أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عزالدين بوروى - انتصار على السيورانية














المزيد.....

انتصار على السيورانية


عزالدين بوروى

الحوار المتمدن-العدد: 6806 - 2021 / 2 / 4 - 16:38
المحور: سيرة ذاتية
    


لازمتني السيورانية لسنوات عدة،منذ الوهلة الأولى من قراءة الشذرات الظلامية لفيلسوف الظلام الروماني إميل سيوران، منذ أن عزمت حينها على طلاق ما يدعى زورا وبهتانا حينها "الوجود". منذ أن رفضت الحياة، واعتذرت عن المشاركة فيها بداعي أنني عدمي تارة، وأنها عبثية تارة أخرى...بعدما تشبعت بأفكار الشعراء العظام أمثال بودلير، والأدباء أمثال كامو...لكن صراحة، سيوران لم يكن مثلهم، كان مجنونا إلى الحد الأعلى من الجنون، كيف لا، وهو يتحدث قائلا في آخر عبارة كتبها في كتاب "العدميين الجدد" المقدس "مثالب الولادة" : لو قدمت لي الحياة على طبق من ذهب لرفضتها وصرخت فيهم "لقد فات الأوان". لم يترك لحياتي أي معنى،ولم يترك لي أي كوة من النور لأرى بها جمال الوجود، تملكني فور أتممت مثالب الولادة، تاريخ ويوتوبيا،لو كان آدم سعيدا، اعترافات ولعنات، وبحث في الفكر الرجعي...وغيرها من الكتب والترجمات التي ترجمها الأستاذ فتحي المسكيني مشكورا. لقد سيطر على جل حياتي، وهو ما اعتبرته نوعا من العبودية المنقطعة النظير لكاتب معين، أو بالأحرى لشخص معين. هنا بدأت قصة إعدام شخصي إعداما بطيئاً، بدأت أفكر كما يفكر هو،لم أعد مستقلا في فكري وأفكاري، لم أستطع حينها مواكبة الحياة، أصابني عجز وخمول لم أشهد له مثيلا. مرضت وخارت قواي،وبدأت أفكر في الانتحار مرات ومرات. طلّقني النوم، وأقسم أن لن يأتي، وقال لي : دخن ما استطعت،واشرب لك ما لذ وطاب، فلن تنام"...أصابني إرهاق شديد لشهور عدة...والمشكلة الأكبر كانت أنني لزمت الصمت كل تلك الأيام. لم أخبر أحد، حتى بدأت نيران دواخلي تلتهب الخارج، حتى بدأ الدخان يظهر عبارة عن سواد أعظم تحت الأعين، وبدأت ملامحي تشبه ملامح يهودي ينتظر دوره ليرمى في الهولوكست.
بلغت منتهى العدمية(العدمية المطلقة) ولم أجد في جعبتي شيئا عدا الأطنان من الأفكار السلبية. وجدتني في فترة من الفترات ميتا وأنا على قيد الحياة، وعندها كنت قد ذهبت عند مكتب الشواهد الإدارية وطلبت منهم شهادة الوفاة الخاصة بي، وهو الأمر الذي كاد سيُجن من خلاله الموظف بعدما سمع كلامي... كنت أفكر طيلة تلك المدة بحرق هذه الذات...لم يسلم من نقدي لا إنس ولا جان، لا ملائكة ولا شياطين، فحتى الإله تهكمت عليه مرارا وتكرارا. كنت أعتقد أنه المسؤول عن كل شيء. ورغم ذلك كنت أسأله في كل الأحيان أن ينهي مسرحية الوجود. آه كم كنت ساذجا! آه كم كنت غبيا! آه كم كنت مجنونا! آه كم كنت مخطئاً!
كنت أومن باللاإنجابية كجواب عن معضلة الوجود ، وأدعي زورا وبهتانا مني أن الأطفال لا ينبغي أن نأتي بهم إلى هذا العالم البئيس. ومرة أخرى أكرر : آه كم كنت غبيا! يا لجهالتي!
كنت دائما على بينة من أمري أن نذير شُؤم يلوح في الأفق ، أمر سيء ينتظر شخصي وباقي البشر في القريب العاجل...في خريف 2019 قررت نهائيا أن أعالج نفسي. لم أعالَج عند طبيب نفسي، وإنما تعلمت أن الإنسان طبيب نفسه...ولأن ما بني عن ما هو فلسفي، لا يعالج إلا بما هو فلسفي، قررت أن أفرغ دماغي من كل الأفكار، وأن أعيد القراءة من جديد...ومع مرور الوقت بدأت أنتقد، وأول ما فعلته بعد ذلك هو الإطاحة بإميل سيوران أرضا، والكفر برسالته الإنهزامية.
عرفت بعدها أن العدمية فلسفة زائفة وضعف من المؤمنين بها، ونفاق من المؤمنين بها، وتناقض من أصحابها. أن ترفض الوجود معناه ألا يعود لك أي صلة به، ألا تمضي قدما فيه وأنت تلعنه. كل الذين رفضوا الوجود انتحروا. هل لديك هذه القدرة؟ إذن أنت لست كذلك.
أما عن معضلة "اللا إنجابية" ، فمن يعرف، ربما أن الفلاسفة العدميين اللاإنجابيين كانوا مخصيين، أو قد يكون البعض منهم كائنا لاجنسيا، أو ميّال لأجناس أخرى!
لم أعد أطيق اجترار هذه الأفكار ، أو تقديسها. فبدلا من الانسحاب النهائي من الحياة، وجب علينا أن نعمل على تغيير الشروط أو صناعتها. إن العدمية أعلى درجات الانهزامية والاستسلام، وإذا كنا ،عن جد، نود الانتصار لطبقتنا المقهورة ورد الاعتبار لها، فيجب أن نكون محبين للحياة بتقلباتها، أن ننصهر في المجتمع مع أبناء طبقتنا المقهورة ، ونزرع فيهم أمل المضي إلى الأمام.
انتهت رحلتي مع إميل سيوران ، رحلةٌ خرجت منها بنتيجة أن الأطفال لاذنب لهم فيما يقع، وأننا نحن المسؤولون عما يحدث، فالواقع الحالي قد يتغير غدا إذا تحملنا كامل المسؤولية ولم نخرج بخفي حنين من معركتنا في مواجهة الحياة. إلى هنا أصل للتأكيد على أن طفلي المستقبلي إذا وجد فسيكون أكثر ثورية من أبيه، وأكثر حبا للحياة من أبيه، وسأراهن عليه بأنه سيكون أكثر بسالة مني وأكثر فطنة ،والأكثر من ذلك سيحمل مشعل النور في المستقبل...إني كرهت الظلام ، والسلام.
#جرعة_أمل



#عزالدين_بوروى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار باقٍ مادام التناقض قائما...
- الله ذلك المجهول


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عزالدين بوروى - انتصار على السيورانية