أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تفكيك الاستبداد في السودان














المزيد.....

تفكيك الاستبداد في السودان


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7447 - 2022 / 11 / 29 - 14:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن مفاجئاً الإعلان مؤخراً، عن توصل تحالف "قوى الحرية والتغيير" في السودان إلى تفاهمات مع العسكر تقود إلى تشكيل حكومة مدنية وإلى إنهاء الأزمة في البلاد وخروج العسكر من العملية السياسية. تنبع أهمية الخبر من أنه إشارة إلى ضعف العسكر بعد أكثر من سنة على انقلابهم (أكتوبر/تشرين الأول 2021) على الميثاق الوطني الذي تم التوصل إليه في أغسطس/آب 2019، وحل المجلس السيادي والحكومة المدنية. فقد اضطر قادة الانقلاب مجدداً، تحت ضغط الشارع، إلى الدخول مع القوى المدنية في التفاوض على مسار خروج العسكر من العملية السياسية. لا يغير في حقيقة ضعف موقف الانقلابيين، أن عبد الفتاح البرهان (القائد العام للقوات المسلحة السودانية)، رغم إشارته إلى التفاهمات مع "الحرية والتغيير"، يواصل الكلام عن وصاية العسكر على الحكومة المنتظرة.
يتميز الصراع السياسي في السودان في أن القوى الرافضة لحكم العسكر استطاعت الموازنة بين الحزم والمرونة. الحزم الذي يتجلى في المثابرة على الاحتجاجات السلمية والمطالبة بحكم غير عسكري، والمرونة التي تتجلى في قبول الحوار الذي ينفتح مساره على تأسيس حكم مدني يعود فيه العسكر إلى "مهنتهم" العسكرية. صحيح أن هناك قوى مدنية ترفض أي شكل من التفاوض مع العسكر (مثل لجان المقاومة وبعض الأحزاب السياسية داخل تحالف قوى الحرية والتغير أو خارجه)، لكن من شأن هذا أن يشكل ضغطاً مستمراً من اليسار على المتحاورين، ويعزز بالأحرى موقف القوى المدنية المفاوضة، شرط أن لا يتحول هذا الخلاف بين القوى المدنية والسياسية حيال التفاوض مع العسكر إلى صراعات فيما بينها. يخفف من قلق نشوب مثل هذا الصراع، أن الأحزاب المنضوية في تحالف الحرية والتغيير والتي ترفض أي ترتيبات انتقالية مع قادة الانقلاب (مثل حزب البعث)، تلتزم بقرار التحالف، كما صرح قادتها. على أن هناك بعض القلق من بروز مواقف تصعيدية من قبل التشكيلات المدنية الحزبية وغير الحزبية، من خارج الحرية والتغيير، التي تحتج في الشارع ضد "التفاوض"، ما يمكن أن يؤدي إلى إضعاف القوة الديموقراطية في مواجهة العسكر ويعطيهم فرصة للمناورة.
معلوم أن البرهان، فيما يبدو رهاناً على الخلاف بين القوى المدنية، صرح في تموز الماضي أن المؤسسة العسكرية ستنأى بنفسها عن السياسة إذا توافقت القوى المدنية فيما بينها على تشكيل حكومة مدنية غير حزبية. وفي الشهر نفسه، صرح قائد قوات التدخل السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) أن الحكم العسكري في السودان قد فشل. كل هذا يشير إلى أن العسكر في موقف ضعيف.
الضغط المستمر في الشارع، والسياق العام للصراع الذي يجعل من الصعب على قادة الانقلاب حقن الجيش السوداني بعصبية قومية أو دينية أو أيديولوجية يمكن أن تضمن تماسكه إذا تم زجه في مواجهة دموية مع المحتجين، تضع قادة الانقلاب في مأزق أمام القوى المدنية، وقد يكون الاستثمار الأفضل لهذا المأزق هو فتح طريق سهل لخروج العسكر من السياسة، أي فتح باب التفاوض بدلاً من الدخول معهم في اختبار قوة مباشرة لكسر العظم. حتى لو احتاج الأمر إلى تقديم ضمانات معينة للبعض بعدم الملاحقة القانونية. وقد سبق أن دعت "منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر/كانون الأول"، في مبادرة لها منذ مطلع هذا العام (18 يناير/كانون الثاني 2022)، جميع القوى والأطراف إلى الحوار لتحقيق انتقال ديموقراطي، واعتبرت أن الوصول إلى سودان يسوده السلام والقانون والعدل هو ثمن لدماء أبنائهم وبناتهم. دون أن ينتهي هذا الكلام إلى القول بالتخلي عن العدالة الانتقالية، فهذه ضرورة لا يمكن القفز فوقها، ولكن يمكن، وينبغي، صياغة هذه الخطوة ضمن إطار سياسي أوسع يسهّل وضع أسس ثابتة لنظام ديموقراطي.
للجيش السوداني حضور ثقيل في البلاد وعلى مستويات عديدة، بما في ذلك المستوى الشعبي والسياسي، وليس من السهل رد الجيش إلى حدوده المهنية دون تفاوض، كما يمكن أن يأمل أنصار "التغيير الجذري" الذي يتبناه الشيوعي السوداني ويعارض به الميل التفاوضي لقوى الحرية والتغيير على أنه "اجندة للهبوط الناعم" كناية عن العودة مجدداً إلى النظام القديم. الواقع أن الجيش سوف يستطيع أن يدافع عن مواقعه وأن يلخبط المشهد السوداني ويشلّه إذا لم يجد طريقاً آمناً للعودة إلى الثكنة. وجود هذا الطريق، المنوط بالتفاوض، مع استمرار الضغط في الشارع، يمكن أن يقود إلى تثمير الضغط الشعبي بقبول العسكر التخلي عن تطلعاتهم السياسية، وأيضاً عن كيانيتهم الاقتصادية التي تتجسد في استقلال اقتصادي ذاتي عن الدولة.
مع ذلك، لا تنبع الخصوبة الفعلية للصراع في السودان من الموقف التفاوضي مع العسكر من عدمه، ولا تنبع حتى من نجاح التفاوض بإعادة العسكر إلى ثكناتهم وإنشاء حكومة مدنية بالكامل، بل تكمن الخصوبة في إدراك ضرورة تفكيك دولة النظام السابق، أو فيما يسميه السودانيون "إزالة التمكين".
تشكيل حكومة مدنية، أكانت حزبية أو غير حزبية، مع إهمال ثقل أجهزة الدولة الموروثة عن النظام السابق، ولاسيما منها القضاء، لن يجدي نفعاً في مسعى بناء ديموقراطية سودانية. فقد كان التخلص من "لجنة إزالة التمكين" التي كانت معنية بضرب مرتكزات النظام القديم، وهو بالمناسبة مسار بالغ الأهمية تفرد به السودان من بين الدول العربية، من أول أعمال العسكر بعد انقلابهم على الميثاق، ولا يزال بعض أعضاء هذه اللجنة في السجن إلى اليوم. لا يعني هذا عدم إدراك ما قد تنطوي عليه أعمال مثل هذه اللجنة من تعسف وتجاوزات تغذيها المشاعر العدائية والانتقامية تجاه نظام البشير، الأمر الذي يستدعي تقييد قراراتها بحقوق النقض وإجراءات التقاضي المختلفة.
الصراع في السودان اليوم لا يقتصر على جانبه السياسي، بل يتركز بصورة واضحة على المستوى المدني، ويتجسد الآن في النقابات، ولاسيما نقابة المحامين، بعد أن أعاد الانقلابيون نقابات النظام السابق.
التكامل بين الصراع الحازم والمرن مع الانقلابيين على السلطة السياسية، وبين النضال الشعبي لضرب مرتكزات النظام السابق في مفاصل الدولة وفي المؤسسات المدنية، هو الملح المتميز والخصب والواعد في السودان.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن تماسك معسكر النظام في سورية
- -العاقل-، إله تائه يبحث عبثاً عن الرضا
- مأزق الجيش في السودان
- الأمم المتحدة تتراجع، الجولاني يتقدم
- هذه الجوانب الخطيرة في الانتفاضة الإيرانية
- قصة الحجاب بين الفرض والحظر
- نساء العائلة، تاريخ خاص
- الوهم الذي لا يتبدد
- السوريون في أوروبا، هل يتحول المنفى إلى وطن؟
- نحن وغورباتشوف
- هل من مخرج للعراق؟
- هذه الفتاوى والتابوهات
- عن انتفاضة الصدريين في العراق
- ليالي السجن، العازل والاسمنت
- سلطات العنف، أو الشرعية المستمدة من العنف
- السويداء السورية، انتفاضة محلية ببعد وطني
- خطوة إلى الخلف في تونس
- السلطة والثورة، الاعتماد المتبادل
- لجان المقاومة، أشباح تنظم احتجاجات السودان
- مأزق الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية


المزيد.....




- -حماس- تعلن وفاة أسير إسرائيلي يحمل الجنسية البريطانية
- فيضانات مدمرة تضرب أفغانستان وتخلف 200 قتيل
- ما صحة المزاعم المحيطة بمقتل رجل الأعمال الإسرائيلي في الإسك ...
- -الوقت ينفد-.. حماس تنشر فيديو لرهينة إسرائيلي في غزة
- أكثر من 300 قتيل في فيضانات مفاجئة في شمال أفغانستان
- قناة إسرائيلية تشبّه الليلة الماضية بالأيام الأولى للحرب في ...
- بوتين يصدر مرسوما بهيكلة الحكومة للهيئات الفدرالية للسلطة ال ...
- -يوروفيجن-: تأهل إسرائيل إلى النهائي يفاقم الانقسام ويؤجج من ...
- شاهد.. سرايا القدس تسقط مسيرة إسرائيلية وتسيطر عليها بغزة
- تفكيك الكيان الصهيوني على مستوى النموذج


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تفكيك الاستبداد في السودان