي عضال ،ويخوض تجربة زواج ثاني فاشل ، ويرتكب الكثير من الحماقات والمظالم التي يسعده أن لا يتذكرها .
"نعم كنت مريضا بجنون العظمة وشفيت تماما ، ولكني كنت مرحا نشيطا وسعيدا كنت طريفا وأصيلا " . والآن بعد أن شفي تماما من المرض وأصبح أعقل وأكثر رصانة . ولكنه صار مثل القطيع، صار عاديا ،سئم الحياة كان يرى خيالات، لكنه لا يزعج أحدا" ص130

يبتعد كوفرين عن زوجته تانيا ، ويعيش مع امرأة أخرى تدعى فافارا نيكولايفا ، ورغم أنها كانت تكبره بعامين فقد كانت تعامله كطفل . هذا المناخ الجديد جعله يفكر بطريقة مختلفة حيث يقول " كنت أعظم من الأستاذ الجامعي حين كنت أرى الراهب الأسود، ذلك العملاق البصري الذي يسكن كل الأرض ". فيقرر عدم استكمال دراسته، و سيعتذر ويكرر اعتذاراته عن عدم استطاعته القاء محاضرة بسبب المرض. كان الدم ينزف من حلقه ويبصقه بغزارة . وينتابه ضعف شديد وميل إلى النوم . وفي يناير ألغيت محاضرته لنفس السبب ،في هذه الأثناء سيصله خطاب من تانيا زوجته السابقة، تخبره أن أباها مات بالحسرة ،وأن جنون كوفرين كان السبب. لقد شتمته في رسالتها ، وتمنت له الموت. فينتابه رعب شديد، فيمزق الرسالة ويلقي بها قطعا من النافذة ،كما مزق ذات يوم رسالة الدكتوراه . فيأتيه الراهب الأسود ويقول له: ما كان يجب أن تخبر أحدا باتصالي بك، ينام كوفرين ثم لا يستيقظ، لقد مات كوفرين بعد أن عاتبه الوحي". وفي النهاية فإن لخيط الناظم في الحبكة الفنية هو أن الأسطورة ،السراب ، الشبح الراهب الأسود ،كل هذا كان من وحي خيال كوفرين المريض .

يشرح الراهب الأسود غاية الحياة الخالدة للبشر" نعم بالطبع، إن مستقبلا عظيما باهرا ينتظركم أنتم البشر . وكلما كثر أمثالك على الأرض يا كوفرين ، تحقق هذا المستقبل. أسرع ، فلولاكم أنتم الذين تخدمون الغاية الاسمى ،وتعيشون بوعي وحرية ،لكانت البشرية تافهة . ولو تطورت وفق النظام المألوف، لظلت تنتظر طويلا نهاية تاريخها الأرضي. أما أنتم " العقلاء الراشدون المقدسون للفكرة" فسوف تدخلونها ملكوت الحقيقة الخالدة قبل الأوان ببضع آلاف من السنين . وتلك هي الخدمة الجليلة التي ستقدمونها للبشر .أنتم تجسدون البركة الإلهية التي لم يحظ بها البشر " ص106
هنا تبرز المعرفة العميقة لتشيخوف بأعماق النفس البشرية ، بل وتوصيف غاياتها بأبعاد فلسفية بأدق العبارات ومشاعر إنسانية سامية بالغة الدلالة . نعم ،لقد كان كوفرين مريضا ،لأنه عمل فوق طاقته وأجهد نفسه . وهذا يعني أنه ضحى بصحته في سبيل الفكرة . وقريبا سيحل الوقت الذي يهب حياته لها أيضا، فهل هناك ما هو أفضل ؟ إن هذا هو ما تسعى إليه عادة كل الشخصيات الموهوبة النبيلة "
وهاهو كوفرين قد أصبح الأن يؤمن بأنه من أبناء الرب المختارين ،وأنه عبقري . وتذكر على الفور كل أحاديثه السابقة مع الراهب الأسود .أراد أن يتكلم ،لكن الدم سال من حلقه على صدره مباشرة . فأخذ وهو لا يدري ماذا يفعل . يمسح بيديه على صدره .فتبللت أساوره بالدم . أراد ان يهتف مناديا فارفارا نيكولايفنا التي كانت نائمة خلف الحاجز . فتحامل على نفسه، وتمتم "تانيا" وسقط على الأرض . وعندما استيقظت فارفارا وخرجت من وراء الحاجز، كان كوفرين قد فارق الحياة وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة عذبة"
ومن خلال تطور الأحداث الدرامية في البناء القصصي الشيخوفي الراهب الأسود نموذجا يتضح أن هذا الأديب الروسي أكثر غوصا وأقوى معرفة بأعماق النفس البشرية بنزوعها الراقي وفلسفتها الدالة للغاية ،ودواخلها مشاعرها الصافية وأمزجتها المتقلبة . من هنا أهمية مقاربة مواضيع فلسفية في البناء القصصي مثل الماورائيات وعالم التصوف والحقيقة الخالدة بأبعادها الفلسفية الميتافيزيقا أو ما يمكن وصفه بالارتقاء في عالم التصوف والسمو الروحي ورفعة الذات الماجدة.

وتتعدد المعاني والمواضيع التي يتطرق إليها هذا الأديب الشامخ ما بين الفلسفة والدبلوماسية والحب والخير والشر،كيف لا وهو الذي ذاع صيته و اشتهر بتعليقاته الساخرة على حال المجتمع الروسي في الحقبة التي عاشها . والملاحظ كذلك أنه يركز بذكاء سياسي وفلسفي بالغ الدقة والموضوعية في اختيار شخصيات رواياته وقصصه في منجزه الأدبي الرفيع . شخوص وشخصيات غالبا ما تتسم بالتردد واليقين بالثورة والاستكانة ، بالخير والشر ، بالحب والمقت المبين ، باليأس والوحدة والغم الرجيم . إنها حزمة حياة تستحق أن تقرأ وتروى لأنها تستحق العيش على نحو ما أيضا . اليوم يصادف عيد ميلاد هذا الكاتب الروسي الكبير أنطوان تشيخوف

عزيز باكوش تازة يناير 2023



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميديا خيارات مربكة وعابثة بأقاليم النفس البشرية
- حكاية رجل دخل المستشفى طبيبا وخرج منه مجنونا
- الطائرات المسيرة الدرون صناعة التفوق
- جلال حسني شعر يتهيب إمكانية البروز
- فاطمة وهيدي في -قلوب ضالة- لا تشيد الجدران، بقدر ما تنحت نوا ...
- رواية عبد الرحمان منيف -سباق المسافات الطويلة - أو حين ضاع ك ...
- تكريم خمس شخصيات من عالم الثقافة والفن بتازة المغرب
- المقهى والتلفزيون أية علاقة ؟
- تقديم كتاب جماليات الموت في شعر محمود درويش للشاعر الدكتور ع ...
- قراءة في رواية - زمن العودة إلى واحة الأسياد للكاتب عبدو حقي
- المعرفة المتخصصة أهم مصادر السلطة في العصر الحالي مع إجادة ف ...
- جولة في رحاب القوقاز للأديب الشامخ ليو تولستوي
- الكتابة للأطفال الأديب المغربي زهير قاسمي نموذجا
- قراءة في كتاب -السينما والرقص على الحبال المشدودة - لكريم فر ...
- آناكارنينا للشامخ تولستوي أو الحب القاتم والعنيف
- شركة - ميتا- والقرار الصعب
- جاسوسة الجواسيس ماتا هاري من النشأة إلى الإعدام
- الحكاية الشعبية آلية ناجعة لتطوير وتسويق المنتوج الصناعي الت ...
- أعراف الكتابة والتأليف بحث في استراتيجيات النص العربي لمؤلفه ...
- تكريمات كارتونية


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عزيز باكوش - الراهب الأسود لأنطوان تشيخوف ..هنئني يبدو أنني قد جننت !!