أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدور زكي محمد - مدارات حسن حنفي بين أفلاك الحقيقة















المزيد.....

مدارات حسن حنفي بين أفلاك الحقيقة


بدور زكي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 7377 - 2022 / 9 / 20 - 22:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مدارات حسن حنفي
بين أفلاك الحقيقة


بربك أيها الفلك المدارُ
أقصد ذا المسار أم اضطرارُ
مدارك قل لنا في أي شيء
ففي أفهامنا منه انبهارُ

إبن شبل البغدادي


بدور زكي محمد
كاتبة عراقية


وردةُ العقل على صليب العصر، جُملة تُنسب إلى هيجل في وصف الفيلسوف، تذكرها الدكتور حسن حنفي قبل سنوات في محاضرته عن ظاهريات الروح، وحين كررها، تمثل جلال المشهد، فقال: ذلك هو الحلاّج، وتساءل بنبرة حزن: "ماذا سيكون مصيرنا؟ " أي عبء يتحمله من يتصدى لدراسة هذا العالم بكل موجوداته وتجليات ظواهره، وكم يحتاج من العزيمة والصبر كي يقنع عقولاً أدمنت مسايرة السلف من الناقلين غير الواعين، وقد صدق المتنبي في قوله: وإذا كانت النفوسُ كباراً، تعبت في مرادها الأجسامُ، فقد أتعبت دنيانا فقيدنا الدكتور حسن حنفي الذي جمع في شخصه بين الفيلسوف والفقيه، باحثاً في ركام معارفنا القديمة، مزيحاً عنها غبار العصور وقيود السابقين، وعينه على الواقع، مستفيداً من تراث الغرب وفلسفته، في محاولة لبناء مشروعه الثقافي على أسس إنسانية نبيلة، آخذا بعين الإعتبار تغير الزمن وموجباته من غير انتقاصٍ من إيمان الفرد وعالمه الروحي. كان الدكتور حنفي يؤكد على تمسكه بجذوره المعرفية، لكنه لم يدعها
تقيِّده، بل تحرره، فالحكمة أو الفلسفة بكل روافدها كما درسها وتمثلها في عقله النيِّر، لا تقبل القيد، ولا تقف عند حدود، لذلك لم يكن مبالياً بشكوى بدنه وتكاثر أحماله، وكثرة المشاغبين من حوله، الذين ضاقوا بمنهجه البحثي. نثر عمره في رياض العلم كما قال ابن شبل البغدادي: ودهر ينثر الأعمار نثراً، كما للورد في الروض انتثارُ. فالأعمار تنقضي لكن دوحة الفكر تبقى مورقة وإن اشتبكت عليها معاول الجهل.
في حزمة الأماني التي واصلت إشراقها في قلب الراحل الكبير، الكثير مما يرهق الباحث المثابر وهو يواسي سنوات عمره وقد أشرفت على نهاياتها، يلتمس جسده المتعب أن يستجيب لما يبرق بخاطره من فكر لا يعرف هدوء العمر، فيقول: " كنت أتمنى أن أعيش أطول ولو أني راضٍ من أني تجاوزت الثمانين، كي أُعطي أكثر مما أعطيت، وأن أقوم بواجبي تجاه حقوق الشعب وواجبات الدولة وأمانة الوطن"، ويضيف في غمرة إحساسه بوجع الحياة حين تذبل، أنه سيمضي غير غاضب من أحد: " أشعر بالسيد المسيح في قلبي، يدفعني إلى التسامح والمحبة"(من كتابه ذكرياتي).
مدارات لا حصر لها شغلت عقل أستاذنا الفيلسوف، كان مهموماً بفكرة العدالة الإجتماعية، ولذلك بحث في تاريخ الإسلام عن تيار كان الأكثر تمثيلاً لها، تيار عارض سطوة الحكام والنخبة المترفة، وفي محاولاته لإذكاء وعي المسلمين بالعدالة، أسس في العام 1982 مجلة اليسار الإسلامي، لكنها قوبلت بالرفض من قبل الأوصياء على التراث، صودرت وبسببها تعرض للمحاكمة.
همّه الأكبر كان تجديد التراث الإسلامي، وتجاوز مفاهيم وتفسيرات لم تعد ملائمة لتطور العقل الإنساني، وقد أثرى المكتبة الإسلامية بكثير من المؤلفات التي تفتح آفاق التفكير، ليتدبر المسلمون ويتفكرون في علوم الأقدمين، وفقاً لحاجاتهم وواقعهم،
وهذا ما بيّنه في كتابه "من النقل إلى العقل"، الذي حثَّ فيه على دراسة العلوم النقلية الخمسة: القرآن والحديث والتفسير والفقه وعلوم التصوف، بأسلوب يجمع بين النقل والعقل. وتمنى أن يأتي جيل بعده يحولها إلى علوم عقلية خالصة. وهذا يعبر عن حرص الدكتور حنفي على تعاقب المراحل لضمان نجاح مشروعه الإصلاحي. ففي علم القرآن ركز على أسباب النزول " فالوحي لم ينزل إلا بناءً على سبب، فالأشياء العامة هي التي سأل عنها الناس..". وتماشياً مع اهتمامه بمصالح الناس ألتي هي مقصد الشريعة، فإنه اشترط في تجديد الخطاب الديني أن يكون حقيقياً، تجديد بالألفاظ والمعاني، والأشياء التي تشير إليها الألفاظ، وتساءل بحق: " لماذا نحشى دراسة العلوم النقلية، ونتركها في أفواه الدعاة والخطباء؟ ونراه يحيل شكواه من تأخر الإصلاح الديني، إلى سيطرة الفكر الأشعري قديماً وحاضراً، على مجمل ما يُصطلح عليه بفقه أهل السنَّة والجماعة، وبخاصة الفقه الذي تتبِّعه مؤسسة الأزهر، وأنحى باللائمة على منظري الفكر الأشعري (نسبة إلى أبي الحسن الأشعري 260-324 هجري ) لتسببهم في القضاء على المعارضة العقلية، فضلاً عن مسايرتهم للحكام. ولأن الدكتور حنفي آمن بقدرة الإنسان وتأثيره في العالم، فقد اعتبر الوعي الشرط الأساس لفهم الحقائق الإجتماعية. وانسجاماً مع هذه القناعة ركَّز على دراسة فلسفة هيجل (الفيلسوف الألماني 1770-8311) الذي وضع أسساً للوعي بالذات والظواهر، واهتم بنسق العلوم. لذلك تمنى في آخر مؤلفاته "ذكرياتي" أن يعيش عاماً أو عامين ليكمل "هيجل والهيجليون الشبان" (اليسار الهيجلي) وأضاف بما يشبه الوداع: " وبالتالي أكون قد أديت مهمتي للفكر والوطن، للجامعة والمجتمع".
وفي تعليله لتميز الغرب عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يشير حنفي إلى أن فلاسفة الغرب درسوا الدين وحولوه إلى فكر، ثم
بحثوا في كيفية ربط هذا الفكر بالإنسان، بوعيه ومطالبه في الحرية، بينما رأى بعضهم ارتباط الفكر بالصراع بين الطبقات في المجتمع. هذا عن الغرب، فماذا عنّأ؟ يقول حنفي: " مشكلتنا إننا نريد الإنتقال من الدين إلى الثورة، من دون تحويل الدين إلى فكر، وهو درجة ضرورية في الأصلاح، ومن ثم نقل الفكر إلى الواقع. ويضيف مسترجعاً محاولات الإصلاح التي تعثرت، فيعزو السبب إلى أن أصحابها أرادوا القفز على المراحل، "وهذا ما حدث للطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، ومعهم دعاة التيار العلمي مثل فرح أنطون واسماعيل مظهر.." وعلى نحو مترابط يذُكر بحال دولنا التي يعتبرها فاشلة لأنها لم تمر بالمراحل التأسيسية الضرورية لبناء الدول. ومن المهم أن نسأل بماذا تتمثل هذه الضرورة؟ في محاضرة ظاهريات الروح، التي أشرت إليها، يجيب الأستاذ حنفي على هذا السؤال ويقدم رؤية شاملة، فالمراحل التي فصّلها، وفقاً لاقتناعه بتقسيمات هيجل، تتلخص في دراسة تكوّن وعي الإنسان بالظواهر، ووعيه لذاته، لعقله وروحه أولاً ثم تعقبها دراسة علم المنطق الذي يتحرى حقيقة الوجود؛ العالم والكون، علاقة الإيمان بالوجود، وأخيراً: دراسة مبادئ فلسفة الحق؛ الدولة والمجتمع والسياسة. وفي جملة تفسر هذا التقسيم، يقول: أنا والعالم والدولة، ولذلك نراه يفسر نجاح دول أوروبا المتقدمة، بتجذر الوعي لدى شعوبها بأهمية الدولة، لا كسلطة قامعة كما يفهمها الناس في معظم دول العرب والمسلمين، وإنما ككيان معنوي يتمثل بمؤسسات تضمن الحقوق وتبين الواجبات وتكفل الإستقرار، وبالتالي يتكون لدى الناس شعور بأهمية بقائها قوية، قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
في حديث الدكتور حنفي نبرة هادئة توحي بثقة القرب من الحقيقة، وحين يتناول شؤون الدين المتعلقة بحياة الناس، يلتمس روح الأديان، لذلك نجده يثني على توجه هيجل لدراسة " روح
المسيحية، ومصيرها في التاريخ .." وكذلك على ما كتبه محمد عبده، منذ أوائل القرن الماضي، تحت عنوان:" الإسلام حركة في التاريخ". فالأديان جاءت من أجل الإنسان عبر العصور، لذلك ليس من حكمة الخالق أن يجعلها وقفاً على جيل معين، ويكتب على الأجيال اللاحقة أن تتَّبع أسلافها. وحين يسترسل لتأكيد معنى التطور في الدين ، يستعيد حنفي الآية القرآنية: " كل يومٍ هو في شأن"، ويقول: يعني أن هناك حركة وشؤون تتغير.
أكثر ما شغل بال فقيدنا الباحث كما أوضحه في مؤلفاته ومحاضراته، هو الوعي بالذات الذي ينتج عقلاً، " ليس العقل المجرد، لكنه العقل الذي يلاحظ، ثم يتحول إلى عقل يتحقق، ويتجاوز الذاتية إلى نوع من الموضوعية، ثم يتطور إلى عقل فردي، وبعده يصل إلى الروح الأخلاقية الحضارية، النفس الجميلة، وأهم خصائصها العطاء والكرم"، وهذا هو بعض من البناء الهيجلي لظاهريات الروح، وهو البناء الذي تحتاج إليه دولنا لتؤمن للناس سكناً مريحاً لا يتداعي بفعل الأفكار الغريبة عن الطبيعة الخيَّرة للإنسانية .
في مجتمعاتنا، يسير الفيلسوف في طرق شائكة ليبني هرم المعرفة، ولشرح ذلك، ينقل لنا الأستاذ حنفي قول الشيخ الرئيس ابن سينا: " إن الفيلسوف قادر على رؤية الحقيقة في ذاتها، ويخاطب الخاصة ويعلم أن الخير والسعي نحو الجنة ليس بالعبادات والمعاملات، ولكن بمعرفة الخير وحقيقته في ذاته". لذلك لا يكون بمستطاع الفيلسوف الوصول إلى العامة من الناس، الذين يحتاجون لمن يوحي لهم بما هو حَسن، وما هو قبيح من الأفعال والصفات. وبالتالي يسهل على الحكام والأوصياء على الدين أن يؤلبوا الكثرة المشغولة بشؤون المعاش، ويشحنوها ضد الفلاسفة الذين لا تهمهم غير الحقيقة. ولعل ما قاله أرسطو في نقده
لمعلمه افلاطون، أفضل توضيح لنهج الفلاسفة: " أفلاطون حبيب إلينا، ولكن الحقيقة أحبُ إلينا منه



#بدور_زكي_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوكرانيا بوابة روسيا
- سيد القمني مأثرة الرحيل إلى جبل التجلي/2
- سيد القمني مأثرة الرحيل إلى جبل التجلي
- رحيل عالِم شجاع
- دموع في ظلال الخوف
- عام على رحيل عامر عبدالله:ثورة تموز العراقية ... والحصاد الذ ...
- إنه العراق وليس المالكي
- عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها
- تسطيح الديمقراطية في خطاب دول الغرب: القلق على مرسي نموذجاً
- صورة الاسلام في الغرب


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدور زكي محمد - مدارات حسن حنفي بين أفلاك الحقيقة