أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الرياضة بوصفها غشاً وسنداً














المزيد.....

الرياضة بوصفها غشاً وسنداً


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7465 - 2022 / 12 / 17 - 11:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العام 1996 فوجئ العالم بفوز السورية غادة شعاع بالميدالية الذهبية لألعاب القوى في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في اتلانتا عاصمة ولاية جورجيا الأمريكية. سبب المفاجأة واضح، وهو أن شعاع من بلد غير معروف بإنجازات رياضية على مستوى عالمي. حينها لام صحفي أميركي نفسه لأنه لا يعرف شيئاً عن هذا "المصنع" الرياضي السوري الذي وصل إلى درجة تأهيل لاعبة مثل غادة شعاع، وقال لا شك أن هذه البؤرة الرياضية المهملة سوف تنتج المزيد من الأبطال. مع الزمن، أدرك هذا الصحفي، بلا ريب، كم كان ساذجاً.
لا بأس من الإشارة إلى أن نبأ هذا الإنجاز "السوري" وصلنا إلى سجن تدمر عبر القناة الوحيدة المسموحة والتي كانت النافذة الوحيدة لنا لمعرفة ما يجري وراء جدران السجن، وهي جريدة رسمية لها النصيب الأكبر من نقيض اسمها. نشرت جريدة "البعث" حينها قول الصحفي الأميركي المذكور مع تعليق آخر يقول إنه حين يتقابل السوريون في صبيحة هذا النصر، يستبدلون عبارة "صباح الخير" بكلمة "مبروك". والحقيقة أننا، في السجن أيضاً، فرحنا بميدالية غادة شعاع.
من الطبيعي أن يفرح أي شعب بأي إنجاز يحققه أحد أبنائهم، حتى لو جاء هذا الإنجاز محمولاً على أيدٍ أجنبية، ومعروف أن تأهيل البطلة الأولمبية السورية كان في "مصنع" روسي وليس سوري. ومن الطبيعي أن يفرح أبناء البلد بنجاح ابنهم حتى لو كان صاحب الإنجاز قد ولد ونشأ في الخارج، وحتى لو كان لا يجيد لغته الأم. أبناء البلد سيفرحون لنجاح من تعود أصوله إلى بلدهم، حتى لو كان يمثل بلداً آخر. لقد فرح السوريون بنجاح ستيف جوبز حين علموا أن أباه سوري. هذه أشياء لا يحق لأحد نكرانها على أحد. ولا يخفى على أحد حاجة الناس، وبوجه خاص العرب المشبعين إحباطاً، إلى الشعور بالنصر وإلى استعادة الثقة بالنفس وإلى تغذية الحافز والتطلع.
لكن ما يمكن التوقف عنده هو أولاً الانطباع المغشوش الذي يمكن أن تعطيه وقائع رياضية معينة، ويمكن أن تبنى عليه مواقف وتحليلات بعيدة عن الواقع. وثانياً الاستغلال السياسي لمثل هذه الوقائع بأن يستخدم نجاح رياضي ما للتشويش أو التغطية على فشل عام يكون أساسه، غالباً، فشل سياسي.
الحضور المفاجئ للمنتخب المغربي في مسابقة بطولة كأس العالم الجارية في قطر هذا العام، يطرح مجدداً موضوع الرياضة بوصفها نشاطاً يسمح بنوع من الغش المتعدد الجوانب، ولاسيما أن إعداد فريق كرة قدم قادر على المنافسة، بات عملاً يحتاج إلى إمكانيات كبيرة وأجواء لا تتوفر في بلدان يسيطر على السلطات فيها الهاجس الأمني الذي يستهلك أموال البلد ونفوس أهلها.
الغش الأول هو إبراز صورة متطورة عن واقع هزيل، المراقب الخارجي يقع ضحية هذا الغش ويبني تصوراً غير صحيح عن واقع البلاد التي "أنتجت" هذا المنتخب. والغش الثاني، هو غش ذاتي، إذا جاز القول، يقع فيه أهل البلاد، أي من يعرفون جيداً واقعهم، ولكنهم يحبون أن يتوهموا مع بريق "الإنجاز" الرياضي، فيعتبرونه مثلاً دلالة على "مخزون حضاري" يميزهم، دون أن يشغلهم السؤال: كيف لا ينعكس هذا المخزون على المستوى العام لحياتهم. والغش الثالث هو حين تتبنى السلطات السياسية هذا الإنجاز على أنه نجاح لها، وأنه دليل على تقدم ما، من شأنه أن يقلل من حدة الانحطاط العام.
أساس هذا الغش المتعدد هو نسب النجاح إلى البلد في حين أن المنتخب ليس صناعة "بلدية"، إنه أشبه ما يكون بعملية استيراد للنجاح الرياضي، العملية التي توفرت لها في هذا العصر شروط جعلتها ممكنة. صار من الممكن للاعبين الأفراد أن يستفيدوا من الإمكانات التي توفرها بلدان متطورة قياساً على البلد الذي ينحدرون منه، أو ينحدر منه آباؤهم أو أجدادهم، وأن يطوروا مهاراتهم في هذه البلدان، ثم يمكنهم أن يمثلوا بلدهم في المنافسات الدولية. معلوم أن 14 لاعباً من المنتخب المغربي نشأوا وتدربوا في بلدان وأندية أوروبية ويحملون جنسية هذه البلدان، ولكنهم يحملون المغرب في نفوسهم، ويعتبرونه "مسقط قلبهم" حسب تعبير اللاعب الدولي أشرف حكيمي الذي سبق له أن لعب لصالح منتخب شباب اسبانيا. كما هو حال اللاعب حكيم زياش الذي يحمل الجنسية الهولندية ولكنه اختار، رغم المحاولات الهولندية، تمثيل المغرب في المنافسات الدولية. ومن باب التخيل والحلم بتوفير الصعاب، يتمنى المرء لو تتوفر شروط موازية تجعل من الممكن أيضاً استيراد نجاح سياسي، على غرار استيراد النجاح الرياضي.
جانب آخر يبرزه النجاح المغربي الملفت في هذه البطولة العالمية، هو دور الرياضة، وبشكل خاص كرة القدم، بوصفها محط أنظار العالم، في إشباع حاجة الأمم المهمشة إلى الاعتراف، وشعور الفرد المتحدر من هذه الأمم بقدرته على لعب دور إزاء استضعاف أمته. حين يرفض الحارس المغربي القدير، ياسين بونو، أن يتكلم بغير اللغة العربية في مؤتمر صحفي، مع أنه يجيد الفرنسية والإنكليزية والاسبانية أكثر مما يجيد العربية، فإنه يستخدم نجاحه الفردي في انتزاع اعتراف بلغة ضعيفة الحضور عالمياً نتيجة لضعف الدور الحضاري العام لأصحابها. وحين يراقص اللاعب المغربي البارز سفيان بوفال والدته بلباسها المغربي الشعبي البسيط، فرحين بالفوز الثمين على منتخب البرتغال، تحوز اللقطة على انتشار وإعجاب واسع لأنها مرفوعة على أعمدة من الجدارة، هذه التي تسمح لنا أن نظهر كما نحب، وأن يفتح العالم قلبه لهذا الظهور. الشيء نفسه يمكن قوله عن حركات رمزية أخرى، منها حركة السجود عقب تسجيل الأهداف، وإبراز العلاقات العائلية التقليدية الحميمة بين الاعبين وأهاليهم.
في شروط هذا العصر المهووس بالمنافسات الرياضية، يمكن أن يتحول الرياضيون إلى روافع لبلدانهم المغمورة. يمكن ببساطة أن يكون اللاعب أكثر شهره من بلده، وأن ينسب البلد إلى شخص. ومع السطوة الإعلامية الكاسحة، يمكن لفرد واسع الشهرة، في الرياضة أو الأزياء أو الغناء أو ... الخ، أن يؤثر في قضايا كبيرة، وأن يستجلب شيئاً من الاعتراف لبلد.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتجاجات السويداء، ليس لدى الأسد سوى الرصاص
- أين هم شيوعيو الأمس؟
- تفكيك الاستبداد في السودان
- عن تماسك معسكر النظام في سورية
- -العاقل-، إله تائه يبحث عبثاً عن الرضا
- مأزق الجيش في السودان
- الأمم المتحدة تتراجع، الجولاني يتقدم
- هذه الجوانب الخطيرة في الانتفاضة الإيرانية
- قصة الحجاب بين الفرض والحظر
- نساء العائلة، تاريخ خاص
- الوهم الذي لا يتبدد
- السوريون في أوروبا، هل يتحول المنفى إلى وطن؟
- نحن وغورباتشوف
- هل من مخرج للعراق؟
- هذه الفتاوى والتابوهات
- عن انتفاضة الصدريين في العراق
- ليالي السجن، العازل والاسمنت
- سلطات العنف، أو الشرعية المستمدة من العنف
- السويداء السورية، انتفاضة محلية ببعد وطني
- خطوة إلى الخلف في تونس


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الرياضة بوصفها غشاً وسنداً