أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سنية الحسيني - العراق…تجربة لو نتعلم منها















المزيد.....

العراق…تجربة لو نتعلم منها


سنية الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 7365 - 2022 / 9 / 8 - 11:46
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


منذ احتلاله عام 2003 والعراق يعاني، ورغم أن معاناته قد سبقت ذلك الاحتلال بثلاثة عقود، بدءاً من الحرب العراقية الإيرانية ومروراً بسنوات حصار غربي خانقة انتهت بالاحتلال الأميركي للعراق، الا أن معاناة العراق الحقيقية بدأت بالفعل مع هذا الاحتلال. شهد العراق خلال سنوات احتلاله أصعب مآسيه، اذ اعتدنا سماع أخبار الصدامات الطائفية والتفجيرات الدموية وسقوط عشرات الضحايا بشكل يومي على مدار سنوات عدة، فاعتبرت الأمم المتحدة أن هذا البلد أكثر بلدان العالم عدداً في نسبة المعاقين والأرامل واليتامى، ناهيك عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل كبير. منذ احتلاله، بدأ يشهد العراق تدخلات خارجية وإقليمية تحكمت بمصيره ومستقبله، فقد جرى وضع دستور البلاد في ظل الاحتلال على أساس نظام المحاصصة، انطلاقا من أنه بلد متعدد الطوائف والعرقيات. ويبدو أن ذلك قد جاء استرشاداً بتجربة وضع الدستور اللبناني الذي يقوم أيضاً على أساس المحاصصة، والذي أنتج حرب أهلية وصدامات طائفية عديدة، وفشل مؤسساتي رسمي لايزال يعاني منه لبنان حتى اليوم. فقضية المواطنة والانتماء للوطن، بغض النظر عن دين أو عرق أو لون، لم تكن الأولوية لدى الاحتلال الأميركي لتجسيدها في دستور العراق الجديد الذي أقر عام 2005، على الرغم من أن الدستور الأميركي والنظام في الولايات المتحدة يقوم على تذويب كل الأعراق والألوان والأديان في بوتقة واحدة على أساس المواطنة الأميركية.

حمل العراق مفارقات خاصة، اذ اعتبر عدواً لكل من الولايات المتحدة وإيران في نفس الوقت، فالعراق كان منافس إيران الأول في المنطقة، وخاض البلدان حرباً ضروساً لم يخرج منها منتصر. في حين لا تخفي الولايات المتحدة عداءها للبلدين، وكانت معنية باستمرار الحرب بينهما خلال ثمانينيات القرن الماضي، لتصفية قدراتهما، خصوصاً لمكانتهما الإقليمية المميزة في ذلك الوقت، فدعمت العراق بالسلاح من جهة، كشفت بعد ذلك فضيحة إيران – كونترا، حيث كانت أميركا تمد إيران أيضاً بأسلحة نوعية في تلك الحرب. واعتبرت الولايات المتحدة العراق بلداً عدواً، ومن ضمن من صنفتهم بـ "دول محور الشر" بالإضافة إلى إيران وكوريا الشمالية، حيث كان العراق يمتلك جيشاً قوياً ومميزاً بين جيوش المنطقة، ويسعى لتطوير قدرات نووية، ويعادي إسرائيل، حليفتها الأولى في هذا العالم. إن ذلك يفسر السبب في التعاون بين الولايات المتحدة وإيران على إضعاف العراق بعد احتلاله عام 2003. فلم يقف معظم شيعة العراق في مواجهة الاحتلال الأميركي وهادنوه، بايعاز من مرجعيتهم الدينية في قم، في ظل ضعف المرجعية العراقية في النجف خلال عهد الاحتلال. ويفسر ذلك السبب وراء لجوء سلطات الاحتلال الأميركية لتدعيم مكانة الشيعة سياسياً في البلاد ورفعهم إلى رأس السلطة على حساب الطوائف الأخرى.

قام الاحتلال الأميركي، ووفق سياسة مكررة، بدعم الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بكثير من الأموال والامتيازات بحجة بناء مؤسسات الدولة وجيشها، فسادت السرقات وعم الفساد، والذي بات مستشرياً اليوم، اذ يحارب المستفيدون اليوم بكل طاقاتهم لاستمرار سيادة النظام القائم. ومن أغرب المفارقات أن جيشاً يقترب عدد أفراده من المليون، مدجج بالسلاح الأميركي، ومدرب من قبل الجيش الأميركي، فشل في صد بضعة ألاف من تنظيم داعش عندما قاموا بغزو العراق والسيطرة على ثلث البلاد. لم يعد العراق بذات الأهمية اليوم للولايات المتحدة، التي لا تهتم حتى لمصيره، التي هي صاحبة المسؤولية الأولى. على الجانب الآخر، تعاملت إيران مع العراق على مستويين، دعمت الشيعة على المستوى السياسي للسيطرة على مقاليد الحكم، وفي ذات الوقت قدمت السلاح والعتاد للملشيات المسلحة في البلاد. فإيران تهتم باستمرار ببسط سيطرتها على العراق، الذي يجب أن يظل ضعيفاً وأسيراً لقراراها، لأن عراقاً قوياً يذكرها ببساطة بعهد صدام حسين. فعلى سبيل المثال تدعم إيران العديد من الجماعات الشيعية المسلحة في العراق، في حين أنها تدعم في لبنان حزب الله فقط، وفي اليمن جماعة الحوثيين فقط، الأمر الذي يفسر قوة وصمود حزب الله والحوثيين في لبنان واليمن، وضعف وتشتت الجماعات المسلحة الشيعية في العراق.

تتفق الولايات المتحدة وإيران على دعم تحالف الإطار التنسيقي الشيعي ليبقى مسيطراً على حكم العراق. ويتكون تحالف الاطار التنسيقي من خمسة أحزاب أو تكتلات شيعية بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، ويعتبر معظم أقطاب تلك التكتلات، وهذا الاطار، الطبقة السياسية الحاكمة للعراق منذ احتلاله. ويقف البلدان اليوم ضد مقتدى الصدر الذي فازت كتلته في الانتخابات التشريعية الأخيرة العام الماضي بأعلى الأصوات، والذي عمل تحالفاً مع أقوى تكتل سنى وشيعي، وباتت كتلته تشكل أغلبية في البرلمان، وبات يسعى لتشكيل حكومة وطنية لا تقوم على أساس المحاصصة، بينما يطالب الاطار التنسيقي بتشكيل حكومة توافقية تنسجم مع المعطيات الدستورية حسب وصفه. وتصدى الاطار التنسيقي للتكتل الصدري في البرلمان، المكلف حسب الأصول الدستورية بتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، حيث استخدم الثلث المعطل لتحقيق النصاب القانوني الذي يسمح بانتخاب الرئيس، الذي سيكلف الكتلة الأكبر في البرلمان لتشكيل الحكومة. تلك المهاترات استمرت على مدار أشهر معطلة الحياة السياسية والبرلمانية في البلاد، كي تحرم الصدر واتباعه من تشكيل الحكومة. وهذه الحالة لا تواجه العراق أول مرة فقد نجحت في انتخابات العام 2010 القائمة العراقية بأكثر مقاعد البرلمان مقارنة بالاحزاب الأخرى، فتوحدت القوى الشيعية المشرذمة بأوامر عليا لمصادرة فوز القائمة العراقية للاحتفاظ بالسلطة ضمن المنظومة القائمة.

وفي الأحداث الأخيرة يعاقب الصدر على تمرده على المنظومة التي وضعت في العراق منذ عقدين، فلم يطالب فقط بحل البرلمان الحالي والدعوة لانتخابات جديدة، إنما دعا جميع الأحزاب والكتل والقيادات التي عملت منذ العام 2003 إلى أن لا تشارك في تلك الانتخابات. منع الصدر من تشكيل الحكومة، وجاءت محاولات إيرانية للتشكيك به، فشكك به كاظم الحائري، وهو مرجع ديني أوصى به والد مقتدى الصدر قبل وفاته، ودعا مقلديه ومريديه بالتحول إلى طاعة المرشد الأعلى على خامئني. والآن من الواضح أن الاطار التنسيقي يستكمل اجراءاته بهدف انتخاب رئيس، واختيار رئيس وزراء جديد، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان. في كل الحالات اذا لم يتم التوافق مع الصدر والوصول إلى حل وسط ستبقى البلاد تحت تهديد الانفلات والصراع الدموي من جديد. فعلى الرغم من أن الصدر ليس مرجعاً دينياً بالمقاييس المتبعة، الا أنه مصدر الهام وتأييد شعبي من قبل العديد من الشيعة وغير الشيعة أيضاً، لأنه سليل عائلة سياسية ودينية مؤثرة، وله القدرة على الحشد والتبعية داخل الشارع العراقي، ويستند على الاستياء الشعبي في البلاد من الفساد والمحسوبية والتدخلات الخارجية في صنع القرار. يدعو الصدر لتحرير العراق من الفساد، وكذلك من السيطرة الخارجية ضمن شعار "لا شرقية (إيران) ولا غربية (أميركا)"، كما يتملك الصدر جناحاً عسكرياً يعد من أقوى الاجنحة العسكرية في العراق.

في الختام علينا أن نتعلم من التجربة العراقية المرة، فرغم أن فلسطين ليست ساحة لانقسامات عرقية أو دينية كلبنان والعراق، الا أنها تخضع للاحتلال وتتعرض أحياناً من بعض القوى للتأثير على صنع القرار فيها. كما أن فلسطين ولبنان يعانيان من وضع داخلي هش، فلسطين في ظل الاحتلال ولبنان في ظل ضعف الدولة والاحتجاجات المستمرة، كما أن فلسطين تعاني من انقسام تماما كما لبنان يعاني من وجود تيارين متصارعين. وكما هو ملاحظ عادة ما تتبنى الولايات المتحدة أحد التيارين، بينما تتبنى إيران التيار الآخر، وعادة ما تسعى هذه الجهات الخارجية لخدمة مصالحها وأهدافها على حساب مصالح بل وأحياناً دماء الشعوب التي تستهدف بلداتها. لقد دفعت شعوبنا أثمان باهظة اعتقادا من أن الجهات الخارجية تقدم مساعداتها من أجل مصلحتها، والحقيقة أننا وحدنا من يقدر هذه المصلحة، دون ضغوط أو مساعدة.



#سنية_الحسيني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرلة التعليم في القدس إلى أين؟
- إسرائيل والغرب ومحاربة الوجود والهوية الفلسطينية
- عن تطورات الصفقة النووية الغربية مع إيران
- ملاحظات على الجولة العسكرية الأخيرة على غزة
- حصار غزة إلى متى؟
- ملاحظات حول زيارة بايدن
- استشراف نتائج زيارة بايدن
- زيارة بايدن إلى المنطقة في ظل تفاقم أزمات الحرب
- تطورات جديدة تشهدها المنطقة
- تسوية مشكلة الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية هل هي ممكنة ...
- الأزمة السياسية الداخلية الإسرائيلية في الميزان
- انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو وحدود التفاهمات الروسية الت ...
- هل ستتغير معادلة الصراع في سوريا؟
- استشهاد شرين وتحديات الواقع
- هل ضاعت فرص التوصل لاتفاق نووي؟
- إسرائيل وحرب جديدة على غزة
- لا مكان للضعفاء في هذا العالم
- ثمن الاحتلال
- هل يأتي تطور العلاقات التركية الإسرائيلية على حساب الفلسطيني ...
- المرتزقة: وجه آخر لقيم الديمقراطية والعدالة الغربية


المزيد.....




- زيلينسكي يصف اتفاق المعادن مع واشنطن بالعادل.. ما رأي الأوكر ...
- طبيب أمريكي عمل بمستشفيات غزة بأكثر من زيارة: الأمر يزداد سو ...
- أسطول الحرية: السفينة المتوجهة إلى غزة تتعرض لقصف بمسيرة وما ...
- إسرائيل تشن غارة على محيط القصر الرئاسي في دمشق في -رسالة لل ...
- إسرائيل تعلن شنها ضربات بمنطقة مجاورة للقصر الرئاسي السوري
- هل يوافق ترامب على ضرب إيران بـ-أم القنابل-؟
- -أسطول الحرية- يؤكد خطورة إصابة إحدى سفنه ويدعو مالطا للتحرك ...
- تقرير: الاستخبارات الهندية تشير إلى ارتباط باكستان بمنظمي هج ...
- حادث مروحية مروع في أستراليا.. والشرطة تفتح تحقيقا عاجلا
- بروفيسور بريطاني: ترامب يرى فرصا أكبر للبزنس مع موسكو لذلك ي ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سنية الحسيني - العراق…تجربة لو نتعلم منها