أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدور زكي محمد - سيد القمني مأثرة الرحيل إلى جبل التجلي















المزيد.....

سيد القمني مأثرة الرحيل إلى جبل التجلي


بدور زكي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 7182 - 2022 / 3 / 6 - 02:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سيد القمني
مأثرة الرحيل إلى جبل التجّلي/ الجزء الأول

بدور زكي محمد
كاتبة عراقية

لرحيل العلماء وقعٌ أشدُّ حين يكون نهاية لمسيرة طويلة في دروب الآلام، وحين تنضب الآمال، ويتعالى صوت السفهاء الشامتين بالغياب المحتّم على كل الناس، كلٌ حسب أسبابه. ومع أن الدكتور سيد القمني لم يكن الوحيد في مصر في معاناته، فقد سبقه الراحلون الأجِّلاء فرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، وسابقون آخرون تمسكوا بحرية الفكر كعلي عبد الرازق وطه حسين وعبد المتعال الصعيدي، إلا أنه تفرد في إسلوبه الصدامي ونبرته الصارخة التي عبرت ضيقه ورفضه لكل ما يقيد العقل من قواعد فقهية لعبت دوراً كبيرا في الحجر على حرية الرأي، صوته المُفعم بالغضب كان يهزأ بالخوف، ويقول ما لم يكن يجرأ عليه أحد، وقد كلّفه ذلك النهج الصريح متاعب كثيرة استطاع تجاوزها وواصل الكتابة وفق قناعاته. كان دؤوباً مخلصاً في نقده للفكر الديني، وليس الدين، فالعقيدة المحضة - بما تعنيه من التسليم بوجود الله والتوجه بالصلاة إليه والسعي لمرضاته بالعمل الصالح- لا يتوقف عندها سيد القمني لأنها تتبع المجال الروحي لكل إنسان، ما يستدعي النقد لديه هو الفكر الذي أنتجه الفقهاء والمفسرون والمحدِّثون، والذي تحول إلى قواعد قانونية تتحكم بكل تفاصيل الحياة وتقف على الضد من اي محاولة للإجتهاد والتجديد الذي يتطلبه تغير الأزمان والأماكن.
واكثر ما كان يغيضه من تلك القواعد ما أُطلق عليها: "إنكار معلوم من الدين بالضرورة" التي تعني إذا ما جرى تفعيلها تكفير من ينكر هذا المعلوم. المشكلة إن "المعلوم" المزعوم ليس هناك اتفاق عليه، بالإضافة إلى أنه موضوع اجتهاد لا ينفصل عن التوجهات المذهبية والقناعات الخاصة، وعلى سبيل المثال يمكن أن نتساءل: هل أن من كان مؤمناً بالله، يُصلي ويصوم، وتجري الخيرات على يديه، لكنه لا يعتقد بوجوب الحج، هل يصبح كافراً لأنه أنكر "معلوماً" من الدين؟ وهل أن من يؤمن بأن آيات الأحكام في القرآن مرتبطة بأسباب نزولها، زمنياً ومكانياً، وبالتالي يمكن تغييرها أو تعطيلها متى مازالت أسبابها، هل يعتبر كافراً؟ ولماذا لم يتوقف غالبية الفقهاء عند قرار الخليفة الراشد الثاني عمر ابن الخطاب بمنع العطاء للمؤلفة قلوبهم، الذين نص القرآن على سهمهم في أموال الصدقات (الزكاة) باعتباره فريضة (60 سورة التوبة)؟ وبدلاً من أن يحتجوا بقاعدة: لا مساغ للإجتهاد في مورد النص، أكدّوا في تفسيراتهم على أهمية الأسباب التي أدّت إلى اتخاذ القرار، وكذلك فعلوا في تبرير كثير من الإجتهادات الخاصة بالإرث مع مخالفتها للنصوص، هذا على سبيل المثال فقط، المشكلة تكمن في أنهم يمنعون الإجتهاد بشكل عام، ويقعون في تناقض بين قواعدهم الفقهية التي صنعوها.
رحل سيد القمني وهو مهموم بمعضلة تقييد العقل وسطوة التراث، ففي مقال له عن العلّة والمعلول، ينقل رأياً لأبي حامد الغزالي ورد في كتابه: تهافت الفلاسفة (ص277) "إن الإقتران بين ما يُعتقد في العادة سبباً، وما يُعتقد مُسبباً، فليس ضرورياً عندنا... فليس وجود أحد السببين يقتضي وجود الآخر، مثل: (الإرتواء من الماء والشرب)، (والشفاء وشرب الدواء)، وإن اقترانهما هو لما سبق من تقدير الله سبحانه بخلقهما على التساوق لا يكون ضروريا في نفسه.. فالله قادر على أن يخلق الشبع دون الأكل.. وإدامة الحياة مع حزّ الرقبة .." وفي تعليقه على هذا الرأي يرصد القمني مدى الخلط الذي وقع فيه الغزالي وفلاسفة قدماء، خلطوا بين ثلاثة أمور: بين العلّة والفعل، المفعول والمعلول، الإرادة والحتمية. ويشرح القمني ذلك في موضوعاته "تأملات فلسفية" بقوله: " إن الفعل يحتاج إلى إرادة، أما العلّة والمعلول فتربطهما علاقة حتمية جبرية لا فكاك منها، فلكل صنعة صانع، لكن ذلك لا يطابق مدلول العلّة والمعلول..". ولتوضيح الأمر يقدم القمني مثالاً عن الفرق بين العلّة والمعلول من جهة والفعل والمفعول من جهة أخرى؛ فالماء" لا يملك أن لا يغلي عندما نضعه على النار، بينما لا يفترس الأسد إذا كان شبعاناً، ومثل هذا الخيار لا يقع إلا في عالم حِسِّي يملك فيه الإنسان أو الحيوان أن يفعل أو لا يفعل". قد يتبادر لذهن القارئات والقرّاء إن ما تقدم يعبِّر عن رؤية فلسفية لا صلة لها بحياتنا العملية، لكن المراجعة الدقيقة لكثير من الظواهر الإجتماعية، ولنقل السلوكية، تجد تأصيلها في الفكر الجبري الذي يتحكم بنسبة كبيرة من الناس يعتقدون بأن كل ما يحصل في حياتهم من شرور وأضرار ومصائب إنما هو مقدَّر لا يمكن دفعه، بينما نجد في القرآن آيات كثيرة تؤكد على دور الأرادة الإنسانية في خلق الأفعال، وعليه تتأسس فكرة الحساب في الآخرة، إذ كيف يُحاسب الله الناس وهم مُجبرون على أفعالهم؟ ومن الآيات ما يحذر المسلمين من مسالك معينة، كقوله تعالى: " وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، واحسنوا إن الله يحب المحسنين" (البقرة 195)، صحيح أن الآية تشير إلى عقاب الذين يغلّون أيديهم ولا يحسنون للفقراء والمساكين، لكن "العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب" - كما يقول الفقهاء في قاعدتهم المشهورة- وبهذا ينصرف التحذير إلى كل من يرمي نفسه في مهلكة، وفي الحالين يبدو الإنسان مختاراً لأفعاله وليس مسيّراً. إن الإعتقاد بالجبرية يقود إلى الجهل ويجمِّد العقل، وقد خَبِرنا كثيراً من الناس يحجمون عن أخذ الدواء، ولا يتقيدون بالوقاية من الأوبئة، ولا يأخذون بمتطلبات الحذر من الأماكن الخطِّرة، ذلك لما رسخ في أذهانهم من أن "المكتوب" لا مفر منه. وهنا تبدو أهمية ما لاحظه سيد القمني من خطر الخلط بين العلّة والفعل، فالفعل مقرون بالإرادة، بينما العلّة " موجودة سواء وُجد الكائن الحي أو لم يوجد، فقبل ظهور الكائنات الحيّة لم يوجد صانع ولا مصنوع .. وتضاريس القمر مثلاً ليست نتيجة فعل مُريد، بل نتيجة علل كونية حتمية التلازم.." وفي الرد على هذه الفكرة كما قال الغزالي وكثيرون غيره "أن الله هو العلّة الحقيقية لكل حدث" وأنا لا أجد في هذا الرد ما ينفي حقيقة الترابط الحتمي بين العلّة والمعلول، وسواء كان المنطلق دينياً أو مادياً فإن انعدام هذا الترابط في الكون "يعني توقف قوانين الفيزياء وانهيار الوجود". ومع ان القمني قد دأب على نقد التراث، إلا أنه لا يتفق مع من يدعون إلى نبذه ، وكان يخصُّ من التراث ما أضافه المحدِّثون والمفسرون وكتّاب السير وفقهاء المذاهب إلى القرآن الكريم، وكما قال في كلمة له على شبكة المعلومات فقد اكتسبت تلك الإضافات قداسة، وصار كل مذهب يستند إليها لتأييد وجهة نظره في الدين والحياة والسياسة. وهو كما يعارض الداعين إلى محو التراث أو إلغائه، فإنه أيضا لا يجد فائدة من تهذيبه أو تنظيفه، ويعتبر كل ذلك غير محمود في العلم، بل هو ضد منهج العلم نفسه. ويرى أن قراءة التراث دون حذف أو تزيين سيجعلنا نفهم كيف عاش أسلافنا، كيف كانت لغتهم، وقوانينهم، قيمهم واقتصادهم، ماذا كان نوع الفساد في زمانهم، ونوع الخير.. الخ، وهذا برأيه لا يتعارض مع المطالبة بسحب القدسية عن التراث باعتباره منتج بشري.
تميز القمني بحفرياته المعمقة بوديان التاريخ، بحثاً عن حقائق غابت عن كثير من الباحثين، أو تصويباً لمعلومات ثبتت بكتب التراث، ففي مقدمته لكتابه القيّم: النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة، يتحدث عن صعوبة مهمته ككاتب لا تغريه سهولة الإستنتاج، يقول : ".. مرات كانت تصل بنا الفروض إلى طرق مغلقة فنعود نضع فرضاً جديداً لنلهث وراء ما يدعمه شهوراً لنكتشف مرة أخرى أننا دخلنا في متاهة، فنعود نضع علامات على الطريق المحتمل لكن لنكتشف خللاً جديداً. وفي كل مرة كان رجال التاريخ وراء تلك المشّقة.. وما أكثر تناقضات أهل التاريخ التي تصل أحياناً إلى حد التضارب الكامل إزاء الموضوع الواحد.." ثم يتساءل القمني عن مساحة الصدق في علم التاريخ، وإلى أي مدى" سمح المؤرخ لنفسه بالتدخل في الوقائع وإعادة بنائها تصورياً"، سؤالين طالما أرّقا نخباً من الباحثين، ولو خلت الإجابة عليهما من المحظورات والمحرمات لكانت مجتمعاتنا أحسن حالاً مما نراه اليوم. وينبه الدكتور القمني إلى أن كتابه هذا لا علاقة له بالنبي موسى كما ورد ذكره في القرآن الكريم، وإنما "قصدنا قصر الدراسة على موسى التوراتي... لنرى أين يمكن أن يصل بنا البحث حسب معطيات التوراة وعلوم التاريخ". وما دعاه لهذا التنبيه هو الإختلافات الكبيرة بين القرآن والتوراة في التفاصيل المتعلقة بموسى وما أحاط به من أحداث، ولأن القمني مهموم وعاشق لمصر، فقد اجتهد في تنقية تاريخها من مجموعة الروايات الصهيونية، وقد ذكَّر بادعاء مناحيم بيغن بأن أجداده بنوا الأهرام، بينما لم يكن لليهود وجود في زمن بنائها في عهد الدولة المصرية القديمة التي يعود تاريخها إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام. وقد أثبت في بحثه القيّم والفريد عن النبي موسى، أن اليهود لم يتعرضوا للإضطهاد، ولم يخرجوا من مصر مطرودين وإنما بسماح من الحاكم، بدليل أنهم أخذوا كل ممتلكاتهم من متاع ومواشٍ ، حتى أن نساءهم احتَلن على المصريات واستعرن حليّهن الذهبية والفضية، وهربنَ بها مع قومهم، كما تذكر التوراة. وهنا يلاحظ الدكتور القمني أن المدرسة الكهنوتية المتخصصة في التوراة، لا تقول بالإضطهاد، ويشير إلى نص في التوراة " لا تكره مصرياً لأنك كنت نزيلاً في أرضه". ويضيف: بينما المدرسة الشعبوية الغالبة تؤكد فكرة الإضطهاد. ومعروف أن اليهود ارتبطوا بمصر في مراحل مختلفة، حسب كتبهم المقدسة، وإن لم يجد الآثاريون شيئاً عن خروج بني إسرائيل من مصر، على الرغم من ضخامة الإرث التاريخي المصري، وكون المصريين القدماء قد سجّلوأ، أدق التفاصيل الحياتية، والسؤال المهم الذي يواجهنا: كيف أغفلوا عن تدوين حدث كبير كارتحال مئات الآلاف من الرجال اليهود، حسب ما أشارت له التوراة؟
هنا أنتهي من الجزء الأول من مقالتي، على أن أعود لمتابعة مأثرة الراحل الجليل في اكتشاف الطريق إلى موقع جبل التجلي الأعظم، إلى المكان الذي تجّلى فيه الإله لموسى.



#بدور_زكي_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل عالِم شجاع
- دموع في ظلال الخوف
- عام على رحيل عامر عبدالله:ثورة تموز العراقية ... والحصاد الذ ...
- إنه العراق وليس المالكي
- عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها
- تسطيح الديمقراطية في خطاب دول الغرب: القلق على مرسي نموذجاً
- صورة الاسلام في الغرب


المزيد.....




- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدور زكي محمد - سيد القمني مأثرة الرحيل إلى جبل التجلي