أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - شَغَبُ الأسئلة// قصَّة قصيرة














المزيد.....

شَغَبُ الأسئلة// قصَّة قصيرة


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 7487 - 2023 / 1 / 10 - 06:42
المحور: الادب والفن
    


أضعُ الفاصلةَ قربَ الفاصلة، فتَأخُذاِني إلى متاهة السؤال: من أنا؟"
لو افترضتُ أنَّ النصَّ هو نسيجُ الكتابة، مَن أكون أنا من بين الذوات الأدبيّة الأخرى؟ أتأمّلُ علامات الترقيم الواحدة تلوَ الأخرى. تراني هذهِ (،) أم هذي (!)، أم تلك (:)، لعلّي تلك (.).
من زاوية لوحة المفاتيح (الكيبورد) السُّفلى يتصاعدُ صوتٌ بكبرياء: أنا هنا. أنتِ أنا.
أبحلقُ فيها. أهتفُ بذهول: أنتِ؟
تجيبُ ببرودٍ: صديقتي، لمَ لا أكون؟
وتتابعُ بخشوع: أليستِ الكتابةُ فنَّ طرحِ الأسئلة؟ فلسفةُ البحثِ عن الذاتِ والآخر؟
أتمتمُ بخنوع: ربَّما.
تتقاذفها موجةُ قلقٍ تطرحها على شاطئي. تتربَّعُ فوقَ الرّمال فأتربّعُ أمامها. تبعثرُ بطاقات الأسئلة بيننا. تنتقي إحدى البطاقات وتقرأ ما عليها: لمَ تكتبين؟
تتقاذفني موجةٌ من الحيرة. أتمالكُ فوضايَ. تزدحمُ الأفكارُ في رأسي. أهتفُ: أكتبُ لكي أدقَّ مسمارًا فوق حائطِ المسكوتِ عنه.
يخفتُ صوتي قليلاً وأنا أتابع: أنا أكتبُ لا لأقاتلَ (نيرون)، أنا أكتبُ كي أكون.
- هذا هو القلقُ الإيجابيّ الذي يسيّرُ أشرعةَ النصّ.
= فعلاً.
- وهل تملكين ألا تكتبي؟
= لا خيار لي في أن أكتب أو لا أكتب.
- لمَ؟
= الكتابة تفرض حضورها وشروطها ومخاضها عليّ. تسيّرني وتأسرني، وتتملك كلَّ حواسي إلى أن يولد النّص.
صمتتْ برهةً ثمّ تابعتْ:
= لكنّكِ تملكين خيارات أخرى.
- أيّ خيارات؟
= أكونُ أو لا أكون. أكونُ، أو كيفَ أكون.
- لا أفهم!
حدجتني بنظرة، ومع هذا احتفظت بهدوئها الوقور وهي تقول:
= حسنًا، سألقي بعض الضوء على هذي النقطة: أنتِ تملكين خيار "كيـفَ"، وتكتبين لأنّ الكتابة عطيّةٌ مباركة، نعمةٌ استثنائيّة خصّها الله بالمختارين، لكنّ الكتابة كالنبتة تحتاجُ إلى ظروفٍ ملائمة كي تنمو.
أخذني كلامها إلى قمة الذهول. من هناكَ أعلنتُ: فعلاً، الكاتب مسؤول عن صقلِ موهبته.
حينَ لاحظتْ صمتي، واصلتْ:
= وأنتِ مَن يملكُ خيار "مَاذا" تكتبين؟
على الفور أجبتُ:
- كيفَ أملك خيار ماذا أكتب، والكتابة تفرضُ ذاتها عليّ كما يفرض المطر ذاته على البساتين؟
حدجتني بنظرة تخللتها ابتسامةٌ باهتة وواصلت قولها:
= قد تغرفينَ من وَعَنِ الذاتِ. تجمِّلينَ الحقائقَ أو تشوهينها كما يحلو لمزاجيتك في لحظة الخلقِ تلك فيكونُ النصُّ ابنَ النزيف، وقد تغرفينَ من وَعَنِ الآخر، وهذا يتطلبُ وعيًا ووقتًا كي تختمر التجربة. هذا الوجع الجماعيّ كفيلٌ في أن يزفّ النصّ لأكاليل الخلود.
تملّكني شعور أنَّ المحاورة بيني وبين "علامة السؤال" هذي مغموسة بحبر سقراطيّ. أصختُ السّمعَ للأسئلة التي بدأتْ تتزاحمُ بشغبٍ في رأسي. شعرتُ بالحرجِ وهي تطرحُ عليّ سؤالها:
= لو افترضنا أنّ الرسمَ هو صورة / نصّ بالخطوط، فهل بإمكاننا اعتبار الكتابة صورة/ نصّ بالحروف؟
- لا أعرف!
= أعطِ مجالاً للفكرة أن تختمر في رأسك.
- حسنًا.
أبحرتُ مع الفكرة بعيدًا بعيدًا، وعثرتُ على مكمنِ الضعف، فأتيتها بالسؤال:
- لو افترضنا أنّ الكاتب يلتقطُ الصورة كما هي، ألا تهمّشُ هذي الفكرة وجوده ككيانٍ يحملُ من الأفكار، والآراء، والمشاعر الكثير ممّا يخوِّلُهُ حقّ التّعبير عمّا يقومُ بنقله؟
أجابت على الفور:
= التقاط الحدث بحدِّ ذاتهِ فيه من الذاتيّة الكثير. أليسَ الكاتب هو من يقرر أيّ الصور يلتقط؟ هنالك من يلتقط صورًا عاطفيّة، وهنالك من يذهب إلى المدى الأبعد فيلتقط نملة، نحلة، بتلة، حبّة رملٍ، غيمة، ... فيسلّطُ الضوءَ على وجع أحد هؤلاء المهمشين ليفضحَ مكائدَ العتمة.
صمتُّ برهةً، ثمَّ باغتـُّها بالسؤال:
- ماذا عن الحلول؟
صوبَّت أنظارها داخل بؤبؤَي عينيّ وأعلنتْ:
= النصّ الجيّد لا يطرحُ الحل، إنما يلقي حجرًا في بئرٍ راكدةٍ، ويتركُ الماءَ يستوعب الدوائر، والحجر الذي يأتي بدوائر أكثر هو ذاكَ الذي لا يجاملُ ولا يتجمّل.
أرخيتُ كتفيّ وهي تسـْتأذِنُنِي بالانصراف. سألتها أن تعود ذات نصٍّ كي نُعـَاودَ ممارسةِ شغبِ الأسئلة. ابتسمتْ برضًا ومضَتْ إلى الحقولِ تلتقطُ السنابلَ، وتطاردُ الفراشاتِ، وتشاكِسُ فزّاعاتِ الطيور، وتقودُ الغيومَ إلى الأفقِ المطرزِ بأقواسِ قـُزَحٍ لذيذة.

(2008)

===============================
"أنا جنونك"، ريتا عودة ، دار الشعر الفلسطينيّ في رام الله ، 2009



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم أحْلُم بِنُجُومٍ تَسْجُد لِي//ومضات
- (( أُحبُّكَ الى ما بعد بعد الحُلُم ))
- أنا لا أكتب لكي أقاتل نيرون/ومضات
- قلبُكَ حِصَانُ طرْوَادَة/ومضات
- العاشرة عشقًا// ومضات
- من أدب الرسائل
- قطرة مطر // قصّة قصيرة
- أنا أنتَ...ونبوءة
- كأنّها سنة زوجيّة/ ومضات
- ((مذود قلبي))
- أعيشُ فيكَ
- -محكومون بالأمل-/نصّ قصصيّ
- لا أحد إلاَّكَ //ومضات
- نبضُ العشقِ// ومضات
- رواية -بورتريه قديم- بسام أبو شاويش//قراءة انطباعيّة
- أنت البسطُ وأنا لكَ المقام/ ومضات عشقيّة
- أحبُّكَ والبقيّة تأتي...
- سنونوّة حرّة// لمحة نقديٌة
- لتستريحَ الأرضُ قليلاً
- بغدادُ صَبْرًا// قصيدة


المزيد.....




- حضور فلسطيني قوي في النسخة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي ...
- للمرة الثانية خلال شهور.. تعرض الفنان محمد صبحي لأزمة صحية
- -كان فظيعًا-.. سيسي سبيسك تتذكر كواليس مشهد -أسطوري- في فيلم ...
- اشتهر بدوره في -محارب الظل-.. وفاة الممثل الياباني تاتسويا ن ...
- عرف النجومية متأخرا وشارك في أعمال عالمية.. وفاة الممثل الإي ...
- السيسي يوجّه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي
- الفنان المصري إسماعيل الليثي يرحل بعد عام على وفاة ابنه
- الشاهنامة.. ملحمة الفردوسي التي ما زالت تلهم الأفغان
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -حرب المعلومات-.. كيف أصبح المحتوى أقوى من القنبلة؟


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - شَغَبُ الأسئلة// قصَّة قصيرة