أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - قطرة مطر // قصّة قصيرة














المزيد.....

قطرة مطر // قصّة قصيرة


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 7479 - 2023 / 1 / 1 - 08:34
المحور: الادب والفن
    


نظرتُ إلى الأرضِ أبحثُ عن مكانٍ أهطلُ فيه، فقد قررتُ أن أكونَ متفرّدةً في هطولي كي لا أتبدّد عبثًا.
أبصرتُ مجموعةً من الأطفالِ يتقافزونَ حُفاةً فوقَ بِرَكِ ماءٍ، يطاردون كرةً، ويُردّدُونَ بفرح:
"طاح المطر على الطين- الله يسلّم فلسطين".
ثمّ أبصرتُ كهلاً يجلسُ القرفصاءَ قريبًا منهم يراقبُ الطيورَ الصغيرةَ البعيدة في السَّماءِ وهو يقولُ في سرّه: "متى تتلوّنُ أحلامُ البؤساءِ؟"
استقرّتْ الكرةُ فوقَ أنفِهِ، فصحا على أطفال ٍهرعوا يقطفونَ عن وجنتيْهِ ثمارَ الصَّباحِ.
عبرتُ بين الأزقةِ المُوْحِلة، وتسمرتُ قربَ غرفةِ طبيبٍ نحيلٍ. نظرَ من النافذة ليراقبَ العصافيرَ الصغيرة البعيدة وهو يحلمُ أن تحطَّ ذاتَ أملٍ على كتفِهِ.
عادَ من تيهِهِ إلى المرأة العجوز التي انتهى لتوِّهِ مِنَ الكشفِ عنْ سبب أوجاع صدرها. راقبَ يديها بتوجّسٍ وهي تحاولُ فكَّ صرّةِ قماشٍ حفنتْ منها ملءَ راحتها قطعًا نقديَّةً نحاسيّةً صغيرة، بعثرَتْها أمامَهُ على المنضدة وعيناها تتوسلانِ أن يرضى بهذه القطعِ مِنَ النقود. تنهّدَ الشَّابُ وقالَ وقد تحشرجَ صوتُهُ في حلقِهِ: "ضُبّي نقودك يمّا، الدنيا لسَّه بخير."
تدفقتْ أنهارٌ من الحَنانِ في عُروق المَرأة. اقتربتْ من الشَّابِ وحضنَتْهُ. لفّتْ كتفيهِ بثوبِها الخمريّ المزيّنِ بالقُطَبِ الفلسطينيَّةِ الكالحة، فأزهرَ اللوزُ على أشجارِ القلبِ.
رحتُ أواصلُ رحلتي كأنني فَرَاشَة خرجتْ للتوِّ من شَرْنَقَة.
اقتربتْ فتاةٌ لتفتحَ نافذةً، فاقتربتُ منها، وسرعانَ ما عادتْ إلى الداخل وهي تسيرُ بخطواتٍ بطيئة، فأدركتُ أنّها كفيفة. جلستْ قُربَ المرأة المُسنّة تقول: "يمّا، أشتهي اليوم طبخة فريكة."
تحسّستْ العجوزُ جيبَ معطفِهَا. لم تعثرْ إلاّ على بضعِ ورقاتٍ نقديَّة والشهر ما زال في أوّله. لم تتأففْ. ابتهلتْ: "إلهي، أعطنا خبزنا كفاف يومنا". هتفتْ بحنوّ لـ(سَعْدَة): "تعالي نحصل على قسطٍ من الرَّاحة، وحين نستفيقُ ربّك رح يفرجها".
عندما استيقظتْ من نومها عثرتْ على دجاجةٍ في المطبخ، فلم تشغلْ بالها بمصدرِ رزقها، بل شرعتْ في إعداد الفريكة. وهي منهمكة في عملها وصلَ ابنها، فأخبرها أن أحدَ الرِّجال زارَ المستشفى، وفي يده بعض الدجاجات أتى بها للطبيب الذي استأصلَ الرَّصاصةَ من أحشائِهِ دونَ أن يتوفَّرَ له ثمنُ العلاجِ. حينَ رأى (سعدًا) في الرّواق، رقَّ قلبُهُ وأعطاه دجاجةً.
حدّقتْ الأمُ في السماءِ البعيدة. رأتْ عصافيرَ كثيرة. احتضنتْ ابنها. أحاطتْ عنقه بضفيرة شعرها الشائبة، فحطّ كروانٌ على سطح أحلامها.
أخذتُ أتقافز بفرحٍ كما العصافير الصغيرة في بيادرِ قمحٍ، إلى أن رأيتُ امرأة عجوزًا تكاد بشرتُهُا تكونُ كقشرةِ برتقالةٍ جافة. كانت تقرفصُ بسكُونٍ فوق الأرض. علتِ الهتافاتُ من حولها، كلٌّ يستنكرُ هدمَ منزلها، أما هي فقد كانت تراقبُ الغبارَ الذي تراكمَ فوقَ شجرةِ الصَّبَّارِ الشَّاهدة على هدمِ مأواها، عشّ أحلامها.
دفنتْ أوجاعها في الرِّمال.
تنهدتْ بحسرة وهي تتمنى ولو دمعةً واحدة تخفِّفُ من حُرقةِ قلبها. نظرتْ إلى فوق، تستجدي العونَ منَ السماءِ، فلمحتْ عصافيرَ كثيرة، بعيدة، بعيدة.
تنهدتْ بحُرقة وراحتْ تناجي نفسها:
" آآآخ خ خ....
التقتْ نظراتنا.
رقّ قلبي لحالِ هذي المرأة الشامخة كنخلة، الصامدة كشجرة زيتون في تربة خصبة.
قررتُ أن أهبطَ إليها لأخففّ عنها خَلَّ تلك اللحظة الدّامية.
قفزتُ داخلَ مآقي عينيها، وهناك بدأتُ أتضاعفُ برويّة.
فجأة...
أجهشتِ المرأةُ في البكاء.

(2004)
"أنا جنونك"، ريتا عودة، 2009



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا أنتَ...ونبوءة
- كأنّها سنة زوجيّة/ ومضات
- ((مذود قلبي))
- أعيشُ فيكَ
- -محكومون بالأمل-/نصّ قصصيّ
- لا أحد إلاَّكَ //ومضات
- نبضُ العشقِ// ومضات
- رواية -بورتريه قديم- بسام أبو شاويش//قراءة انطباعيّة
- أنت البسطُ وأنا لكَ المقام/ ومضات عشقيّة
- أحبُّكَ والبقيّة تأتي...
- سنونوّة حرّة// لمحة نقديٌة
- لتستريحَ الأرضُ قليلاً
- بغدادُ صَبْرًا// قصيدة
- ((أُكْتُبِي ريتايَ))/ قصيدة
- أرى أسمع أتألم وسأتكلم
- شاعر وقصيدة/ الشاعر الفلسطينيّ ناظم حسون
- ((اغضَب))
- ((سُرَّ مَن عَشِقَ))
- انزياحٌ عاطفي//ومضات
- خالد قطعني يمّا/قصة ليست قصيرة


المزيد.....




- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - قطرة مطر // قصّة قصيرة