أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الإله اللامنتمي














المزيد.....

الإله اللامنتمي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7436 - 2022 / 11 / 18 - 16:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٣٠ - الإله الغريب أو اللامنتمي
"من ضحكة ديونيسوس ولدت آلهة الأولمب، ومن دموعه ولدت البشرية"
نيتشة، ميلاد التراجيديا.

المؤرخون يرجعون انتشار عبادة العنب في أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا إلى الطقوس الديونيزية ويعتبرون إنتشار العنب والنبيذ الدليل الرئيسي على تاريخ ديونيسوس الصوفي. ويبدو أن الإغريق لم يخترعوا النبيذ، بل تم استيراده لأول مرة في جرار من جزيرة كريت. يندمج تاريخ الكرمة مع تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط منذ أكثر من مليون عام ، كانت الكروم تنمو هناك بالفعل على شكل كروم برية (lambrusque)، ليانا برية لا تحمل سوى تشابه بعيد جدًا مع أصناف العنب الحديثة. ذلك أن العنب البري كان منتشرا على الساحل الجنوبي للبحر الأسود، ومن هناك أنتشر وامتدت زراعته إلى جبل نيسا Mount Nysa في ليبيا عن طريق فلسطين ومن ليبيا وصل إلى جزيرة كريت المقابلة للسواحل الليبية، ثم أنتشر بعد ذلك في كل بقاع الدنيا، من الهند عن طريق بلاد فارس؛ وإلى بريطانيا في العصر البرونزي عبر ما يسمى بطريق العنبرAmber Route. كان انتصار ديونيسوس هو أن النبيذ في كل مكان حل محل المسكرات الأخرى المنتوجة من الحبوب مثل البيرة.
هذا الإله الذي يمثل حسب نيتشة، بداية الفن في الحضارة الأوروبية ومصدر التراجيديا، منذ البداية كان ذا وجهين، يمثل التناقض الذاتي في حدوده القصوى، إله غريب جاء لليونان من أماكن بعيدة، إله تائه رأي بلدان مختلفة مثل الهند ومصر وفارس؛ عاش مغامرات تراجيدية مصحوبة بالعديد من المعجزات، ينشر الفرح والبهجة، كما يوزع العنف والموت. شخصيته ينخرها التناقض الوجودي الأصيل بين الكينونة والعدم، شخصية حنونه سخية وقاسية، يمثل هذيان وشطحات الأنبياء وأحلام الشعراء. له البهجة والهذيان، ولكن له أيضًا جانب مظلم وحزين للغاية. يشرب الدم ويأكل اللحم النيئ ويرقص ويغني نشوة الحياة ورغبات الجسد، يتم تمثيله في شكل إنسان يجمع بين الذكورة والأنوثة، ولكن أيضًا في شكل حيوان كالنمر أو الأسد. ولادته معجزة، انتزع من رحم أمه سيميل التي صعقها زيوس، ثم يضع زيوس الطفل في فخذه ليكمل نموه، فديونيسوس "ولد مرتين" وعَبر أبواب الحياة مرتين، وربما من هنا جاءت رمزية العنب، الذي يولد أولاً كثمرة، ثم يولد من جديد في النبيذ. إنه "الإله المجنون"، الإله الحسّي المتوحش "حين يغني الإنسان ويرقص فهو يعبر عن نفسه كفرد من أفراد المجتمع الراقي. يبدو وكأنه نسي كيف يمشي وكيف يتكلم، وأن جناحين قد رُكّبا له ليرقص بهما في الأعالي. إن حركات هذا الإنسان تعبير عن السحر"، وهذا السحر يتجلى في طقوسه الغامضة، المخصصة بشكل صارم للمبتدئين، وتهدف إلى منحهم تسممًا إلهيًا وجعلهم آلهة بدورهم. طقوس غريبة تتم عادة في الليل، وفي الخلاء، في أعالي الجبال أو الأحراش والغابات على ضوء نيران الحطب والمشاعل. كانت النساء هن الممثلات الرئيسيات والأكثر مثابرة على هذه الإحتفالات، يرتدين جلود الحيوانات ويحملن في أيديهن أسلحة حادة وثعابين، على رؤوسهن تيجان من اللبلاب : يطلق عليهن إسم الباكانت "bacchantes" أو "maenads". ويرقصن بدون كلل طوال الليل بحركات عنيفة وسريعة، مصحوبة بموسيقى متوحشة صاخبة. يبدو أن أعظم هدية قدمها ديونيسوس للبشرية هي التحرير، أو التحرر من القيود والأعراف والقوانين والتقاليد الإجتماعية، حيث يطلق الإنسان عنان قدراته ورغباته وعواطفه، مستعينا بالرقص والإحتفال الجماعي والموسيقى والنبيذ للوصول إلى النشوة القصوى ἐξτάσις. يقول نيتشة في ميلاد التراجيديا "من تاريخ وجوده كإله ممزق الجسد، أستمد ديونيسوس طبيعته الثنائية: قسوة ووحشية الهمجي، ورقة وإعتدال الحاكم" ، وهو يرى أن التراجيديا اليونانية منذ بداياتها الأولى كانت تعالج موضوعا وحيدا هو عذاب ديونيسوس، وأن ديونيسوس كان البطل الدرامي الوحيد في المسرح التراجيدي اليوناني. وحتى في الأزمنة اللاحقة، في وقت يوريبيديس Εὐριπίδης (٤٨٠٤٠٦ ق.م) بقى ديونيسوس يمثل الشخصية الدرامية الأولى، وجميع الأبطال التراجيديين مثل بروميثيوس، سيزيف، أوريست، إليكترا أو أوديب وغيرهم، ليسوا سوى "أقنعة" تخفي وراءها وجه المعذب الحقيقي. وقد مات ديونيسوس بعد أن قامت التيتان بتمزيقه وهو على هيئة ثور، حول نفسه إليه هربا منهم.
يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعايش العلم والخرافة
- المثلية وحقوق الإنسان
- مفارقة العقل والإيمان
- النمل وكلام الله
- الكلمات والكائنات
- القرآن .. بين القراءة والفهم
- -الحجر- بين العلم والفلسفة
- الإنسان الآلي
- الإنسان جسد أم جثة ؟
- الإنسان بين المادة وال-الروح-
- صمت الحروف
- العدم والتجلي
- عبادة العقل المتطرف
- الكاثارسيس والفن كمطهّر إجتماعي
- نشوة الفن ونشوة النبيذ
- سياسة أوروبا العنصرية
- الإله المجنون
- تحولات
- الإنسان ليس شجرة
- الكزينوفوبيا والتمييز العنصري


المزيد.....




- الدوما يصوت لميشوستين رئيسا للوزراء
- تضاعف معدل سرقة الأسلحة من السيارات ثلاث مرات في الولايات ال ...
- حديقة حيوانات صينية تُواجه انتقادات واسعة بعد عرض كلاب مصبوغ ...
- شرق سوريا.. -أيادٍ إيرانية- تحرك -عباءة العشائر- على ضفتي ال ...
- تكالة في بلا قيود: اعتراف عقيلة بحكومة حمّاد مناكفة سياسية
- الجزائر وفرنسا: سيوف الأمير عبد القادر تعيد جدل الذاكرة من ...
- هل يمكن تخيل السكين السويسرية من دون شفرة؟
- هل تتأثر إسرائيل بسبب وقف نقل صواريخ أمريكية؟
- ألمانيا - الشرطة تغلق طريقا رئيسياً مرتين لمرور عائلة إوز
- إثر الخلاف بينه وبين وزير المالية.. وزير الدفاع الإسرائيلي ي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الإله اللامنتمي