أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عقدة المرحلة الانتقالية في تونس














المزيد.....

عقدة المرحلة الانتقالية في تونس


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7479 - 2023 / 1 / 1 - 14:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما جرى في تونس منذ نهاية 2010 حتى اليوم، يعرض المسار الأكثر "طبيعية" للثورات العربية الحديثة. المسار التونسي لم يغرق في العنف، لم يعترضه حاكم مطلق بجيشه ومخابراته وشبيحته، فيحطمه ويحيله إلى كارثة. ولم يقطعه انقلاب عسكري مستغلاً موجة احتجاج ثانية، ليعيد البلد إلى أسوأ مما كانت عليه. ولم يشهد تدخلاً خارجياً من بعيد أو قريب ويرتهن بالتالي لإملاءات ومصالح قوى خارجية متعارضة أو، على الأقل، مستقلة عن مصالح المحتجين. على هذا يمكن أن تكون تونس هي النافذة التي نطل من خلالها على مسار حر لثورات الربيع العربي. ما انتهت إليه الثورة التونسية حتى اليوم كان، إلى حد بعيد، نتيجة تفاعل العوامل الداخلية للثورة.
يسمح لنا هذا بتأمل ما ينطوي عليه المجتمع التونسي (كنموذج عن المجتمعات العربية) من قدرات ثورية ما بعد "إسقاط النظام". بكلام آخر، تسمح لنا تجربة تونس أن نختبر إلى أي حد يمكن لهذه المجتمعات أن تبني ديموقراطية أو أن تنتظم في إطار نظام سياسي ديموقراطي بناء على ما تتوفر عليه من قوى مجتمعية وسياسية، ومن استعداد هذه القوى لتبدئة بناء نظام سياسي ديموقراطي على مصالحها الحزبية.
إذا كان الإحباط من الأحزاب السياسية وصراعاتها وفشلها في تخفيف الصعوبات الاقتصادية على مدى ثماني سنوات، هو ما دفع التونسيين إلى انتخاب الأستاذ الجامعي المستقل قيس سعيد (المعروف بعدائه للأحزاب السياسية) بنسبة تجاوزت 72 بالمئة، فإن الإحجام الشعبي الواسع عن المشاركة في الانتخابات التشريعية التونسية التي نظمها سعيد مؤخراً (نسبة المشاركة لم تصل إلى 12 بالمئة)، يعبر عن إحباط تال أكثر ثقلاً، لأنه لم يعد لدى التونسيين ما يطمئنون إليه بعد أن جربوا الأحزاب ثم المستقلين. هذا النوع من الإحباط يمكن أن يكون مقدمة إلى المزيد من السلبية.
يلاحظ أن الخط البياني لمسار الثورة التونسية، يبدأ بالصعود في السنة الأولى التالية للثورة بفوز الأحزاب المعارضة للنظام القديم (أبرزها حزب النهضة) في أول انتخابات برلمانية حرة، ووصول شخصية معارضة (المنصف المرزوقي) إلى رئاسة البلاد. ثم تبدأ شعبية المعارضين التقليديين للنظام بالتراجع، ويطل العنف السياسي برأسه أكثر من مرة، ويتأخر الاتفاق على دستور حتى بداية 2014. وفي الخريف من العام نفسه، يحقق حزب نداء تونس (بزعامة أحد أعمدة النظام القديم، الباجي قايد السبسي) أعلى نسبة من المقاعد (86 مقعداً)، ثم يفوز السبسي بالرئاسة في وجه منافسه المرزوقي. أما عدد نواب حزب النهضة فإنه يتراجع من 89 إلى 69 نائباً، وسوف يتراجع هذا الرقم إلى 54 نائباً في الانتخابات التشريعية التالية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وفي إشارة أولى إلى إحباط التونسيين من الأحزاب السياسية، يفوز المرشحون المستقلون بأغلب المقاعد في أول انتخابات بلدية تشهدها تونس منذ انطلاق الثورة (أيار/مايو 2018). سوف تلي هذه الإشارة الأولى إشارة لاحقة في الاتجاه نفسه بعد أقل من سنة ونصف تشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث سينتخب التونسيون رئيساً غير حزبي، ولا يمتلك برنامجاً واضحاً ولا خبرة سياسية. يقوم هذا الرئيس، بعد أقل من سنتين على انتخابه (تموز/يوليو 2021)، بسلسلة إجراءات استثنائية، أقال فيها الحكومة وجمد البرلمان ثم حله، ثم عطل معظم مواد دستور 2014، ومنح نفسه سلطة الحكم بالمراسيم وجمع في يده كل السلطات.
من تفويض الأحزاب المعارضة التقليدية، إلى العودة إلى الاعتماد على رجال من النظام السابق أملاً بخبرتهم، إلى تأمل الخلاص عبر رجل قانون نزيه وبعيد عن الأحزاب، محطات في مسار من الإحباط، رافقه على طول الخط ضعف اقتصادي وصعوبات معيشية، كان عدم الاستقرار السياسي الذي يميز عادة المراحل الانتقالية من أهم أسبابها. فقد سجلت تونس، وفق التقارير الاقتصادية، تراجعاً في الاستثمارات والادخار الوطني وفي نسبة النمو التي تباطأت بين 2011 و2020 إلى 0.58 بالمئة قياساً على العشرية التي سبقتها والتي وصلت سنوياً إلى 4.5 بالمئة. هذا فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة، وبصورة خاصة في صفوف خريجي الجامعات.
المعضلة التي تواجهها عملية الانتقال السياسي عقب الثورة، هي معضلة اقتصادية بقدر ما هي معضلة سياسية. في السياسة، تشهد المرحلة الانتقالية، نتيجة تحرير المجال العام، صراعات حزبية وتوترات وعدم استقرار قد يحرض لدى الجمهور "حنيناً" إلى استقرار النظام القديم على علاته. وفي الاقتصاد، تنعكس اضطرابات المرحلة الانتقالية سلباً النمو وعلى مستوى المعيشة، وهو ما يثير سخط الناس ويجعل دولة ما بعد الثورة المنتصرة، تستعيد آليات قمع النظام السابق لإخماد آمال أهل الثورة.
يجادل فرنسيس فوكوياما في أن الثورات العربية الحديثة لا تشبه ثورات الموجة الثالثة من الديموقراطية التي شهدها الثلث الأخير من القرن العشرين (حسب تصنيف هنتنغتون) بقدر ما تشبه الثورات الأوروبية 1848، من حيث غياب تجربة ديموقراطية سابقة في هذه البلدان، ومن حيث تغلب الثورات المضادة، غير أنه يغفل عن حقيقة أن الشروط العامة في أوروبا كانت نحو نهوض اقتصادي الأمر الذي لا يتوفر في البلدان العربية التي تعاني صعوبة اقتصادية مستعصية وفي إطار عالمي يشهد انكماشاً اقتصادياً.
ولكن إذا افترضنا أن التحرر السياسي يقود إلى تحسين الوضع الاقتصادي (وهذا أمر غير بديهي ويحتاج إلى تمعن وبحث لإدراك الآليات)، فإن المرحلة الانتقالية التي ينتظر منها أن تحقق التحرر السياسي، هي في الغالب مرحلة انكماش اقتصادي. الأمر الذي يمكن أن يحول المرحلة الانتقالية إلى مرحلة نكوص نحو آليات النظام القديم، كما نشهد اليوم في تونس. من المهم في تونس إعاقة عملية النكوص هذه ومواجهة التدابير الديكتاتورية التي يتخذها سعيد. وإذا ساد المزاج السلبي على الشارع التونسي، تصبح مهمة الأحزاب السياسية في المواجهة مهمة وحاسمة في مواجهة هذه العملية، لأن التراجع أمام تقدم استبدادية الرئيس لن ينجم عنها سوى المزيد من الخسائر، ومن تعقيد المواجهة تالياً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرياضة بوصفها غشاً وسنداً
- احتجاجات السويداء، ليس لدى الأسد سوى الرصاص
- أين هم شيوعيو الأمس؟
- تفكيك الاستبداد في السودان
- عن تماسك معسكر النظام في سورية
- -العاقل-، إله تائه يبحث عبثاً عن الرضا
- مأزق الجيش في السودان
- الأمم المتحدة تتراجع، الجولاني يتقدم
- هذه الجوانب الخطيرة في الانتفاضة الإيرانية
- قصة الحجاب بين الفرض والحظر
- نساء العائلة، تاريخ خاص
- الوهم الذي لا يتبدد
- السوريون في أوروبا، هل يتحول المنفى إلى وطن؟
- نحن وغورباتشوف
- هل من مخرج للعراق؟
- هذه الفتاوى والتابوهات
- عن انتفاضة الصدريين في العراق
- ليالي السجن، العازل والاسمنت
- سلطات العنف، أو الشرعية المستمدة من العنف
- السويداء السورية، انتفاضة محلية ببعد وطني


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عقدة المرحلة الانتقالية في تونس