أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري فوزي أبوحسين - سحر القاهرة في مرآة الشعر العربي















المزيد.....



سحر القاهرة في مرآة الشعر العربي


صبري فوزي أبوحسين

الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 15:23
المحور: الادب والفن
    


أ.د/صبري فوزي أبوحسين
-----------------------------
لاسم القاهرة في النفوس وقار وهيبة وأثر طيب؛ فهي العاصمة الأعرق لوطننا مصر، وهي الأكبر والأهم بين شقيقاتها العربيات والإفريقيات، وهي ذات المركز المتقدم عالميًّا في مضمار التعداد السكاني، وفيها تنوع ثقافي وحضاري بارز، وقد مرت بحقب تاريخية عظيمة ومتنوعة، وحدثت بها وقائع وأحداث فارقة وفذة، وبها معالم عتيقة و مفاخر حديثة، والسائر فيها يسيح وسط مُتحَف كوني مزدهر مفتوح، يضم آثارًا فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية وحديثة. ومن ثم لُقِّبت بألقاب تمجيدية كثيرة؛ فهي (مدينة الألف مئذنة)، وهي (مصر المحروسة)، وهي (قاهرة المُعِزِّ، أو القاهرة المُعِزِّيَّة)، وهي مدينة (مدينة التفاريح والتباريح)، وهي (جوهرة الشرق)، وقد شهدت عاصمتنا القاهرة خلال أعصارها العديدة أرقى فنون العمارة التي تمثلت في بناء القلاع والحصون والأسوار والمدارس والمساجد، مما منحها لمسةً جماليةً ولمحة فنية خاصة، جعلتها حاضرة بيننا حتى الآن.
و ما زالت القاهرة ساحرة وآسرة، منذ بنائها إلى الآن، لجميع المثقفين من الوطنيين والوافدين عربا وعجما، قديمًا وحديثًا ومعاصرًا، وقد ظهر هذا السحر القاهري والأسر القاهري بجلاء في مدونة الشعر العربي، منذ قديم الزمان، إذ فتن بها الشعراء وهاموا في جمالها وجاذبيتها حيث آثارها العريقة ومبانيها العتيقة، فأطنبوا في تصوير مكانتها السامقة، وتعديد مفاخرها المستحقة، والتعبير عن خصائصها الجغرافية والبشرية على مر العصور والدهور؛ فمن أقدم النصوص الشعرية المادحة للقاهرة قول الشاعر والمؤرخ التهامي والفاطمي عمارة اليمني(ت569هـ):
رمى بنا الثغْر كما ترمى الثغرْ
قـاهرة المعـز وهـْي المسـتقرّْ
لمـا جفـت أوطاننـا سرنا وهل
يجــري علينــا وطــن بلا وطـرْ؟
فمدينة القاهرة في نظره قرينة الاستقرار وصنو الأمان ووطن كل مُهَجَّر طارئ، وملاذ كل غريب وافد. وهذا الشاعر صفي الدين الحِلِّي(ت752هـ) يقول:
لِلَّــهِ قـاهِرَةُ المُعِـزِّ فَإِنَّهـا
بَلَـدٌ تَخَصـَّصَ بِالمَسـَرَّةِ وَالهَنا
أَوَ مـا تَـرى فـي كُلِّ قُطرٍ مُنيَةً
مِن جانِبَيها وَهيَ مُجتَمَعُ المُنى
فالقاهرة في رؤيته مكان الهناء والسرور، ومصدر تحقيق كل أمنية و إنجاز كل منية، ويقدم دليلا جغرافيا على ذلك وهو كثرة الأماكن بها التي يبدأ اسمها بلفظة(منية)...
وهذا الشاعر علي الصفاقسي (ت1183هـ) يعقد مقارنة بين تونس والقاهرة قائلاً:
يقولون: تُونسُ مصرٌ عجيبٌ
وأرجاؤهـا جنّـةٌ زاهرةْ
نعـم هـي مصرٌ لأربابها
وللواردين هي القاهرةْ
والجميل هنا أن يجعل في لفظ (القاهرة) أسلوب تورية بليغ، إذ لها معنيان: المعنى اللغوي الدال على القهر والظفر، والمعنى الجغرافي الدال على الرقي والسمو والتحضر... وهلم جرا من الأشعار المعبرة عن حضور مدينة القاهرة منذ نشأتها في نفوس الشعراء العرب ومخيلتهم، ومن يبحث عن اسم القاهرة في موسوعات الشعر العربي الإلكترونية يلحظ هذا الكم الكبير من الأشعار التي عبرت عن القاهرة بتعبير تقريظي تمجيدي مدحي...
وفي العصر الحديث نجد الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي (ت1936م) يقول مخاطبا القاهرة:
مـــا أنـــت إلا نــادره فـــي كــل فــن ســاحرهْ
للســـمع أنـــت فتنـــة وفتنـــــة للباصـــــرهْ
ثم يبين دور القاهرة الاجتماعي بقوله:
أنــــت لشـــعب كســـرت منـــه القلــوب جــابرهْ
ويوضح دور القاهرة الثقافي بقوله:
أميـــرة الفـــن علـــى الإبـــداع أنــت قــادرهْ
أنــــت جـــديرة بحـــق أن تكـــــوني الآمــــرهْ
وأنــــــت عبقريــــــة مـــن أكــبر العبــاقرهْ
معجــــــزة بالغــــــة مــن معجــزات القاهرة
ويوضح أثر القاهرة في العراقيين بقوله:
مرحــــب بـــك العـــرا ق ريفــــه والحاضــــره
حســـبك أن النــاس حــو ل الرافــــدين شـــاكره
أمــا الأغــاني فهـي مـن قلـــب رقيـــق صـــادره
فــي جوهــا الأرواح مــن أفراحهـــــن طـــــائره
فهذا بعد إيجابي بناء وأثر فاعل للقاهرة، ويكاد يكون موجودا عند كل عربي في زيارته القاهرة وعشرته إياها! ومن ثم نجد كبار النقاد - كالناقد الدكتور محمد عبدالمطلب- يرى أن القاهرة كمدينة في الشعر موضوع شائق جدير بالبحث؛ حيث شكلت للشعراء الوافدين إليها صدمة؛ لاختلافها عن عالم القرية الذي وفدوا منه بما يحفل به من هدوء وبساطة وصدق، هو على النقيض من الصخب والالتباس البادي في مدينة ضخمة كالقاهرة، ولكن يظل حبها فرضا وطنيا عند كبار الشعراء؛ فهذا الشاعر الكلاسيكي المصري الكبير محمد التهامي(ت سنة٢٠١٥م) يصور في ديوانه(أشواق عربية) مكانة القاهرة الثقافية وقوتها الناعمة بقوله:
شغلت بك الأسماع والأبصــار وتزاحـمت فى بابـك الزوار
فالحسن فيك سبى العيون وفاتها فى كل ما تلقى لديـك تحـار
فلديك من صور الجــديد مفاتن وعليك من سحـر القديم إطار
وقفت بك الأهرام شـامخة الذرى وكأنهـا للراسـيات جـدار
نعم إنها القاهرة وإنها الأهرام، إنها مدينة الجمال وبها مواطن فيها جلال وفيها للسحر ظلال...
ولرحالة الشعر العربي الأستاذ عبدالمجيد فرغلي (ت سنة ٢٠٠٩م) قصيدتان عن القاهرة في ديوانه( وستبقى يا وطني حيا): الأولى بعنوان[ القاهرة ومؤتمر دول عدم الانحياز نظمها في ١١/٥/١٩٦٤م ] يقول فيها:
بنت المعز بها كم قام مؤتمر
عز السلام به واستدفع الخطر
دار أحاط جنود الله قلعتها
وصانها من أذى أعدائها القدر
كنانة الله لا شر يحيط بها
مهما أعد لها الأعداء أو حشروا
إن مسها غاصب أو طامع جشع
دكت أساطيله والبغي مندحر
إن كان قد نسي المغرور ضربته
ولم تعظه دروس كلها عبر
مواقع يعرف التاريخ روعتها
وفي غمار الدياجي الوجه يزدهر
بنت المعز بهذا أنت شامخة
بين العواصم يزهو وجهك النضر
حياك رب العلا من كل عاصمة
بأي شكر هواها فيك مستعر
ويشير شاعرنا إلى مكانة القاهرة السياسية بقوله:
كم دولة من شعوب الأرض قد وفدت
إليك تسعى حواها فيك مؤتمر
جاءت ترى قلعة للسلم تحرسه
يقودها ثائر للحق ينتصر
والقصيدة الثانية لرحالة الشعر العربي تدور حول أثر معماري فريد و حديث من آثار القاهرة بعد ثورة يوليو المجيدة، وهو برجها الشامخ، الذي تم بناؤه بين عامي ١٩٥٦م وعام ١٩٦١م، على شكل زهرة اللوتس، كما يعدد آثارها الأخرى، في شعر سياحي طريف، وهي بعنوان[من وحي برج القاهرة، وقد نظمها في ٤/ ٦/ ١٩٧٣م] يقول فيها مخاطبا ومثنيا:
شاهدت برجك من بعيد فهفا له قلبي العميد
وحلفت لا أنسى هواك ولا محياك الفريد
أهلا بقاهرة المعز وبرجها البادي الصعود
ليطل في شمم الإباء على حضارات الوجود
ويقول يا أمم التقدم شاهدي مجد الجدود
ثم يبين الشاعر بعض المعالم الأثرية الأخرى في قاهرتنا بقوله:
هذي هي الأهرام شامخة وذا برجي المشيد
والقلعة الشماء رابضة كرمز للصمود
وإباء رمسيس بدا في وجه تمثال عنيد
قهر الزمان ببأسه وكأنه خلق جديد
في عهد ثورتنا الظليل فياله من عصر مجيد
برج الجزيرة رمزه لله من صرح مجيد
يوحي بنهضة عصرنا وبلوغنا أوج الصعود
هو عهد نهضتنا تطل على الورى هل من مزيد
إنا نشيد دولة الإيمان والعلم المفيد
من قلب قاهرة المعز وصرح جامعة وطيد
نبني الحضارة والنهى بطلائع غز شهود
من كل نابغة بعلم فيه مشكور الجهود
ويعرف شاعرنا المصريين بمكانة القاهرة مخاطبا إياهم بقوله:
أبني الكنانة والعروبة ها هنا حصن الخلود
أرض البطولة والفداء وكل بنيان عتيد
وألذ أوقات تمر بها لزائرها السعيد
والسائحون المعجبون بكل ما فيها جديد
حيث المصانع والمعاهد كل آونة تزيد
والمنشآت جميعها ومظاهر العيش الرغيد
نعم هذه القاهرة الحقة، القاهرة الجاذبة، القاهرة المنتجة، القاهرة المعمرة، القاهرة المصلحة البناءة...
ومن الظواهر الفنية والأدبية في الشعر الخاص بعاصمتنا (القاهرة)القمينة بالدراسة ظاهرة(حضور القاهرة في دواوين شعرية كاملة )على النحو الذي نراه عند الشاعر المصري الأبوللي الكبير إبراهيم ناجي، الذي يقول في مقدمة ديوانه (ليالي القاهرة المنشور سنة ١٩٤٤م): "كان الظلام العصيب المخيم على القاهرة في سنوات الحرب الأخيرة (العالمية الأولى) ظلاماً متجاوباً مع قتامة في النفوس، وحلوكة تجثم على الصدور، وقد مرت بالشاعر انطباعات صور من هذا الضنك الشامل فسجلها صوراً في هذه الملحمة مختلفة الضروب والإيقاع .ففي ديوانه يصور شاعرنا إبراهيم ناجي حال أهل القاهرة الخارجة من ويلات الحرب العالمية الأولى، حيث كانت لها خصوصية اجتماعية تختلف عن غيرها من المدن والعواصم التي مرت بظروف الحرب، لا سيما في العلاقات الرومانسية...
وهذا الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي يسهم في تعريف الجانب الآخر للقاهرة في ديوانه (مدينة بلا قلب المنشور سنة ١٩٥٩م)، فهو ديوان ينحو المنحى الواقعي النقدي تجاه مدينتنا الغراء، وهذا الديوان يمثل التوجه المبكر في الشعر العربي تجاه المدن! وللشاعر والكاتب العراقي الكبير سعدى يوسف(ت٢٠١٢م) ديوان بعنوان (القاهرة سبع قصائد) أبدعه ونشرته مجلة الكلمة في العدد الرابع من شهر أبريل سنة ٢٠٠٧م، وكذا الشاعر الدرعمي الكبير أحمد بخيت في ديوانه(القاهرة) الذي هو قصيدة واحدة جزلة عصماء تمثل جدارية قاهرة فخمة وقد صدر سنة ٢٠١٣م. وللمثقف الفاعل حزين عمر بحث بعنوان(ديوان القاهرة دراسة أدبية تاريخية)، وقد صدر سنة ١٩٩٨م،...وغير ذلك من التجارب الشعرية والأدبية الخاصة بعاصمتنا القاهرة، حرسها الله...
والشعر المصري المعاصر له نتاج خاص بعاصمتنا( القاهرة)؛ فهذا الشاعر الصعيدي القح محمد الشرقاوي يبدع قصيدة صريحة مباشرة في القاهرة بعنوان( سمراء) يقول في مطلعها مفتخرا:
قلْ للمدائنِ في العصورِ الزاهرةْ
نبعُ الحضارةِ مِن ضفاف القاهرة
تحمي الجميع بكلِّ عزمٍ صادقٍ
وتظلُّ في وقتِ الشدائدِ ناصِرةْ
سمراءُ مِن طمي العذوبةِ وجهُها
رمزُ الجمالِ لكلِّ عينٍ ناظرةْ
خضراءُ مِن غصنِ الكفاحِ ثيابُها
رمزُ الطهارةِ والقلوبِ الشاكرةْ
والقاهرة درع أمان وداعية سلام للعالم في نظر شاعرنا الصعيدي الشرقاوي في قوله:
وهي الأمانُ هي الأمانُ لأُمَّتي
مِن كلِّ نفس في المحافلِ غادِرةْ
ما بين كفَّيها السلامُ لِمَن سعى
نحو السلامِ تلوحُ منه البادرةْ
وبعزةِ الأديانِ ترفعُ صوتَها
إنِّي على دربِ الكرامِ لَسائرةْ
من سلسبيلِ النيلِ صوتُ كرامتي
يعلو فتهبطُ كلُّ نفسٍ جائرةْ
فالشمسُ والأقمارُ مِن سكانِها
والنورُ يُشرقُ للعصورِ الحاضرةْ
والعلمُ بين قلاعِها بلغ المدى
ومضى لينقذَ كلَّ نفْسٍ ضامِرةْ
تتعانقُ الأضواءُ تحتَ سمائِها
لتقودَ في يسرٍ بلادًا حائرةْ
وتعيدَ أفكارَ السماحةِ مثلما
يشدو الأديبُ هُنا بأجملِ خاطرةْ
ثم يقدم شاعرنا الشرقاوي دليلا ثقافيا فخما على حضور القاهرة ورفعتها ببن مدن العالم العربي والإسلامي، ويتمثل في الأزهر القاهري المصري الشريف، وجامعتها، وقلعتها، فيقول:
فالأزهرُ المعمورُ فيها حارسٌ
والجامعاتُ بكلِّ مجدٍ ظافرةْ
والقلعةُ العصماءُ تحكي نصرَنا
ومشاهدُ الأبطالِ تصمدُ ثائرةْ
ومجامعُ العلماءِ تنشرُ نورَها
وتقولُ بين الكونِ إنِّي قادرةْ
لن يُسكِتَ الريحُ الغريبُ رسالتي
وستهربُ الأنواءُ جهرًا خاسرةْ
وسيحتفي نيلي بأروعِ قصةٍ
سحقت عقولَ الظالمين الماكرةْ
وسقت جميعَ المخلصينَ محبةً
أمست لِكُلِّ المؤمنين القاطِرةْ
ثم يصور شاعرنا الشعور الوطني الشعبي الحار المخلص نحو القاهرة باعتبارها رمز عز الوطن وفخاره بقوله:
يا قلبَ أوطانِ العروبةِ أبشري
نحن الفداءُ وأنتِ أنتِ الآمِرَةْ
نعم كلنا فداؤها وكلنا جند في سبيل أمنها وخيرها وعزها حين تأمر وتطلب فهي رمزنا وعلمنا ....
والشعر النسوي المصري كان حاضرا في تمجيد عاصمتنا الغالية؛ فهذه الأديبة المصرية المخضرمة، شاعرة الوادي (نوال مهنى) تبدع قصيدة بعنوان( القاهرة الظافرة) تبدؤها مبتهلة وداعية لها بالحماية والحضور قائلة :
حماك إلهي أيا قـاهـرةْ
ودومي لمصر العلا حـاضرةْ
حويت العلوم قهرت الخصوم
فأنت ِالمصونة والقاهرةْ
وحـزت من الـدهـرِ أمجـادهُ
وكـل جـلـيـلٍ بهِ عـامرة
تفـوقُ العـواصم في حسنهـا
وتبدو لزوارهـا ساحـرة
عـلى ضفّـة النيل تعـلـو وتزهـو
معـالمهـا للـدنـا آثـرة
وفي كـل عـصرٍ تزيدُ بهـاءً
وسـيرتهـا للمـدى عـابرة
عـروس الحـواضر أم المدائن
ضمتْ كـنـوز الـورى النادرة
تناهت إليها حضارةُ شعبٍ
أضاءت كما الأنجم الزاهرة
مزيجٌ عجيبٌ ـ تليدٌ ـ طريفٌ
على أرضها الحرة الطاهرة
ثم تنتقل شاعرة الوادي إلى العنصر الحضاري البارز في القاهرة والذي سار معها زمنيا وجغرافيا، وهو الأزهر فتقول:
وأزهـرهـا صامدٌ شـامخٌ
وعـيـن المعـالي لهُ ناظـرة
كفاحٌ وعلمٌ وللدينِ حصنٌ
فكم صد من هجمةٍ غـادرة
إذا زاغ فـكـرٌـ إذا سـاد زيفٌ
فـأعـينهُ للهـدى سـاهـرة
يصون الشـريعةَ من حـاقـدٍ
يبثُ سمـوما غـدت سـافـرة
وهذه الشاعرة الدرعمية -إحدى أمهات الشباب المثقفات وموجهتهم في آننا - شريفة السيد تقول من ديوانها (بركان الوردة) مصورة القاهرة بفريدة الوردات:
سَـتقُولُ (قاهرةُ المُعـزِّ) كأنَّما
كَانَتْ هُنا أُنثَى بِبَعضِ رُفَاتي
لَمْ يَهدَأِ البُركَانُ فِيها لَحْظَة ً
طَوبَى لَها هِي أنضر الوردات
ولشاعرتنا السيدة شريفة قصيدة تفعيلية بعنوان (مِن حُسن حظي أنَّني في القاهرة) تقول في مقدمتها:
مِن حُسن حظي أنَّني في القاهرة
مع أن قلبي تائه ومعذب
في هذه الأرض الطهور العامرة
قولوا لها سيظل قلبي في سنابل قمحها
في طميها بين المروجِ، في عَلَمٍ يُحيَّا في صباح المدرسة،
سيظل قلبي في المساجد والكنائس مثل قديس رسا..
وهي قصيدة ذات توجه واقعي انتقادي تنويري مباشر، حيث عرضت الشاعرة فيها لكثير من السلبيات التي يقع فيها القاهريون والقاهريات! فما زلنا نعيش أزمة في الوعي الجمعي وما زال يؤثر في قاهرتنا تأثيرا غير مقبول دينيا وفكريا واجتماعيا ...
ومن القصائد المبرزة في الشعر المصري المعاصر عن عاصمتنا القاهرة قصيدة حرة سطرية تفعيلية بعنوان: (القاهرة امرأة خارجة عن الطاعة) للشاعر السيد جلال والتي أبدعها في 8 من مايو 2003م، ... ويظهر من عتبة عنوانها أنها قصيدة انتقادية حادة، لكنني سأقف – في هذا المقال التبجيلي للقاهرة-مع الصورة الإيجابية منها، حيث يقول:
القاهرةُ
امرأةٌ برجُ حمامٍ يتطلَّعُ نحوَ الشمس ِ
وبينَ سواعِدهِ هالاتٌ من نور ٍ
وطيورٌ تُحْرِمُ للحجِّ وتعتمِرُ
بُرْجٌ مرتفعٌ كجبال ِالثلج ِالفُلّيّ
تعطِّرُهُ أزهارُ الليمونْ
وحقولُ الأقماح ِحواليه تغني
ومروجُ السُّندُس ِوالزَّيتونْ
وصدى الإنشادِ يدورُ وينتشِرُ
وحمامُ حماها يطوفُ، يحمحمُ،
ثُمّ يصيرُ سحاباً وغماماً
يتتابعُ كالموج ِالمشتاق ِ
يردُّ الشاطئ لهفَتَهُ
بمزيدٍ من حبٍّ وحنانْ
يتغرَّبُ كيفَ يشاءُ
ثم يعودُ لأحضان حبيبتهِ ينصهِرُ...
ومن هذه الصورة الشعرية الواقعية لطبيعة القاهرة ينتقل شاعرنا السيد جلال إلى القاهرة المثقفة العابدة حيث يقول:
ولأبناءِ الوادي الأخضر ِ
ظافرةٌ قاهرةٌ !!
هي أحياناً "كليوباترا"
أحياناً "شجرُ الدُّر"
مازالتْ زاهدةٌ متصوِّفةٌ...
يتوضَّأُ في دمِها ويُصلي الأزهرُ
تتعبَّدُ واقفةً في وسطِ الدُّنيا
رافعةً لله ذراعيها تبتهلُ
امرأةٌ شلالٌ من موسيقى
يعزفُها القمرُ....
نعم إنها عاصمة مصرنا: القاهرة الفاتنة والساحرة والمطربة، والراهبة والعابدة والمنيبة والعازفة أجمل الإيقاعات وأطيب المعزوفات في مناحي الحياة المتنوعة والمتجادلة....
وإننا للدعوة للقاهرة بما قاله شاعرنا عبدالمجيد فرغلي:
فالله يحفظها من كل نائبة
تلك التي لسناها يهتدي البشر
إن اسم القاهرة له حمولة شعرية ودلالية ذاخرة وباذخة في ديوان الشعري العربي قديما وحديثا ومعاصرا، ولا عجب في ذلك؛ فبنت ﺍﻟﻤﻌﺰ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ كما تربينا شعريا في طفولتنا على قصيدة الشاعر أحمد مخيمر- ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺭﻗيقة ﻧﺒﻴﻠﺔ ﻣﺴﺎﻣﺮﺓ،ﻣﻤﺘﻠئ ﺗﺮﺍﺑﻬﺎ ﺑﺎلنفحات ﺍﻟﻌﺎﻃﺮﺓ؛ وﻛﻢ ﻫﺰﻣﺖ ﻣﻤﺎﻟﻜﺎ ﻭﻛﻢ ﻃﻮﺕ ﺟﺒﺎﺑﺮﺓ، ﻓﻰ ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺗﻄﻞ ﺳﺎﻓﺮﺓ، ﺗﺤﻜﻰ ﻟﻨﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﺠﺪ أو ﺗﻘﺺ ﻧﺎﺩﺭﺓ، وﻛﻢ معتد ﻗﺪ ﻣﺮ ﺑها ﻭﻣﺎ تزال ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، وستظل بإذن الله...



-----------------------------
لاسم القاهرة في النفوس وقار وهيبة وأثر طيب؛ فهي العاصمة الأعرق لوطننا مصر، وهي الأكبر والأهم بين شقيقاتها العربيات والإفريقيات، وهي ذات المركز المتقدم عالميًّا في مضمار التعداد السكاني، وفيها تنوع ثقافي وحضاري بارز، وقد مرت بحقب تاريخية عظيمة ومتنوعة، وحدثت بها وقائع وأحداث فارقة وفذة، وبها معالم عتيقة و مفاخر حديثة، والسائر فيها يسيح وسط مُتحَف كوني مزدهر مفتوح، يضم آثارًا فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية وحديثة. ومن ثم لُقِّبت بألقاب تمجيدية كثيرة؛ فهي (مدينة الألف مئذنة)، وهي (مصر المحروسة)، وهي (قاهرة المُعِزِّ، أو القاهرة المُعِزِّيَّة)، وهي مدينة (مدينة التفاريح والتباريح)، وهي (جوهرة الشرق)، وقد شهدت عاصمتنا القاهرة خلال أعصارها العديدة أرقى فنون العمارة التي تمثلت في بناء القلاع والحصون والأسوار والمدارس والمساجد، مما منحها لمسةً جماليةً ولمحة فنية خاصة، جعلتها حاضرة بيننا حتى الآن.
و ما زالت القاهرة ساحرة وآسرة، منذ بنائها إلى الآن، لجميع المثقفين من الوطنيين والوافدين عربا وعجما، قديمًا وحديثًا ومعاصرًا، وقد ظهر هذا السحر القاهري والأسر القاهري بجلاء في مدونة الشعر العربي، منذ قديم الزمان، إذ فتن بها الشعراء وهاموا في جمالها وجاذبيتها حيث آثارها العريقة ومبانيها العتيقة، فأطنبوا في تصوير مكانتها السامقة، وتعديد مفاخرها المستحقة، والتعبير عن خصائصها الجغرافية والبشرية على مر العصور والدهور؛ فمن أقدم النصوص الشعرية المادحة للقاهرة قول الشاعر والمؤرخ التهامي والفاطمي عمارة اليمني(ت569هـ):
رمى بنا الثغْر كما ترمى الثغرْ
قـاهرة المعـز وهـْي المسـتقرّْ
لمـا جفـت أوطاننـا سرنا وهل
يجــري علينــا وطــن بلا وطـرْ؟
فمدينة القاهرة في نظره قرينة الاستقرار وصنو الأمان ووطن كل مُهَجَّر طارئ، وملاذ كل غريب وافد. وهذا الشاعر صفي الدين الحِلِّي(ت752هـ) يقول:
لِلَّــهِ قـاهِرَةُ المُعِـزِّ فَإِنَّهـا
بَلَـدٌ تَخَصـَّصَ بِالمَسـَرَّةِ وَالهَنا
أَوَ مـا تَـرى فـي كُلِّ قُطرٍ مُنيَةً
مِن جانِبَيها وَهيَ مُجتَمَعُ المُنى
فالقاهرة في رؤيته مكان الهناء والسرور، ومصدر تحقيق كل أمنية و إنجاز كل منية، ويقدم دليلا جغرافيا على ذلك وهو كثرة الأماكن بها التي يبدأ اسمها بلفظة(منية)...
وهذا الشاعر علي الصفاقسي (ت1183هـ) يعقد مقارنة بين تونس والقاهرة قائلاً:
يقولون: تُونسُ مصرٌ عجيبٌ
وأرجاؤهـا جنّـةٌ زاهرةْ
نعـم هـي مصرٌ لأربابها
وللواردين هي القاهرةْ
والجميل هنا أن يجعل في لفظ (القاهرة) أسلوب تورية بليغ، إذ لها معنيان: المعنى اللغوي الدال على القهر والظفر، والمعنى الجغرافي الدال على الرقي والسمو والتحضر... وهلم جرا من الأشعار المعبرة عن حضور مدينة القاهرة منذ نشأتها في نفوس الشعراء العرب ومخيلتهم، ومن يبحث عن اسم القاهرة في موسوعات الشعر العربي الإلكترونية يلحظ هذا الكم الكبير من الأشعار التي عبرت عن القاهرة بتعبير تقريظي تمجيدي مدحي...
وفي العصر الحديث نجد الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي (ت1936م) يقول مخاطبا القاهرة:
مـــا أنـــت إلا نــادره فـــي كــل فــن ســاحرهْ
للســـمع أنـــت فتنـــة وفتنـــــة للباصـــــرهْ
ثم يبين دور القاهرة الاجتماعي بقوله:
أنــــت لشـــعب كســـرت منـــه القلــوب جــابرهْ
ويوضح دور القاهرة الثقافي بقوله:
أميـــرة الفـــن علـــى الإبـــداع أنــت قــادرهْ
أنــــت جـــديرة بحـــق أن تكـــــوني الآمــــرهْ
وأنــــــت عبقريــــــة مـــن أكــبر العبــاقرهْ
معجــــــزة بالغــــــة مــن معجــزات القاهرة
ويوضح أثر القاهرة في العراقيين بقوله:
مرحــــب بـــك العـــرا ق ريفــــه والحاضــــره
حســـبك أن النــاس حــو ل الرافــــدين شـــاكره
أمــا الأغــاني فهـي مـن قلـــب رقيـــق صـــادره
فــي جوهــا الأرواح مــن أفراحهـــــن طـــــائره
فهذا بعد إيجابي بناء وأثر فاعل للقاهرة، ويكاد يكون موجودا عند كل عربي في زيارته القاهرة وعشرته إياها! ومن ثم نجد كبار النقاد - كالناقد الدكتور محمد عبدالمطلب- يرى أن القاهرة كمدينة في الشعر موضوع شائق جدير بالبحث؛ حيث شكلت للشعراء الوافدين إليها صدمة؛ لاختلافها عن عالم القرية الذي وفدوا منه بما يحفل به من هدوء وبساطة وصدق، هو على النقيض من الصخب والالتباس البادي في مدينة ضخمة كالقاهرة، ولكن يظل حبها فرضا وطنيا عند كبار الشعراء؛ فهذا الشاعر الكلاسيكي المصري الكبير محمد التهامي(ت سنة٢٠١٥م) يصور في ديوانه(أشواق عربية) مكانة القاهرة الثقافية وقوتها الناعمة بقوله:
شغلت بك الأسماع والأبصــار وتزاحـمت فى بابـك الزوار
فالحسن فيك سبى العيون وفاتها فى كل ما تلقى لديـك تحـار
فلديك من صور الجــديد مفاتن وعليك من سحـر القديم إطار
وقفت بك الأهرام شـامخة الذرى وكأنهـا للراسـيات جـدار
نعم إنها القاهرة وإنها الأهرام، إنها مدينة الجمال وبها مواطن فيها جلال وفيها للسحر ظلال...
ولرحالة الشعر العربي الأستاذ عبدالمجيد فرغلي (ت سنة ٢٠٠٩م) قصيدتان عن القاهرة في ديوانه( وستبقى يا وطني حيا): الأولى بعنوان[ القاهرة ومؤتمر دول عدم الانحياز نظمها في ١١/٥/١٩٦٤م ] يقول فيها:
بنت المعز بها كم قام مؤتمر
عز السلام به واستدفع الخطر
دار أحاط جنود الله قلعتها
وصانها من أذى أعدائها القدر
كنانة الله لا شر يحيط بها
مهما أعد لها الأعداء أو حشروا
إن مسها غاصب أو طامع جشع
دكت أساطيله والبغي مندحر
إن كان قد نسي المغرور ضربته
ولم تعظه دروس كلها عبر
مواقع يعرف التاريخ روعتها
وفي غمار الدياجي الوجه يزدهر
بنت المعز بهذا أنت شامخة
بين العواصم يزهو وجهك النضر
حياك رب العلا من كل عاصمة
بأي شكر هواها فيك مستعر
ويشير شاعرنا إلى مكانة القاهرة السياسية بقوله:
كم دولة من شعوب الأرض قد وفدت
إليك تسعى حواها فيك مؤتمر
جاءت ترى قلعة للسلم تحرسه
يقودها ثائر للحق ينتصر
والقصيدة الثانية لرحالة الشعر العربي تدور حول أثر معماري فريد و حديث من آثار القاهرة بعد ثورة يوليو المجيدة، وهو برجها الشامخ، الذي تم بناؤه بين عامي ١٩٥٦م وعام ١٩٦١م، على شكل زهرة اللوتس، كما يعدد آثارها الأخرى، في شعر سياحي طريف، وهي بعنوان[من وحي برج القاهرة، وقد نظمها في ٤/ ٦/ ١٩٧٣م] يقول فيها مخاطبا ومثنيا:
شاهدت برجك من بعيد فهفا له قلبي العميد
وحلفت لا أنسى هواك ولا محياك الفريد
أهلا بقاهرة المعز وبرجها البادي الصعود
ليطل في شمم الإباء على حضارات الوجود
ويقول يا أمم التقدم شاهدي مجد الجدود
ثم يبين الشاعر بعض المعالم الأثرية الأخرى في قاهرتنا بقوله:
هذي هي الأهرام شامخة وذا برجي المشيد
والقلعة الشماء رابضة كرمز للصمود
وإباء رمسيس بدا في وجه تمثال عنيد
قهر الزمان ببأسه وكأنه خلق جديد
في عهد ثورتنا الظليل فياله من عصر مجيد
برج الجزيرة رمزه لله من صرح مجيد
يوحي بنهضة عصرنا وبلوغنا أوج الصعود
هو عهد نهضتنا تطل على الورى هل من مزيد
إنا نشيد دولة الإيمان والعلم المفيد
من قلب قاهرة المعز وصرح جامعة وطيد
نبني الحضارة والنهى بطلائع غز شهود
من كل نابغة بعلم فيه مشكور الجهود
ويعرف شاعرنا المصريين بمكانة القاهرة مخاطبا إياهم بقوله:
أبني الكنانة والعروبة ها هنا حصن الخلود
أرض البطولة والفداء وكل بنيان عتيد
وألذ أوقات تمر بها لزائرها السعيد
والسائحون المعجبون بكل ما فيها جديد
حيث المصانع والمعاهد كل آونة تزيد
والمنشآت جميعها ومظاهر العيش الرغيد
نعم هذه القاهرة الحقة، القاهرة الجاذبة، القاهرة المنتجة، القاهرة المعمرة، القاهرة المصلحة البناءة...
ومن الظواهر الفنية والأدبية في الشعر الخاص بعاصمتنا (القاهرة)القمينة بالدراسة ظاهرة(حضور القاهرة في دواوين شعرية كاملة )على النحو الذي نراه عند الشاعر المصري الأبوللي الكبير إبراهيم ناجي، الذي يقول في مقدمة ديوانه (ليالي القاهرة المنشور سنة ١٩٤٤م): "كان الظلام العصيب المخيم على القاهرة في سنوات الحرب الأخيرة (العالمية الأولى) ظلاماً متجاوباً مع قتامة في النفوس، وحلوكة تجثم على الصدور، وقد مرت بالشاعر انطباعات صور من هذا الضنك الشامل فسجلها صوراً في هذه الملحمة مختلفة الضروب والإيقاع .ففي ديوانه يصور شاعرنا إبراهيم ناجي حال أهل القاهرة الخارجة من ويلات الحرب العالمية الأولى، حيث كانت لها خصوصية اجتماعية تختلف عن غيرها من المدن والعواصم التي مرت بظروف الحرب، لا سيما في العلاقات الرومانسية...
وهذا الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي يسهم في تعريف الجانب الآخر للقاهرة في ديوانه (مدينة بلا قلب المنشور سنة ١٩٥٩م)، فهو ديوان ينحو المنحى الواقعي النقدي تجاه مدينتنا الغراء، وهذا الديوان يمثل التوجه المبكر في الشعر العربي تجاه المدن! وللشاعر والكاتب العراقي الكبير سعدى يوسف(ت٢٠١٢م) ديوان بعنوان (القاهرة سبع قصائد) أبدعه ونشرته مجلة الكلمة في العدد الرابع من شهر أبريل سنة ٢٠٠٧م، وكذا الشاعر الدرعمي الكبير أحمد بخيت في ديوانه(القاهرة) الذي هو قصيدة واحدة جزلة عصماء تمثل جدارية قاهرة فخمة وقد صدر سنة ٢٠١٣م. وللمثقف الفاعل حزين عمر بحث بعنوان(ديوان القاهرة دراسة أدبية تاريخية)، وقد صدر سنة ١٩٩٨م،...وغير ذلك من التجارب الشعرية والأدبية الخاصة بعاصمتنا القاهرة، حرسها الله...
والشعر المصري المعاصر له نتاج خاص بعاصمتنا( القاهرة)؛ فهذا الشاعر الصعيدي القح محمد الشرقاوي يبدع قصيدة صريحة مباشرة في القاهرة بعنوان( سمراء) يقول في مطلعها مفتخرا:
قلْ للمدائنِ في العصورِ الزاهرةْ
نبعُ الحضارةِ مِن ضفاف القاهرة
تحمي الجميع بكلِّ عزمٍ صادقٍ
وتظلُّ في وقتِ الشدائدِ ناصِرةْ
سمراءُ مِن طمي العذوبةِ وجهُها
رمزُ الجمالِ لكلِّ عينٍ ناظرةْ
خضراءُ مِن غصنِ الكفاحِ ثيابُها
رمزُ الطهارةِ والقلوبِ الشاكرةْ
والقاهرة درع أمان وداعية سلام للعالم في نظر شاعرنا الصعيدي الشرقاوي في قوله:
وهي الأمانُ هي الأمانُ لأُمَّتي
مِن كلِّ نفس في المحافلِ غادِرةْ
ما بين كفَّيها السلامُ لِمَن سعى
نحو السلامِ تلوحُ منه البادرةْ
وبعزةِ الأديانِ ترفعُ صوتَها
إنِّي على دربِ الكرامِ لَسائرةْ
من سلسبيلِ النيلِ صوتُ كرامتي
يعلو فتهبطُ كلُّ نفسٍ جائرةْ
فالشمسُ والأقمارُ مِن سكانِها
والنورُ يُشرقُ للعصورِ الحاضرةْ
والعلمُ بين قلاعِها بلغ المدى
ومضى لينقذَ كلَّ نفْسٍ ضامِرةْ
تتعانقُ الأضواءُ تحتَ سمائِها
لتقودَ في يسرٍ بلادًا حائرةْ
وتعيدَ أفكارَ السماحةِ مثلما
يشدو الأديبُ هُنا بأجملِ خاطرةْ
ثم يقدم شاعرنا الشرقاوي دليلا ثقافيا فخما على حضور القاهرة ورفعتها ببن مدن العالم العربي والإسلامي، ويتمثل في الأزهر القاهري المصري الشريف، وجامعتها، وقلعتها، فيقول:
فالأزهرُ المعمورُ فيها حارسٌ
والجامعاتُ بكلِّ مجدٍ ظافرةْ
والقلعةُ العصماءُ تحكي نصرَنا
ومشاهدُ الأبطالِ تصمدُ ثائرةْ
ومجامعُ العلماءِ تنشرُ نورَها
وتقولُ بين الكونِ إنِّي قادرةْ
لن يُسكِتَ الريحُ الغريبُ رسالتي
وستهربُ الأنواءُ جهرًا خاسرةْ
وسيحتفي نيلي بأروعِ قصةٍ
سحقت عقولَ الظالمين الماكرةْ
وسقت جميعَ المخلصينَ محبةً
أمست لِكُلِّ المؤمنين القاطِرةْ
ثم يصور شاعرنا الشعور الوطني الشعبي الحار المخلص نحو القاهرة باعتبارها رمز عز الوطن وفخاره بقوله:
يا قلبَ أوطانِ العروبةِ أبشري
نحن الفداءُ وأنتِ أنتِ الآمِرَةْ
نعم كلنا فداؤها وكلنا جند في سبيل أمنها وخيرها وعزها حين تأمر وتطلب فهي رمزنا وعلمنا ....
والشعر النسوي المصري كان حاضرا في تمجيد عاصمتنا الغالية؛ فهذه الأديبة المصرية المخضرمة، شاعرة الوادي (نوال مهنى) تبدع قصيدة بعنوان( القاهرة الظافرة) تبدؤها مبتهلة وداعية لها بالحماية والحضور قائلة :
حماك إلهي أيا قـاهـرةْ
ودومي لمصر العلا حـاضرةْ
حويت العلوم قهرت الخصوم
فأنت ِالمصونة والقاهرةْ
وحـزت من الـدهـرِ أمجـادهُ
وكـل جـلـيـلٍ بهِ عـامرة
تفـوقُ العـواصم في حسنهـا
وتبدو لزوارهـا ساحـرة
عـلى ضفّـة النيل تعـلـو وتزهـو
معـالمهـا للـدنـا آثـرة
وفي كـل عـصرٍ تزيدُ بهـاءً
وسـيرتهـا للمـدى عـابرة
عـروس الحـواضر أم المدائن
ضمتْ كـنـوز الـورى النادرة
تناهت إليها حضارةُ شعبٍ
أضاءت كما الأنجم الزاهرة
مزيجٌ عجيبٌ ـ تليدٌ ـ طريفٌ
على أرضها الحرة الطاهرة
ثم تنتقل شاعرة الوادي إلى العنصر الحضاري البارز في القاهرة والذي سار معها زمنيا وجغرافيا، وهو الأزهر فتقول:
وأزهـرهـا صامدٌ شـامخٌ
وعـيـن المعـالي لهُ ناظـرة
كفاحٌ وعلمٌ وللدينِ حصنٌ
فكم صد من هجمةٍ غـادرة
إذا زاغ فـكـرٌـ إذا سـاد زيفٌ
فـأعـينهُ للهـدى سـاهـرة
يصون الشـريعةَ من حـاقـدٍ
يبثُ سمـوما غـدت سـافـرة
وهذه الشاعرة الدرعمية -إحدى أمهات الشباب المثقفات وموجهتهم في آننا - شريفة السيد تقول من ديوانها (بركان الوردة) مصورة القاهرة بفريدة الوردات:
سَـتقُولُ (قاهرةُ المُعـزِّ) كأنَّما
كَانَتْ هُنا أُنثَى بِبَعضِ رُفَاتي
لَمْ يَهدَأِ البُركَانُ فِيها لَحْظَة ً
طَوبَى لَها هِي أنضر الوردات
ولشاعرتنا السيدة شريفة قصيدة تفعيلية بعنوان (مِن حُسن حظي أنَّني في القاهرة) تقول في مقدمتها:
مِن حُسن حظي أنَّني في القاهرة
مع أن قلبي تائه ومعذب
في هذه الأرض الطهور العامرة
قولوا لها سيظل قلبي في سنابل قمحها
في طميها بين المروجِ، في عَلَمٍ يُحيَّا في صباح المدرسة،
سيظل قلبي في المساجد والكنائس مثل قديس رسا..
وهي قصيدة ذات توجه واقعي انتقادي تنويري مباشر، حيث عرضت الشاعرة فيها لكثير من السلبيات التي يقع فيها القاهريون والقاهريات! فما زلنا نعيش أزمة في الوعي الجمعي وما زال يؤثر في قاهرتنا تأثيرا غير مقبول دينيا وفكريا واجتماعيا ...
ومن القصائد المبرزة في الشعر المصري المعاصر عن عاصمتنا القاهرة قصيدة حرة سطرية تفعيلية بعنوان: (القاهرة امرأة خارجة عن الطاعة) للشاعر السيد جلال والتي أبدعها في 8 من مايو 2003م، ... ويظهر من عتبة عنوانها أنها قصيدة انتقادية حادة، لكنني سأقف – في هذا المقال التبجيلي للقاهرة-مع الصورة الإيجابية منها، حيث يقول:
القاهرةُ
امرأةٌ برجُ حمامٍ يتطلَّعُ نحوَ الشمس ِ
وبينَ سواعِدهِ هالاتٌ من نور ٍ
وطيورٌ تُحْرِمُ للحجِّ وتعتمِرُ
بُرْجٌ مرتفعٌ كجبال ِالثلج ِالفُلّيّ
تعطِّرُهُ أزهارُ الليمونْ
وحقولُ الأقماح ِحواليه تغني
ومروجُ السُّندُس ِوالزَّيتونْ
وصدى الإنشادِ يدورُ وينتشِرُ
وحمامُ حماها يطوفُ، يحمحمُ،
ثُمّ يصيرُ سحاباً وغماماً
يتتابعُ كالموج ِالمشتاق ِ
يردُّ الشاطئ لهفَتَهُ
بمزيدٍ من حبٍّ وحنانْ
يتغرَّبُ كيفَ يشاءُ
ثم يعودُ لأحضان حبيبتهِ ينصهِرُ...
ومن هذه الصورة الشعرية الواقعية لطبيعة القاهرة ينتقل شاعرنا السيد جلال إلى القاهرة المثقفة العابدة حيث يقول:
ولأبناءِ الوادي الأخضر ِ
ظافرةٌ قاهرةٌ !!
هي أحياناً "كليوباترا"
أحياناً "شجرُ الدُّر"
مازالتْ زاهدةٌ متصوِّفةٌ...
يتوضَّأُ في دمِها ويُصلي الأزهرُ
تتعبَّدُ واقفةً في وسطِ الدُّنيا
رافعةً لله ذراعيها تبتهلُ
امرأةٌ شلالٌ من موسيقى
يعزفُها القمرُ....
نعم إنها عاصمة مصرنا: القاهرة الفاتنة والساحرة والمطربة، والراهبة والعابدة والمنيبة والعازفة أجمل الإيقاعات وأطيب المعزوفات في مناحي الحياة المتنوعة والمتجادلة....
وإننا للدعوة للقاهرة بما قاله شاعرنا عبدالمجيد فرغلي:
فالله يحفظها من كل نائبة
تلك التي لسناها يهتدي البشر
إن اسم القاهرة له حمولة شعرية ودلالية ذاخرة وباذخة في ديوان الشعري العربي قديما وحديثا ومعاصرا، ولا عجب في ذلك؛ فبنت ﺍﻟﻤﻌﺰ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ كما تربينا شعريا في طفولتنا على قصيدة الشاعر أحمد مخيمر- ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺭﻗيقة ﻧﺒﻴﻠﺔ ﻣﺴﺎﻣﺮﺓ،ﻣﻤﺘﻠئ ﺗﺮﺍﺑﻬﺎ ﺑﺎلنفحات ﺍﻟﻌﺎﻃﺮﺓ؛ وﻛﻢ ﻫﺰﻣﺖ ﻣﻤﺎﻟﻜﺎ ﻭﻛﻢ ﻃﻮﺕ ﺟﺒﺎﺑﺮﺓ، ﻓﻰ ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺗﻄﻞ ﺳﺎﻓﺮﺓ، ﺗﺤﻜﻰ ﻟﻨﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﺠﺪ أو ﺗﻘﺺ ﻧﺎﺩﺭﺓ، وﻛﻢ معتد ﻗﺪ ﻣﺮ ﺑها ﻭﻣﺎ تزال ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، وستظل بإذن الله...



#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخُ خالدُ الجِرْجَاوِيُّ(838-905ه)وَقَّادُ الجامعِ الأزهر ...
- مسرحية شعرية قصيرة مغمورة للشاعر الكبير محمود غنيم
- أعجوبة تطوير الذات (مأمون حسن) الأكاديمي المكافح
- منهجية الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية سورة الكهف أنموذج ...
- تجربة رثاء الزوجة في شعر الدكتور محمد الغرباوي ص
- أقصوصة (نظرة) للدكتور يوسف إدريس في مرآة المنهج الفني
- القصة القصيرة جدا: مفهومها ونصوصها
- المصريون الصحابة في فجر الإسلام
- تكريم فاقدي البصر في ظلال الإسلام
- دور الشيخ محمد عبده في النقد الأدبي
- وَصِيَّة المَأمُون لِأَخِيهِ المُعْتَصِم فِی مِرآةِ ال ...
- البعد الإنساني في أدب بهاء طاهر(1935-2022م)
- نحو مفهوم تجنيسي لفن الرواية
- القصة الشاعرة مصطلحا ومفهوما
- إستاطيقا الهادفية في السرد النسوي الإسلامي: مقاربة في رواية( ...
- سيميائيات في ديوان (الغيم والدخان) للشاعر الأكاديمي محمد حلم ...
- وظيفة الشعر الوطنية: علاء جانب أنموذجا
- الإنسان المائي: قراءة في سيرة الدكتور عصمت رضوان الذاتية
- سيميائية العاطفة في ديوان أشجان الناي للشاعر محمد دياب غراوي
- السُّمُوُّ الحضاري في مدح الشعراء المسيحيين للصادق الأمين


المزيد.....




- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري فوزي أبوحسين - سحر القاهرة في مرآة الشعر العربي