أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد دلول - عذراً نيتشه؛ فالمقال ما عاد يصلح للمقام














المزيد.....

عذراً نيتشه؛ فالمقال ما عاد يصلح للمقام


أحمد دلول
كاتب وباحث فلسطيني مُقيم في الدنمارك.

(Ahmad Dalul)


الحوار المتمدن-العدد: 7384 - 2022 / 9 / 27 - 17:52
المحور: الادب والفن
    


"إذا أردتَ أن تبقى طاهرا بين الناس، فعليك أن تتعوَّد على الاغتسال بالماء القذر" يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه. ويمكن تأويل تلك المقولة، بأنه إذا وجدتَ نفسك في محيط من القذرين، وكنتَ مجبرا على التعايش معهم، لزم عليك أن تقتبس منهم بعضا من قذارتهم، لكي تبدو سويَّا بينهم. أو بتعبير آخر، لا بأس في أن تستعير من الناس أخلاقهم عند التعامل معهم. فإذا أمْسَت الطهارة أمرا شاذا، يُباح تدنيس الظاهر بفعل الضرورة؛ تبعا لما يُمكن تأويله من مقولة نيتشه. وفي هذا السياق يقول ماكياڤللي: "الذي يريد أن يحترف الخير في كل الأمور، سوف يحزن بين الأشرار، وهم كثيرون جدا".

وعلى الرغم من أن مقولة نيتشه تدعو للدنس، إلا أنها لا تشغل إلّا بال الأنقياء، الذين يُمنّون أنفسهم باعتناقها، كفلسفة لتهدئة النفس، التي خاب أملها بما يكفي من فجور الناس. ولكنهم غالبا ما يعجزون عن ممارستها كنظام حياة، بسبب طغيان جوهر النفس على ضرورات واقعها ومستلزمات تناغمها مع المحيط. ومن كان النقاء يجري في عروقه، سوف يبقى على تنافر مع الدنس. ولذلك فإن ذا العقل يشقى؛ إذ يقوده التناقض ما بين نقاء النفس ودنس الواقع، إلى صراع ينتهي باعتزال الناس، تماما كما حصل مع نيتشه، الذي ترك لنا فلسفة "ما وراء الخير والشر"، من دون أن يعمل بها.

ولكن القائل يُؤخَذ بقوله، لا بخفايا سريرته، حتى ولو عاد يغمز قائلا: "انفضّوا عني، ولا تعودوا إليَّ، إلّا إذا أنكرتموني". ولاسيما إذا شاعت مقولة الدعوة إلى الدنس ورسخت، لأن قائلها مُتَّصف بالحكمة ومُحبّ لها. فماذا لو خرج المقال عن سياق المقام وأُقيمت الصلاة أمام محراب الوطن؟ فهل يُباح لنا كذلك، الوضوء بالماء القذر يا صاحب القلب النظيف؟

فبأي ماء نغتسل؟ هل نتعمَّد بماء أمريكا، لكي يُقال عنا معتدلون؟ أم نتوضَّأ بماء الدواعش، لكي نثبت بأننا مؤمنون طاهرون؟ والحق أقول لك يا ذا النفس الشفافة والقلب الحزين، بأن دنس المائين هو واحد، لا بل أن كلا المائين في الحقيقة واحد وينبجس من نفس النبع. فهل نغتسل بمائه، لكي ننال شرف الطهارة ونصبح مواطنين طاهرين؟

إن "فلسفة" الاغتسال بالماء القذر قد درجت في أوطاننا يا نيتشه، حتى أن الناس باتوا يتبرَّكون به، خشية من نبذ "القطيع"؛ جماعة كان أم طائفة. أما أهل الطائفة فقد هداهم الله فجأة، وعادوا إلى التُقى. حتى أن الطائفة يا جليل القدر، باتت تُطَوّبِز للغزاة، كتأكيد على انتمائها وتُقاها. والغزاة يغتصبوننا بمالنا، أعزك الله، والمحنة أن مالنا وفير. اغفر لي وقاحة السرد أيها الفيلسوف، ولكن أوطاننا تتفكك أمام أعيننا، وكذلك تراثنا وموروثنا وأخلاقنا وشرفنا الشرقي العتيد.

"تلك الطبقة التي ماتت النخوة في رجالها" يا نيتشه، لم تتَّعظ من قولك: "إن من واجب المرء أن يكفَّ عن عرض نفسه للآكلين، عندما يكفّون عن تذوقها"؛ ذلك أن ثمة ثوَّارا، كانوا قد تفانوا لكي يعرضوا أنفسهم على "الناتو"، مع أن "الناتو" كان قد تعفَّف عنهم، لما رأى قباحة عورتهم، أفلا يتَّعظون!

آهٍ يا نيتشه، لو تعلم ما فعله بنا "أصحاب الآذان الطويلة" الذين حدثتنا عنهم؛ لقد باتوا يملأون الساحات العمومية، وصوتهم بات هو الأعلى. فماذا ترانا نفعل، لكي نكون أسوياء طاهرين؟ هل نداهن ذوي الآذان الطويلة؟ أم هل ننهق مع الناهقين، لكي ننال الرضا والاستحسان؟ أيرضيكَ هذا، يا ذا القامة الشامخة والفكر الرصين؟

لقد طال بنا الانتظار، ونحن نترقَّب حلول ربيع ما يا نيتشه، وعندما أتانا، أفرغ الجميع قاذوراته على ربيعنا الموعود. لقد أفرغوا دنسهم على آمالنا، فعلوها باختلاف أعراقهم وأجناسهم وأديانهم، لقد تآخوا لإزهاق ما تبقى من أرواحنا، ونحن هلّلنا لهم وباركنا فعلتهم. "هذا هو الإنسان" يا نيتشه؛ الإنسان الذي تنبَّأت له أن يُنجب "إنسانا راقيا" يتفوق على ذاته، ولكنه لم يُنجب على الأغلب إلا المنحطّين. أو لستَ أنت القائل؟ "لقد كنتم من جنس القرود فيما مضى، على أن الإنسان لم يفتأ حتى اليوم أعرق من القرود في قرديته" وأنت القائل كذلك: "ما الأبناء الا مظهر ما أضمر الآباء، ولَكَم أفشى الابن سر أبيه" لقد أفشينا السر كله يا نيتشه، ونسل الإنسان لم يجلب سوى الفضيحة تلو الفضيحة، فبأي إنسانٍ راقٍ نُصَدّق؟ بعد أن تم اختبار معدن الإنسان حتى الجوهر، وبعد أن باتت إنسانيتنا على شفير الهاوية. لقد فضَحَنا الاختبار يا نيتشه ولا يسعنا سوى أن ننعي لك "الإنسان الراقي" الذي تنبَّأتَ بقدومه يوما. فلقد مات الفقيد قبل أن يولد، ولم يبقَ هناك، سوى من يتسابقون للاغتسال بالماء القذر.



#أحمد_دلول (هاشتاغ)       Ahmad_Dalul#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عشق امرأة لعوب
- التأنيث والتذكير هُما سبب عشقنا للحياة
- فلسفة النشوة الجنسية
- فلسفة الانحطاط
- البحث عن هتلر
- بولتون يسقط قناع النفاق الأمريكي
- أردوغان يتابع صناعة خوازيقه
- هل أمريكا مؤهلة أخلاقيا لمحاسبة كوريا الشمالية؟
- جحش طروادة السوري
- الاستثمار في الجهل
- السوريون أيتام على موائد اللئام
- - ثورة سورية- لخدمة أردوغان وتركيا بعد إسرائيل
- مجموعة مهزومين وهزائم لا تصنع انتصارا
- أضغاث ثقافة مع جلال صادق العظم وآخرين
- المعارضة السورية والإنجاز الجديد
- المعارضة السورية ولولو اللبنانية
- فيصل القاسم والثورة الأمريكية في سورية
- الكفر بالمعرفة
- المعارضة السورية وجنيف
- عبد الرزاق عيد هل يحل لنا لغز داعش بعد جبهة النصرة؟


المزيد.....




- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد دلول - عذراً نيتشه؛ فالمقال ما عاد يصلح للمقام