|
كلمة في مناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ودور القوى الماركسية الثورية في بلدان الوطن العربي....
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 7447 - 2022 / 11 / 29 - 16:30
المحور:
القضية الفلسطينية
إن تأجج الصراع واستمراره في سياق التناقض الرئيسي المباشر مع العدو الصهيوني ليس أمراً طارئاً، فهو في شكله وجوهره، تجسيد لإرادة شعبنا ، من أجل إستعادة الحق المغتصب، ونفي وازالة المبرر الوظيفي للدولة الصهيونية الذي جاء تجسيداً لمصالح النظام الامبريالي الرأسمالي في بلادنا، وبالتالي فان الصراع مع هذا العدو لابد له من ان يتواصل حتى تتحقق ارادة شعبنا وشعوبنا العربية وأحد أهم أهدافها، إقامة دولة فلسطين الديمقراطية وهذا يعني: أولاً: إن أية إتفاقيات لا تقوم وتهدف إلى تجسيد الحقوق الوطنية بصورة مباشرة وملموسة وواضحة، لا تصمد طويلاً، بل تتحول طال الوقت أم قصر إلى بذرة حرب وصراع متجدد بين أطرافها إلى أن تتم عملية الحسم. ثانياً: لقد بات واضحاً لنا جميعاً، في كل أرجاء هذا الوطن العربي، في ظل نظام العولمة الأمريكي الراهن، وبمساندته وانحيازه الكامل غير المشروط لإسرائيل، إن العدو الصهيوني يسعى إلى الحصول على شرعية الوضع القائم أو شرعية المحتل الاستعماري الاستيطاني الغاصب بديلاً لكل شرعية سواء تلك المستندة إلى حقوقنا الوطنية والتاريخية أو تلك المستندة إلى قرارات الشرعية الدولية. الأمر الذي يفرض على القوى الماركسية الثورية في بلدان الوطن العربي عموما وفي فلسطين خصوصا أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطاً بدورها في المرحلة الراهنة عموماً ودورها المستقبلي الطليعي على وجه الخصوص، وهذا يتطلب إسهام الجميع في مناقشة القضايا المطروحة بكل مسئولية ووعي – من اجل بلورة الأسس الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تكفل نهوضها ، بما يمكنها من تحديد رؤيتها ومهامها ووحدتها الداخلية لكي تمارس دورها الطليعي الثوري في المرحلة القادمة بدقة . ذلك إن صحة الوظائف السياسية والتنظيمية والفكرية والاجتماعية والجماهيرية لهذه القوى الماركسية الثورية في مغرب ومشرق الوطن العربي تتحدد في ضوء مدى تأسيس تلك الوظائف على رؤية صائبة ، وأن تصاغ بدورها انطلاقا من قراءة واعية وموضوعية لكافة المتغيرات السياسية والمجتمعية والفكرية ، سواء على الصعيد العربي أو الدولي عموماً وعلى صعيد نضال الشعب الفلسطيني في اطار الصراع مع العدو الصهيوني الامبريالي خصوصا، وهنا بالضبط يتجسد المعنى الحقيقي للأعباء والمسئولية الملقاة على عاتق رفاقنا في أحزاب وحركات اليسار الماركسي في بلداننا ، وصولاً إلى النتائج المأمولة التي ستمكنهم من تحقيق عملية النهوض صوب دورهم الطليعي الثوري التحرري والديمقراطي المطلبي /الطبقي المنشود. لذلك فإن المهمة العاجلة أمام حركات وفصائل اليسار الماركسي في الوطن العربي عموما والفصائل الماركسية الفلسطينية خصوصا ، أن تعيد النظر في الرؤية الإستراتيجية التحررية الديمقراطية ، الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ، انطلاقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية، ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف –بنفس الدرجة- ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره . وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار القومي الماركسي في بلادنا ، وفي المقدمة اليسار الثوري الفلسطيني، انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه، فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في الوطن العربي، ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الامبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف العربيين. لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية الثورية من قلب الرؤية التقدمية القومية الديمقراطية الأشمل، التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الامبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية، من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني التحرري والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية. ولا شك في أن هذه المهمة هي أولاً مهمة الماركسيين في فلسطين والوطن العربي، وفي طليعتهم اليسار الثوري الفلسطيني المناضل من اجل استرداد الحقوق التاريخية على ارض فلسطين …. والى أن تتوافر هذه الشروط تدريجيا سوف يستمر الصراع كما هو، مهما طال واستمر الحديث عن التفاوض من اجل ما يسمى حل الدولتين وفق الشروط والمخططات الإسرائيلية الأمريكية والشروط التطبيعية العربية ، فلن يكون في ذلك سوى تكريسا للهيمنة والسيطرة الأمريكية الإسرائيلية على مقدرات الشعوب العربية واستمرار احتجاز تطورها واستتباعها وتخلفها. وبالتالي فإن حديثي عن حل الدولة الديمقراطية العلمانية هو حديث يستدعي-على الأقل نظرياً في هذه المرحلة- استنفار كل طاقات اليسار من أجل إعادة النظر في الخطاب السياسي وصولاً إلى خطاب/برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل، الأمر الذي يستدعي حواراً جاداً ومعمقاً بين أطراف اليسار الماركسي العربي لتحقيق هذه الغاية، ليبدأ مرحلة جديدة في نضاله من اجل إعادة تأسيس المشروع القومي التحرري الديمقراطي النهضوي ، كفكرة مركزية توحيدية تلتف حولها الجماهير الشعبية في فلسطين وبلدان الوطن العربي ، وفي الطليعة منها الطبقة العاملة وكل الكادحين والفقراء والمضطهدين والمُستَغَلين العرب الذين سيمثلون روح هذه النهضة وقيادتها وأدواتها . من ناحية ثانية لا بد لي من التأكيد على ان النضال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها ، كفيل بحل المسألة اليهودية في إطار المجتمع العربي الديمقراطي الموحد، وهذه القضية قد يفترض البعض محقا أو بدون وجه حق بأنه موقف طوباوي ، فإنني أقول بوضوح أن هذا ليس موقفاً طوباوياً بقدر ما هو حلم ثوري تتوافر مقوماته وإمكاناته في نسيج مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية عموما، وفي أوساط الشرائح المضطهدة من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة التي تتطلع بشوق كبير إلى المشاركة في تحقيق هذا الحلم الثوري الذي يجسد الأهداف الوطنية والديمقراطية المستقبلية للشعوب العربية . إن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية تتبدى اليوم ، باعتبارها التجسيد الثوري للحل الاستراتيجي الأمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة ثانية، كحل استراتيجي، يكفل ويضمن استعادة شعبنا لحقوقه التاريخية والسياسية والسيادية في فلسطين وهو حل مرهون بتغيير موازين القوى، ما يعيدنا إلى تفعيل فكرة الصراع العربي الصهيوني، التي تتطلب بالضرورة العمل على تجاوز وتغيير هذا النظام العربي ومن ثم تغيير ميزان القوى تمهيداً لفرض الحل النهائي في دولة فلسطين الديمقراطية لكل مواطنيها. لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي جذري ، ثوري وديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة التبعية والتطبيع والاستبداد والاستغلال والفساد التي تحكمها، وذلك انطلاقاً من وعينا بأن هذه الأنظمة شكلت الأساس الرئيسي في تزايد واتساع الهيمنة الامبريالية/الصهيونية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية، كما شكلت الأساس الرئيسي لتزايد واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو الإسرائيلي. أخيراً إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها، في هذه اللحظة الثورية ، لا يعني أنني أؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دوراً رئيسياً وأحادياً فيها، بل يعني – من خلال أحزاب وفصائل اليسار الماركسي الثوري -تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الديمقراطية الحديثة والمعاصرة ، والبحث عن مبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن. لذلك كله، "ينبغي علينا أن نحلم" بشرط أن ندرك سر قوة الحلم الثوري الذي يشكل منبع التغيير و الثورة ، وأن القوة الثورية هي مالك هذا الحلم ، ودون أن تغادر أقدامه تعرجات الواقع، للوصول لهدف نبيل وغاية واضحة، وهل هناك أنبل من غاية تحقيق دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها تلتزم سياسياً وقانونياً وأخلاقيا بحل المسألة اليهودية في إطارها .
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاختصار في أزمة أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلدان الوطن
...
-
حول مفهومي الانتماء والالتزام في الحزب او الفصيل الماركسي ال
...
-
حول مفهوم الهوية ربطًا بمسألتي الوطنية والقومية
-
المادية التاريخية وأهم مقولاتها :التشكيل الاجتماعي – الاقتصا
...
-
105 أعوام على وعد بلفور ......
-
تعليقا وتقييماً لدراسة الرفيق د.وسام الفقعاوي -المقاومة: لما
...
-
انعكاسا لادراكنا لطبيعة مرحلة الانحطاط العربي الراهن ، يبرز
...
-
شرح تحليلي مختصر لمفهومي الليبرالية والليبرالية الجديدة ....
...
-
حول أهمية الفلسفة ودورها في تطور واستنهاض شعوب بلدان مغرب وم
...
-
أوهام ومخاطر الحديث عن تبلور مفهوم المجتمع المدني في بلداننا
-
تحليل طبقي مكثف للأوضاع الاجتماعية في بلدان الوطن العربي عمو
...
-
كلمة للتاريخ عن تراث المفكر العبقري الخالد كارل ماركس وتفاعل
...
-
الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور ماركسي
-
اليسار في بلدان الوطن العربي والموقف من حركات الإسلام السياس
...
-
المنظور الماركسي لمفهوم التحرر الوطني وسبل خروج الحركات التق
...
-
البعد الثوري المعرفي للمسألة التنظيمية
-
لينين والحزب الماركسي
-
الفلسفة الماركسية من أجل التنوير والتغيير والثورة على كل أشك
...
-
حوار معرفي حول قضايا العولمة والثقافة
-
قراءة في الخطاب العربي عن الأزمة والقطب اليساري العربي الثال
...
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|