أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين بوروى - قِحَابٌ وَلَكِنْ...














المزيد.....

قِحَابٌ وَلَكِنْ...


عزالدين بوروى

الحوار المتمدن-العدد: 7498 - 2023 / 1 / 21 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة


…واصطف الجميع ،وأنا واحد منهم، على طول الرصيف الرابط بين حي الإسماعيلية وقنطرة "بربحية" ننتظر قدوم أرباب مزارع تافراطة لنبيع عرق الجبين بدراهم بخسة. كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحًا وزمهرير ديسمبر اخترق أعماق عجائزنا، كلٌّ يختبئ في ملابس نديمه. دخان السبسي يلوح في الأفق، حتى أن القادم إلى المدينة والمار على "مُوقفْ الاسماعيلية " يخال نفسه بشوارع لندن أو مانشستر. لم يكن ذلك الضباب إلا دخان سبسي عمي اعمر وآهات وآمال أولئك الكادحين الذين تنكرت لهم الحياة ومارست الرذيلة عليهم واحدًا تلو الآخر.
بدأت المحلات على طول الشارع الرئيسي تفتح أبوابها ، عمي العوينة هنا يزيل قطرات الندى المتساقطة على عربة الديطاي خاصته والآخرون هناك يفتحون في وجه الزبائن.
أما أنا فكنت لاأزال أجلس على الرصيف بمحاذاة عمي التازي .
عمي التازي هذا ، رجل سبعيني أخذ الزمن منه ما أخذ، وتساقطت أسنانه كلها ولم يبقَ له إلا اللسان الأحمر الطويل . قال لي يومًا أنه شيوعي، قلت له يا عم ! وهل تعرف ما معنى الشيوعية ؟
قال لي بالحرف الواحد :
- اسمع يا ولدي ، رغم أنني لم أدرس يومًا واحدًا بالمدرسة ، إلا أنني تعرفت فيما مضى على ثلة من صحابي كانوا قد درسوا بالجامعة في سبعينات القرن الماضي أخبروني أن الشيوعيه تعني أن تكون ضد القهر وضد الاستغلال ، ومن ثم أعلنتُ نفسي شيوعيا.
عمي التازي كان أبًا لطفلين أنجبهما في أرذل العمر، وأقسم بدماء الجماهير الكادحة بمدينة جرسيف وبعرق جبين كل الفلاحين عبر العالم أن يوفر لطفليه ما أرادا حتى يوارى الثرى.
أشرقت الشمس وبدأت الشاحنات والسيارات من نوع 207 تمتلئ بالكادحين وتنطلق صوب مزارع تافراطة، أما أنا وعمي التازي وقليل من الآخرين فقد كنا ننتظر بفارغ الصبر ألا نعود بخفّي حنين إلى منازلنا. انتظرنا حتى جاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى بدلوه معنا بخصوص ثمن بيع عرق الجبين ليوم واحد ، تفاوضنا كالعادة ، لكن بدون نتيجة. قال لنا أنه لن يستطيع أن يستجيب لهذا القدر من الأجر، فركب سيارته وقصد "موقفًا " آخر ، فربما يجد من يبيع نفسه بدراهم بخسة .
مرت الدقائق ونحن ننتظر على أحر من الجمر حتى وقفت علينا للمرة الثانية سيارة أخرى، هبط صاحبها وبدأ يدقق النظر فينا واحدًا تلو الآخر، كان يبحث عن الشخص الذي تتوفر فيه شروط العبودية ؛ الشخص الذي يمكنه أن يعمل لساعاتٍ طوال دون أن يشتكي حر الشمس ،هبوب الريح الشرقية بالمساء ،أو الثمن الزهيد. ظل لمدة من الزمن يدقق في ملامحنا التي شوهتها أزاميل الأيام…تأخر رب المزرعة في الإعلان عن خبر العبد الذي زُيِّن له الفوز بيوم من العمل الشاق، فهمس حكيم الموقف ، عمي التازي، بأذني قائلًا:
- مال هذا كيختار فينا ، واش حنا قحاب ؟؟
كانت العبارة بليغة جدا وثقيلة من ناحية المعنى على أذني، وظلت تتردد على مسامعي حتى في أيام قراءاتي المعمقة لروايات الأدب العالمي…
قرأت قدرا لا بأس به من أعمال الأدب العربي ،الفرنسي،الروسي ، والإنجليزي، ولم يحدث أن وجدت عبارة أو سؤالًا بليغًا كهذا!
ظل سؤال " واش حنا قحاب؟" يزعزع ذهني كلما تذكرت الموقف ، الكادحين، وعمي التازي !
هل نحن حقا بغايا حتى يسخر منا القدر هكذا ويجعل لآخرين السلطة علينا كي يختاروا من أحق بالعمل : علي أم معاوية ؟



#عزالدين_بوروى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملفات عن الحياة الموت وأشياء أخرى
- ملفات عن الحياة والموت وأشياء أخرى…
- مائتا عام مرت على اهتزاز عرش القيصر
- السير بخطى ثابتة نحو الهاوية/ نسخة معدلة من المقال السابق
- السير بخطى ثابتة نحو الهاوية
- تأهيل للقراءة بالنسبة لأشباه القراء
- قرية أبريل/ علي عبدوس
- خاوة-خاوة
- انتصار على السيورانية
- اليسار باقٍ مادام التناقض قائما...
- الله ذلك المجهول


المزيد.....




- اغنية دبدوبة التخينة على تردد تردد قناة بطوط كيدز الجديد 202 ...
- الشعر في أفغانستان.. ما تريده طالبان
- أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو ...
- RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال ...
- جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
- حملة ترامب تطالب بوقف عرض فيلم -ذي أبرنتيس- وتتهم صانعيه بال ...
- ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي
- فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
- محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح ...
- دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين بوروى - قِحَابٌ وَلَكِنْ...