أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - حوار مع الأديب أحمد ممّو:















المزيد.....


حوار مع الأديب أحمد ممّو:


فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)


الحوار المتمدن-العدد: 7398 - 2022 / 10 / 11 - 23:48
المحور: الادب والفن
    


جاء في الموسوعة الحرّة " ويكيبيديا" : أحمد ممّو ولد عام 1949 بقرية تامزرط بالجنوب التونسي. درس تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه وواصله بتونس العاصمة ثمّ بكلّية العلوم بتونس ليتوجّه بعد ذلك إلى باريس حيث أحرز على دكتوراه درجة ثالثة حول موضوع "مساهمة في الدراسة الهيدروجيولوجيّة لشبه جزيرة ڨبلّي" سنة 1976 ثمّ دكتوراه دولة في اختصاص الجيولوجيا والمياه الجوفيّة عن موضوع "الموارد المائيّة للجنوب التونسي – الخصائص والتقييم." سنة 1990. اشتغل عدّة سنوات في الإدارة التونسيّة من 1973إلى 1999 حتّى بلغ درجة مدير إدارة مركزيّة بوزارة الفلاحة. ثمّ عيّن مستشارا علميا لدى المنظمة الدوليّة "مرصد الصحراء والساحل" خلال الفترة 1999 – 2009 حيث أشرف على تصوّر وإنجاز ثلاث دراسات إقليميّة في مجال تقييم الموارد المائيّة المشتركة. وهي:
• "دراسة النظام المائي للصحراء الشماليّة"(الحوض المائي الصحراوي المشترك بين تونس والجزائر وليبيا.)
• "دراسة المخاطر الهيدروجيولوجيّة لحوض إيلومندان"(حوض نهر النيجر المشترك بين مالي والنيجر ونيجيريا.)
• "دراسة الموارد المائيّة لمنطقة إيغاد"(منطقة إفريقيا الشرقيّة التي تضمّ كلّ من السودان وأثيوبيا وكينيا وإيريتريا ودجيبوتي وكينيا وأوغندا.)
وزيادة عن تخصّصه في معرفة الموارد المائيّة للبلاد التونسيّة، فهو خبير لدى الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية في مجال استعمال النظائر في المياه، ولدى المركز العربي لدراسات الأراضي القاحلة والمناطق الجافّة ولدى منظّمة اليونسكو، وقد شارك مع هذه المنظمات في إنجاز عدّة دراسات إقليميّة ووضع المصوّرات المائيّة. له في المجال العلمي المنشورات التالية:
- "قانون المياه بإفريقيّة في العصر الوسيط." دراسة للتهيئة المائيّة بالجنوب التونسي منذ العصر الوسيط، تأليف بالاشتراك مع محمد حسن والهادي بن وزدو (كلية الآداب بتونس 1999)
- "Eau et développement dans le sud tunisien." النشر الجامعي، تونس،2001 تأليف حول إشكالية الموارد المائيّة والتنمية بالجنوب التونسي، وضع بالاشتراك مع عبد الفتّاح القاصح.
كتب القصة القصيرة والرواية والدراسة والنقدية، ويصنف ضمن "كتّاب الطليعة" في مجال كتابة القصة، هو عضو بنادي القصة منذ سنة 1967، وباتحاد الكتاب التونسيين منذ مطلع السبعينات يشرف منذ سنة 1999 على مجلة "قصص" التي يصدرها "نادي القصة" بالوردية منذ 1966، وذلك بعد توقف قصير (1994-1999). وقد اقترنت عودة صدور مجلة قصص بتنظيم "الملتقى الدوري السنوي " لنادي القصة الذي امتاز باشتماله على ندوة فكرية حول إحدى الإشكالات الخاصة بالكتابة القصصية ومسابقات في القصة القصيرة وتنظيم معارض للتعريف بالأدب التونسي، وكان لأحمد ممو الدور الكبير في تصور هذا البرنامج وتجسيمه واستعادة "نادي القصة" لنشاطه بعد محمد العروسي المطوي.
صدر له في مجال الأدب:
- "لعبة مكعبات الزجاج" (مجموعة قصصية)، الشركة التونسية للتوزيع، سنة 1974،
- "زمن الفئران الميكانيكية" (مجموعة قصصية)، شركة صفاء للنشر وللتوزيع، سنة 1980،
- "دراسات هيكلية في قصة الصراع" (دراسة تنظيرية في مفاهيم القص)، الشركة العربية للكتاب، 1984،
- "تاريخ الأدب التونسي الحديث والمعاصر" (مؤلف جماعي، الفصلين الخاصين "بالقصة القصيرة" و"النص المسرحي")، بيت الحكمة – تونس ، 1993،
- "زمن المواسم اليومية" (مجموعة قصصية)، منشورات "قصص"- تونس، 2001،
- "قصص من تونس" (دراسة تعريفية بالقصة القصيرة في تونس مع مسارد ونماذج قصصية) بالاشتراك مع رضوان الكوني، منشورات قصص ت تونس، 2010

* إذا حدّثتنا عن موطنك تمزرط (و في روايات أخرى تامزرط وتمزرت ) فماذا تقول عنها ؟

+ تمزرط قرية بربرية بجبال مطماطة من الجنوب الشرقي التونسي تتسنم تلك المرتفعات قبل انحدارها غربا في اتجاه رمال العرق الشرقي، وهي من القرى البربرية السبع بتلك المنطقة وتعدّ أكبرها من حيث عدد السكان وتوسع العمران وامتداد الأراضي الراجعة إليها. هناك نشأت خلال السنوات العشر من طفولتي قبل الانتقال إلى تونس العاصمة، وهناك تعلمت الكثير من قساوة الطبيعة والحياة الريفية والانتماء إلى العشيرة، ومازلت أرجع إليها سنويا لكي ألاقي أتراب الطفولة وقد اكتست ملامحهم البعض من صلابة صخور تلك الجبال وخط عليها الزمن تعاريجه، ولكي أتفقد الشجيرات الصحراوية القليلة التي تجاهد لكي تقاوم الجفاف. وهناك أسترجع البعض من جذوري الوجدانية من خلال حلقات السمر التي تمتد ساعات طويلة ومن خلال العصافير التي تعود إلى المنزل لكي تلتقط البعض ممّا تجد على الأرض ولكي تقضي الليل داخل الغرف المشرعة الأبواب مدة إقامتنا هناك، كما اعتادت الأجيال السابقة من العصافير التي عرفتها أثناء طفولتي هناك. في قريتي تلك أجد سبيلي إلى الخرافة والحكاية الشعبية والشعر الملحون وتعابير اللغة التي فطمت عليها كما لا يتوفر لي ذلك في أي مكان آخر وكثيرا ما فكرت في الحكمة المقترنة بأن الإنسان لا يدري بأي أرض يولد ولا بأي أرض يموت، ولكن وتعلقه "بأول منزل" قد يساعده على تحمل الكثير من متاعب الحياة ويغرسه في انتمائه الوجداني والاجتماعي.

* قيل أن سكان تمزرط قدموا من طرفي المغرب العربي، وهي من أواخر القرى التي حافظت على اللهجة الأمازيغية في تونس ولا يزالون يتخاطبون بها داخل البيت. فمن أي طرف أنت؟ وهل فكرت في تجميع التراث الأمازيغي؟

+ يصعب جدا إرجاع سكان تمزرط إلى موقع مضبوط من المغرب العربي ولكن الثابت أنهم من قبيلة مطماطة البربرية التي توسع عبد الرحمان بن خلدون في تفصيل فروعها وتثبيت مواقعها. وهو يذكر أن هذه القبيلة ، كما هو متعارف في عصره (القرن14) تقيم بمنازلها الأصلية بالقرب من حامة مطماطة التي تعرف اليوم بحامة قابس، حيث الجبال التي مازالت تحمل اسمها. ولكن باستقراء التسمية التي تعطي نسب سكان تمزرط، نتبين أنهم يطلق عليهم اسم "آث مزرط" (أي "بني مزرط") واعتبارا لفروع القبائل البربرية فإن هذه المجموعة هي ما يقابل "بني مسرط" القبيلة التي أصبحت تعرف "بمسراطة" وهذا الفرع البربري مقيم بسهل الجفارة الليبية شرقي طرابلس حيث هي اليوم مدينة "مسراطة". وغير مستغرب أن يكون الجانب الذي التجأ إلى المنطقة الجبلية قد أدى به الترحال إلى الاستقرار بموقع "تمزرط" الحالي، خاصة وأن الذاكرة الشعبية لعدة فروع من أهالي تمزرط ترجع أصلهم إلى منطقة "كباو" من جبل نفوسة الليبية، وهذا على الأقل الفرع الذي تنتمي إليه عائلتي. وأعتقد أن الموقع الدفاعي للقرية في أعلى جبال مطماطة ساهم في التجاء عدة مجموعات بشرية خلال المراحل التاريخية المختلفة إلى مكان هذه القرية. وتشير المصادر التاريخية الرومانية الخاصة بالمسالك والمواقع، إلى موقع حصن روماني في نفس المكان الذي كما يبدو، كان له دور دفاعي منذ تلك الفترة المتقدمة من تاريخ المنطقة. وتشير المصادر التاريخية الإسلامية إلى ارتحال قبيلة مطماطة وبعض فروعها بعد انتشار القبائل الهلالية بالجنوب التونسي (القرن 11) وانخراطها في الدفاع عن الدويلات التي استقرت بالمغرب الأوسط والأندلس، ومن هناك انحدرت إلى المغرب الأقصى حيث استقرت بسهل فاس وتسرب البعض منها إلى موريتانيا، ثم كانت عودة البعض من تلك الفروع مع الموحدين إلى ديارهم الأصلية بجبال مطماطة. وفي تطواف هذه المجموعة القبلية عبر المغرب العربي والأندلس، الكثير من الطرافة والأهمية لدراسة تحركات المجموعات البشرية في فضاء هذه المنطقة، خلال عدة قرون، واليوم تبقى اللغة والتسميات من أهم المؤشرات التي تسمح بتتبع هذه الحركة الجماعية، وهو ما يبقى للمؤرخ أن يوضحه، وفي أبناء تمزرط من أهل الاختصاص التاريخي من هو أكفأ مني للتصدي لهذا العمل.
أما في ما يتعلق بالغة البربرية المتداولة بين سكان تمرزط فهي الأمازيغية (تمازيغت) فهي من اللهجات البربرية الأساسية والأكثر تداولا بعدة مناطق من المغرب العربي، إذ أن مجال نفوذها يمتد من سهل الجفارة وجبل نفوسة بليبيا وكل الجنوب التونسي، إلى مناطق أخرى من المغرب الأقصى كمنطقتي فاس ومراكش.
أما في ما يتعلق بتجميع التراث الأمازيغي فهو جهد يتطلب عدة اختصاصات وتظافرها ومساهمتي في هذا المجال متواضعة ومتجهة بالأساس إلى التوثيق وتجميع الحكاية الشعبية. ولمن يرغب في مزيد التعرف على جهود أبناء تمزرط في هذا المجال يمكنه الرجوع إلى موقع www.atmazret.info، حيث يجد الكثير من المعلومات التي لا يمكن تفصيلها هنا.
* توجّهت في أبحاثك العلميّة نحو الجنوب. هل تخصّصك هو من أملى عليك اختيارك أم للنزعة الجهويّة نصيب؟

+ عدة عوامل وملابسات توجه الحياة العملية للإنسان، وإذا كان نشاطي العلمي قد اقترن بالجنوب التونسي فلعدة أسباب منها ما هو ذاتي ومنها ما هو مملى عليّ من المؤسسة التي تشرف على هذا النشاط، وخلاصة كل ذلك أنه لا مجال للنزعة الجهوية لكي تكون هي العامل ألأساسي في ذلك التوجه، خاصة وأن مثل هذه المفاهيم لم تكن رائجة في تلك المرحلة التي تربينا فيها على الوطنية القائمة على الالتزام بمصلحة هذا البلد الذي كنّا ندرك جيدا أنه خرج حديثا من تحت الوصاية الاستعمارية وأن دور جيلنا –باعتبارنا الجيل الوطني الأول في مجال الاختصاص – كبير لتأمين القوى البشرية العلمية التي يمكنها أن تعوض الاختصاصيين الأجانب (سواء من أبناء الدولة المستعمرة التي غادرت أو من المتعاونين في المجال العلمي من جنسيات أخرى).
أما العوامل الشخصية، ففيها نصيب من تعلقي بالمنطقة التي تربيت فيها، وما وعيته عنها من ملاحم في الشعر الشعبي وحكايات تتداولها مجالس السهر، وما ترسب في ذاكرتي عن الجفاف والعطش وسنوات الجراد من دوافع للحد من ذلك بما أقدر. في تلك المرحلة كنت أومن أن تفكيك العالم وإعادة بنائه ممكنة للشباب أمثالي، ولكي أكون أكثر واقعية، كان يجب أن أختار بين دراسة الطب التي كنت راغبا فيها والتخصص في العلوم الطبيعية باعتبارها من الشعب التي تشجع عليها سياسة الدولة التونسية الحديثة العهد بمشاكل التنمية، وعملت الظروف على أن أختار هذا التوجه الأخير، وفي نطاقه اخترت التخصص في مجال المياه الجوفية عن مجالات التعدين أو التنقيب عن النفط أو العلوم الفلاحية.
أما الملابسات الأخرى التي ساعدت على اقتران حياتي المهنية بالجنوب التونسي، فتتمثل بالأساس في أن وزارة الفلاحة التي تعهدت بانتدابي بعد حصولي على شهادة دبلوم الدراسات المعمقة وتمكيني من مواصلة دراستي العالية في اختصاص المياه الجوفية، مع قيامي بالأشغال الميدانية الراجعة إلى هذا الاختصاص ضمن حاجيات البلاد، قد تبين لها أن مناطق الجنوب التونسي تأتي ضمن الأولويات الوطنية للتنمية الفلاحية وتركيز القطب الصناعي بقابس، وعلى هذا الأساس وقع اقتراح إلحاقي بقابس لدراسة الوضع المائي بمنطقة نفزاوة (ولاية قبلي حاليا، وكانت في تلك الفترة تابعة لولاية قابس)، عوضا عن إلحاقي بمنطقة الكاف التي اقترحت علي في البداية. وأعتقد أني استفدت كثيرا من هذا التوجيه لما في الجنوب التونسي، في مجال اختصاصي، من ثراء في المعرفة وحركية في توفر المعطيات العلمية، نتيجة ما كان يشهده خلال العشريات الأخيرة من القرن الماضي من جهود تنموية للموارد المائية. وهكذا بدأت أتخصص تدريجيا في المشاكل المائية للمناطق الجافة والأراضي القاحلة وتوسع مجال اهتمامي لكي يشمل المناطق الإفريقية المتاخمة للصحراء ومناطق أخرى من الأقطار العربية الشقيقة بالقارة الآسيوية.
* ما معنى استعمال النظائر في المياه؟

+ تقنية ّالنظائر الإشعاعية وغير الإشعاعية من المجالات العلمية التي تطورت خلال النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة ما عرفته الفيزياء النووية من تقدم في مجال دراسة الذرة، وهي من التطبيقات السلمية للاستعمالات الذرية تمكن من دراسة خصائص المياه والمعادن وكل الأجسام الحيوية اعتمادا على البعض من العناصر الذرية الدقيقة التي تقترن بتركيبتها. وفي مجال المياه تمكن هذه النظائر من التعرف على خصائص الأمطار ومياه الأدوية والبحيرات والمياه الجوفية (الينابيع والآبار) وظروف تحركها على سطح الأرض أو في جوفها، وباعتماد البعض منها (النظائر الإشعاعية) يمكن تقدير عمر المياه (أو المادة الحية من نبات أو حيوان) وكذلك فترة مكوث المياه بالسدود أو بالبحيرات أو بالطبقات المائية الجوفية. وهذه التقنية تأتي مكملة لتقنيات علمية أخرى تساعد على فهم خصائص الموارد المائية وتقييم كمياتها القابلة للاستغلال ولا مجال في التوسع في هذه المفاهيم التي قد تثقل على القارئ العادي.


* كانت أوّل مصافحة لك بمجلّة قصص سنة 1968 لو عدت بك إلى تلك اللحظة هل كنت تقرّر الانفلات من المسلك العلمي والولوج إلى الحقل الأدبي ؟

+ التوجه العلمي الذي أخذته حياتي منذ دراستي الثانوية، كان عن قناعة بأنه أكثر استجابة لمؤهلاتي وما أرجو تحقيقه في الحياة، أما المجال الأدبي فقد كان دوما حاضرا في مطالعاتي وتذوقي للجانب الوجداني من حياتي. وكنت مدركا لخصوصية كل من هذين الجانبين ومدركا أيضا لما أرغب في تحقيقه في حياتي، وكنت قد حسمت الأمر بأني لا أريد أن أقرن حياتي بالتعليم وهو أهم التوجهات التي كان يضمنها التخصص الأدبي في تلك المرحلة من تاريخ بلادنا. واليوم تأكد لدي أن في التكامل بين هذين الجانبين ما مكنني من إكساب حياتي بعض الجدوى لكي أكون راضيا عنها وأحس أني قد ساهمت بشكل من الأشكال في إفادة الآخرين.

* ما الذي جذبك نحو القصّة؟ وما هي الأعمال التي هزّتك ووقفت مطوّلا أمامها؟

+ القصة كأي مجال أدبي إبداعي، حاجة تعبيرية تدفع الإنسان لكي يتوسم في ما ينشره، ما قد يعني الآخر ويجد فيه تجاوبا، كما أن الإبداع أيضا تعبير عن موقف ونظرة للأشياء وتقييم لموقع الذات من أشياء عديدة ومن الآخرين. ولعل هذه بعض الدوافع التي جعلتني لا أحتفظ بأفكاري لنفسي، أما أن أكون قد اخترت الكتابة القصصية لذلك، فلأني وجدت في نفسي من الكفاءة ما يجعلني أختار هذا الشكل التعبيري، ولست في حاجة إلى أن أجد مبررات أخرى، إذ أن الشاعر الذي يختار الشعر والرسام الذي يختار الرسم لا يفعلان ذلك من منطلق أفضلية مجال أدبي عن غيره، ولكن من منطلق ذاتي بحت يوازن بين الحاجة للتعبير بشكل أفضل تبليغا والكفاءة الذاتية في القدرة على ذلك. أمّا الأعمال التي هزتني وقد أكون وقفت أمامها طويلا من باب الإعجاب، فهي كثيرة وتمتد على مدى اتساع ما أتوصل إلى الإطلاع عليه من فكر وشعر وقصة ورواية. ومن خلال تلك الأعمال أشعر دائما أن ما أكتبه يبقى في النهاية متواضعا وقد لا يعني أكثر من إرضاء حاجتي للتعبير عمّا أفكر فيه، لذلك أحسني دائما في حاجة إلى التعلم من كتابات الآخرين مهما كانوا ودون أن تبهرني الأسماء الأكثر شهرة.

* في حوار سابق أجرته معك الأديبة هيام الفرشيشي قلت، إجابة عن سؤالها حول عدم اقتحامك لعالم الرواية، إنّ الظروف الشخصيّة هي التي تمنعك من ذلك وإنّه لديك بعض المشاريع في طور التجسيم. فهل زالت تلك المعوّقات؟ وما هي هذه المشاريع؟

+ كتابة الرواية تتطلب التفرغ وطول النفس، وهو ما لا يتوفر لي مع ظروف العمل، لذلك أرجو أن أجد المجال لذلك بعد تفرغي من العمل. وفي الواقع كنت قد بدأت كتابة الرواية منذ نهاية الستينات، وتجدون في أعداد مجلة "قصص" لتلك الفترة ثلاثة فصول أو أربعة من رواية "الفقاعة والمثلث" التي توقفت عن نشرها وأرجو أن أتمكن من الرجوع إليها لتبييض ما هو جاهز منها وإتمام البقية. كما أني كنت في تلك الفترة قد كتبت رواية أخرى مازال مخطوطة بعنوان "صبغيات الجنين المتحول" وبما أني لم أكن راضيا عنها، فقد فضلت عدم التسرع في نشرها حتى أتمكن من مراجعتها. هذه بعض من تلك المشاريع التي هي في طور التجسيم إضافة إلى إتمام رواية " القناعات الشخصية لأيوب الصابر" التي نشرت منها فصلين في مجلة قصص أيضا.

* قرأت لك في مجلّة قصص عدّة نصوص أجدت تعريبها . فلماذا لا تقوم بجمعها في كتاب؟

+ هناك فرق بين أن تنشر قصة معربة في مجلة وبين أن تجمع عدة قصص معربة في كتاب، ذلك أن إجراءات حقوق التأليف تتطلب من ناشر الكتاب الحصول على ترخيص من المؤلف للموافقة على نشر ترجمة لقصته، وهذا ما جعلني لا أتحمس كثيرا لتجميع تلك القصص المعربة، خاصة وهي لكتّاب متعددين من أقطار مختلفة.

* كيف تقيّم وضعيّة القصّة القصيرة بتونس؟

+ أعتقد أن القصة القصيرة في تونس أمكنها أن تصبح في أقل من خمسين سنة من أهم جوانب الإبداع الفكري في الكتابات التونسية، فهي اليوم بأجيالها المتعددة وتنوع كتّابها ومواضيعها وأشكالها الفنية، تندرج ضمن النماذج الأدبية التي تمثل أحد أهمّ روافد الأدب العربي الحديث.
وإن ما نراه من اهتمام الشباب بكتابتها والاقبال على مطالعتها ما يدفع لمزيد الحرص على تجذير حضورها في الأدب التونسي الحديث، ذلك أن الإبداع صورة معبرة عن اهتمامات العصر والمجتمع، والقصة القصيرة من ألصق الأصناف الأدبية التي تعكس وضعيات المجتمع وتطلعاته.
وحتى وإن بدت من حين لآخر في مجال الكم القصصي المرصود، فترات أقل خصبا من التي سبقتها، فإن ذلك لا يعني بالضرورة انصراف المبدعين عن كتابة القصة. ولكن ما يجب أن نرصده بشكل خاص، هو نسق تطور تقنيات الكتابة القصصية وما تحمله القصص المنشورة من مضامين دالة على الأفكار السائدة ومجالات اهتمام كتّابها. ومن هذا المنطلق، تكون النوادي الأدبية بما يتوفر فيها من ورشات للكتابة أو للقراءة ومن مسابقات والنشريات المختصة سواء في شكل ملاحق صحفية أو مجلات أدبية، من أفضل دوافع مؤسسات المجتمع المدني والدوائر الثقافية المسؤولة لتوفير المناخ الملائم لتكاثر الإبداع في هذا الباب وتكوين الأجيال على الذائقة الأدبية وتوفير حاجيات المجتمع الوجدانية والفكرية.

* كلمة الختام لمن توجّهها؟

+ كلمة الختام تبقى دائما موجهة للقارئ الذي يدرك جيدا أنه إذا لم يستسغ ما يوجه إليه عن طريق الكتابة، فبإمكانه حذف اسم كاتبه من مجال اهتمامه.



#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)       Boukari_Fethi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرف في الجنة .. غرف في النار
- يوم تبدّلت الْأرض
- الشَّــرِكَـــــة
- جذور القصة القصيرة بين صدى الاقتداء ورجع التراث.
- الحلاّج يموت مرّتين (*)
- وللمهمّشين نصيبهم من الحياة
- تعدّد الأصوات في رواية -آخر الموريسيكيات- لخديجة التومي (*)
- معاني الغربة في النسيج السردي لأبي بكر العيّادي (*)
- زهرة ماي (Mayflower)
- الأساليب الفنية في نصوص عبد القادر الطويهري السردية(*)


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - حوار مع الأديب أحمد ممّو: